٦ دقائق

(ثقافات)

٦ دقائق

إبراهيم العامري

 

صديقتي العزيزة  الحديقة: ربما لا يسعني في هذا اليوم القائظ ان لا اتذكر وجه الشبه بين ابتسامتك غير الكاملة وبين شجرة ” المجنونة” التي تمتد على طول مساحة السور  لبيتنا، المساحة التي تتلون باللون ذاته الذي اخترته اليوم لنهر اشعة الشمس اللاهبة او الهرب منها.

 لكنني بصدد الحديث معك اليوم عن مفردة المسافة، وتلك الحرب الشعواء -التي لم تبرح مساحة عمري- بيني وبينها ومفردات  الترهل والتجاعيد التي لا اراقبها او تلك الخطوط الرديئة التي تشكل الرحلة  بوصفها مسافة بشكل او باخر، الرحلة بوصفها عمرا، سفر السهم من متكأ القوس إلي عنق الغزالة، زمن الشيخوخة لبرعم طري استحال شجرة شاهقة الظلال،  او بذرة اصبحت حقلا، الرحلة انتصار لحظي لاجنحة الطائر على الهواء والجاذبية تحليق الفكرة في فوضى الواقعي الناشف او ربما اظافرك المعتنى بها بعناية شديدة وبسيطة أو عينيك التي تختفيات حين تضحكين رغم مساحتهما الشاسعة، الرحلة بوصفها خط الزمن.. ما بين بداية الأحداث وصعودها إلى الوصول للذروة من ثم انحدارها إلى ان نصل للنهاية، النهاية التي تعلنك قطعة باردة من لحم ودم وقلب قال كلمته الاخيرة، قطعة ملفوفة بقماش ابيض بخلفية موسيقية  من أصوات النواح والتأسف تاركا كل ما تقدمه لك الحياة خلفك مع انعدام قدرتك على صنع الفرح من جديد.

 الفرح تلك الكوة اعلى الجدار  التي يلهث خلفها البشري ولا يصله نورها  إلا لحظات، لكنه ولقلة معرفته يمارس إضاعتها بدم بارد متذرعا بالانتظار، الانتظار الذي يأكل عمره دون أن يعرف وحين يكون العرفان يغرق في شيخوخة التفاصيل الرتيبة التي تتكدس قلة الحيلة فوقها.

ربما يكون الفرح نوم هادىء، او نزولا في وزن فتاة تحب اقواسها اخف، ربما هو سفر بعيد في نجاحات العمل أو ابتسامة لطفلك  او وصول  شفاه  لقبلة اسرع من كلام، انها بضاضة اللغة وافكار لا تذبح، اكتناز لقصيدة من شطرين ولغة قادرة على ابتلاع بحر كامل برشفة واحدة، كنت اتحدث لنفسي في المرآة كثيرا كي اخفف من حدة طبيعتي النزقة ذات الصوت المرتفع والغضب الروتيني الذي يجعل مني عنيفا حتى مع مقود السيارة انصهرت كثيرا ياصديقتي كي اتمكن من ممارسة الحديث الهادىء بالشوكة والسكين وتركت ذاكرة الادغال وبريتي والنهر وطفقت اخصف علي من لغة اقل وطأة ومن هدوء صغته بتؤدة.

عزيزتي الحديقة ذات الوجه الاندلسي  الذي يذكرني بلون القمح في قريتي وتلك الشموس التي كانت تلفحني في مسيري بين اشجار الليمون وبين تلك الروح التائهة في الايجاد الهرب من الاعتياد هو الانتصار الوحيد الذي يمكننا ممارسته في هذه الحياة الجميلة تارة والبائسة تارات اخرى الهرب ليس للامام ولا للخلف الهرب للاعلى كتحليق متعافي رغم الجدار الجاثم في اقانيم الرحلة رغم مصطلحات العتمة والحرب والعواء المجاني الذي تمارسه ذئاب الورق بحبر رديء..

 ذكرتني بالذئب ساقول لك معلومات تعرفيها عنه غير حاسة الشم القوية ولكونه اصبر الحيوانات على الجوع الذئب صديقتي الحديقة يقيم حدادا على من يحب وينتحر في حالات كثيرة لتعذر قدرته على الحب الجديد وبهذا ينفي قول الصوفية ان القلب سمي قلبا لتقلبه وان الانسان سمي انسانا لانه ينسى، انا اجيد النسيان من باب انانيتي الشديدة اتجاه قلبي قلبي اليحزن من فرط الحب الذي لايقوى على الجوع مثل الذئاب يقتات ابتسامات حتى لو لم تكتمل ويتأمل قلبا ينبض على استحياء صاخب.

 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *