فرويد .. عن الكتابة الإبداعية وأحلام اليقظة


*ماريا بوبوفا / ترجمة : آماليا داود


خاص ( ثقافات )
” عكس اللعب ليس ما هو جدي بل ما هو حقيقي “.
درس فرويد في مقال بعنوان ” الكتابة الإبداعية وأحلام اليقظة ” _ عام 1908 _ التخيلات والكتابة الإبداعية ، وقد لاحق جذور الموضوع في الطفولة، مشدداً على أهمية الاستثمار العاطفي في الكتابة الإبداعية : 
“ألا ينبغي لنا أن نبحث عن أول أثر للنشاط التخيلي في وقت مبكر في مرحلة الطفولة ؟ فأفضل ما يحبه الطفل وشاغله المكثف هو اللعب و الألعاب . ألا يمكننا القول أن كل طفل في اللعب يتصرف ككاتب مبدع ، و يخترع عالمه الخاص ، أو بالأحرى يعيد ترتيب الأشياء في عالمه بطريقة يرضى عنها؟.
ومن الخطأ أن نفكر أنه لا يأخذ عالمه بشكل جدي بل على العكس ، فإنه يأخذ اللعب بشكل جدي ويستثمر عاطفة كبيرة فيه . وعكس اللعب ليس ما هو جدي بل ما هو حقيقي . بالرغم من كل العواطف التي يركزها في عالم اللعب ، يميزها الطفل بشكل جيد عن الواقع ، بل ويميل لربط أشيائه والحالات المتخيلة بأشياء ملموسة ومرئية في عالمه الحقيقي . و هذا الربط هو كل الفرق بين ” لَعِب ” الطفل و ” التخيل “. 
و الكاتب الإبداعي يفعل نفس ما يفعله الطفل عندما يلعب ، فيخلق عالماً من التخيلات يأخذها على محمل الجد ، ويعني هذا أنه يستثمر عاطفة كبيرة _ بينما يفصلها بشكل حاد عن الواقع . “
ثم يتحدث فرويد عن جداول زمنية للعملية الإبداعية : 
العلاقة بين الخيال والوقت بشكل عام موضوع مهم، يمكننا أن نقول إن تأرجحه بينما يتشكل، على ثلاث مراحل زمنية ، ثلاث لحظات من الزمن تشمل تشكيل الأفكار أو المفاهيم . يرتبط العمل العقلي مع بعض الانطباعات الحالية ، بعضها يثير أحداثا في الوقت الحاضر و التي تستطيع أن تثير واحدة من أكبر الرغبات الرئيسية لهذا الموضوع .و من هنا تعود إلى ذاكرة من تجربة سابقة ( عادة تكون ذاكرة الطفولة ) حيث تكون هذه الرغبة قد تحققت ، و الآن تُخلق حالة متعلقة بالمستقبل التي تمثل تنفيذ تلك الرغبة . و هو بالتالي يخلق أحلام اليقظة أو الخيال ، و التي تحمل معها منشأ هذه الحادثة التي حرضتها و من الذاكرة أيضاً ، و مع ذلك الماضي والحاضر و المستقبل يترابطون معاً ، كما لو أنها خيط من الرغبات التي تمر عبرهم . 
بعد ذلك يجمع التشابه بين الكتابة الإبداعية و اللعب : 
” نص من الكتابة الإبداعية تشبه أحلام اليقظة ، أنها تواصل و بديل عن اللعب في الطفولة “. 
و يُكمل فرويد من أجل أن يستكشف الطبيعة السرية لأحلام اليقظة ، مشيراً إلى عنصر العار الذي يمنعنا من مشاركتها مع الآخرين : 
” كيف يحقق الكاتب هذا هو سره الأعمق ، يكمن فن الكتابة في تقنيات التغلب على مشاعر التنافر فينا والتي تتصل بما لا شك فيه مع الحواجز التي ترتفع بين الأنا و الآخر ، و يمكننا تخمين أسلوبين يستخدمها الكاتب في هذه التقنية . الكاتب يخفف الشخصية المتعقلة بأحلام اليقظة الأنانية ، عن طريق تبديلها وإخفائها ، و يرشونا بالشكل المحض الجمالي المنبثق من المتعة التي يقدمها لنا في عرض تخيلاته .و نعطيها اسم المكافأة التحفيزية ، أو المتعة الأولية ، والتي تعود من متعة مثل هذه ، و التي تـُقدم لنا كي تجعل إطلاق المتعة ممكناً و التي تنبثق عن مصدر نفسي أكثر عمقاً .و في رأيي ،كل المتعة الجمالية التي يقدمها لنا الكاتب الإبداعي لها طابع المتعة الأولية من هذا النوع ، ومتعتنا الحقيقية بعمل متخيل هو التحرر من التوتر في أذهاننا ، و هذا التأثير يرجع إلى أن الكاتب يُمّكننا من ذلك الحين فصاعداً بالاستمتاع بأحلامنا اليقظة دون لوم الذات أو الإحساس بالعار”.
____________
المصدر brainpickings 

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *