(ثقافات)
الكتابة الخضراء.. الفلسفة والبيئة!
ساسي جبيل
يقول الكاتب الأميركيّ ريتشارد لوف: «بوسع طفل أن يحدّثكم اليوم عن الغابة الأمازونيّة المداريّة، ولكن ليس عن آخر مرّة اكتشف فيها أجمة لوحده، أو أنّه استلقى في حقل ليصغي إلى الرّياح وهو يرى حركة الغيوم». إنّ تقلص المعارف الخبْريّة التي كانت تُحصَّل سابقاً في الحياة اليومية وسط مظاهر الطبيعة والبيئة نجم عنه نوع من الانبتات القاسي، بالمعنى الفعليّ كما بالمعنى الاستعاريّ، لأجيال من سكّان أصليّين كثر في أصقاع كثيرة من العالَم، فلم تعد لهم حياة بين الأشجار والبيئة الطبيعية التي عاش فيها أسلافهم، ولعل هذا أحد أسباب قصور تمثل التحديات البيئية الراهنة.
إنّها إحدى مفارقات عصرنا، الذي يواجه اليوم مشكلات البيئة وتغير المناخ، ففي الجهة المواجهة لمسرح حياتنا قد تقصر أبصارنا عن رؤية كائنات حيّة كالأشجار والحيوانات وكثير من مظاهر الحياة الفطرية التي تشاركنا الحياة على هذا الكوكب الأزرق. وقد لا يكون ثمّة أجدر من الفلسفة للاهتمام بما قد تفرضه الحياة وتحديات البيئة والطبيعة بصفة عامة من مفارقات. وهنا نحاول أن نجوب قروناً من علاقة الفلسفة بالبيئة وإن كنا لا نجد أحياناً غير عدم الاكتراث واللاّمبالاة أمام عالم النّبات إلاّ في ما ندر من شذرات مبتورة، أو من فلاسفة فتحوا أبصارهم على عالم النّبات ضمن آفاق معرفيّة صديقة للبيئة. وغير ذلك ليس لنا إلاّ معارف حديثة مستمدة من أنصار البيئة وعلماء النّبات قد يتلقّفها بعض الفلاسفة الجدد أحياناً ليستأنفوا التّفكير في المحيط الحيويّ والظرف البيئي والطبيعي المحيط بالإنسان.
مسائل جمالية
وعلى سبيل المثال لا الحصر، ففي إطار الحماس الطّاغي لعلوم الحياة في بريطانيا خلال الحقبة الفكتوريّة، كان الفيلسوف وعالم البيولوجيا توماس هكسليْ (1825-1895) قد قال منذ 150 سنة: «بالنّسبة إلى شخص غير متكوِّن في مجال التّاريخ الطّبيعيّ، فإنّ جولة في الرّيف هي جولة حول رواق عامر بالآثار الفنّية البديعة»! وسواء أعجب هذا أو لم يعجب البعض، فإنّ كلّ الكل يذكرون أنّه ليس بالضّرورة أن يكون المرء متضلّعاً في علوم الحياة والأرض حتّى يستسيغ بساطاً من البنفسج البرّيّ!
وفي المقابل، فلا خلاف على أن أزهار الحقول والنّباتات البريّة، والأشجار الغريبة والأراضي المشجَّرة، ليست لا أعمالاً فنّية ولا هي عناصر تزويق مسرح مشيّد حسب مقاييس مضبوطة! ولكن ثمّة كائنات حيّة تطرح فعلاً على الإنسان مسائل جمالية، وحتّى ميتافيزيقيّة. وقد يتساءل بعض الطبيعيين: هل ثمّة استمرار من النّبات إلى الحيوان؟ وإذا كانت ثمّة حياة للنّباتات، فهل لها «أسلوب عيش» كما تتساءل الفيلسوفة الفرنسيّة فلورنس بيرغات؟ لكن كيف نعرّف مفهوم «العيش» نفسه؟ فثمة كثير من الأسئلة التي تُطرح على أطفال الأدغال كما على الفلاسفة الذين يحبّون القفز من غصن إلى غصن، حسب تعبيرها.
التّاريخ الأخضر
ولكن من المحاذير التي ينبغي الانتباه لها ونحن نغوص في «التّاريخ الأخضر» للفلسفة ألاّ نقع أيضاً في ضرب من الأنثرومورفيا (النّزعة الإحيائيّة التي تخلع على النّبات خصائص الإنسان)، فقد يكون ذلك وارداً في الأدب والفنّ، ولكن الأمر في الفلسفة يتعلّق بتأويل مغاير، وطريقة تفكير مختلفة.
وعندما نراجع الفلاسفة ما قبل سقراط، فإنّ الشّذرات التي وصلتنا منهم لا تتناول مباشرة عالَم النّبات رغم وصفهم، إجمالاً، بأنّهم أوائل الطّبيعيّين. ولكن بعض هذه الشّذرات توفّر ملخّصاً لرؤية ما في الموضوع. فأمبيدوقليس (ق. الخامس ق.م.) يصرّح بأنّ الأشجار هي «الكائنات الحيّة الأولى التي خرجت من الأرض». وقد رأى أناكسوغوراس (القرن الخامس ق. م.)، وديمقريطس (القرن. الرّابع ق. م.) أنّ للأشجار فكراً وفطنة!
أمّا بالنّسبة لسقراط، كما في ورد في الصّيغة الأفلاطونيّة، فإنّ «الحقول والأغاني ليس لها ما تعلّمني، ولا أجد ما أغنم إلاّ لدى البشر، في المدينة» (محاورة «فيدون» لأفلاطون). فالنّباتات، من هذا المنظور، لا تشارك في الانتساب إلى العقل. وإنّما هي تكتفي بأن «تصلح غذاءً» للجسم، وليس للرّوح. وكما يتمّ التّشديد على ذلك في محاورة «تيماوس» لأفلاطون، فإنّ هذا النّوع من النّفْس هو دائماً سلبيّ ولم تزوّده الطّبيعة عند نشأته بملكة المعرفة ولم توكل إليه أن يتعقّل شيئاً، فهذا النّوع وإن كان يحيا فإنّه لا يكون أكثر من كائن حيّ، ورغم ذلك فإنّه عاجز عن الحركة بذاته.
تراتبيّة الوجود
صحيح أنّ النّبات، مع أرسطو، سيُدرج ضمن تراتبيّة الوجود، وذلك في انسجام مع براديغم التّصنيف الذي يسم المدوّنة الأرسطيّة، ولكن ذلك لا يعني أيضاً ارتقاءَه إلى مكانة إيجابيّة في سلّم الوجود. فلقد ظلّت النّبتة في الدّرجة الدّنيا « فبعد جنس الكائنات الجامدة يأتي مباشرة جنس النّباتات» (أرسطو، تاريخ الحيوانات). فالنّبتة تحيا إذن، طالما أنّ الحياة هي «الخاصّية التي تتغذّى بذاتها، وتنمو، وتتلف» (كما يرد في كتاب النّفس)، ويضيف أرسطو أنّ النّبات، وهو متناوَل في مجمله، إذا ما قارنّاه بالأجسام المادّية الأخرى، فإنّه يبدو تقريباً حيّاً، لكن بالمقارنة مع الحيوان يبدو جامداً. فالنّباتات وإن كانت تتوفّر على نفْس، فهي نفْس «غذائيّة» مجرّدة من القدرة على الإحساس، وعلى التّفكير لا محالة.
على أنّ عدم الاعتراف فلسفيّاً للنّبتة بحظوة في الوجود لا يعني أيضاً عدم استحضارها كلّياً، فيكفي أن ننتبه إلى حضورها الاستعاري على نحو ما نلاحظ ذلك مع ديكارت وهو يلوذ باستعارة الشّجرة من أجل أن يرسم لنا بورتريه الفلسفة «كلّ الفلسفة مثل شجرة، جذورها هي الميتافيزيقا، والجذع هو الفيزياء، والأغصان التي تتفرّع من هذا الجذع هي العلوم الأخرى» (مبادئ الفلسفة).
استعارة مفهوميّة
لكن نيتشه في «العلم المرح» يذهب بهذه الاستعارة مذهباً آخَر «إنّنا نكبر مثل الأشجار[…] نكبر ليس في موقع واحد، وإنّما في كلّ مكان، ليس في اتّجاه واحد، وإنّما إلى أعلى وإلى أسفل، إلى الدّاخل كما إلى الخارج. فقوّتنا تنمو في الوقت نفسه في الجذع، والأغصان، والجذور، فليس لنا أن نقوم بشيء ما على حدة».
أمّا بالنّسبة إلى هيغل، فإنّ النّبتة تحضر كاستعارة مفهوميّة يوضّح من خلالها جزءاً من منظوره الجدليّ للوجود، فنبتة ما هي بالذات تراكم مركَّب من تعدّد من الأفراد. فالنّبات ليس مسكوناً بمبدأ التّقابل بين الذّات والآخَر، التّقابل الذي يتّخذ لدى الحيوان شكل الاختلاف في النوع «فمستوى الاختلاف الذي تبلغه النّبتة، الذي هو بين ذاتيْن نباتيّتيْن تستعجلان التّماثل الواحدة مع الأخرى(…) هو فقط شبيه بالاختلاف النوعي».
علاقة دهشة
على أنّ نافذة أخرى يمكن أن نفتحها على هذا «التّاريخ الأخضر» للفلسفة فنطلّ على علاقة بعض الفلاسفة في حياتهم بعالَم النّبات من أشجار وغابات. وهي علاقة متنوّعة يشقّها التّباين على نحو ما توحي بذلك مقارنة بسيطة بين «شوبنهاور» و«باشلار». فالأوّل تصله بالغابة حالة من الهلع، فهو يرى في شهادة له أن «النّباتات أكثر شراسة من البشر، فلا أستطيع أن أجتاز الغابات من دون ذعر»! فعلى عكس أحلام اليقظة الشّعريّة التي تجعل من الغابة ملاذاً، فإنّ هذا الفيلسوف الألماني يرتعب من الغابة حيث يهيمن، حسب رؤيته، صراع من شجرة إلى أخرى من أجل سحب الهواء، والضّوء، والأرض. وهو رعب يتقاسمه مع كُتّاب وفلاسفة آخرين قد يكون سارتر على رأسهم حيث يستعجل، في ستّينيات القرن الماضي، مغامراته في الغابات ليتّجه مسرعاً إلى مقهى «الفلور».. ولكن في الضّفة المقابلة تلوح أيضاً صداقة بين بعض الفلاسفة والغابة حيث يمكن أن نستحضر عزلة هيدجر في «الغابة السّوداء» (ولاية بادن فورتنبيرغ بألمانيا)، ولكن بالأساس علاقة دهشة نظير ما نصادف في تلك الصّفحة اليتيمة والملغزة والإيحائيّة التي أفردها «باشلار» للغابة وهو يستنبتها مجدّداً في خانة «العظمة الحميمة»، فيقول: «لنختبر عن قرب ما الذي تلائمه عظمة الغابة. إنّ هذه العظمة لتولَد من جسم ذي مشاعر لا تكشف حقّاً عن معلومات عالم جغرافيا. فما من حاجة ليكون المرء مطوّلاً في الأدغال ليعرف الشّعور الطّفيف بالقلق بالتوغّل في عالَم بلا حدّ. فسريعاً، ندرك أنّنا إن كنّا لا نعرف إلى أين نذهب، فإنّنا لا نعرف أين نحن». ويستخلص من ذلك أن: «الغابة حالة للنّفْس».
ذكاء النبات
إن المقاربة الفلسفيّة، الرّاهنة على وجه الخصوص، تتلقّف من العلوم كثيراً من المعطيات لتتدبّرها حسب ما تتأوّله منها استناداً إلى الملكة الأثيرة في الفلسفة، أي «الفكر». وهو ما يسوّغ هذا السّؤال: هل تتمتّع النّباتات بالذّكاء؟ نعم إذا كنّا نعني بالذّكاء القدرة على حلّ المشاكل. وهذا ما يفترض -والبحوث المتأخّرة تقول ذلك- أنّ في النّبات «ملكات» تعلّم، وتذكّر، ولكن أيضاً مشاركة وتواصل! فهل يعني هذا أنّ هناك استمراريّة حياة تسري من الطّحلب إلى الحيوان؟ كلّ ذلك مشروط، في واقع الأمر، بما نعنيه بمفهوم «الحياة».
قدرات مدهشة
الحال أن النّباتات تكشف، بحسب دراسات مستجدّة، عن قدرات مدهشة. وعن أشكال أخرى من الذّكاء بحسب عالِم النّباتات الإيطالي ستيفانو ماتغيزو، المختصّ في علم الأعصاب النّباتيّ، فالنّبتة ليست حمقاء! هذا إذا عرّفنا الذّكاء على أنّه القدرة على حلّ المشاكل، حيث يقول: «إن النّباتات قادرة على تلقّي إشارات من وسطها المحيط» نظير الضّوء والرّطوبة والخطورة، فتتّخذ قرارات حيويّة تتعلّق بغذائها وبالتّصدّي للتّهديد كذلك الذي تطلقه الحشرات القارضة أو حتّى أعشاب مناوئة. وهذا لا يعني أنّ علينا أن نبحث عن نظائر لها لدى الكائنات التي تتمتّع بدماغ مركزيّ. فالتّكافؤ بين جهاز عصبيّ مركزيّ وحياة ذكيّة، مستلهَمة من النّموذج الحيوانيّ، هو تكافؤ مغلوط، كما يلاحظ ماتغيزو. فالنّبتة تتعهّد شؤونها دونما دماغ، ولذلك يربكنا ذكاؤها السّاري في كلّ أجزائها والموزّع فيها بانتظام، كما يلاحظ هذا العالِم. فلا وجود لبرج مراقبة لدى النّباتات، والمعلومات التي تتلقّاها لا تحتاج إلى أن تسلك نفس الدّروب حتّى تبلغ الموقع الجيّد في اللّحظة المناسبة. فلدى النّباتات الوظائف الدماغيّة ليست مفصولة عن الوظائف الجسميّة، بل هي تتعايش في كلّ خليّة.
مسألة وجودية
إن استرجاع النّبات إلى دائرة القول الفلسفي يجري في سياق من الحوار، بل السّجال أحياناً نظراً إلى أنّ طرح هذه المسألة يصطدم بتقاليد مفهوميّة راسخة في الفكر الفلسفيّ نفسه. فالفيلسوفة الفرنسيّة المشار إليها من قبل «فلورنس بيرغات» تنتقد، مع تشديدها على أنّ ذلك يتمّ دونما استخفاف بجمال المملكة النّباتيّة، الميلَ إلى محو الحدود بأيّ ثمن مع المملكة الحيوانيّة. إنّها مسألة وجودية، كما تؤكّد هي، فالنّبتة لا يمكن التّفكير فيها على أنّها فرد. ولذلك ترى هذه الفيلسوفة أنّ شعور «الاحترام» الذي نكنّه عادة للأشجار إنّما يعود بالأساس إلى عظمتها وإلى امتداد أعمارها، وإلى تجدّد الميلاد الذي تهبه للأبصار وهي تكتسي زينة متنوّعة طيلة السّنة. ومن ثَمّ فإن علينا أن نلاحظ أنّنا حين نستحضر الأشجار، فهي تلك التي تكون عادة مهيبة ومسنّة. وهذا الشّعور قلّما يعتري المرء عندما يتعلّق الأمر بشجيرات واهنة وفتيّة حتّى أنّه قد لا يتردّد في اقتلاعها لسبب أو لآخَر. وفي الجملة، فإنّنا نُفتن بجمال عالَم النّبات وبخلوّه من الانفعاليّة لأنّ ظروف وجودنا ككائنات فانية هي عكس ظروف وجودها.
حالة نفسية شجيّة
وهذه الملاحظة الأخيرة ليست تعبيراً عن حالة نفسية شجيّة مرتبطة بهشاشة وجود الإنسان، وإنّما هي استتباع لموقف رافض للقول بوجود ضرب من الاستمراريّة، بل وبانعدام التّمييز بين أشكال الحياة. وهذا الموقف الرّافض يستند إلى الإقرار بغيريّة جذريّة بين العالميْن. فالدّراسة التّاريخيّة والمعرفية للمسألة النّباتيّة، إذا جاز أن نصوغها على غرار المسألة الحيوانيّة، إنّما تُبين، حسب فلورنس بيرغات، على نحو مغاير انعدام التّمييز راهناً بين مختلف صور الحياة. ولكن، في تقديرها، أن انعدام التّمييز هذا إمّا أنه يستند إلى ضرب من التّماثلات عادة ما يتمّ اعتبارها تجانسات (النّباتات تتنفّس وتحتاج مثلنا إلى الماء، مثلاً)، وإمّا إلى استساغة الاستمراريّة على صعيد ما هو صغير للغاية (على الصّعيد الجزيئيّ، كلّ العضويّات تتشابه، فهي تستجيب لنفس المتطلّبات الوظيفيّة). وقد يعود هذا إلى الهيمنة الرّاهنة للبيولوجيا التي أضحت حقلاً معرفيّاً أكثر اختصاصاً وأكثر صلابة، ولكن التي أخلتْ أحياناً بُعدَ التّجربة المعيشة رغم أهميته. وربّما لعب الذّكاء الاصطناعيّ أيضاً دوراً في هذا العزوف.
تعدد الأنواع
وفي ردّها على ما يتضمّنه القول بالاستمراريّة بين عالَم النّبات وعالميْ الحيوان والإنسان تلجأ «فلورنس بيرغات» إلى منهج الظاهراتية، وخاصة إلى الفيلسوف الألماني «هلموت بلنسر» لتستعير منه التّمييز بين الحياة وأسلوب العيش. إنّ فكرة التّجربة المعيشة، المركزيّة ضمن المسار الظاهراتي، الذي تتبّناه «فلورنس بيرغات»، تبلور أساس الاختلاف الوجودي الجذريّ بين الصّيغتيْن الكبرييْن للحياة. فالأمر يتعلّق، مع الأخذ في الاعتبار بالتّعدد الهائل للأنواع، باستيعاب أنماط وجود من وجهة نظر ماهيتها. وها هنا تكمن مهمّة العمل الفلسفيّ.
فأسلوب العيش هو نمط وجود تأمّليّ «بضمير المتكلّم»، أي أنه يتعلّق بوجود جهاز عضويّ نفسي، هو الذّات، في حين أنّ الحياة هي هذه القوّة المدفوعة التي تزوّد الأجهزة العضويّة بالأعصاب دونما فرديّة ودونما ذاتيّة. وإجمالاً، يمكن القول إنّه لا يوجَد ما كان يسمّيه الفلاسفة الرّواقيّون «الواكيوسيس»، أي «نسب قرابة» نباتيّة. ولا يوجَد إذن ما يحول دون أن تمرّ النّبتة إلى جانب وجودها.
وهذا الخيار الرّواقيّ الذي يمكن تعريفه، على أنّه انتساب النّبتة إلى ذاتها هو مربط الفرس، إذن، وهو أنّه لا يوجَد وعي ذاتي نباتيّ، كما لا يوجَد أيضاً وعي ذاتي حيوانيّ. بيد أنّ الحيوان يتحرّك من نفسه، في حين أنّ النّبات يتحرّك بمفعول محرِّك خارجيّ.
تمثُّل ذهنيّ
يقرن علماء البيولوجيا والفلاسفة الملكات بالجهاز العصبيّ المركزيّ وبالدّماغ. فمن أجل الحصول على تمثّل ذهنيّ لابدّ من عقل « وإن كان هذا ما زالت الفلسفة مطالَبة بالبرهنة عليه». وعلى أيّة حال هو خيار نظريّ مقبول كما يلاحظ الباحث في الفلسفة والمختصّ في المسائل النّباتيّة، الفرنسيّ «كانتن هييرنو» Quentin Hiernaux، ولكنّه ليس الخيار الوحيد. فالأمر يتعلّق بعدَ كلّ شيء بمصادرة، ليس لها على أيّ حال أن تنفي إمكان العكس المتمثّل في أنّه يمكن أن يكون هناك حس أو فكرة من دون تمثّل. فالنّباتات ليس لها دماغ، لكن ذلك لا يمنعها أيضاً من أن تدرك محيطها.
شكرا لأهتمامكم