(ثقافات)
قال الشهيد… قالت غزة «حوارية»
• عمر أبو الهيجاء
قال الشهيد:
ليلُ المدن طاعن بالسواد،
لا فضاء في لغة المسافة يكتمل،
هنا عبروا الأرض،
ذبحوا الذاهبين إلى الشمس،
وكل المناديل في أكف الصبايا تشتعل،
ولم.. يرحلوا،
وأنا خلف أصواتهم أنتظر،
كانت السهول بوهج الدمع تغتسل،
ويحملني دمي لنشيد شجري في الطرقات،
وكل المنازل بالدم تكتحل،
أنا ابن دمي،
بدء الطلقات،
أول الداخلين إلى الحلم،
وحلمي بموجي يحتفل.
قالت غزة:
قمصان جسدي ملوثة،
ممزقة، ورائحة البارود فى الشوارع صاحية،
وأنت تعد نشيدك، وخطى الدرب،
تمضى بين يديك الكفن،
لا تؤجل صلاتك في بوابة العشق،
مرّوا جميعهم على جرحك،
وغابت عنك المدن،
لا لم تعد بنادق أخوتك صالحة،
بنادقهم أصابها العفن.
قال الشهيد:
أنا رقصة البحر،
نشيد طفل في مدرسة الريح،
حجارة أهل الضفة،
أصوات فلسطين حين تغني،
حين تعزف لحن العاصفة،
أنا جرس اللحظة،
موسيقى الطلقة،
والقصيدة الواثقة،
تموت الأمنيات في الدواوين،
الشهداء وحدهم لا ينامون،
صورة الفجر في أعينهم ناطقة،
هزي يا غزة أغصان المدائن،
تساقط أوراقهم في ساحات الوغى ناشفة،
ما كان من صوت دمي،
سوى شمس معلقة من جديلتها
وهذي الخيول الصاهلة.
قالت غزة:
إن عزَّ في الأجساد النبض،
خذني كي أحتطب الروح،
في ذاكرة الشوارع،
سطرا من الشعر في قاموس الرفض،
أنا سيدة البحر،
تفاصيل الهواء، أغنية الماء،
في خاصرة الوطن،
انفلات الناي،
أنا أنا.. الأرض،
غير أني لم أنم على جرحي،
هنا فوق رصيف الموت صحوت،
وصحت على بعد شهيدين،
وأكملت النشيد،
هنا أنا.. وأنا هناك،
أقرأ تفاصيل من رحلوا،
ومن جاؤوا بفن القتل،
أنا مهرة الشهيد ودفتره الناري،
أنا العرس.. أنا.. أنا الثورة،
هنا قرب البحر، مددت صدري جسرا،
لتعبر هذا الزمن،
يا ولدي كل البلاد تغفو على دمك،
وأنت وحدك تمضي،
راسما شكل الحياة.
قال الشهيد:
ريح تمضى محملة بالريح،
رأيت الزيتون عاريا،
رأيت خيمة الوقت ممزقة،
وزناد البنادق مكسرة،
وفي الأيدي تصيح،
أنا نجم الليل، أجمع بقاياي في أتون الحرب،
أمضى من موت إلى موت،
معي، دمي، وحكاية امرأة
لفت حول خصرها شوك الدرب،
يا غزة..
ها دمنا في المتاريس مضاء،
والطائرات تلهو بنا،
جرحنا، لغتنا، وشمنا اللاهبة.
قالت غزة:
حنانيك وأنت تمضي الى آخر الرصاص،
حنانيك وأنت في خيبة السكوت تقرع الأجراس،
جميعهم مرّوا على جرحنا، أشعلوا الشمع،
وأقاموا لنا الأقواس،
حنانيك يا ابن الرقص المجنح،
هاك ما تبقى من نبض في العروق،
أطلق خيلك في مواسم الجفاف،
غنِّ ما شئت من سورة الموت،
أقم فينا رقصة الميجنا،
واشعل في الميتين لغة النار.
قال الشهيد:
حملتني الشهقات،
حملتني الطعنات،
إلى سجدة الروح في احتدام البارود،
وفوق حدود الموج،
احتشدت بوجهي،
حاصرت الإعصار،
قلت: أهبط نحو الأرض،
وفي ذاكرة الرمل أرتفع بالخطو،
تماما كما الرعد،
وأعانق من لهفتي زرقة البحر،
أمعن كثيرا في الإبحار،
هنا أنا،
أفتح القلب،
تمتد الشمس نحوي،
أتهجى كل اللغات،
وفي لجة الليل أشرع كل الأسئلة لوجه النهار،
قالت غزة:
هذى قناديلي ديوك تهتف،
وأنا في أول الضوء أقف،
عن كتفي يفرُّ الحمام،
راقصا ويعصف،
ورائحة العشب تمضى لصلاة الحراب،
مجبول بغيم المأساة أنا،
وفوق ثريات الجسد،
يرقص فوضويا هذا الخراب،
وأنا مثقلة أصغى لوصايا السيف،
أتعمد بحناء الجرح،
تعبرني أغبرة اللحظة المارقة،
أتكاثر مثل السنابل في الحقول.
قال الشهيد:
قل إنه الفسفور الأبيض يهوي،
يهوى على أفق الطفولة وهدأة المكان،
ينام الطيبون.. أحلامهم تسعى،
مزنرة بنجمتين وحصان،
أيهذا اللحم المتطاير على حافة الكلام،
ما ظل في الكف أصابع تشير،
العمر غدا غبار في غبار،
قل إنه الفسفور الأبيض يهوي،
تنهض البلاد من جلابيب الفراغ،
رمحا، أغنية، ما غفت أحرفها في شفاه الأرض،
لكنها راقصت القمح والسفح،
عانقت الإنسان،
قل إنه الفسفور الأبيض يهوي،
ولم أزل أصعد قامة الليل،
أسرد على ذاكرة الجرح،
ما علمني الله سرَّ دمي،
كيف الصعود إلى برّية الشمس،
قالت غزة:
تيّبس السؤال في خواطر الماء،
تيّبس في ملامح الأمهات،
أنقش الآن في زند الوقت فوضاي،
أباريق ناري،
أطلق عصافير السهل ،
للداخلين حلم العشب والتراب،
غير أن الموت كامن فينا،
كامن في حلق هذي الجهات.
قال الشهيد.. قالت غزة:
المـــــــوت معـــــراج
…. الحيـــــــــاة
الموت معراج الحياة.