رواية “باب الحيرة” ليحيى القيسي في طبعةٍ ثانية

(ثقافات)

رواية “باب الحيرة” ليحيى القيسي في طبعةٍ ثانية:

احتفاءٌ باذخٌ باللغة ورصدٌ للتقلّبات الرُوحيَّة لأردني في تونس ورحلته من الشكّ إلى الإيِمان

 

صدرت مؤخراً عن منصة “ألف كتاب وكتاب” البريطانية في صيغةٍ رقميّةٍ وورقيّة الطبعة الثانية من رواية “بابُ الحَيْرة” للأديب الأردني يحيى القيسي، وقد كتب الناشر على غلافها الأخير تعريفاً بها يقول فيه:

هذه رواية تُونسيَّة بامتياز، كتبها أديب أردنيٌّ في العام 2006 بعد مغادرته تونس بعشر سنوات، وهي ترصد وقائع مرحلة زمنية خلال منتصف التسعينيات من القرن الماضي سياسياً واجتماعياً، عبر انشغالها بالتقلبات العاصفة التي اجتاحت كيان شخصيتها الرئيسة “قيس حُوران” أثناء متابعته دراسته العليا في تونس، وعثوره على مخطوط قديمٍ في دار الكُتب بالمدينة القديمة، وكيف ساهم هذا المخطوط بما فيه من معارف خطيرة، إضافة إلى الشخصية القلقة، والمُثقلة نفسيَّاً وعرفانياً لقيس إلى وصوله لتخوم مراحل حادّة حاول فيها اكتشاف الطريق إلى الله، والانتهاء من مرحلة الشكّ التي طالت.

كما تنفتح هذه الرواية على فضاءات مبهرة ومكثَّفة في اللغة والتخييل والبحث إضافة إلى استنادها إلى خبراتِ كاتبها ومعايشته للكثير من أحداثها، دون أن تقع في خانة السيرة الروائية، أو الغيرية. إذ تحتفي بالسرد وتقنياته الغنية، وترصد بذكاء ارهاصات التبدلات العاصفة التي ستأتي على تونس في قادم الأيام.

يُذكر أن القيسي قد أصدر من قبل خمس روايات هي: باب الحيرة 2006، أبناء السماء 2010 ثلاث طبعات، الفردوس المحرم 2015، ط2 2020، بعد الحياة بخطوة 2018،  ط2 2024، ،حيوات سحيقة 2020، ط2 2024 إضافة إلى مجموعتين قصصيتين هما الولوج في الزمان الماء 1990، رغبات مشروخة 1996، كما أصدر كتاباً بحثيّاً مُخصَّصاً لمُراجَعة تجربة المُتصوف الشهير ابن عربي، وقد عملَ في الصَّحافة الثقافيَّة والنشر في تُونس والأردن والإمارات، فيما يواصل تجربته حالياً في عالم النشر الرقمي للكتب من بريطانيا عبر إدارة منصة “الف كتاب وكتاب”.

من نصوص الرواية نقرأ:

لا فِكاكَ إذاً ممَّا جَرى لي، ولمْ أعُدْ أعرفُ كيفَ أرجع إلى ما كُنتُ عليهِ من قَبل. لمْ أشأ أن أعرفَ كلَّ ما عَرفتُ، لكنَّ ذلك قد حصلَ وقُضيَ الأمرُ.  لهذا صرتُ أهذي مِراراً، وتنتابني الحُمَّى بين الحينِ والآخر.

جاءتني “هادية الزَّاهِري” إلى شِقَّتي، ورأتْ أوراقي المبعْثَرة على الأرضِ،  وتلكَ القَوارير المتطوِّحَة هُنا وهناك.

 لامَتْنِي على أنَّني أهلكتُ نَفسي بالشَّرابِ، والسَّهرِ، وكَثرةِ القِراءةِ،  وسَألتني عن تلك النُّصوصِ التي كَتبتُها إنْ كانَ أحدٌ رآها أو قرأها من قبل، فطمأنتُها بأنَّ أحداً لم يطَّلع عليها غيرها، وإنَّني أُحبُّ الآن أن تجلسَ قُربي، وتقرأَ شيئاً مِنها بصوتها .

قالتْ وهيَ تُلمْلمُ الأوراقَ المتناثرة، وتدُسُّها في حقيبتها بعنايةٍ بأنَّها ستفعلُ ذلكَ في المرَّةِ القادمة، ودعتني إلى الخُروج من طُقوس عُزلتي وشرنقة كآبتي، والذَّهاب معها في نُزهةٍ إلى ضاحيةِ “سِيدي بوسْعِيدْ” حتَّى نَشْربَ الشَّاي الأخضر بالنعناعِ في مقاهيها المطلَّةِ على البحرِ،  ولم يكنْ لي غيرَ أن أتبعها، لهذا وجدْتَني بعدَ ساعةٍ من الزَّمنِ في تلك الأجواء أجلسُ قُربها، وأرنو  بنَظراتي إلى حيث يَتضبَّبُ أفق الماء، وأستنشقُ هَواءً طازجاً يُنعشُ القلب، وأنا أنفثُ ما في داخلي.  مرَّةً أصرخُ من الحَنقِ، ومرَّةً أضحكُ، وهي تُصغي إليّ،  وقد تملَّكَتْها دَهشةُ حِكاياتي عن أيامي الماضية،  قبل أن أصلَ إلى تُونس،  وأغرقَ في لجُةَّ بَحرِها،  وأتعرَّفَ على شيءٍ من تجلّيَاتِ أهلِها.

وقلتُ لهَا إنَّني إذا جَاءني الوَجْدُ، وهاجتْ بيَ الذِكْرى،  وتَناوَشتني الأحزانُ،  وضاقتْ عليَّ الأرضُ بما رَحُبتْ، أحبُّ أن أصعدَ جَبلاً مَنيفاً، فإذا وصلتُ قِمَّتَهُ،  رغبتُ أن أسمعَ مُوسيقى لآلةِ السِتار، أو قَوَالي نُصْرتْ خان،  أو غِناءِ شَجْريان مع ضربات السَّنْطورِ،  أو المالوفِ الأندلسيِّ المختلط مع شجنِ صَليحة، وربَّما لا تُصدقين أيضاً أنَّني أتمنَّى سماعَ مدائحِ النَّقشبندي، و سورةِ مريمَ بصوتِ عبدِ الباسط، وعندها يا هادية أبدأُ بالنَّشيج الذي يقطع نياط القلب، فالبُكاء الذي يفيضُ بالدُّموعِ، فالنُّواح بصوتٍ عالٍ تسمعهُ الخَلائق، فتبكي معي وعليَّ حتَّى يرقُّ لي الحجرُ والشَجَرُ والطَّيرُ، وحين تنتهي النَّوبةُ أشعرُ بالهدوءِ والسَّكينةِ والتَطهُّرِ،  ويزولُ من صدري الغَمُّ، والهمُّ، وقهرُ الزَّمان.

   

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *