كأس وظلال

(ثقافات)

كأس وظلال

عبد القادر بوطالب

تلك الظلال التي طوت تفاصيل أجفاني

سارت خلفي

ما عادت كما كانت

ما  عادت وارفة

ما عادت

 تعرف أسرار الطين

ما عادت

تصغي  لصمت الظلال

سارت صرخة في مجرى البدايات.

سرقت مني أخر الليل؛  وموعدي مع الصباح

صارت  هي الأخرى ظلال تطاردني،

وفي الصباح تصير ظلال امرأة   ونداء للرحيل.

ما عادت الكأس كأسا ولا الظلال ظلالا

كل شيء هده الجنون؛

هده اليأس والقيد.

فقد ت ظلي

صار الكأس ظلي

صار ظلي يرقص داخل كأسي

ويطوف  بالكأس

أهيم في البلاد لعل طيف ظل ينهض يبن الأحجار

يلامس كفه دروب  أجفاني

فلا أرى أرضا للطواف غير هذه الكأس الهاربة

من ظلال  مثقلة بالضلال والتيه.

  أفقد رأسي وما تبقى من ظلي داخل كأسي،

فيطول ليلي

وتحترق الحدود بين الكلمات .

 أسلم للرياح أنفاسي ودفاتري

كي أقرأ بقية الأخبار.

وأنسج لهذه الجماجم المعلقة في أخر الطريق ظلالا من لحن المساء.

فطريق من رحلوا،

  ويرحلون،

 أمست طيف نخلة في الصحراء،

و ظلالا،

 تبكينا

تفرحنا

وتتمدد فوق  ظلنا المنكسر على الاسفلت  الدامي،

وتنشد مديحا للكأس التي   كانت أول القبلات  وأخر الكلمات،

 ودليلا لمراكب الصيد

 حين تختفي

وحين تلوح من بعيد

 و حين نستقبلها وطيور البحر في صباحات الموانئ  الكئبية في بلادي،

وهي ترسو كظل  فقد ظله؛  وتملكه الحنين لكأس شاي ساخن.

يدور ظلي؛  كما الكأس تدور في بلاد

صارت تحصي الخطايا والنساك  وبائعي الكتب.

أفقد ظلي

أسظل بكأسي

أعوذ بالكأس التي ناءت بظلالها وضلالها،

بالكأس التي أشعلت نارها، وسكبت قوافيها على  أطراف سريري.

يستقيم الظل

هو منتصف الرحلة؛  إذن.

أيقنت حينها و الظلال تتهاوى،

على صوت المنادي:

الرحيل، الرحيل، الرحيل.

 أيقنت

أن هذه البلاد  من أقصاها لأقصاها  صارت مدينة للظلال وكومة  كلمات حزينة

تبكي الأشجار والأحجار

والطيور في السماء

أيقنت

  أن عناق العشاق في بلادي صار

عويلا خلف ظلال تتمدد

وأيقنت  أن  همس   الموت

يجرف  زرقة البحر  وغروب الشمس

حين أغفو

 وأكمل  دوراني

 ويتوسط الظل  استدارة الكأس، وننام  بلا أغنيات ،

ويطوي البياض شوارع تسكنها الظلال

وهذه الكأس التي صارت منفى في مدائن تنسج الأكفان والطغيان والأحزان

وتجبرنا على الطواف بالكأس

وحدها القطط على ناصية الطريق

شاهدة على قهر الخيام

 تراقب  الرحيل وتعب السنين

على وقع خطانا المتعبة على  الاسفلت   المسجى على صدور الراحلين

دوران الظلال يفتح أشرعته على صحوة الرأس

وآذان ا لساقي؛ وهو يلامس خضرة العينين،

يعانق حكايات الظلال، وقد صارت منارة للعارفين

وفيض خاطر استراحت عند ظلال كأسها الجريحة

حكايات طوت برمادها أسرار أقدارنا،

وجثمت بثقل جدرانها على الشفاه التي سكنت نبع الصخر

وجف حلقها على نبض الكأس الأخيرة.

حين أدركنا الرحيل،

وأدركنا

أن هذه الكأس كانت ركضا

خلف ظلال

تنتهي بنا

 وراء ظلال .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *