الشعر .. هل يكون خلاصنا الوحيد في هذا العالم؟


فرات أسبر
عندما نكتب الشعر، ننجو من صحراء الموت، ومتاعب الحياة التي لا تنتهي، قد يكون الشعر سجل أرواحنا النقية الصافية.

فأمام هول ما يحدث في هذا العالم من خراب وموت وقتل ودمار كلها تشهد على وحشية الإنسان وعدميته. ولكن بالرغم من هذا، لا بد من عزاء لنا في هذا العالم الموحش، لا بد من كتابة الشعر، في زمن جفت فيه أرواح البشر وتجمدت فيه عيونهم على شاشات الدماء والفتن.

لا أجيد فلسفة الشعر ولا نقد الشعر، لكن العالم بكل ما فيه من لغة شاعرية تكشف نفسها بنفسها وترسم ملامح تكوينها اللغوي في صياغة مشاعرنا وإدراكنا لهذا العالم المتغير. ومن هنا نشعر بأهمية الكلمة وقوتها الحقيقية في تشكيل ذائقتنا الشعرية.

وقد تكون تجربة عمار الجنيدي في ديوانه الجديد “تلالي تضيق بعوسجها” والعنوان بدلالته الغنية تؤكد بأن هناك علاقة ما بين ضيق الروح وضيق الحياة التي نعيشها وكأني أرى التلال هي ذاك القلب الواعي على هذا العالم المحيط بنا بكل ما في من قلق ودمار.

فهل لنا أن نعتبر أن دلالة هذ العنوان هي تعبير عما يشعر به الشاعر وما يحيط به في هذا العالم من تحولات سواء على الصعيد العام أو الخاص؟
في ديوان “تلالي تضيق بعوسجها” إشارة إلى حالة الشاعر سواء كما ذكرت على العام أو الخاص وفي تماهٍ شعري، أراه يرى الحزن والهموم التي تضيق بصدره ما هي إلا عوسج ينمو في القلب وكأنه الأرض التي تمتد جغرافياً على مساحة الأرض ومساحة الروح وقد يكون العوسج ورداَ أو حزناً في القلب.

ولا بد لنا أن نرى دلالة العنوان في معناه اللغوي والنفسي وربما يمكننا القياس عليه، فالعوسج هو شجرٌ ينمو في المناطق الجافة والحارة، فهل نقابله بالشعر كمعنى روحي ونفسي إذ يحمينا من جفاف الروح والحياة. ومن هنا أرى أن هناك دلالا ت عميقة في اختيار العنوان الخاص إذ هو المدخل إلى بوابة القصائد التي تميزت بتنوعها اللغوي والعاطفي وحتى موضوعاتها التي لامست إسقاطات عامة نعيشها اليوم.

إذ يقول الشاعر:

قراصنة الرعب جاءوا

قبيل انسراب الشمس

خلف الأفق الرحيب

كسروا أبواب تفرّدي

ووحدتي،

بعثروا كل كتبي

وبساطيرهم

نفضت غبار الصمت

عن نوافذ خوفي،

بينما أعقاب بنادقهم

تحفر في أضلعي.

أليست هذه الصور الشعرية تمثل صورة الواقع العربي الذي نعيشه من موت وخراب؟

إننا نرى القراصنة في كل مكان على أرض الوطن كما يراها الشاعر ويصورها.

ومن قراصنة العالم، الذين يخربون حياتنا العامة والخاصة، كان لا بد للمكان والتاريخ أن يحضر سواء في فرح أو مراثٍ. يقول الشاعر في مرثيته:

لا حزن بعدك

يا عجلون

لا مواويل تحرث حقول الشك بذاكرتي

وكل الأسئلة بعدك صارت

بلا معنى

وصارت الحياة صحراء تملق

وزيف

وبهرجة..

حتى الشعر

لم يعد يغريني.. يا أقحوانة عمري

أنني بدونك

سيف

بلا مقبض

نسر بلا أجنحة

جرس

لا يدقّ

في زمن الصمت العربي

في زمن الانحناء؛

تهزم البطولة

وتجلد مفردات الحبّ،

وتصير أيام العرب

كلّها:

داحس

والغبراء

في شعر عمار الجنيدي الكثير من الصور الواقعية. نرى اكتمال النص معنىً ولغةً. نرى فيه الخوف على البلاد والحياة، ولكن الدهشة الشعرية تأتي في نصه الرائع:

الشمس في بلادي

تطلع من كل جهات الأرض

إلا من جهة الحرية.

وأعتقد أنه بعد هذه الصورة الشعرية لا يمكن إضافة أيه كلمة.

ميدل ايست أونلاين

شاهد أيضاً

العتبات والفكر الهندسي في رواية “المهندس” للأردني سامر المجالي

(ثقافات) العتبات والفكر الهندسي في رواية «المهندس» للأردني سامر المجالي موسى أبو رياش   المتعة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *