قراءة في كتاب “نوستالجيا الأمكنة” للأستاذ عبد الرحمان أزرار.

(ثقافات)

قراءة في كتاب “نوستالجيا الأمكنة” للأستاذ عبد الرحمان أزرار.

الدكتور امحمد امحور

صدر للأستاذ عبد الرحمان أزرار كتاب بعنوان: “نوستالجيا الأمكنة”، عن مطبعة نجمة الشرق ببركان 2020. ويشتمل على مكونات وموضوعات لها أهميتها التاريخية والواقعية، والروحية. وقد أهدى الكاتب هذه التحفة/ الموسوعة إلى الأرواح الزكية الطاهرة؛ والديه وإخوته، وأخواله، ورفيقة دربه الفاضلة، وأبنائه الأبرار، وإخوانه الأخيار، وأصدقائه، وخلانه، وكل من تفاعل إعجابا وتعليقا، ومشاركة مع نوستالجياته، مما يدل على أن صفحات هذا السيرة الذاتية قد نشرها على حسابه في الفيسبوك قبل أن تجمع في هذا السجل التوثيقي الذي يؤرخ للحظات عمرية في أماكن تحتفظ بها الذاكرة الجماعية لمجايليه ممن تربطهم علاقة وطيدة بالأماكن التي تفنن في رسم ملامحها الكبرى، والكتاب موجه من قبل ومن بعد إلى القارئ المفترض الذي سيعيد بناء نوستالجيته الخاصة انطلاقا من الفراغات، والفجوات، والبياضات، التي تركها الكاتب عبد الرحمان أزرار عن سبق إصرار، مستفزا الذخيرة الفكرية لهذا القارئ ومكسرا آفاق انتظاره في صفحات هذا السفر الجميل. ولعل الشكر والامتنان الذي خص بهما صديق العمر الأستاذ نعيم المامون يدخل في هذا النطاق، فقد تتبع مراحل انكتاب هذا المولود الأدبي الفحل بالتصحيح، والتنقيح، والتشذيب، والمراجعة اللغوية الدقيقة، وقد تعاهدا على الوفاء، والأمانة العلمية، حتى يخرج هذا العمل في أجمل حلة مزيدة ومنقحة، ومستفزة لمختلف الأذواق الأدبية الرفيعة، وقد انبرى الأستاذ مصطفى ترجوانت لتحرير مقدمة لهذا الكتاب بلغة أدبية رفيعة، تنم عن تمثله لنوستالجيات عبد الرحمان أزرار عن حق وحقيق، فقد تعاهدا على الصدق والوفاء الأدبي والثقافي لهذه الأماكن والشخوص والذكريات، والأزمنة، ونعته بالنوستالجي الأخير يندرج في هذا السياق.

استوى عود هذا السجل التوثيقي من مواد نوستالجية يندرج جلها في السيرة الذاتية وبعضها في السيرة الغيرية وإن كان من الصعب أن نفصل بينهما لأن الأمر وإن كان يتعلق بنوستالجيا خاصة إلا أن أواصرها بالذاكرة الجماعية تظل هي المهيمنة على صفحات تترا… سينما فيكتوريا، سينما الريف… الناظور، بلدية الناظور القديمة النادي البحري (الكلوب)، قهوة “عالوش”، لعسارة، أول المنازل، أغنيات التي في خاطري وفي دمي، سينما أنطونيو وجميلة الجميلات، مدرسة سيدي أحمد عبد السلام الابتدائية أيام الصفاء والعناء، ثانوية الشريف محمد أمزيان أيام الهوى والشباب والأمل المنشود، الرباط كلية الآداب والعلوم الانسانية، مدينة سلا الغراء، مليلية سأعود، سعي “نوستالجي” بين ضريح سيدي عري نبارك و قانتيرا cantera” الحي العمالي “ثوذرين نركبانيث”: مهوى الفؤاد ومرتع الصبا، العم أحمد عجور: رسام “أذرار وكسان”، وكسناه!، “الدار اللي هناك”، “خارضين ازغنغان”… جارة الوادي!!

“سان خوان دي لاس ميناس” san Juan de l’as minas. عرس “لعسارة قلعية” او تسريحة ذي رخضار. ن رخوضار.

عرس لعسارة. كازابلانكا التي أحببتها… إلى الروح الطاهرة لفقيد العائلة خالي فراج محمدي غرناطة التي لم تسقط، فريد الأطرش، الناظور … حكاية غرام.

والجميل في هذا السجل التوثيقي أن كل مادة من مواد النوستالجيا معززة بصورة تذكارية لمعالم تراثية ثقافية مغربية وشخصيات التقى بها المؤلف في أماكن عامة؛ الرباط، الناظور، الدار البيضاء، أزغنغان… أو استدعاها المقام والسياق وإن لم يلتق بها، (لوحة للعم أحمد عجور تؤرخ لعرس لعسارة قلعية، صورة لفقيد العائلة الخال فراج محمادي، صورة لفريد الاطرش وسامية جمال في المغرب عام 1951، هدية لصاحب نوستالجيا الأمكنة من نعيم المامون…)

نوستالجيا الأمكنة سيرة ذاتية غيرية نشرت عبيرها في أرجاء الإنسانية الفيحاء، ذلك أن الأستاذ عبد الرحمان أزرار واحد من الكتاب القلائل الذين نجحوا إلى حد كبير في نقل تجربة الحياة إلى القارئ، فقد أسعفته ذاكرته الجمعية أن ييمم بها معالم تراثية مغربية باذخة بلغة أدبية رفيعة، وأسلوب شيق ماتع، أينعا لوحات سردية في منتهى الروعة والجمال؛ لوحات تستضمر ذكريات جميلة في لحظات البوح الجميل، مكتفيا بالإشارة إلى الذات المتوهجة بالجراح القديمة بحثا عن البلسم الشافي.

وعموما فإن الذات المنتجة لهذه السيرة الذاتية-الغيرية قد أنعشت الذاكرة الجمعية لأبناء الناظور المثقفين، لتنشر عبيرها في أرجاء الإنسانية الفيحاء. وما احتفاؤه باللقاءات، والندوات، والعروض المسرحية التي كانت تحتضنها قاعات السينما في الناظور وأزغنغان وإكسان، والتي أصبحت أثرا بعد عين، إلا خير دليل على تجربة ذاتية في الكتابة تعلي من قيمة التنوع البنائي في نوستالجيا الأمكنة المعضد بالصور التذكارية، والبورتريهات، وتعدد المرجعيات الثقافية، والفلسفية، والانفتاح على التراث المغربي الأصيل.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *