مرقطن”: موسوعة غوستاف دالمان “العمل والعادات في فلسطين” أهم وثيقة عن حياة أهل فلسطين منذ بداية القرن العشرين حتى عام 1948

(ثقافات)

المركز العربي للأبحاث يشهر موسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين”

المؤرخ والآثاري الدكتور “محمد مرقطن”: موسوعة غوستاف دالمان “العمل والعادات في فلسطين” أهم وثيقة عن حياة أهل فلسطين منذ بداية القرن العشرين حتى عام 1948

عمان- صفاء الحطاب

قدم الأستاذ الجامعي المتخصص في لغات وحضارات الشرق القديم الأستاذ الدكتور محمد مرقطن المقيم في ألمانيا والمحاضر في أكاديمية برلين/ براندنبورغ  للعلوم والإنسانيات مداخلة على هامش إشهار المركز العربي للأبحاث ودراسة السياسات  موسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين” المترجمة من الألمانية إلى العربية في المركز الثقافي الملكي مؤخرا عالج فيها مواضيع مختلفة أضاءت على أهمية الترجمة وعلى مؤلف الموسوعة الألماني غوستاف دالمان عالم اللغات السامية واللاهوت، وأحد أهم الشخصيات البارزة في الدراسات الإثنوغرافية والتاريخية واللغوية المتعلقة بفلسطين، وتناول منهجيته العلمية وأهمية موسوعته بالنسبة للعلم ولفلسطين في نهاية القرن التاسع عشر والنصف الأول من القرن العشرين.

ولتسليط الضوء على موسوعة “العمل والعادات والتقاليد في فلسطين” والتعريف بها والتأكيد على أهميتها، أجريت الحوار الآتي مع الأستاذ الدكتور محمد مرقطن أثناء وجوده في عمّان:

*من هو الدكتور محمد مرقطن؟

أنا محمد مرقطن من الخليل في فلسطين، أستاذ جامعي أقيم وأعمل في ألمانيا منذ فترة طويلة، متخصص في لغات وحضارات الشرق القديم. شاركت في كثير من الحفريات والمسوحات، منها في الأردن والبحرين واليمن، وأعمل أستاذا جامعيا في عدة جامعات ألمانية، وحاليا عملي البحثي في أكاديمية برلين/ براندنبورغ للعلوم والإنسانيات.

 

*ما علاقتك بترجمة موسوعة غوستاف دالمان؟

أنا من خارج المترجمين الذين عملوا على الموسوعة، قدمت محاضرة بصفتي مؤرخ وآثاري عن غوستاف دالمان وأهميته كعالم، وعن الموسوعة وأهميتها بالنسبة للعلم ولفلسطين وما هي الدوافع التي أقرها الوصف، وللتأكيد على قيمة ترجمة هذه الموسوعة المهمة.

* يقودنا هذا إلى طرح سؤال ما أهمية مشروع ترجمة هذه الموسوعة بالنسبة للسردية الفلسطينية؟

تأتي أهمية الموسوعة من كونها وثيقة أمينة وصادقة عن حياة الشعب الفلسطيني، تقدم مادة ضخمة من الثقافة الفلسطينية، ومن المهم جدا ونحن نتعامل مع القضية الفلسطينية والتاريخ الفلسطيني أن نستخدم منهجية الذاكرة، وخصوصية هذه الموسوعة أنها تقدم ما نسميه بالذاكرة الحية التي تشكل مئة سنة تقريبا في الذاكرة الثقافية الجمعية الفلسطينية والتي قد تمتد الى الاف السنين. وأهم ما تقدمه الذاكرة الحية هو “الكينونة الفلسطينية” التي نشأت وتبلورت بالدرجة الأولى في القرى والمدن وحتى في مضارب البدو، يعني أينما تجمع الناس وعاشوا واستمروا لآلاف السنين، ويدخل فيها علم الاثار والتاريخ والوثائق المصرية وغيرها.

 ويمكن أن نطلق على الكينونة الفلسطينية “خزان المدركات الثقافية” التي طورها الشعب الفلسطيني عبر التاريخ، ومع أن بعض الباحثين تنبهوا لمسألة التاريخ الشفوي إلا أنهم بدأوا بالتوثيق متأخرين. لكن نجد أن غوستاف دالمان كان له الفضل في هذا الإطار، واستخدم كافة أدوات الذاكرة الحية وبدأ يوثق فيها قبل أكثر من مائة سنة، وكانت أول رحلة له لفلسطين كانت بين 1899 و1901 تجول خلالها بين حلب والقدس والقرى الفلسطينية، ووثق كل ما مر به من عين ماء، دبكة، نباتات، أشجار، وغيره.

