طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

(ثقافات)

طه درويش: أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!

إلى يحيى القيسي

لَمْ نَلْتَقِ في “لندن”.. يا يَحيَى !!

وَلمْ تَجْمَعنا أَيَّة عاصمة عَرَبِيّة..

حَيْث “مَرَرْنا” عابِرينَ ذاتَ أَزْمِنَةٍ انْدَثَرَتْ..

وَنَصَبْنا “خَيْمَتَنا” في صحارى وَمُدُنٍ..

على “قَلَقٍ” كُنّا فيها كَأَنّ الرّيح تَعصِفُ بالرّوحِ فينا..

وَالعاصِفَة مِنْ تحتِ أرجُلِنا تُطَوّحنا هائِمينْ !

وَأَفْنَيْنا في تِلْك البِلاد البَعيدَة والغَريبَة “سَنوات”..

سَنوات بِمَخالِبَ مِنْ نارٍ..

في لُجَّةِ هذي القاسيةِ الّتي تُسَمَّى “حياة”…!

وَها نَحنُ اليَوْمَ نَلْتقي..

بَعدَ عُقودٍ طوال..

بَعدَ سنواتٍ مِنَ التّيهِ عِجافْ..

هُنا في عمّان..

تِلْكَ المَعشوقَة الّتي غادَرناها، شَباباً، على أَجْنِحَةِ الأَلَم..

وُعُدنا إلَيْها، شَيْبَةً، على أَشْرِعَةِ الأَمَلْ!!

***

صديقي الرّوائي الجّميل.. والأَديب الأَنيقْ.. يَحيَى القَيْسي:

يا رفيق البدايات في “ورطتنا” مع الأَحرف والكَلِمات..

وَيا شَريكَ الرّكضِ المَحموم في “سِباق المسافات الطّويلة”..

سَعياً وَراء “فِردَوْسنا المفقود”..

أتراكَ تَذكُر.. أوْ تَتَذَكَّر..

كَيْفَ بِأَرواحِنا “قذَفْنا” ذاتَ جُنونٍ في جَحيمِ الكِتابَة..

مَسكونين بِأحلامِنا الحَمقاء..

مَدفوعين بِرؤانا السّاذجة بِأنْ نَرى العالَم أَجْمَل..

وَأنْ تَكونَ أيّامنا أَكْثَر جَمالاً.. وَحُريّةً.. وَعَدلاً.. وَ… وَإِنسانِيَةً!!

هَلْ عانَقْناهُ ذاكَ “الفِردَوْس” يا يحيى….؟؟!!

 أَمْ عانَقْنا  فِردوساً مِنْ “الأَوْهامْ” ؟؟!!

***

أيُّهذا الصديق النّبيل:

قُلْتَ لي في زمانٍ انْقَضى:

“رغم كل التبدّلات التي طَحَنَت أرواحَنا وأجسادنا بَيْنَ الغُربة والوطن.. الفردوس يقبع في أعماقِنا لهذا لَنْ نفقده يوماً.. وسنظلّ نقبض على جَمْرِ الكتابة حتى الرَّمَقِ الأخير.. لَعلَّها تَعصِمَنا مِنَ الطّوفان”!!

واليَوْمَ أُسائلكَ يا صديقي.. وَمِنْ قَلْبِ هذه العتمة:

إلى مَتى سَنَظلّ قابضين على جَمْرِ الكلماتْ..؟؟!!

وَهَلْ بِمقدور الكتابَة أنْ تَعصِمَنا مِنَ الطّوفانْ؟؟!!

وَإلى مَتى يا صديقي..

إلى مَتى يُمْكنُنا الاستمرار في لُعبَةِ “الوَهْمِ” هذه.. لُعبَةِ “الكَلِماتْ” ؟؟!!

*أكاديمي وإعلامي أُردني

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

تعليق واحد

  1. في نسيجٍ أدبيٍّ مُحكمٍ، يتفتّقُ جمالُ العذوبةِ بألوانٍ بديعةٍ. ينفتحُ النصُ على سؤالٍ شعريٍّ عميقٍ، “أَتكونُ الكِتابَة فِردَوْسَاً مِنَ الأَوْهامْ؟!”، ليُثيرَ تساؤلاتٍ حول طبيعةِ الكتابةِ ورابطتِها بينَ الواقعِ والحلمِ.
    ويَنسجُ النصُّ خيوطَ الذكرياتِ مع الحاضرِ بِعذوبةٍ، حيثُ يُعيدُ الصديقانِ النظرَ في أيامهما الغابرةِ، ليعودا اليومَ إلى مدينةِ عمانَ بعدَ عُقودٍ طوالٍ من التّيهِ. ويُزخرفُ حوارُهما الحميمُ بألقابِ الودِّ والمودةِ، مُعبّرًا عن عمقِ المشاعرِ بينهما.
    وتبلغُ الشاعريةُ ذروتها في وصفِ رحلةِ الكتابةِ، تلك “المسافةِ التي تشقُّ الأرواحَ بمخالبٍ من نارٍ”. وتُجسّدُ النداءاتُ الحارةُ والاستفهاماتُ المتتابعةُ عمقَ التساؤلاتِ والقلقِ الوجوديِّ حيالَ مصيرِ الكتابةِ.
    ويُضفي السّجعُ الجميلُ في عباراتٍ كـ”بَعدَ عُقودٍ طوال.. بَعدَ سَنواتٍ مِنَ التّيهِ عِجافْ” موسيقى شعريةً راقيةً، تُضفي على النصِّ سحرًا خاصًا.
    ويختتمُ النصُّ بسؤالٍ جوهريٍّ مفتوحٍ حولَ قدرةِ الكتابةِ على إنقاذِ الكاتبِ من “الطوفانِ”، مُثيرًا التأملَ لدى القارئِ حولَ دورِ الكتابةِ في حياةِ الإنسانِ.
    بمجموعِ تلك العناصرِ، يُعدُّ هذا النصُّ لوحةً شعريةً راقيةً، تجمعُ بينَ عمقِ الرؤيةِ وسحرِ اللغةِ وإيقاعِ الموسيقى، لتخلقَ تجربةً قرائيةً مُتَميزةً تُغني الروحَ وتُشركُ العقلَ.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *