أمين لونيسي
احتقان في الشارع و«كارت أحمر» من طرف السلطات الجزائرية لقنوات تلفزيونية خاصة، هي حصيلة تجربة فتية عقب فتح مجال السمعي البصري أمام القنوات الخاصة التي تمكنت ببرامجها من الغوص في المحظور الاجتماعي والسياسي الذي كان بمثابة «تابوات» لم يكن التلفزيون الحكومي ليجرؤ على النبش فيها طيلة سنوات احتكار الدولة للإعلام الثقيل.
وبدأت قنوات جزائرية خاصة في الخارج مباشرة بعد قرار السلطة فتح مجال السمعي البصري في البث حتى قبل صدور القانون المنظم لهذا المجال في إطار الإصلاحات التي باشرتها تزامناً مع الحراك السياسي الذي شهدته المنطقة العربية عام 2012.
ولأن التجربة فتية، شاب التسابق المحموم على إنتاج برامج عن الحياة السياسية والاجتماعية للجزائريين الغوص في «المحظور» الذي كان يملأ صفحات الجرائد المحلية قبل أن تتخلى السلطة عن احتكار القنوات التلفزيونية والإذاعية لخمسين عاماً، إذ أعطت الضوء الأخضر لرفع الاحتكار.
وعلى غير العادة، خلال شهر رمضان، رفعت السلطة الجزائرية من حدة التهديد والوعيد لقنوات تبث برامج تمس بـ»الذات الرئاسية والحكومية». فخلال 24 ساعة من بداية الأسبوع الماضي أنذرت ست فضائيات جزائرية، فاستدعت سلطة ضبط السمعي البصري مدير قناة الخبر «كا بي سي»، علي جري، وبلغته إنذاراً شفهياً بسبب ما وصفته بـ»التجاوزات المتكررة» في برنامجين ساخرين («ألو وي» و«جرنان القوسطو») لانتقادهما بكثير من التهكم سياسيين وحتى عسكريين لهم ضلوع كبير في هندسة الحكم مثل شقيق الرئيس الجزائري ووزراء ورؤساء أحزاب.
كما لوحت الحكومة الجزائرية باغلاق قنوات التلفزيون التي تستهين بالعنف في برامج رمضانية، خصوصاً بعد بث حلقات «كاميرا خفية» تجسد خطف رهائن من متطرفين مفترضين. وهددت وزارة الاتصال في بيان، باتخاذ «إجراءات قانونية» يمكن أن تصل حد «سحب الترخيص» الممنوح لـ5 قنوات خاصة تخضع لقانون أجنبي.
وذكرت الوزارة بقناة «الشروق» الخاصة التي تبث منذ بداية شهر رمضان، برنامج «الرهائن»، في شكل كاميرا خفية، يجسد عمليات خطف رهائن توحي بما تقوم به تنظيمات إرهابية متطرفة. وقد أثار هذا البرنامج ردود فعل منددة من بعض المعلقين، بعد «خطف» قائد منتخب كرة القدم الجزائري مجيد بوقرة في دبي. ووصل الحد بصحيفة «تربيون» الفرنسية إلى اتهام القناة بالمشاركة في «الاستهانة بالإرهاب» و«تلميع صورة منظمة إجرامية». وكان برنامج «ويك أند» عبر قناة «الجزائرية» أوقف تحت الضغوط قبل أسابيع بعد أن اعتبر «مسيئاً» إلى شخص رئيس الجمهورية.
ويرى مراقبون أن نشاط هيئة السمعي البصري «سياسي بامتياز»، ويقول الإعلامي والباحث السياسي السعيد بن سديرة لـ«الحياة» أن هذه القرارات «غير تقنية بل سياسية وبالتالي غير بريئة».
ويعني إلصاق تهمة «الانتقائية» بهيئة رسمية التغاضي عن إشهار البطاقة الحمراء ببرامج ومسلسلات تلفزيونية تحمل طابعاً اجتماعياً مثلما خلفت سابقاً قناة خاصة حالة من الصدمة وسط المشاهدين بعدما بثت تحقيقاً حول الحياة في الإقامات الجامعية للبنات بعنوان «عندما تتحول طالبات العلم إلى طالبات الهوى». وتضمنت الحلقة بحسب متابعين مشاهد غير لائقة وتخدش الحياء، كمشهد بنات يتعاطين الخمر داخل غرفة جامعية، بينما تطرقت قناة أخرى «الهقار» إلى قضايا زنا المحارم والشذوذ لتدفع تحت طائلة الانتقادات إلى تأجيل بث أجزاء من الحلقات.
ويستهجن المستشار الإعلامي في قناة الوطن الجزائرية إسماعيل دباح إثارة الفضائيات المحلية مثل هذه القضايا بالصورة والصوت في تجاهل واضح لقيم المجتمع الجزائري المحافظ. ويذكّر بغوص إحدى القنوات في مواضيع تعد من التابوات، مخلّفة احتجاجات طالبات أمام مقر القناة بالعاصمة اعتراضاً على محتوى التحقيق المنافي للحقيقة.
ويرفض المستشار الإعلامي تغاضي سلطة الضبط السمعي البصري عن مثل هذه التجاوزات من دون أن تتخذ قرارات تقنية لا تحمل روائح السياسة.
وما يؤكد الانتقائية في التلويح بالإنذارات أن برامج التلفزيون الحكومي مهما كان مضمونها فهي مستثناة، الأمر الذي يعترض عليه عضو لجنة الدفاع في البرلمان الجزائري عن حزب جبهة العدالة والتنمية (إسلامي) حسن عريبي، اذ دعا وزير الاتصال الجزائري حميد قرين إلى تقديم الاعتذار للشعب الجزائري بسبب ما اعتبره تشجيع برامج التلفزيون الرسمي على «الانحلال الخلقي» في شهر رمضان، شهر الصيام والعبادة والبركات. وأشار عريبي لـ«الحياة» إلى مسلسل رمضاني بعنوان «وليد ماما» لمخرج سوري دفعت له خزينة الدولة لكي يصور مشهد طفل «مخنث» يريد الزواج، وهو ما ينسحب أيضاً على برنامج بثته أخيراً قناة خاصة ويحاور خلاله صحافي أطفالاً في حضور عائلاتهم ويطرح عليهم أسئلة لا يمكن حتى أن تطرح على من تجاوز سن البلوغ.
وتنشط في الجزائر حتى الآن 32 قناة خاصة، تبث مضامين إخبارية وفنية وبرامج سياسية واجتماعية جزائرية، لكنها مسجلة لدى وزارة الاتصال الجزائرية كقنوات أجنبية معتمدة للعمل في الجزائر، وتضطر إلى بث برامجها من الخارج.
وتضاف هذه القنوات إلى القنوات الحكومية الخمس التي تتبع التلفزيون الرسمي. ولا تزال تلك القنوات الخاصة تعاني من إشكال قانوني يظهر في كونها محطات أجنبية في نظر القانون في حين أن مضمونها جزائري، وهو ما يجعل كيفية التعامل معها على الصعيد التنظيمي والقانوني أكثر صعوبة.
الحياة