*عبد الرحيم التوراني
خاص- ( ثقافات )
في ذلك الصباح الخريفي نهض من نومه مضطربا.
تذكر والدته أنه وقف في وسط بهو الدار، رأته يتمطط ويتمتم بكلمات مبهمة، لما اقتربت منه سألته:
– ما بك يا ولدي؟
نظر إليها بعينين غائرتين، ثم رد عليها:
– أنا أشك في صوفيا لورين..
– صوفيا؟
– نعم.. صوفيا لورين يا أمي.. لم تكن أبدا جميلة. هذه أكبر كذبة في التاريخ..
ثم استرسل في ضحكة جنونية.
نادت الأم على ابنتها الأصغر منه:
– تعالي يا ابنتي يسرا.. أسعفيني.. أخوك مسه جن.
وبصوت أعلى صرخ الشاب وهو يشد بخناق والدته:
– ولا يسرا كانت يوما جميلة، هذه أيضا أكذوبة كبيرة.. أنا أجمل منها ..ولبنى هي الأجمل..
هرعت يسرا وخلصت والدتها المريضة من بين يدي المجنون:
– هل جننت.. ماذا أصابك..أيها المسخوط..؟
ترك الشاب والدته وارتمى كالنمر على أخته. كاد يخنقها، لولا عصا المكنسة التي هوت على رأسه وأعادته إلى رشده.
لما رأى الدم الأحمر ينزف من رأسه على وجهه. تساءل عمن ضربه.
ردت والدته باكية:
– صوقيا..
سأل حائرا:
– من صوفيا؟
أجابت أخته مخفية ضحكتها:
– لورين.. صوفيا لورين..
التفت إلى أخته:
– ومن أنت؟
– أنا يسرا.. أختك يسرا.. أفق يا أخي.. ماذا جرى لمخك…؟؟؟
رفع رأسه إلى السقف، كأنه يتابع أحداث فيلم سنيمائي لا يراه غيره. مرت لحظات قبل أن يلتفت لولدته وأخته الصغيرة:
– ألم أقل لكما إنها ليست جميلة على الإطلاق؟
– عمن تتكلم يا ولدي..
– عن تلك الخايبة..
اقتربت منه يسرا وبصوت حنون سألته:
– من تكون هذه الخايبة يا أخي..
– صوفيا..
كمن تكلم نفسها تمتمت الوالدة:
– ما صدقنا أنك قبل لحظة عدت إلى وعيك..
تدخلت الأخت:
– وما لنا نحن إن كانت جميلة أو دميمة..
جحظت عينا المجنون، رفرفتا. ارتعد جسمه. وسأل:
– من أين يأتي الدم؟
طلب أن يأخذوه إلى مستشفى المستعجلات.
– هذا عين الصواب. فالت الأم.
في المستشفى سدوا جرح الرأس وغطوه بضمادات. وعادوا به إلى الدار. ظل صامتا. رفض أن يأكل. نام طويلا.
– خليه يرتاح شوية.. النوم أفضل له ولنا. قالت الأخت.
لكنها كانت نومة طويلة. لم يستيقظ بعدها الشاب الوسيم الذي كان.
لدى البوليس نفت الأم والأخت اتهامهما بالقتل.
– لكن من هوى على رأس القتيل بعصا المكنسة؟ سأل المحقق البدين. ثم تابع:
– طرف المكنسة وجدنا عليه أثرا من دم القتيل..
التفت البنت مستغربة، ونظرت إلى والدتها.
– عن أي مكنسة تتكلم يا سيدي.
بصوت أجش رد المحقق:
– المكنسة التي قامت احداكما أو كلتيكما بإتلافها قبل وصول البوليس..
حركت الأم رأسها كالبلهاء:
– إننا لم نفهم شيئا مما تقول يا سيدي..
ابتسم المحقق ابتسامة خبيثة قبل أن يطلب من المرأتين أن تتبعاه إلى قاعة صغيرة. أطفأ الرجل النور وشغل آلة بث صور على جدار أبيض. تتالت الصور. ورأت الأم وابنتها وقائع الحادث كاملة. ثم شاهدتا يدا تحمل مكنسة وتهوي بها على رأس الشاب. ثم سمعتا اصطفاق الباب الخارجي.
توقف البث، وعاد الضوء.
قالت البنت معترفة، إنها خرجت مقتفية أثر الضارب بالمكنسة فلم تر شيئا.
وقالت الوالدة إنها لا تستبعد أن تكون الجنية التي تسكن ابنها، وتعاشره معاشرة الأزواج من عامين تقريبا، هي من قتلته بالمكنسة. كان يموت في حب الممثلة الإيطالية صوفيا لوين ويملأ بصورها جدران غرفته، بل إنه كان يحلم بالهجرة إلى ميلانو في إيطاليا. وفي الأيام الأخيرة حول حبه إلى ممثلة فرنسية. ثم فوجئنا به يلهج بحب أخرى يسميها لبنى..
تابعت الأم منتحبة:
– لا نشك أن الجنية صوفيا، أو الجنية الفرنسية هي من قتلت ابني بسبب الغيرة..
في غرفة القتيل وجد البوليس مجلات سينما، وكاميرات صغيرة، و”سيديهات” أقلام سنيمائية، من بينها “سي دي” الفيلم الممنوع “الزين اللي فيك”، من بطولة المغربية لبنى… أبيضار. ورسائل غير مكتملة بخط الضحية إلى مجهولة. يعبر في إحداها، بخط مضطرب عن عشقه وهيامه بحبها. يسألها في رسالة أخرى عن طريقة للتخلص من الجنيتين صوفيا وإيزابيل، ثم يبوح لها برغبته الجامحة” أود أن أرتبط بامرأة آدمية من لحم ودم”. وفي الأسطر الأخيرة يتحول ضمير المخاطبة إلى المخاطب.”.
قرر البوليس حفظ ملف القضية وإخلاء سبيل الأم وابنتها.
– لا تبتعدا، سنطلبكما إذا احتجنا إليكما. نطق البدين..
عادت المكلومتان إلى البيت لتلقي التعازي. كان من بين المعزين شخص يعرفه أولاد الدرب بانطوائيته. كان على صلة وثيقة بالضحية. بكاه بحرقة، ولم يعد يغادر بيت العزاء.
تكلم بعض النمامين عن علاقة تربط صديق الضحية بيسرا أخت القتيل وبكونهما يعيشان قصة حب عنيف.
بعد أشهر اختفى صديق الضحية. قيل إنه هرب مع أخرى. وقيل إن اسمها صوفيا. وقيل أيضا إنه هاجر إلى إيطاليا. وهناك من يحلف أنه رآه على قناة “يورونيوز” ضمن مطاهرة صاخبة للمثليين في ميلانو.