ما دور الفيلسوف في زمن الوباء ؟

أجرى الحوار – غيوم لامي
ترجمة وتقديم – د. حورية الظل

 

تتحدث الباحثة والمفكرة الفرنسية «كلير كرينيون»، وهي حاصلة على درجة الدكتوراه في الفلسفة من المركز الوطني للبحث العلمي، ومحاضرة في الفلسفة في جامعة السوربون بباريس، في هذا الحوار عن الأزمة التي تسبب فيها وباء كورونا، كما تسلط الضوء على دور الفلاسفة الحيوي والتوعوي والتنويري خلال الأوبئة، وقد استضاءت بآراء كبار الفلاسفة منذ أفلاطون.. وهنا نص الحوار الذي أجراه معها غيوم لامي.

* ما دور الفيلسوف في زمن الأوبئة؟ 
** علينا الانتباه أولاً لما يقوله فلاسفة الطب بالضبط، حول هذا الموضوع، فأفلاطون، مثلاً، رأيه واضح وجلي وبعيد كل البعد عن الغموض، لأنه امتدح الطبيب، كما أنه أصر أيضاً على تقارب الطب والفن. هذا، وفي الوقت نفسه يراهما ضروريين للإنسان، لكنه يشير أولاً إلى حقيقة أنه على عكس الحيوانات التي تتمتع بالمخالب والأصداف والقرون للدفاع عن نفسها، فقد ولدنا معدمين وضعفاء، ونحتاج إلى اللجوء إلى الفنون والتقنيات، من أجل البقاء على قيد الحياة (راجع أسطورة بروميثيوس)، والأمراض بشكل عام، والأوبئة بشكل خاص، تذكرنا بهذه الحقيقة التي تشهد على ضعفنا. إذن، أطرح بدوري سؤالاً آخر وهو: ما الدور الذي يقوم به الفيلسوف في أوقات الوباء؟ وإذا أجاب المرء بدءاً من أفلاطون، وأعاد ذلك القياس الذي بناه، فهل يستطيع الفيلسوف فعل الكثير؟… طبعاً يستطيع فعل الكثير، فالطبيب يحرر الجسد من أمراضه، وفي المقابل يسعى الفيلسوف من جانبه إلى تخليص الروح من شرورها.
 وهكذا، يمارس سقراط فن الحوار وما يسمى بالمايوتيكس (ولادة الأرواح) لتخليص الإنسان من جهله وتوعيته بما فيه مصلحته. ومع ذلك، هناك نقطة واحدة مشتركة بين الاثنين، وهي علاج الأمراض، ولكن الغريب في الأمر أن ما يقوم به الطبيب والفيلسوف لا يتم النظر إليه بشكل إيجابي من قبل الناس. كما يشرح أفلاطون في كتابه «محاورة جورجياس»، حيث الإنسان يفضل دائماً الطباخ الذي يعد أطباقاً ممتعة على الطبيب الذي يصف جرعات مريرة وعلاجات غير سارة. وبالمثل، يفضل الإنسان، السفسطائيين، الذين يلقون الخطب التي ترضي الأذنين وتُشبع عواطفنا، بدلاً من الفلاسفة الذين يسعون جاهدين لجعلنا ندرك جهلنا، ويمكنوننا من معرفة أنفسنا أكثر. والدليل على ذلك أنه كان هناك حديث عن إنكار للواقع حول الأزمة الصحية التي نمر بها، وصل إلى درجة إنكار وجود وباء كورونا من طرف الكثيرين. وربما يشير هذا الإنكار إلى أننا لا نريد أن نسمع بشكل عفوي من طبيب أو فيلسوف ونستوعب توجيهاتهما ونعمل بها، ولكننا نفضل وجبات الطباخ على الأدوية وخطابات مثل تلك التي يلقيها السفسطائي. 

* هل يجب أن يصبح الفلاسفة أطباء؟
** الإجابة عن هذا السؤال دائماً مختلفة، فهي تستجيب للوقت والعصر الذي تطرح فيه، وبناء عليه، فقد أكد الطبيب الإغريقي جالينوس، أن الطبيب يجب أن يصبح فيلسوفاً، ولكنه أراد أولاً أن يشير بهذا إلى حاجة الطب إلى الاعتماد على أدوات مثل المنطق، والتوضيح، والحجج، لتشكيل معرفة حقيقية وليس روتيناً تجريبياً بسيطاً، أو بعبارة أخرى، لم يكن الأمر يتعلق على الإطلاق بالقول إن الفيلسوف سيكون هناك لتقديم المشورة للطبيب بشأن الممارسات الجيدة، من وجهة نظر أخلاقية، كما يتضح من عمل المتخصصين، لأننا نعيش اليوم في عصر التخصص، فيتم تدريس الفلسفة في كليات الآداب والعلوم الإنسانية والاجتماعية، والطب في كليات الطب، ولكن رغم الفصل بين التخصصات، فقد حصل بعض الفلاسفة على تدريب طبي، وهذا يتوافق مع تقليد طويل منذ الجمهورية الفرنسية الثالثة، ولدينا أمثلة من هؤلاء الفلاسفة الأطباء، كجورج كانغويلهم إلى آن فاجوت لارجولت، أو آن ماري مولان. ولكن هؤلاء خاضوا تدريباً طويلاً، فلم «يصبحوا أطباء» فجأة، فقد كان كانغويلهم يعتبر الطب «مسألة غريبة» بالنسبة للفلسفة، ولكنه ضروري. وهذا يعني أن للفيلسوف دوراً يلعبه في مجال الطب، ولكنه ليس هنا ليأخذ مكان الطبيب. يمكن أن يكون دور الفلسفة أكثر تواضعاً من الطب، لكنه مهم، وتزداد أهميته لما يتعلق الأمر بالتوعية والتغيير وخاصة أثناء الأوبئة.

* ما الذي يمكن أن نتعلمه من الضعف الذي ينشأ في مجتمعنا؟ وما الذي يمكنه أن يخبرنا عن أنفسنا وحضارتنا؟
** لقد تحدثت بالفعل عن حقيقة أن مجرد وجود الطب هو علامة واضحة على الحالة الضعيفة للبشر. نميل إلى نسيانها لأننا نعيش في مجتمعات محمية للغاية (مجتمعات أوروبا الغربية مثلاً). لكن مع الوباء أصبح الأطباء ومقدمو الرعاية والممرضات وأولئك الذين يقدمون الأنشطة الحيوية والتغذية، هم الأكثر هشاشة وأكثر عرضة لخطر انتقال العدوى، وأيضاً الذين يعيشون في شقق مكتظة، الكثير من الفئات من السكان أكثر عرضة للإصابة بالوباء من غيرها.

* ما التحدي المرتبط بهذا الوباء؟
** التحدي، في رأيي، هو ألا ننسى، فبمجرد انتهاء الأزمة، علينا إعادة التفكير في نمط حياتنا، وفي العولمة، وفي علاقتنا بالبيئة وبالحيوانات. في الستينيات، جادل مخترع أخلاقيات علم الأحياء، فان رينسلير بوتر، بأن أسئلة الأخلاقيات الطبية يجب طرحها ضمن ما أسماه «أخلاقيات الأرض»، أي أخلاقيات بيئية. يكمن التحدي بلاشك في قياس هذه العلاقة بين حدوث الأمراض الوبائية الناشئة والتحولات التي تم إخضاع الطبيعة لها، حيث تم استنزافها وتلويثها، بالإضافة إلى تغيير علاقتنا مع الحيوانات البرية والداجنة، فهناك حيوانات قربناها أكثر، أو أصبحت طعاماً، وهذا ساهم في انفجار الأوبئة والأمراض، وهذه أمور تعلمنا الدروس، وتجعلنا نطرح الأسئلة ونبحث عن الإجابة. كما تحثنا أيضاً على تصحيح علاقتنا بالوباء، فتكون عقلانية بدل أن تكون عاطفية، فننجرف بسبب الخوف أو الثقة المفرطة إلى ما لا تحمد عقباه.

  • عن الاتحاد

شاهد أيضاً

أول رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي

(ثقافات) أوَّل رسالة دكتوراة رقمية تفاعلية في الأدب العربي: أركيولوجيا الصورة في رحلة ابن بطوطة …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *