*دنيس أسعد
( ثقافات )
“أنا مش بطلة” ولا أعرف التضحية ابداً وممكن أن أكون أنانية في كثير من المواقف. أنا بالإضافة لأمور كثيرة ( زوجة ، وفنانة ، وحكواتية ، وباحثة ، وأخت ، وابنة عاشقة ، ومجنونة ….) أم عاديّة لشاب معاق، يعاني من شلل دماغي في أطرافه الأربعة بسبب غلطة الطبيب المولد.
سيصبح أمير في الثلاثين من عمره في اليوم الأول من آب /أغسطس ، أكتب وأمير يغرد مناديا من غرفته:”ماما صباح الخير أنا بحبك” فتتجدد ينابيع الفرح في قلبي جنباً إلى جنب مع حزن يعشِّش في ثنايا الروح تعلمت أن أتعايش معه، تماما كما يتعايش أهل غزة/ دمشق/ بغداد/ الموصل… مع الحزن على موت أطفالهم اليومي.
لا أستطيع إلا أن أقارن بكل تواضع، وضعي مع وضع أهل غزة في هذه الأيام العصيبة، خاصة الذين يكتبون عن الحرب برومانسية فائقة وببطولة لا توصف دون ذكر صعوبات الحياة اليومية في ظل حرب همجية وموت يومي وتعطيل تام للحياة العادية ، ولا أقلل من هذه البطولة أبدا ،أنا ايضاً؛ عندما أكتب عن أمير ابني البكر أكتب عن أكثر المواقف فرحا حبّا وسعادة معه ، وربما يظننني البعض بأنني غير واقعية أو “أعيش حالة تجاهل لوضع أمير الحقيقي، وأنني أحمل بقلبي الكثير من الغضب، لأن الله لم يرزقني بطفل موهوب موسيقيا كبناتها”، كما اتهمتني إحدى النساء عندما اختلفت معها حول موضوع مهني في رسالة عتب دافئة على حد قولها.
لا أنكر ابداً، أن الكثير من الغضب كان من نصيبي؛ لأن الحياة مع شاب معاق يستعمل كرسي عجلات وعنده صعوبات في الكلام ومشكلة في النظر، ممكن أن تكون صعبة جداً أحيانا، وغير محتملة أحياناً أخرى خاصة عندما أقف عاجزة عن مساعدة أمير عندما يمرض أو يحزن.
لكن التعب أو لنقل الوجع الأكبر ليس بسبب اعتنائي اليومي بأمير، إنما بسبب تعامل الكثيرين في مجتمعنا مع امير وإعاقته.البعض قال لأهلي بعد ولادة أمير مباشرة : “ألم يكن من الأفضل لهم لو أنه مات ساعة الولادة، عوضا عن أن يعيش مع إعاقته الصعبة، البعض الآخر قال لي ولشريك حياتي مباشرة :”الأفضل لكما أن تضعا أمير في مؤسسة داخلية وتستمرا في حياتكما !”.
ومنذ ولادة ابنتي نيسان بعد أمير بسنة و10 شهور، وأنا أسمع من جيران وحتى أقارب جملة لئيمة جدا وهي:”كيف ستتزوج نيسان ولها أخ مثل أمير؟، ممكن من الأفضل لكم جميعا أن يوضع في مؤسسة داخلية”.
ناهيك عن التجاهل التام- في أغلب الأحيان لي ولأمير- وكأننا نلبس طاقية الإخفاء، قبل اسبوع –مثلا-كنت مع أمير ابني في محطة القطار، شاهدت بطرف عيني ممثلا معروفا ويدعي الإنسانية، ورأيت كيف يمر إلى جوارنا وكأننا غير موجودين، متفاديا النظر ناحيتنا حتى لا يلقي السلام، وهناك آخرون يتعاملون بشفقة متعالية، ويبادر أحدهم عند رؤية أمير: ” يا حرام!”، هكذا يضعنا في خانة المساكين، ونحن لسنا كذلك، لا أنا ولا أمير ولا شريك حياتي ولا إخوة أمير؛ نحن عائلة عادية نواجه مشاكل يومية عادية مثل أغلب العائلات وكل ما يميزنا وجود أمير بيننا؛ امير بحكمته اللامتناهية يخفف عنا جميعا عبء الحياة ويمنحننا حضنا منه وابتسامة، حكمة الاستمرار بالعيش رغم كل الصعوبات والكآبة والوجع.
كل عام وأميري الجميل بخير حب وفرح وبلوغه الثلاثين من عمره ،هي حقاً مناسبة تستحق الاحتفال رغم كل الوجع الشخصي والعام.
_____
*2014