“تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي عند فرويد للكشف عن الرغبات المكبوتة

(ثقافات)

“تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي عند فرويد للكشف عن الرغبات المكبوتة

 مدني قصري

في ليلة 23 تموز/يوليو من عام 1895 حلُم سيغموند فرويد بإحدى مرضاه السابقين، الشابة إيرما. كان هذا الحلم الغريب وغير المريح مصدر إلهامه لبدء أحد أشهر أعماله: “تفسير الأحلام”. في هذا التقرير نحلل فضوله.

منذ أن بدأ سيغموند فرويد في علاج مرضاه، كان يدرك أهمية الأحلام في حياة الأشخاص الذين يعانون من أمراض نفسية. فقد أثارته وأبهرته هذه الحقيقة والأعمال السابقة التي قرأها، مثل كتاب توماس براون في القرن السابع عشر حول تفسير الأحلام، وهكذا بدأ يشجع أي شخص يخضع للعلاج على أن يسرد له حلقات أحلامه.

وسرعان ما افترض أنّ هذه العمليات اللاواعية تكشف عن رغبات مكبوتة. الناس يخفون دوافعهم وصدماتهم المزعجة من خلال صياغة كوكبة كاملة من الرموز المخفية، وانطلاقًا من هذه اللحظة قرر فرويد أن يتعامل مع الحلم كعرض من أعراض محتويات اللاشعور المكبوتة، وأن يطبق طريقة صارمة للتفسير تعتمد على أساليب التحليل النفسي.

تفسير الأحلام هو النص الأكثر كلاسيكية في التحليل النفسي، وأنّ أي شخص يريد استكشاف النظريات الفرويدية الرئيسية سيجد هذا الكتاب كعمل أساسي

في عام 1899 قدّم فرويد كتابه إلى المجتمع العلمي، موضحًا أنّ شيئًا فوق إرادته دفعه إلى كتابته، قال إنّ الحدس يمسنا أحيانًا مرّة واحدة فقط في الحياة، ويجب أن نستفيد منه. من هذا الحدس وُلد أحد أكثر الأعمال إثارة للجدل في ذلك الوقت، ولكنه أيضًا أحد أكثر الأعمال حسماً في تاريخ علم النفس والتحليل النفسي.

يقول سيغموند فرويد: “النوم نوع من صمام أمان الروح”.

في بداياته استخدم فرويد التنويم المغناطيسي كعلاج، وفي وقت لاحق ساعدته هذه الطريقة أيضًا في تحليل أحلام مرضاه.

فضول كتاب فرويد في تفسير الأحلام

كانت إحدى الأطروحات التي دافع عنها سيغموند فرويد طوال حياته هي أنّ فهْم الأحلام يشبه امتلاك المفتاح الذي يفتح قفل اللاوعي، بعبارة أخرى كان على أيّ محلل نفسي يرغب في الحصول على رؤية كاملة لمريضه أن يستكشف إقليم الحلم الغامض لفهم تجربة يقظة المريض.

لذلك، وفقًا للتقرير الذي نشره موقع nospensees يمكننا القول إنّ تفسير الأحلام هو النص الأكثر كلاسيكية في التحليل النفسي، وأنّ أي شخص يريد استكشاف النظريات الفرويدية الرئيسية سيجد هذا الكتاب كعمل أساسي.

على الرغم من أنّ فرويد كان كاتبًا غزير الإنتاج وقدّم لنا ما مجموعه أكثر من 320 مقالًا ومقالة وكتابًا، إلا أنّ مساهمته الأكثر حسماً وابتكارًا كانت على وجه التحديد هذا العمل، الذي نُشر في الأصل تحت عنوان Die Traumdeutung تفسير الأحلام. فيما يلي إذن بعضٌ من أبرز محتويات كتاب تفسير الأحلام The Interpretation of Dreams.

سواء صدّقنا أم لم نتحقق من صحة النظريات التي تركها لنا فرويد حول نسيج أحلام الكائن البشري، فإنّ هناك حقيقة لا يشكك فيها أحد ألا وهي أنّ التأثير الثقافي والأهمية التاريخية لـ “تفسير الأحلام” أمرٌ لا جدال فيه.

  1. بدأ فرويد بتحليل أحلامه

رأى سيغموند فرويد حلمًا في عام 1895 أصبح حاسمًا في عملية البدء في تأليف كتابه. خلال صيف نفس العام قام بعلاج فتاة شابة تدعَى إيرما، والتي كانت صديقة للأسرة. لم يسِر العلاج على ما يرام وانقطعت الفتاة عن العلاج، وشعرت بعدم الارتياح مع ما كان يقدّمه لها فرويد.

اعتقد سيغموند فرويد أنّ الأحلام كانت في الواقع ألغازًا من الصور، أي قصص أحلام تخفي في الواقع معاني خفية

بعد بضعة أسابيع استفسر فرويد من أحد معارفه عن حالة الفتاة الصغيرة. أجاب هذا الشخص أنّ حالة إيرما النفسية لم تكن على ما يرام حقًا.

في تلك الليلة نفسها راود رائد التحليل النفسي كابوس قوي، حيث رأى نفسه مع مريضته السابقة في غرفة جلوس كبيرة. حاول أن يأخذها جانبًا لإقناعها بالعودة إلى العلاج. في هذه اللحظة تفتح الفتاة فمها ويبدأ جسدها في الامتلاء بالبثور والتشوهات. يدرك سيغموند فرويد أنّ هذا الحلم يكشف عن ضميره السيئ لأنه لم يساعدها عندما كانت بحاجة إليه.

  1. نجاح استغرق بناؤه وقتاً طويلاً

من بين طرائف كتاب فرويد تفسير الأحلام The Interpretation of Dreams تبرز حقيقة أنه لم يحقق نجاحًا كبيرًا بعد نشره. تم إطلاق طبعة أولى من 600 نسخة في السوق واستغرق بيعها أكثر من 8 سنوات. لم تقم أي مجلة علمية بفحصه ولم يستشهد به سوى عدد قليل من المنشورات.

في وقت لاحق، عندما اكتسب رائد التحليل النفسي سمعة سيئة حقق الكتاب في النهاية شهرة كبيرة. نُشرت سبع طبعات خلال حياة فرويد، وكَتب هو نفسه في النهاية نسخة أصغر حجمًا.

  1. اعتقد فرويد أن الأحلام كانت عبارة عن ألغاز من الصور

اعتقد سيغموند فرويد أنّ الأحلام كانت في الواقع ألغازًا من الصور، أي قصص أحلام تخفي في الواقع معاني خفية. صحيح أنه في بعض الأحيان تكون هذه اللوحات الحُلمية غريبة وحتى سخيفة أحيانًا، ولكن كما أوضح هو نفسه كان تفسير هذه العوالم شاعريًا للغاية وجميلًا في نفس الوقت.

لذلك كان لا بد من فك رموز رغبات المريض الخفية، وتلك الاحتياجات الغريزية المطبوعة في أعمق طبقات النفس.

  1. تقنية “التداعي الحر” في تفسير الأحلام

كان جوزيف بروير Breuer طبيبًا وعالمًا فيزيولوجيًا وعالمًا نفسانيًا نمساويًا وكان له تأثير كبير على حياة فرويد.

من خلال العمل المشترك بينهما في علاج المريضة آنا بدأت نشأة التحليل النفسي. كانت إحدى التقنيات التي استخدماها لعلاج هستيريا هذه الشابة هي التنويم المغناطيسي ومورد جديد أطلقا عليه اسم تقنية التداعي الحر.

واحدة من طرائف كتاب تفسير الأحلام لها علاقة بالتنبؤات. عندما كان سيغموند فرويد يكتب كتابه لم يكن مقتنعًا تمامًا بأنّ عمله سيكون له أي تأثير على المجتمع العلمي وعامة الناس

أثناء تفسير أحلام المرضى طبق فرويد هذه الاستراتيجية التي تعلمها من بروير Breuer وتتمثل في دفع المرضى إلى استحضار كل الأفكار المرتبطة بصور معيّنة في أحلامهم. وشيئًا فشيئًا كان فرويد يقودهم بنفسه في هذا الجهد إلى إخراج الأفكار والاحتياجات المكبوتة الأكثر مقاومة في لاشعورهم، وهكذا شكّل “تفسير الأحلام” بداية التحليل النفسي.

  1. لم تكن الرغبات المكبوتة هي كل شيء

صحيح أنه عندما نفكر في كيفية تفسير فرويد لصور ورمز الأحلام نفترض أن كل شيء تقريبًا، وفقًا لنظريته في التحليل النفسي مرتبط بالرغبات المكبوتة. ومع ذلك، كما أشار إليه هو نفسه فإنّ السيجار أحيانًا مجرد سيجار وليس رمزًا غرائزيًا بالضرورة: لم يكن لكل شيء أهمية غرائزية.

  1. حلم أصبح حقيقة

واحدة من طرائف كتاب تفسير الأحلام لها علاقة بالتنبؤات. بعد أمنية تحقق القَدَر. عندما كان سيغموند فرويد يكتب كتابه لم يكن مقتنعًا تمامًا بأنّ عمله سيكون له أي تأثير على المجتمع العلمي وعامة الناس. حيث قال ذلك لأحد طلابه وزملائه:

“هل تظن أنه في يوم من الأيام سيتم وضع لوحة رخامية في هذا البيت تحمل هذه الكلمات:” في هذا المنزل، في 24 تموز/يوليو 1895 تم الكشف عن سر الأحلام للدكتور سيغموند فرويد”؟ في الوقت الحالي لا أرى إلا القليل من الاحتمالات “. كانت هذه رسالة من فرويد إلى فيلهلم فلييس، بتاريخ 12 حزيران/ يونيو 1900.

هكذا أراده المستقبل. وقد تحققت أمنيته. في عام 1963 تم هدم البيت الريفي Belle Vue، المنزل الذي عاش فيه فرويد، ولكن تم لاحقاً وضع لوحة تذكارية تحمل نقشًا في شأنه.

التفسير الفرويدي للأحلام يستجيب لمبادرة توضيح جزء من حياتنا لا نعرف عنه إلا القليل جدًا حتى اليوم

تفسير الأحلام، بالنسبة للكثيرين ليس هو العمل الرئيسي لفرويد، على الرغم من أنه لا يزال إرثًا تاريخيًا لعلم النفس والفلسفة والفكر.

قراءة تفسير الأحلام مفيدة وممتعة لكل من الأشخاص العاديين والمتخصصين في علم النفس على السواء. الحالات التي يُخبرنا بها فرويد في كتابه تفسير الأحلام مليئة بالاهتمام والغموض وزنجار (صدأ) التحليل النفسي الأصيل.

من ناحية أخرى كانت الانتقادات الموجَّهة لهذا العمل كثيرة، وكثير منها على صواب. هناك نقص ملحوظ في الدقة العلمية في جميع صفحاته. لم يتم التحقق من صحة أفكاره في أي دراسة تم فيها عزل المتغيرات.

وهكذا فإنّ العديد من استنتاجات فرويد تفتقر إلى الدعم التجريبي. ومع ذلك لا تزال استنتاجاته هذه قيّمة ولا يمكن إنكارها.

خلاصة القول إنّ التفسير الفرويدي للأحلام يستجيب لمبادرة توضيح جزء من حياتنا لا نعرف عنه إلا القليل جدًا حتى اليوم.

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *