الزهايمر – نص

(ثقافات)

الزهايمر

افتتاحية الثلج

أميرة عزيزي

 

الذكريات كالثلج باردة وبيضاء، وفي أعماق أعماق قلبك الدافئ يكمن الثلج، يتهاطل كلما غيمت روحك واسودت، وأنا الآن خلف معطفي الصوفي، قلبي الدافئ يهطل ثلجا.

هذه قهوتي أحتسيها ببطئ، كوبي أبيض من الفخار، أذكر أنني أحن إليه بطريقة لا أفهمها، ألأن نقوشه العربية وزخرفته تعبر عن هويتي ؟، بخار القهوة يحدث وقعا غريبا على أنفي، أحس بقطرات تعلو (حدبته) إنها تمازحني لا أكثر، لأنها ستجف بعد قليل كأنها لم تكن.

من ترك نافذة الغرفة مفتوحة ؟، إن الثلج كما قال حنا مينه يأتي من النافذة، ألا يخافون علي أن أصاب بنزلة برد ؟، هم لا شك يعلمون ذلك جيدا ولكن ربما كان اليوم مشمسا على غير عادته، أين ذهب الجميع ؟، أنا أذكر بعضا منهم، هل نسيني بقيتهم؟.

أنا الآن أحس بالبرد، سأتدثر مليا بمعطفي الأسود، لي قفازات خضراء ابتاعها لي جدي عندما كنت في العاشرة من عمري، لا لا، لا بأس، أحس كفا تمسح وجهي، تمسح نتوءات الثلج عن جفون عيني، أنا أعرف هذه اللمسات الرقيقة، أجل أنا أعرف هذه الأنامل الناعمة، رائحة ورد تفوح منها، رائحة الدنيا بأكملها، أنا الآن أحس براحة تغمر كامل جسمي، أحس بأن جوارحي هدأت، أنا أعرف هذه الكف، إنها أمي، نعم أمي، إنها نبع الرحمة ونبع الحنان.

كنت صغيرا حينها، أرتمي بين أحضانها، كان قلبي يخفق بشدة كلما اجتاحني الخوف، كان لي صديق يحلم كثيرا، كنا نجول في الغابة لنقطف النرجس والأقحوان، ونشيد بالقصب أسوارا لقلعتنا، إن الغابة حية من الداخل تنمو بصمت، إنها باردة جدا، كلها ظلال ونسيان، لقد نسيت كل شيء، ألأنني أحس بالبرد ؟.

سأشرب قهوتي كلها، لعلها تدفئ روحي، لا لا، لقد بردت أيضا، وحتى الكوب صار أشبه بقطعة جليد جوفاء، إنه يدور من الداخل مثل الإسطوانة، يفقدني صوابي، رأسي تؤلمني، سأغمض عيني.

أين أنا ؟، ماذا تفعل أنت أيها الرجل ؟، لا لا، لا أعرفك؟، اقترب قليلا، أنت تشبهني قليلا، لماذا تبتسم، ألأنك تشبهني ؟، مهلا !، تذكرتك عندما ربطت خيوط حذائي تذكرت كيف كنت تعلمني هذا، كانت نظراتك قاسية قليلا حينها، ألأنك ؟، أبي، أنت أبي، نعم، لقد وعدتك بأن أجتاز الباكالوريا، ووعدتك وعودا كلها التزامات، هل حققت ما كنت تأمل، لا أدري.

لحظة !، أنا لا أرتدي حذاء، إنه نعل بلاستيكي، لقد أهدته لي فتاة كانت تطمح أن تسعدني، حتى ولو كان الثمن قليلا، إنه نعل رخيص الثمن، لكنه غال على قلبي، به وخز قليل في الجانب الأيسر ولكن أين أخته اليمنى، أخته ؟، أختي !، لقد أهدته لي أختي، تذكرتها، أحن إليها، أحبها، ما هذه الدموع، أنا أشعر بالبرد، ردو هذه النافذة، ألم، صداع، الثلج يهطل، أين قفازي فأصابعي تجمدت، أنا أبكي، أخاف أن تتجمد دموعي قبل أن يهدئ الثلج، ليت النهار كان مشمسا، ربما !، لقد خرجوا جميعا وتركوني وحيدا ….

*كاتبة تونسية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *