شاهد أيضاً
ليتني بعض ما يتمنى المدى
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …
يناير 22, 2013
في سيرة طه حسين صفحات ساخنة كثيرة، منها على سبيل المثال صفحة مجلته «الكاتب المصري» التي لم تعمّر أكثر من ثلاث سنوات بين سنة 1945 وسنة 1948 والتي اتهمه خصومه يومها استناداً اليها، بممالأته لليهود او للصهيونية. على اساس ان الشركة التي كانت تصدر المجلة شركة مصرية يهودية، فهل كانت هذه التهمة في محلها، وهل حملت صفحات المجلة ما يخدم الصهيونية في مشروع بناء دولة اسرائيل الذي كان موضوعاً، كما يقولون على نار حامية؟
اذا لم تحمل «الكاتب العربي» فكراً مسانداً ولو ضمناً للمشروع الصهيوني، فهل حملت فكرا ثقافيا أو وطنياً مؤيدا لحقوق العرب في فلسطين؟ ولماذا قبل طه حسين رئاسة تحريرها في ظرف بالغ الدقة، كانت كل الدلائل والمؤشرات فيه تؤشر إلى صدام واقع حتما بين العرب (ومنهم مصر) وبين الاسرائيليين؟
العقاد يتحدى
تجدر الاشارة بداية الى ان مصر في تلك الفترة كانت نوعاً من محطة لليهود القادمين الى فلسطين بحراً وجواً، كما كانت القاهرة والاسكندرية بالذات تموجان بالوف اليهود المقيمين فيهما، او الذاهبين الى فلسطين او العائدين منها، كما كانت مصر مركزاً لعشرات المنظمات الصهيونية، ولم يكن هذا النشاط اليهودي خافياً على أجهزة الأمن المصرية، ولا على المثقفين المصريين من ذوي الاتجاهات الوطنية والقومية المختلفة مثل عباس محمود العقاد الذي رفض أن يكتب حرفاً واحداً في «الكاتب المصري». وقد تحدى العقاد الجميع يومها أن يثبتوا أن طه حسين كتب كلمة واحدة عن الصهيونية، سواء في «الكاتب المصري» أو سواها!
مريدو طه حسين، وهم كُثر بالطبع، يدافعون عن قبوله عرض «الأخوة هراري» (وهي الأسرة اليهودية التي تولت إصدار المجلة واختارت طه رئاسة تحريرها)، بقولهم إن «العميد» كان ليبرالي النزعة، وأن تكوينه الفكري والثقافي سمح له بقبول عرض «الإخوة هراري»، ذلك أن الليبرالية تحاور كل فكر، والصهيونية بالنسبة لليبرالي عبارة عن فكر، فلماذا لا تحاور، حتى ولو كانت في موقع النزاع مع العرب؟ يضاف إلى ذلك أن الصهيونية في عام 1945 لم تكن قد اقترنت بالعنف والاجرام اللذين عُرفت بهما بعد ذلك. وكان هذا بلا ريب ما سهَّل على طه حسين، العاطل عن العمل يومها، قبول عرض مُغرٍ قدَّمه له آل هراري للتعاون معهم كمستشار ثقافي لشركتهم، وكرئيس تحرير للمجلة الصادرة عن هذه الشركة. كان أجر طه عن عمله هذا 500 جنيه مصري، وهو مبلغ «حرزان» جداً يومها، ويعادل نحو خمسة آلاف دولار أو أكثر، بعملة اليوم!
نشاط عالمي
وزادت في ريبة المثقفين المصريين والعرب يومها معرفتهم بأن صدور «الكاتب المصري» كان جزءاً من نشاط ثقافي يهودي عالمي. ففي باريس صدرت لي هذا العام (1645) مجلة سارتر «الأزمنة الحديثة» القريبة
جداً من اليهود، والتي كانت «الكاتب المصري» قريبة جداً منها، إن لم تكن نسخة عربية منها.
في العدد الأول من المجلة، وهو العدد الذي يفترض أن يعطي المجلة هويتها، كتب طه حسين مقالة تحت عنوان بريطانيا العظمى والشرق الأدنى، ورد فيها: «وجعل المصريون والشرقيون يخاصمون بريطانيا العظمى خصاماً يختلف قوة وضعفاً باختلاف الظروف». هكذا: «المصريون والشرقيون» كأنما أهل مصر ليسوا عرباً وكأنما العرب غير واردين أصلاً إلا كشرقيين… أولم يكونوا تحت نير الاستعمار البريطاني؟ بهذا الاسترسال الذي يبدو عفوياً أراد طه حسين تركيز الإقليمية وإخراج مصر من الدائرة العربية، وهو ما كان يرحب به آل هراري بالطبع.
اعترافات العميد
لا أحد يتهم طه حسين في وطنيته المصرية، أو يرى فيه خادماً للمشروع الصهيوني، وهو صادق عندما ذكر فيما بعد (بعد اضطراره لإقفال المجلة) أنه لم يكن يعرف شيئاً عن علاقة آل هراري بالصهيونية. ولكن يبدو أن هشاشة ثقافته السياسية، وضعف البنية العروبية والإسلامية في ذاته، سهَّلا وقوعه في شرك الشركة اليهودية الصهيونية المقنعة.
ثمة ظروف كثيرة ساهمت في ضلال الطريق الذي سلكه طه حسين منها أن اليهود كانوا جزءاً من المشهد الثقافي الفرنسي الذي عرفه طه حسين طيلة حياته، ونما في ظله وكان في منزله، كما هو معروف من يحرِّضه على سلوك ما سلكه لزوجته الفرنسية سوزان، وهي ابنة شقيق قسيس فرنسي.
ظلت طيلة حياتها فرنسية كاثوليكية غير متعاطفة مع اي قضية عربية او اسلامية، ولكن طه حسين لم يكن بحاجة الى من يسعفه او يحرضه في مواقفه الفكرية، ففي كتابه «مستقبل الثقافة في مصر»، الصادر سنة 1938 قال: «ان العقل المصري منذ عصوره الاولى عقل إن تأثر بشيء فإنما يتأثر البحر الابيض المتوسط»! ومن هذا المنطلق كتب سنة 1938 مقالاً في مجلة «المكشوف» اللبنانية دعا فيه الى نبذ الوحدة العربية والتمسك بالفرعونية، الامر الذي اغضب الكثير من ذوي النزعة العروبية، وكان منهم عبد الرحمن عزام واحمد الشقيري واسعد مفلح داغر الذين اوفدوا احمد الشقيري الى طه حسين لمراجعته بشأن هذا المقال.
في المقابلة اصر طه حسين على ان ما ورد في مقاله هو الحق كل الحق (مذكرات احمد الشقيري ص 48)، وفي مجلة الكاتب المصري نفسها (العدد 56 عام 1946) مقال مركز يتضمن دعوة صريحة الى الفرعونية كمحاولة لابعاد مصر عن عروبتها وعن انضمامها للجامعة العربية!
سوزان تتكلم
في كتابها «معك» الذي اصدرته سوزان زوجة طه حسين بعد رحيله تشير الى ان طه حسين ادلى بحديث الى صحيفة «ليبراسيون» الفرنسية سنة 1945 قال فيه بالحرف الواحد: «ان الحلفاء تركوا في فلسطين قنبلة زمنية موقوقة»، اذن كان واعياً بما يحدث، وما قالته الزوجة ينبئ بكل وضوح ان طه حسين كان يعرف ابعاد اللعبة كلها.
في كتاب حديث صدر في القاهرة عن مجلة «الكاتب المصري» للباحث نبيل فرج دراسة وافية عن المجلة من زاوية
نجوى الزهار *” الصرخة الأولى “عندما غادرت رحم أمي ( غلافي الأول ) ، كان…
لندن - تأتي دراسة فكر وفلسفة مذهب الاعتزال، كجزء لا يتجزأ من كيان الفكر الإسلامي،…
*سليمان الخليليلم يحظ شاعر ما حظي به المتنبي، فقد كتب عنه المحبون له والكارهون، أبو…
(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …