النفوذ ثم الاستعمار


حسين درويش

بعد مئة عام على اتفاقية سايكس بيكو 1916، بدأت تظهر في الأفق ملامح سايكس بيكو جديدة حسب الأعراق والأديان والمذاهب، تلك الملامح تسقط الكثير من الأوهام حول العيش الآمن والتعايش المتناغم في أكثر مناطق العالم سخونة. وكأن جيران الأمس لم يعد باستطاعتهم التجاور.. وكأن مئات الأعوام التي مرت على وئامهم أصبحت نسياً منسياً.

في المدرسة كانت كتب التاريخ تطيل الحديث عن اتفاقية بين الدبلوماسي الفرنسي فرانسوا جورج بيكو والبريطاني مارك سايكس، وكانت تفاهماً سرياً بين فرنسا والمملكة المتحدة بمصادقة من الإمبراطورية الروسية، على اقتسام الهلال الخصيب بين فرنسا وبريطانيا لتحديد مناطق النفوذ في غرب آسيا بعد تهاوي الإمبراطورية العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
لحسابات بين فرنسا وبريطانيا تم تقسيم المنطقة، غير أن روسيا القيصرية كشفت وثائق الاتفاقية وسربتها للشريف حسين بن علي (شريف مكة). فجرت الكثير من المراسلات بينه وبين هنري مكماهون، حامل لقب سير والممثل الأعلى لبريطانيا في مصر. ومن ثم كرت سبحة التاريخ وبدأ الاستعمار الحديث وظهرت إسرائيل قبل أن تأخذ المنطقة شكلها النهائي وصراعاتها الطويلة وديكتاتورياتها الأشرس التي قادتها إلى نقطة الصفر.
الحرب في سوريا أعادت فكرة التقسيم الجديد إلى الواجهة، والظهور القومي ـ العسكري الكردي شمال سوريا – أيقظ تركيا مثلما أيقظ ملايين الأكراد في المنطقة والعالم للحصول على حصتهم من الكعكة، الكعكة التي يقضم داعش أطرافها ويسبي حرائرها أصبحت ناضجة للتوزيع على الجائعين! وما أكثرهم جوعاً وتوحشاً وهم يمزقون بلداً جميلاً كما يفعلون في سوريا.
كلنا نخشى هذا السيناريو المخيف، لكن المقدمات تشي بالنتائج، ترى هل من نتيجة أقسى من مشاهد الخرائط التي تتوزعها الفضائيات وهي تلون مناطق النفوذ؟
وعلى ذكر النفوذ، فهي الكلمة التي تسبق الاستعمار.
البيان

شاهد أيضاً

الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر

(ثقافات)  الكاتب والكِتابة وأثر فيرتر مصطفى الحمداوي يقول أومبرتو إيكو بإصرار لافت للانتباه: “لطالما افترضتُ …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *