(ثقافات)

أربعة كتب في كتاب واحد

حمزة عليان.. يصنع شاهداً للأحداث ويحفظ الذاكرة المشتركة للكويت ولبنان

 

تميز الكتاب بخفة وزنه على الرغم من تجاوز صفحاته الـ 400

 الصور التاريخية شكلت عنصر بالغ الأهمية

اللقاءات الشخصية التي أنجزها الكاتب بمثابة بحث ميداني

 

أمجد زكي

باحث وكاتب مصري مقيم في الكويت

 في المسار الحضاري للأمم يشكل تدوين التاريخ أهمية بالغة، وعنصر رئيسي، ليس في حفظ ذاكرتها فحسب بل أيضاً في صناعة شاهد على مختلف الأحداث التي تتم عبر العصور وفي العديد من الأصعدة؛ سياسية، واقتصادية، واجتماعية وغيرها، كما نجد أن العلاقات الدولية ترتسم من خلال تفاعل الدول ذات السيادة مع بعضها البعض.. سلوكها وسياساتها بالإضافة إلى عوامل وتفاعلات أخرى تشمل مجالات الدبلوماسية والسياسة الخارجية والتجارة والأمن.. إلخ.. وهذه كلها تحتاج إلى فحص الأحداث وحُسن قراءتها.. وصناعة شاهد وتكوين وثيقة.

هنا نقف على ذلك الشاهد الذي صنعه الأستاذ حمزة عليان فيما يخص العلاقات الكويتية – اللبنانية، ويتمثل ذلك في كتاب صدر مؤخراً ضمن منشورات “ذات السلاسل” في الكويت بعنوان: بيروت في ذاكرة الكويت 1915 – 2024. وإذا كان الكاتب قد وصف كتابه الجديد بأنه نسخة منقحة ومزيدة من الإصدار الثالث لكتابه عن “العلاقات الكويتية اللبنانية” الذي صدر عام 2016، فإننا نؤكد بأنه “حسن الخاتمة” لسلسلة متصلة من الكتب عن علاقة البلدين الشقيقين، إذ صدر قبل هذين الكتابين، كتابان آخران هما: العلاقات الكويتية – اللبنانية (1962-2000).. التشابه والقدر المشترك، ثم كتاب “الكويت ولبنان بين جغرافيتين ثمن الموقف والتميز” (صدر عام 2011) والكتب الثلاثة الأولى نشرها مركز البحوث والدراسات الكويتية.

وهنا نقف على مسألتين أساسيتين في تناول عليان لتاريخ العلاقات بين الكويت ولبنان، أما الأولى فتتمثل في التزام عليان بتحري الدقة ليخرج بتدوين كامل وشامل وموضوعي لمحاور تلك العلاقة وهو ما دفعه لأن يصدر سلسلة متصلة وأن يصدر في الأخير نسخة مزيدة ومنقحة بعد أن تسنى له الوقوف على العديد من الروايات المستجدة والقيام بإجراء مزيد من اللقاءات مع شخصيات ذات علاقة ربما تكشفت له صلاتها ودورها بعد “ثالث السلسلة”، فكان هذا الكتاب الجامع الذي نتناوله هنا. والمسألة الثانية هي أنه لم يتعامل مع هذا الملف من باب الكاتب والمدون، بل أيضاً من مكانته كمراقب وكشاهد عيان ومشارك في بعض الأحداث وراصداً لها، بل وكصانع لبعض المشترك بين الدولتين باعتباره لبناني مقيم في الكويت منذ أكثر من نصف قرن، وهي مدة تشكلت فيها المواقف والأحداث الأكثر ارتباطاً وسخونة ودسماً في تاريخ العلاقات بين البلدين، بل نمضي إلى أكثر من ذلك حينما نقول أنه حينما يتم تناول الشخصيات اللبنانية الأكثر حضوراً في دولة الكويت فلابد أن نأتي على دور الأستاذ حمزة عليان المتعدد والمؤثر والذي شمل عدد من المجالات منها: العمل الصحفي والتوثيقي، والعمل الإعلامي المرئي ولعلنا نشير هنا إلى مشاركته في مجموعة من البرامج التلفزيونية والإذاعية، كاتباً ومعداً ومتحدثاً ومحاوراً، كما نستشهد بمشاركته في فيلم تاريخي وثائقي للحدود الكويتية – العراقية عرضته قناة BBC العالمية، وفيلم وثائقي عن تاريخ الصحافة الكويتية عرضته قناة الجزيرة، وفي محور آخر يحتفظ “حمزة” بمكانة ريادية في تأسيس واحد من أهم مراكز المعلومات في المنطقة (مركز معلومات القبس بدأ 1976) وفي صناعة التحول التكنولوجي واستثمار أوعية المعلومات وبناء أنظمة الميكنة وقواعد البيانات، قبل أن يقوم بوضع أول خطة متكاملة للقبس في مجال تكنولوجيا المعلومات، وكان كل ذلك في مرحلة مبكرة من “عصر المعلومات”، فكان كما وصفه الزميل أحمد زكريا أنه جمع بين الحُسنَيَين: فتارة يخلق المادة الصحافية خبراً ولقاء وتقريراً وتحقيقاً، وأخرى يؤرشفها ويوثقها، هذا بالإضافة إلى أعماله الاستشارية وإصداره حوالي 24 كتاباً.

هذا الحضور يعكس مستوى وقيمة الخبرة التي يمتلكها الأستاذ حمزة عليان في بيئة الكويت ومجتمعها والثراء الذي أضافه نتيجة تراكم هذه الخبرات وحسن استثمارها في الإنتاج المعرفي، ويشكل ذلك في النهاية جزء من الذاكرة المشتركة للكويت ولبنان، كما أنه يضع “عليان” في موقع “السفير المشترك” إن جاز التعبير.

أقسام الكتاب

في 440 صفحة يضم كتاب “بيروت في ذاكر الكويت 1915 – 2024 تسعة فصول، الفصلين الأول والثاني منهما يتناولان التمثيل الدبلوماسي، والثالث يتناول محطات في تاريخ الجالية اللبنانية في الكويت، بينما يتحدث الفصل الرابع عن بيت اللبنانيين ومجال الأعمال وجمعيات الصداقة، وتحت عنوان “الكويتيون في قلب لبنان يتعرض الفصل الخامس لمحاور رئيسية للعلاقة بين الدولتين، هي: السياحة والاقتصاد والتجارة والاستثمار، قبل أن يبحر الفصل في شهادات كويتية، بينما وفر سادس الفصول قراءة في تاريخ العلاقات المشتركة والأزمات من خلال ثلاثة عشر محور، بينما تناول الكاتب مجال التنمية والثقافة في فصلين منفصلين.

 

الأوائل والمبادرات الأولى

يستعرض الكتاب في فصوله الشخصيات الأولى، فيذكر قصص التبادل الدبلوماسي بين الجانبين، فعلى مساحة 24 صفحة سرد العليان قصة تعيين أول سفير كويتي في لبنان، وهو مهلهل المضف (قائم بأعمال)، ثم أول من عُين بدرجة سفير وهو محمد أحمد الغانم، ثم يأتي على سرد قصص الآخرين، وهم: خالد مجمد جعفر، ومحمد يوسف العدساني، وعبدالحميد البعيجان، وأحمد عبدالعزيز الجاسم (سفير فوق العادة غير مقيم) وأحمد غيث عبدالله، وعبدالرزاق الكندري، ومحمد سعد الصلال، وعلي سليمان السعيد، وعبدالعال القناعي، وأخيرا عبدالله سليمان الشاهين (السفير الحالي).. ويسرد عليان في هذا الفصل العديد من القصص والأحداث، ويبين الدور الشخصي للدبلوماسي الكويتي في لبنان والذي لم يتوقف عند المعنى “القاموسي” لمصطلح الدبلوماسية بل حمل أبعاداً وتجارب إنسانية عميقة.

أما الحضور الدبلوماسي اللبناني في الكويت فشمل منذ عام 1962 وحتى الوقت الحالي 17 دبلوماسياً بين قائم بأعمال وسفير، أحدهم، وهو سميح البابا، شغل صفة “عميد السلك الدبلوماسي” في الكويت، ذلك لأنه تولى المنصب لمدة 12 عاماً من 1966 وحتى 1978، ونجد أن المعلومات الواردة في هذين الفصلين مدعمة بالصور التي تغطي نحو 6 عقود.

وبين الأوائل والإحصاءات تناول الفصل الثالث من الكتاب بدايات الهجرة إلى الكويت، وإذا كان الأستاذ حمزة عليان في كتابه الثالث “قراءة في تاريخ العلاقات الكويتية اللبنانية” عرض وجهات نظر متباينة وكتابات مختلفة عن الوجود اللبناني الأول في الكويت، فإننا نجده في هذا الكتاب يميل إلى الأخذ برواية الدكتور خليل أرزوني مؤلف كتاب (الهجرة اللبنانية إلى الكويت) والذي ذكر أن أول مهاجر لبناني هو منيب الشلبي الذي جاء عام 1915مع شقيقه “بدر” قادمين من أندونيسيا، مروراً باليمن ثم البصرة وصولاً إلى الكويت، وكانوا يسمونه “منيب السوري” يعمل في تصليح الساعات بينما عمل شقيقه في التصوير، وهما في الأصل من مدينة طرابلس شمالي لبنان، ويعرض في ذلك أيضاً ما ذكره أحمد السيد عمر في كتابه “مذكرات كويتية” حيث أكد ذلك، كما أرّخ الكتاب لمجيء عزت محمد جعفر اللبناني الأصل إلى الكويت في العام 1935، وارتبط بعلاقة صداقة مع سمو أمير الكويت الراحل الشيخ أحمد الجابر الصباح، وأصبح مستشاراً سياسياً لسموه اعتباراً من 1940، بعد حصوله على الجنسية الكويتية وهو من أوائل اللبنانيين الذين حصلوا على الجنسية الكويتية ومارسوا التجارة والسياسة.

وحول الأوائل أيضاً ذكر الكتاب أن السيدة سلوى أبوسمرة، هي أول مضيفة جوية لبنانية عملت في شركة الخطوط الجوية الكويتية سنة 1954، وظلت المضيفة الوحيدة لمدة خمسة أشهر ثم تتابع تعيين مضيفات أخريات. ثم يمضي الكتاب في استعراض معلومات معززة بالأرقام حول الجالية اللبنانية بالكويت.

  

عشق متبادل

وصف الكاتب حمزة عليان الحضور اللبناني في الكويت بأنه “حالة من العشق المتبادل” منذ أن دخلت الجالية اللبنانية في ثنايا المجتمع الكويتي، وترافقت مع مراحل تطوره وكانت شراكة حقيقية في البناء وضعت يدا بيد وهي على أعتاب الأربعينيات من القرن الماضي، وما بين عقدي الخمسينيات والستينيات بلغت العلاقة ذروة من النشاط والتبادل البشري، وكانوا شركاء فعليين في النهضة العمرانية وقطاعات أخرى ساهموا بما لديهم من خبرات في إرساء قواعدها، لاسيما مع تدفق الثروة النفطية والحاجة إلى عمالة فنية في مختلف المجالات.

ومن حيث النوعية قسم الكتاب الجالية اللبنانية في الكويت إلى ثلاث فئات، فئة العمال والمستخدمين، وفئة أصحاب الحرف والتجارة والأعمال الخاصة، وفئة أصحاب الاقتصاديات العلمية والمهنية، لافتاً إلى انحياز اللبنانيين خارج بلادهم إلى الأعمال الحرة بحكم ممارستهم لها في بلادهم، وتطرق إلى “كراج الحص” لصاحبه السيد عبدالله الحص كأحد أبرز العاملين في القطاع الخاص، إذ تولى هذا الكراج في الخمسينيات أعمال الغسيل والتشحيم والتصليح في خدمة فنية ومواعيد منتظمة وكان ذلك من الخدمات الجديدة والنادرة في ذلك الوقت، وهكذا يتناول الكتاب العديد من المبادرات الأولى التي تبناها اللبنانيون في الكويت فيذكر تجربة نزار عبدالرحمن النقاش في إنشاء “دار النظارات” وعامر سعيد منيمنة الذي استقدمه ميشال خوري في البنك الأهلي الكويتي حيث كان خوري يعمل مديراً عاماً للبنك وقد أسسا فرعين للبنك في تركيا والصين، وذكر الكتاب أنه عند حدوث الغزو العراقي نجح عامر منيمنة في الاستحواذ على ديسكات الكمبيوتر والخروج منها ليحافظ عليها ويعود بها بعد التحرير مباشرة، ومع الأسف فقد توفي بعد ذلك مباشرة متأثرا بضيق التنفس واضطراب القلب نتيجة تعرضه لسحب الدخان البترولية التي أشعلها المعتدي العراقي في آبار النفط، وقد ترك خلفه أسرة مكونة من زوجة وثلاثة أطفال أكبرهم في عمر 4 سنوات.

 رئيس وزراء لبنان موظفاً في الصندوق الكويتي

وصف الكتاب رئيس الوزراء اللبناني الأسبق الدكتور سليم الحص بأنه أحد مفاتيح الوجوه المضيئة في الذاكرة الكويتية، وذكر أنه عمل لمدة سنتين وثلاثة أشهر في الصندوق الكويتي للتنمية (بين الأعوام 1954و 1965) بصفة مستشار وكان قبل ذلك يتولى رئيس دائرة الأعمال في الجامعة الأمريكية ويقوم بالتدريس، وقد قدم العرض الكويتي له من صديقيه صائب جارود وعدنان محوك وكانا يعملان في الصندوق.

الطبيب أحمد سلامة في دائرة الضوء

من يؤرخ لمسيرة القطاع الطبي في الكويت لابد أن يقف عند، ويحيي، تجربة الدكتور أحمد سلامة. نتذكر هنا أن السيد فهد المعجل كتب في السابق مقالاً يقترح فيه إطلاق اسم الرجل على اسم مستشفى أو ما إلى ذلك لتخليد إسهاماته في القطاع الصحي.

الطبيب سلامة يعود إلى الواجهة مجددا في كتاب “بيروت في ذاكرة الكويت” حيث يسرد الكتاب تفصيلات مهمة لتجرية الدكتور أحمد محيي الدين سلامة منذ قدومه إلى الكويت عام 1950 الذي كان من أوائل الأطباء اللبنانيين المهاجرين إلى الكويت ومؤسس برنامج مكافحة داء السل ومدير المصح الصدري، وهو من أسس لفحص العمالة الوافدة.

دور اللبنانين في الصحافة الكويتية

ضمن هذا المحور يذكر عليان أن قطاع الإعلام، بشكل عام، والصحافة، خاصة، شهدا حضوراً لبنانياً مميزاً ولفت إلى شخصية لبنانية كان لها حضور بارز عند تزسيس وافتتاح مطبعة حكومة الكويت في أكتوبر 1956 وهو أحمد مصباح منيمنة الذي تعاقدت معه دائرة الإرشاد والأنباء ليكون مديرا لمطبعة حكومة الكويت، ثم استعرض تجربة اللبناني الراحل عبدالله شعيتو في صحيفة الرأي العام التي تأسست عام 1961 بعدما استقطبه الأستاذ عبدالعزيز المساعيد للعمل بها، ثم أتى على ذكر الفريق الإعلامي الذي قدم إلى الكويت بقيادة عبدالله عشيتو وتبعهم سمير عطالله، الذي عمل رئيساً لقسم الخارجيات، وضم الفريق أسعد الصابونجي وحسن حمية، وطلال سلمان بعضهم قدم أعمال تأسيسية وقد عمل معهم عدد من الكتاب الكويتيين منهم: عبداللطيف الدعيج، وسليمان الفهد، وحسين العتيبي، وحمد السعيدان وآخرون، وأكثرهم شهرة كان أحمد الجارالله صاحب امتياز جريدة السياسة، ثم جاءت هدى المر وإلياس منصور ورمضان لاوند وقاسم أفيوني.

ويذكر الكتاب أن من اقترح اسم مجلة “العربي” هو اللبناني نبيل حليم دكاش، وكان ذلك حينما أعلنت دائرة المطبوعات والنشر في الكويت عام 1958 عن مسابقة لاختيار اسماً للمجلة، فورد إليها 612 اسماً اختارت اللجنة من بينها الاسم المقترح من دكاش.

خبير النباتات

توصل الكاتب وخبير المعلومات حمزة عليان في كتابه أن “أسعد مقصد” المولود عام  1934في بلدة برمانا، عمل في الكويت بدائرة الزراعة في وزارة الأشغال العامة بعد سنوات من تخرجه من الجامعة الأمريكية في بيروت (تخصص زراعة)، وأنه قام بتدريب الكثير من خبراء النبات وأدخل عدداً من النباتات الجديدة في البيئة الكويتية وأشرف على مجموعة مشاريع منها تصميم حدائق عامة وحصر النباتات الطبية.