 ومن المادة التي جمعها كانت الأغاني الشعبية الفلسطينية التي نشرها في كتاب منفصل أطلق عليه “ديوان الفلسطينيين”، وثق فيه التراث الشعبي وقدم دراسة للغة العربية ولهجاتها المختلفة في فلسطين، ويعتبر هذا الكتاب مادة قيمة للباحثين في الدراسات الاجتماعية ومصدرا مهما لدراسة أدب الشعب الفلسطيني.

* ماذا عن الشعراء والأدباء الفلسطينيين الذين حاولوا أن يصنعوا “كينونة فلسطينية” ولو عبر الخيال والشعر والقصائد، هل تعتبر هذه الموسوعة هي التمثيل الحي لكل ما حاول الشعراء تصويره في ذاكرة الناس الجمعية؟

قد يكون هؤلاء الشعراء قد تأثروا بمسألة الكنعانية، وقدموا ما هو جميل وعبروا عن ارتباطهم بالأرض، لكن الموسوعة قدمت ما هو مختلف، إذ تم جمع مادتها الأساسية من 1899 إلى بداية الحرب العالمية الأولى، ثم قام غوستاف بتفريغ مادته من الصور والوثائق  بين 1928 و 1941 في تسعة أجزاء أضيف لها جزء عاشر عن مدينة القدس، نجد فيها مواضيع مهمة موثقة بدقة كاملة وذكر لكافة تفاصيلها  كالعمليات الزراعية مثل مسألة البذار والحصاد والأدوات المستخدمة فيها، وقدم مادة مهمة منحت أهمية خاصة للموسوعة وثقت لقرى فلسطينية لم تعد موجودة بعد 1948، ووثق للمناسبات والأعياد والشعائر والطقوس في فلسطين، وقد نكاد لا نشهد من تلك الاحتفالات شيئا في الوقت الحاضر، لكننا نجدها بتفاصيلها في موسوعته، كما نجد وصفا لأدوات الحراثة مثل “السكة” و”لوح الدراس” المستخدمة منذ آلاف السنين وقد توقف استخدامها حاليا لأسباب كثيرة، ووصف الطوابين وتفاصيلها ومسمياتها الموجودة في فلسطين منذ القرن السادس قبل الميلاد، أي أنه وثق “الاستمرارية الحضارية” في فلسطين.

*ما هي دوافع غوستاف دالمان لوضع موسوعته برأيك؟

دالمان كان عالم لاهوت، وكان متدينا جدا، ودوما أقول بأنه كان كمن يبحث عن السيد المسيح في شوارع فلسطين، وكان يستمتع بهذه الحياة الفلسطينية لأنه يعتبرها امتداد لحياة المسيح، وقدم القرى الفلسطينية التي تشكل الاستمرارية، ونجد فيها أصولا حثية وأخرى كنعانية وغيرها. أي يمكننا القول إن الشعب الفلسطيني هو خلاصة التجربة البشرية الإنسانية التعددية على أرض فلسطين.

*ما تأثير ترجمة الموسوعة في هذه اللحظة التاريخية الفاصلة؟

قد تكون اللحظة التاريخية مناسبة في الوقت الذي يتسارع ما يجري في فلسطين من مجازر وتهجير، لتقديم هذه الوثيقة التي تثبت استمرارية الشعب الفلسطيني ووجوده وتؤكد هويته الثقافية قبل أن يأتي المحتل ويؤسس مستعمراته.

*ما الكلمة الأخيرة التي توجهها للمهتمين؟ِ

التوازن بين الحاضر الفلسطيني والماضي مشوش، وما تبقى من الخبرة الفلسطينية الشعبية والتراثية مهددة بالانقراض وهنا تكمن أهمية أعمال غوستاف دالمان، التي يمكن وصفها بالتوثيق الدقيق للذاكرة الثقافية الفلسطينية الجمعية، ففيها توثيق لحياة الشعب الفلسطيني في أرضه وفيها الذكريات الجماعية والتي تتجلى وتتجسد في كل ممارسته الحياتية، هذه الموسوعة هي وثيقة صادقة للاستمرارية الحضارية للشعب الفلسطيني على أرضه.

.

 .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *