وادي الحيتان.. يقع داخل محمية وادي الريان في محافظة الفيوم، نحو 150 كم جنوب غرب القاهرة. وفي العام 2005 تمّ تصنيف وادي الحيتان ضمن مواقع التراث العالمي لليونسكو، لا سيما وأن الموقع يكشف عن أدلة وأسرار تطوّر الحيتان.
وتُعدّ الحفريات التي عُثر عليها في الموقع من أقدم الهياكل العظمية للحيتان في العالم، وتمتاز المنطقة بوجود حفريات حيتان كاملة كانت تعجّ بها المنطقة قبل 40 مليون سنة، بالإضافة إلى وجود أحافير لحيوانات أخرى مثل أسماك القرش والتماسيح والسلاحف.
ويُعدّ وادي الحيتان موطناً لـ 15 نوعاً من النباتات الصحراوية والكثبان الرملية، وأيضاً 15 نوعاً من الثدييات البرية، مثل: ابن آوى، الثعلب الأحمر، النمس المصري، القط البري الأفريقي، غزال دوركاس وثعالب الفنك، كما يُعدّ الوادي موطناً لـ 19 نوعاً من الزواحف، و36 نوعاً من الطيور.
وتمتاز جيولوجيا وادي الحيتان بعوامل الرياح والتعرية المائية المنتجة المنحدرات الخلابة والتلال، كما أن الصخور الموجودة في وادي الحيتان ترجع إلى العصور الوسطى، وتشمل ثلاث وحدات من الصخور الرئيسية، مثل الصخور الطينية البحرية المفتوحة، والتي تُعتبر موجودة إلى حد كبير على أرض الواقع، وتحتوي على أكثر من حفريات الحيتان، كما توجد صخور الحجر الرملي، وهي تتشكّل من المنحدرات والتلال، بالإضافة إلى صخور الأحجار الرملية التي يغلفها طبقة بيضاء وطبقة من أحجار الطين الأسود.
ويُعدّ موقع وادي الحيتان من المناطق القليلة في العالم التي تتحدث عن التطوّر في الطبيعة، وسط المناظر الطبيعية والرياح والهياكل المنحوتة من الرمال والصخور، فضلاً عن العظام المتناثرة التي تنتمي إلى حيتان وحفريات انقرضت من ملايين السنين، وتمتاز الاكتشافات الحفرية بأنها تتشابه في الأسنان، وهو ما يؤدي إلى الاعتقاد بأن الحيتان التي كانت تعيش في هذه المنطقة، كانت من فصيلة الثدييات ذوات الحوافر آكلة اللحوم التي تشبه إلى حد كبير الذئاب، كما توثّق المنطقة ملايين السنين من الحياة البحرية الساحلية في العصور القديمة.
وتُعتبر المنطقة شاهداً على عصر الإيوسين عندما كانت مغطاة بمياه البحر المتوسط، ويوجد هياكل حيتان يصل عددها إلى 406 هياكل، منها 205 هياكل متنوّعة لكائنات بحرية مختلفة. وقد أُجريت دراسات جيولوجية في المنطقة منذ عام 1800، وعُثر على هياكل عظمية في عام 1830، ولكن لم يتم تجميعها نظراً لصعوبة الوصول إلى الموقع في ذلك الوقت، لعدم وجود آلات ومعدات تستطيع اختراق الصحراء والصخور.
وفي عام 1903 تمّ اكتشاف الحفرية الأولى من الحيتان على أيدي العالم “بيد تل”، خلال رحلة المسح الجيولوجي لمصر. وعلى مدى العقود الماضية حظى موقع وادي الحيتان باهتمام عالمي لاكتشاف المزيد من الحفريات القديمة، حيث تمّ الكشف عن العديد من بقايا شكل الجسم الانسيابي النموذجي للحيتان القديمة، وبلغ أكبر هيكل عظمي وُجد إلى 21 متراً طولاً، ومن أكثر أنواع الحيتان شيوعاً “باسيلوسورس ودوريودون”، وهما من الحيتان الصغيرة التي يتراوح طولها ما بين 3 إلى 5 أمتار. كما تمّ اكتشاف عظام الفيل البدائي، وحفريات التماسيح والسلاحف البحرية، وعظام ثعابين البحر، فضلاً عن وجود العديد من أنواع الأسماك العظمية، وأسماك القرش، والأصداف الحفرية.
وخلال الفترة من (1985 – 1993) استطاع باحثون من جامعة “ميشيغان” الأميركية، اكتشاف مئات من الحفريات، والعديد من الهياكل العظمية للحيوانات الكبيرة والصغيرة. كما تمّ وضع خطة بحث وتوقيع مذكرة تفاهم بين المركز الجيولوجي والتعدين المصري وجهاز شؤون البيئة المصري وجامعة ميشيغان، للتنقيب المشترك وجمع العينات.
وخلال وقت قريب كان وادي الحيتان منطقة مهجورة، وكانت السياحة المحلية والأجنبية تركّزان فقط على بحيرة قارون في الفيوم لمعالجة الاكتئاب ورؤية مشاهد طبيعية فريدة من نوعها، ولكن مع توالي اكتشافات الحياة البرية والتربة الخصبة المحيطة، باتت المنطقة عاملاً لجذب السياح المحليين والأجانب، لا سيما وأنها كانت نقطة ارتكاز رئيسية تُستخدم لقرون عديدة على موقع وادي النيل وواحات الصحراء الغربية.
ومنذ عام 1997 أصبح وادي الريان ووادي الحيتان منطقتي نزهة شعبية. وفي عام 1998 بدأت الحكومتان المصرية والإيطالية مشروعاً مشتركاً لحفظ وتنمية محمية وادي الريان من خلالها لتوفر الوكالات البيئية، ووضع المبادئ التوجيهية والاستراتيجيات الأساسية للإدارة المستدامة للمناطق المحمية.\
وفي عام 2003 تمّ تجهيز الموقع جيداً مع مسرح ومتحف أحفوري يعمل بأنظمة الصوت والضوء على ساحل البحيرة الغربية، بالإضافة إلى توزيع كتيبات بعدة لغات وإنتاج أشرطة فيديو لسرد وشرح تاريخ المنطقة للزائرين، نظراً لأن الموقع يمثّل سجلاً مميّزاً لحياة الإيوسين المتأخرة والتطوّر الجيولوجي، كما أن وادي الحيتان يُعدّ المكان الوحيد في العالم الذي يمكن من خلاله رؤية الهياكل العظمية بأكملها للحيتان القديمة في محيطهم الأصلي الجيولوجي والجغرافي قبل نحو 40 مليون سنة، ولا يوجد أيّ مكان آخر في العالم يمتاز بحفريات الحيتان القديمة من هذه النوعية.
وكالة الصحافة العربية