* معروف الرصافي
( ثقافات )
معروف الرصافي
1294 – 1364 هـ / 1877 – 1945 م
معروف بن عبد الغني البغدادي الرصافي.
شاعر العراق في عصره، من أعضاء المجمع العلمي العربي (بدمشق)، أصله من عشيرة الجبارة في كركوك، ويقال إنها علوية النسب.
ولد ببغداد، ونشأ بها في الرصافة، وتلقى دروسه الابتدائية في المدرسة الرشيدية العسكرية، ولم يحرز شهادتها.
وتتلمذ لمحمود شكري الآلوسي في علوم العربية وغيرها، زهاء عشر سنوات، واشتغل بالتعليم، ونظم أروع قصائده، في الاجتماع والثورة على الظلم قبل الدستور العثماني.
ورحل بعد الدستور إلى الأستانة، فعين معلماً للعربية في المدرسة الملكية، وانتخب نائباً عن (المنتفق) في مجلس (المبعوثان) العثماني.
وانتقل بعد الحرب العالمية الأولى إلى دمشق سنة (1918)، ورحل إلى القدس وعين مدرساً للأدب العربي في دار المعلمين بالقدس، وأصدر جريدة الأمل يومية سنة (1923) فعاشت أقل من ثلاثة أشهر، وانتخب في مجلس النواب في بغداد.
وزار مصر سنة (1936)، ثم قامت ثورة رشيد عالي الكيلاني ببغداد فكان من خطبائها وتوفي ببيته في الأعظمية ببغداد.
له كتب منها (ديوان الرصافي -ط) (دفع الهجنة – ط)
(محاضرات في الأدب العربي – ط) وغيرها الكثير.
______
أطلَّ صباح العيد في الشرق يسمع ضجيجاً به الافراح تمضي وترجعُ
صباح به تُبدى المسرة َ شمسها وليس لها إلا التوهم مطلعُ
صباح به يختال بالوشى ذو الغنى ويعوزُ ذا الإعدامِ طمر مرقَّع
صباح به يكسو الغنيُّ وليده ثياباً لها يبكى اليتيمِ المضَّيع
صباح به تغدو الحلائل بالحُلى وترفضُّ من عين الأرامل أدمع
الاليت يوم العيد لا كان انه يجدد للمحزون حزنا فيجزع
يرينا سروراً بين حزن وانما به الحزن جد والسرور تصنُّع
فمن بؤساء الناس في يوم عيده م نحوس بها وجه المسرة اسفع
قد ابيضَّ وجهُ العيد لكنَّ بؤسه م رمى نكتاً سوداً به فهو ابقع
خرجتُ بعيد النحر صبحاً فلاح لي مسارحُ للأضداد فيهنَّ مرتع
خرجت وقرص الشمس قد ذرّ شارقا ترى النور سيالاً به يتدفع
هي الشمس خَوْدٌ قد أطلَّت مصيخة على افق العلى تتطلع
كأن تفاريق الأشعة حولها على الافق مرخاة ً ذوائب اربع
ولما بدت حمراء أيقنت أنها بها خجل مما تراه وتسمع
فرحت وراحت ترسل النور ساطعاً وسرت وسارت في العُلى تترفَّع
بحيث تسير الناس كل لوجهة فهذا على رسلٍ وذلك مسرع
وبعضٌ له أنفٌ أشمٌ من الغنى وبعض له أنف من الفقر أجدع
وفي الحيّ مذمار لمشجي نعيره غدا الطبل في دردابه يتقعقع
فجئت وجوف الطبل يرغو وحوله شباب وولدان عليه تجمعوا
ترى ميعة الاطراب والطبل هادرٌ تفيض وفي أسماعهم تتميع
فقد كانت الافراح تفتح بابها لمن كان حول الطبل والطبل يقرع
وقعت اجيل الطرف فيهم فراعني هناك صبى بينهم مُترعرع
صبى صبيح الوجه أسمر شاحب نحيف المباني أدعج العين أنزع
يزين حجاجيه اتساعُ جبينه وفي عينيه برق الفطانة يلمع
عليه دريسٌ يعصر اليتم ردنه فيقطرُ فقر من حواشيه مُدقِع
يليح بوجهٍ للكآبة فوقهُ غبارٌ به هبت من اليتم زعزع
على كثر قرع الطبل تلقاه واجماً كأن لم يكن للطبل ثمَّة مَقرع
كأن هدير الطبل يقرع سمعه فلم يلف رجعاً للجواب فيرجع
يرد ابتسام الواقفين بحسرة تكاد لها احشاؤه تتقطع
ويرسل من عينيه نظرة مجهش وما هو بالباكي ولا العين تدمع
له رجفة تنتابه وهو واقف على جانب والطقس بالبرد يلسع
يرى حوله الكاسين من حيث لم يجد على البرد من برد به يتلفع
فكان ابتسام القوم كالثلج قارساً لدى حسرات منه كالجمر تلذع
فلما شجاني حاله وافزّني وقفت وكلِّي مجزع وتوجع
ورحت أعاطيه الحنان بنظرة ِ كما راح يرنو العابد المتخشع
وافتح طرفي مشبعاً بتعطف فيرتد طرفي وهو بالحزن مُشبَع
هناك على مهل تقدمت نحوه وقلت بلطف قول من يتضرع
أيابن أخي من أنت ما اسمك ما الذي عراك فلم تفرح فهل انت موجع
فهبَّ أمامي من رقاد وُجومه كما هبَّ مرعوبُ الجنان المهجِّع
وأعرض عني بعد نظرة يائس وراح ولم ينبسْ الى حيث يهرع
فعقَّبتهُ مستطلعاً طلعَ أمره على البعد اقفو الاثر منه واتبع
وبيناه ماشٍ حيث قد رحت خلفهُ أدبُّ دبيب الشيخ طوراً وأسرع
لمحت على بعد إشارة صاحب ينادي أن أرجع وهو بالثوب مُلمع
فاومأت أن ذكرتهُ موعداً لنا وقلت له اذهب وانتظر فسأرجع
وعدت فابصرت الصبي معرجاً ليدخل داراً بابها متضعضع
فلما اتيت الدار بعد دخوله وقمت حيالَ الباب والباب مُرجَع
دنوت إلى باب الدُّوَيرة مطرقاً وأصغيت لا عن ريبة أتسمَّع
فحرْت وعيني ترمق الباب خلْسة وللنفس في كشف الحقيقة مطمَع
سمعت بكاء ذا نشيج مردّد تكاد له صمُّ الصفا تتصدّع
أأرجع ادراجى ولم اكُ عارفاً جلية هذا الامر ام كيف اصنع
فمرّت عجوز في الطريق وخلفها فتاة يغشِّيها إزار وبُرقع
تعرضتها مستوقفاً وسألنها عن الإسم، قالت إنني أنا بوزع
فأدنيتها مني وقلت لها اسمعي حنانيك ما هذا الحنين المرَّجع
فقالت وانت انة ً عن تنهدً وفي الوجه منها للتعجب موضع
أيا ابني ما يعنيك من نوح أيم لها من رزايا الدهر قلب مفجَّع
فقلت لها اني امرؤ لا يهمني سوى من له قلب كقلبي مروّع
واني وان جارت على َّ مواطن ي فؤادي على قطَّانهن مُوَزَّع
أبوزع مني عمرك الله بالذ ي سألت فقد كادت حشاي تمزّع
فقالت أعن هذي التي طال نحبه ا سألت فعندي شرح ما تتوقع
ألا إنها سَلْمى تعيسة ُ معشر من الصيد أقوت دراهم فهي بلقع
وصارعهم بالموت حتى أباده م من الدهر عجَّار شديد مُصَرِّع
فلم يبق الا زوجها وشقيقها خليلٌ واما الآخرون فودّعوا
ولم يلبث المقدور ان غال زوجه ا سعيداً فأودى وهي إذ ذاك مرضع
فربي ابنها سعداً وقام بأمره أخوها إلى أن كاد يقوى ويضلع
فاذهب عنه الخالَ دهرٌ غشمشمٌ بما يوجع الايتام مغرى ً ومولع
جرت تنهٌ منها خاله انطوى بقلب رئيس الشرطة الحقدُ أجمع
فزجَّ به في السجن بعد تجرُّم عليه بجرمٍ ما له فيه مصنع
عزاه الى ايقاعه موقعاً به وما هو يا ابن القوم للجرم موقع
ولكن غدر الحاقدين رمى بها ظغلى السجن فهو اليوم في السجن مودع
فحَقَّ لسلمى أن تنوح فإنها من العيش سما ناقعاً تتجرع
فلا غَرو من أم اليتيم إذا غدت ضحى العيد يبكيها اليتيم المضيَّع
فعُدْتُ وقلبي جازع متوجع وقلت وعيني ثرَّة الدمع تهمع
الاليت يوم العيد لا كان انه يجدد للمحزون حزناً فيجزع
وجئت إلى ميعادنا عند صاحبي وقد ضمه والصحب ناد ومجمع
فأطلعتهم طِلْعَ اليتيم فأفَّفوا وخبَّرتهم حال السجين فرجّعوا
فقلت دعوا التأفيف فالعار لاصق بكم واتركوا الترجيع فالأمر أفظع
ألسنا الألى كانت قديماً بلادُنا بأرجائها نور العدالة يسطع
فما بالنا نستقبل الضيم بالرضا ونعنوا لحكم الجائرين ونخضع
شربنا حميم الذل ملء بطوننا ولا نحن نشْكوهُ ولا نحن نَيجع
فلو أن عير الحيّ يشرب مثلَنا هواناً لامسى قالساً يتهوع
نهوضاً الى العز الصراح بعزمة تخرُّ لمرماها الطُّغاة وتركع
الا فاكتبوا صك النهوض الى العلى فإني على موتي به لموقِّع