الكويت تصنع التنمية في لبنان

     خصص “العليان” مساحة من الكتاب لعرض أوجه دعم الكويت للتنمية في لبنان، من خلال العديد من المبادرات والأجهزة وتحدث عن العلاقة بين الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية ولبنان والتي تعود إلى العام 1966 عندما أبرم الطرفان أول اتفاقية قرض لتمويل محطة كهرباء في جونيه، ووضع الكاتب جداول ضمت أكثر من مائة مشروعاً حيوياً واستراتيجياً تم إنجازها من خلال منح وقروض ومعونات فنية من الصندوق الكويتي، وذكر أن ذلك لم يحمل أي مساومات سياسية؛ فقد كان الهدف هو الوقوف مع لبنان، هذا بالإضافة إلى مجالات أخرى للدعم والمساندة أفرد لها الكاتب عدداً وافراً من الصفحات والمواقف، كما تطرق إلى دور جمعية الهلال الأحمر الكويتي، ودور الكويت في بناء إهراءات القمح، وفزعة الكويت تجاه انفجار مرفأ بيروت عام 2020، كما وثق العديد من المساهمات الخيرية الأخرى.

نهر الليطاني

“لولا دعم الكويت لما أبصر مشروع نهر الليطاني النور” بتلك العبارة استهل الكاتب حديثه عن هذا المشروع الضخم، مشيراً إلى أنه طرح من قبل رئيس مجلس النواب “نبيه بري” أثناء زيارته للكويت عام 1997، ولقى تجاوباً كبيراً، فقد وافق الصندوق العربي للإنماء الاقتصادي على تقديم معونة فنية 900 ألف دولار أمريكي، لتمويل الدراسات والاستشارات، ثم قام الصندوق بتقديم معونة ثانية بمليون ونصف المليون دولار عام 2000، وبعد ذلك بخمس سنوات أٌعلِنَ عن موافقة الكويت على تنفيذ مشروع المياه المسمى بـ “الليطاني” مع وعد بتمويل تكاليف المرحلة الأولى، وفي عام 2012 شهدت بيروت حفل توقيع العقد لإطلاق مشروع مياه الليطاني ليؤمن مياه الشرب لنحو 99 قرية وبلدة بحجم 30 مليون متر مكعب ومياه الري لـ 150 ألف دونم من الأراضي الزراعية.

أسماء كويتية في شوارع لبنان

من اللفتات المهمة التي ذكرها الكتاب كتقدير لبناني لدور الكويتي الداعم للتنمية أنها أطلقت عام 2011 اسم “الكويت” على الشارع الرئيسي في بلدة القلعة بجبل لبنان واسم أميرها الراحل سمو الشيخ صباح الأحمد على أحد شوارع مدينة طرابلس تكريماً له على جهوده الإنسانية،  كما أشار إلى أن أشهر المدن التي أحبها الكويتيون “بحمدون” وفيها شوارع باسم: “الشيوخ”، و“ولي العهد”، و“آل البحر”، و“آل الغانم”، وكذلك بنيت فيها مساجد؛ واحد باسم العثمان، وآخر باسم الخرافي، إضافة إلى فندق “الساحة” المعروف باسم “المساعيد”. وفي ذلك يقول الكاتب حمزة عليان: “تلك الحالة الكويتية كانت مادة خصبة لكتابة وعرض مسرحية عرفت باسم “بحمدون المحطة” (تأليف عبدالعزيز السريع وصقر الرشود)، كما أشار إلى عدد من المعالم والقصور التي بناها أمراء وشيوخ من الكويت، كذلك فقد اعتبر أن الجالية الكويتية أخذت صفة الجالية المقيمة في إطار الأسرة هناك، وبيّن أن عدد السياح الكويتيين يتراوح بين 70 إلى 90 ألف سائح سنوياً.

العلاقات الثقافية

بيّن الكتاب أنه في الميدان الثقافي تبدو الكويت ولبنان واحتين غنيتين بالتنوع والاعتراف بالآخر، وهما نموذجان يجمعهما تراث عميق الجذور بشيء كبير من حيث التماثل في الشأن الإعلامي والثقافي، فالمشهد الفني والمسرحي والإعلامي اللبناني تجد صداه في منابر وصحف ومسارح الكويت، كما هو الحضور الإعلامي المتبادل، فما من حراك ثقافي أو نشاط سياسي إلا وتجد أثره عند الآخر.

ولا تقتصر القواسم المشتركة بين الكويت ولبنان على اللغة والثقافة بل هي تتجاوز ذلك إلى صلب تركيبة الشخصية المبنية على الروح المبادرة والإبداع والشغف بالاستكشاف والانفتاح السمح على العالم الأمر الذي أسس لنجاح كل منهم في ريادة الأعمال على حسب تعبير رئيس مجلس إدارة رجال الأعمال اللبناني في الكويت علي حسن خليل الذي كتبه في الغلاف الأخير من الكتاب.

 

أوجه التشابه والاختلاف

على الرغم من الاختلاف بين النظامين السياسين في الكويت ولبنان إلا أن الكاتب يرى أن هناك تشابها بين البلدين  يصل حد التوأمة، وهو قائم لجهة تمتعهما بالنظام الاقتصادي الحر وللديمقراطية وللحريات التي يتكئان عليها في أسلوب التعبير عن الرأي والعيش المشترك (كيفما أدرت وجهك ستجد هذا التماثل يعبر عن نفسه) سواء من حيث الحجم الجغرافي أو السكاني، أو من حيث الوضع السياسي والإعلامي، أو من حيث التهديد الذي يتعرضان له من محيطهما الجغرافي، فالكويت بلد استبيح بالقوة العسكرية من دولة عربية، ولبنان استبيح بالقوة العسكرية من عدو العرب وتعرضت عاصمته بيروت للاحتلال..  وإذا ما نظرنا إلى الموقع الجغرافي لكلا البلدين فسنجد أنهما محاطان بقوى إقليمية تفوق قوة وحجم أي منهما، وهنا يستعرض الكاتب عدداً من المواقف والأحداث في ملف العلاقات ويشير إلى كيفية توحيد هموم الدولتين وتأثيراتها العكسية.

أمانة البحث

كما ذكرنا بأن هذا الكتاب يشكل الطبعة الرابعة لسلسة كتب “تاريخ العلاقات الكويتية – اللبنانية” وبذلك يعتبر هو الكتاب الجامع والموسوعي، ونلاحظ فيه – كما في الكتب الثلاثة الأولى – الالتزام بقواعد البحث وأمانة المصادر وشمولية المضمون، وإرجاع الصور إلى مصدرها، وبذلك يصبح مرجعاً أساسياً لرواية تاريخ العلاقات المشتركة بين الدولتين والشعبين الكويتي واللبناني.

بقي أن نشير إلى أن نشر الكتب الأربعة تواصل عبر 24 عاماً، إذ أن الكتاب الأول (العلاقات الكويتية – اللبنانية، 1962-2000) صدر عام 2000 والأخير صدر العام الجاري (2024) وهي مساحة زمنية ممتدة لاشك أنها أتاحت للكاتب فرص الفحص والبحث والاستزادة خصوصاً وأنه اعتمد – في جانب من عمله – على البحث الميداني ولقاء شخصيات ريادية، ونلاحظ كذلك أن سنوات عدة فصلت بين كل إصدار وآخر، فبين الأول والثاني 11 عاماً، وبين الثاني والثالث 6 سنوات، وبين الثالث والأخير 7 سنوات.. جهد غني وعميق يستحق عنه الكاتب الثناء والتكريم.

فهرس الأعلام والأماكن

برزت شخصية حمزة عليان كخبير في مجال المعلومات والأرشفة الإلكترونية واضحة في الفصل التاسع من الكتاب حينما عمد على وضع اثنين من الفهارس، الأول فهرس للأعلام يتعلق بالأسماء التي ورد ذكرهم في الكتاب، مرتبة أبجدية مع وضع أرقام الصفحات التي ورد فيها كل اسم، والفهرس الثاني خصصه للأماكن والمواقع،  مما يسهل على القارئ الاستدلال على مواقع الأسماء والأماكن التي يبحث عنها بكل يسر وسرعة، وهو ما أعطى الكتاب نكهته “العليانية”.A

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *