زكريا تامر: النمور في اليوم العاشر وتدجين الشعوب والحكومات!

(ثقافات)

زكريا تامر: النمور في اليوم العاشر وتدجين الشعوب والحكومات!

زياد أحمد سلامة

  زكريا تامر كاتب مبدع في القصة القصيرة، وله عدة مجموعات قصصية، كانت أولاها ” صهيل الجواد الأبيض”، وصدرت الطبعة الأولى عن دار مجلة شعر في بيروت عام 1960.وآخرها مجموعة ” ندم الحصان” وصدرت عام 2018. وله عدد من قصص الأطفال أيضاً.

  زكريا تامر أديب سوري وصحفي وكاتب قصص قصيرة، يُعد أحد أبرز كتاب القصة في العالم العربي، ولد بدمشق عام 1931، اضطر إلى ترك الدراسة عام 1944. شارك في تأسيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا، وترأس سابقًا قسم الدراما التلفزيونية السورية.

بدأ بكتابة القصة القصيرة والخاطرة الهجائية الساخرة منذ عام 1958، والقصة الموجهة إلى الأطفال منذ عام 1968. ترجمت كتبه القصصية إلى الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والإيطالية والبلغارية والروسية والألمانية.

  وسبق له أن عمل في وزارة الثقافة ووزارة الإعلام في سوريا، ورئيساً لتحرير مجلة «الموقف الأدبي»، ومجلة «أسامة»، ومجلة «المعرفة». كما ساهم في تأسيس اتحاد الكتاب العرب في سوريا أواخر عام 1969و عمل في مديرية التأليف والترجمة في وزارة الثقافة بدمشق، ونائباً لرئيس اتحاد الكتاب العرب. وكان رئيسا للجنة سيناريوهات أفلام القطاع الخاص في مؤسسة السينما في سوريا، أقام في بريطانيا منذ عام 1981، ويُعتبر من معارضي النظام السوري ومؤيدي الثورة التي نشبت في سوريا عام 2011م.

 “النمور في اليوم العاشر”

   كتب “زكريا تامر” هذه القصة ضمن مجموعته القصصية التي تحمل اسم القصة نفسها، وقد صدرت عام 1978م عن دار الآداب في بيروت.

  قصة ” النمور في اليوم العاشر” قصة قصيرة رمزية، تتحدث عن علاقة الحكام أو المستعمرين بالشعوب، فالحكام والمستعمرون يعملون على أن تكون الشعوب خاضعة لهم تفعل ما يريدون، واختار “تامر” أسلوب الضغط من خلال التجويع، وجعل هذه الشعوب محتاجة للحكام في كل شيء، بحيث لم يعد بإمكانهم الخروج على حكامهم بسبب القيود التي وضعت في أعناقهم.

   تقوم فكرة القصة على وقوع “نمر” في أيدي مجموعة من الصيادين، فيتولى كبيرهم تعليم مجموعة الصيادين كيف يتم ترويض النمور حتى تغدو خاضعة تماماً له؛ ويستطيع أن يصل بها لدرجة أن تتماهى معه فتعرف ما يريد وتتصرف بناء على ذلك حتى قبل أن يطلب منها شيئاً؛ ولو كان غائباً غير موجود.

 في الدرس الأول لتعليم الصيادين يبين المروض نقطة الضعف عند النمور (أو الشعوب) والتي من خلالها يمكن السيطرة عليهم، وهذه النقطة هي (الطعام والغذاء / أهم حاجات الكائن الحي العضوية والتي بدونها سيموت) فقال المروض للصيادين:” ان معدة خصمكم هدفكم الأول”.

  يبدو المروض واثقاً من خطته فقال لهم: “إنه نمر شرس متعجرف، شديد الفخر بحريته وقوته وبطشه. ولكنه سيتغير ويصبح وديعاً ومطيعاً كطفل صغير. فراقبوا ما سيجري بين مَنْ يملك الطعام، وبين مَنْ لا يملكه. وتعلموا”.

  ثم تبدأ عملية الترويض، فعندما طلب النمرُ الطعامَ، أفهمه المروض أنه لن يحصل عليه إلا إذا فهم أنه خاضع تماما له:

المروض: أنت مرغم على إطاعتي؛ لأني أنا الذي أملك الطعام.

النمر: ـ لا أريد طعامك.

المروض: إذن جُعْ كما تشاء، فلن أرغمك على فعل ما لا ترغب فيه.

ولكن في اليوم التالي وبعد أن عض النمرَ الجوعُ طلب طعاما، أي بدأ بالخضوع والاستجابة لطلبات السيد الذي يملك مقدرات الحياة من الطعام والشراب.

 وهكذا كان المروض يقوم في كل يوم بضغوطات جديدة على النمر ويطلب منه تنازلات جديدة، وفي المقابل كان النمر يستجيب ويمتثل لما يريده مروضه، وإن كان على مضض؛ حتى إذا كان اليوم الثامن، قال المروض بأنه سيلقي مطلع خطبة، وحين ينتهي فعلى النمر أن يصفق إعجاباً.

  كان هدف المروض أن يجرد النمر من إرادته وشخصيته تماماً ويدخله زمرة المنافقين. فقال النمر

سأصفق. فابتدأ المروض إلقاء خطبته، فقال:

ـ أيها المواطنون، سبق لنا ـ في مناسبات عديدة ـ أن أوضحنا موقفنا من كل القضايا المصيرية. وهذا الموقف الحازم الصريح لن يتبدل، مهما تآمرت القوى المعادية. وبالإيمان سننتصر.

قال النمر: لم أفهم ما قلت.

قال المروض: ـ عليك أن تعجب بكل ما أقول، وأن تصفق إعجاباً به.

قال النمر: ـ سامحني أنا جاهل أُميٌّ، وكلامك رائع. وسأصفق كما تبغي. وصفق النمر.

ولكن المروض أبدى احتقاره لعملية النفاق المكشوفة هذه، فقال:

ـ أنا لا أحب النفاق والمنافقين. ستُحْرَمُ اليوم من الطعام عقاباً لك.

وفي اليوم التاسع جاء المروض حاملاً حزمة من الحشائش، وألقى بها للنمر، وقال:ـ كلْ.

قال النمر: ـ ما هذا!. أنا من آكلي اللحوم.

قال المروض:ـ منذ اليوم، لن تأكل سوى الحشائش.

ولما اشتد جوع النمر حاول أن يأكل الحشائش، فصدمه طعمها، وابتعد عنها مشمئزاً. ولكنه عاد إليها ثانية. وابتدأ يستسيغ طعمها رويداً رويداً.

  وهكذا انتهى الأمر بالنمر إلى أن تخلى عن طبيعته، وتحول إلى كائن ممسوخ آخر.

  وهنا نجحت خطة المروض؛ ليس في ترويض النمر وتحويله إلى حيوان أليف، بل تم تحويله تابعاً له، ليس له شخصية ولا هوية ولا كيان.

  ولما كان اليوم العاشر والأخير: اختفى المروض وتلاميذه والنمر والقفص؛ فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة.

  فلم يعد الأمر بحاجة لوجود المروض وتعريض النمر لمزيد من الضغوطات ولا الطلب منه المزيد من الطلبات، فقد غدا “النمر” تام البرمجة، فيستطيع التصرف كما يريد المروض حتى في غيابه.

  الجملة الأخيرة في القصة:” فصار النمر مواطناً، والقفص مدينة” إشارة إلى التحول الذي شمل الجميع، ليس النمر فقط، بل سائر (الناس) الذي تعرضوا لنفس الظروف القاهرة، وصار الفضاء العام ـ المجتمع ـ قفصاً يحتوي الناس داخله، أي صار المجتمع سجناً كبيراً.

  إخضاع الناس لضغوط كبيرة من خلال الضغط على لقمة العيش والحرية التي رمزت إليها (الغابة) في هذه القصة هي لعبة الحكام مع الشعوب، والاستعمار ،  ولعبة الدول الكبرى مع دول العالم الثالث (عالمنا) إذ استدرجتنا الدول الكبرى وشدت الحبل على رقابنا من خلال ربط اقتصادات الدول العربية وكل الدول القائمة في العالم الإسلامي من خلال القروض لا سيما ذات الفوائد المرتفعة، ومن خلال جعل هذه الدول تعتمد على مساعدات الدول الكبرى، ومن خلال ربطها بالمعاهدات والقوانين الدولية التي تمت صياغتها لتخدم الدول الكبرى، حتى غدا العالم العربي والإسلامي حاله حال (النمور في يومها العاشر)، فبعد أن كان العالم الإسلامي حراً قوياً معتمِداً على نفسه، أصبح (مبرمجا) ينفذ الطلبات المطلوبة منه حتى لو لم تتقدم بها الدول الكبرى القوية ، التي استطاعت ترويض النمور.

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *