قراءة متأخرة لرواية أبناء السماء ليحيى القيسي

(ثقافات)

قراءة متأخرة لرواية (أبناء السماء) ليحيى القيسي

 زينب السعود

زينب السعود

هل هو شيء جيد أن أن أكتب عن رواية صدرت قبل ثلاثة عشر عاما تقريبا ؟

في الحقيقة إجابة هذا السؤال ليست من الأشياء التي تؤرقني كثيرا ذلك لأنها مرتبطة بشكل ما برأي الآخرين وانتقادهم ربما  لقراءتي المتأخرة لرواية صدرت عام 2010 للأديب والصحفي الأردني يحيى القيسي . وأراء الآخرين حول عمل ما يخص إنسانا معينا لديه أسبابه لم تعد من الأشياء الهامة ، ما دام لم يمارس ما يزعج العقل الجمعي الذي يتلاقف الأخطاء والعيوب والتقصيرات والنكوصات على الأعقاب.

عندما قررت أن أقرأ ليحيى القيسي – وهو قرار متأخر كثيرا فوت علي فرصة التعرف إلى قلم هام في الكتابات الأدبية القائمة على عنصر المعرفة – كان أمامي خياران : أن أقرأ حيوات سحيقة أولا ثم اقرأ ما قبلها أو أبدأ من القديم ثم المتابعة مع الأعمال اللاحقة . وحيث أن الحصول على ( حيوات سحيقة ) تعذر علي لأسباب خارجة عن إرادتي فقررت أن أبدأ بالمتاح فكانت ( أبناء السماء ).

لا بد أن أعترف ابتداء أنني لست من الذين يحبون الخوض في عالم الغيبيات أو الماورائيات بشكل عميق لأنني كنت ولا زلت أعتقد ان العالم الذي يعيشه السان بحيثياته الواقعية فيه من الشاغل الفكري والبحثي والفلسفي الكثير مما يجعل البحث في العوالم التي يظن البعض بوجودها بناء على تأملات خاصة أو ظروف ومواقف معينة .ولكن ما يترسخ في قناعتي ليس من الضرورة أن يكون راسخا لدى الجميع . فالعقل وعاء يمتلئ بما يتشكل لدى الشخص من قناعات وأفكار ورؤى حول مسائل الحياة برمتها ، والأديب المعرفي الذي يرتكز في كتاباته على معرفة خاصة تنامت لديه لا بد أن تنبئنا كتاباته بكنه المعرفة التي يمتلئ بها عقله ووجدانه .

في بداية رواية أبناء السماء يحذر القيسي القارئ بقوله ( أما وقد وصلت إلى هذا الباب فاعلم إنك إذا ولجته لن تستطيع العودة إلى الوراء) وهو إشارة واضحة منذ البداية أن ما سيأتي في ثنايا الرواية سيتصادم ربما مع القناعات المعتادة والرتيبة لدى عامة الناس فإذا كنت أيها القارئ لست مستعدا للدخول في المتاهات ( فاحذر وعد من حيث أتيت ) .

وعلى الرغم من هذا التحذير إلا أنني تابعت المسير لأنني أريد الفهم وأريد العلم وأريد أن أرسو على بر خاص بي ، كما لم يفعل بطل الرواية الذي كان معلما يعلم الفضائل لطلابه في النهار ثم يتحول إلى صياد للكنوز في الليل .والبحث عن الكنوز والحفريات والذهب قصة لا يكاد بيت من بيوت الأردن من شماله إلى جنوبه لم يسمع بها وربما مارسها البعض خفية حتى عن أهل بيته وهي من الممارسات والأعمال التي يشوبها الحذر والقلق والخوف ليس فقط الخوف من القانون الي لا يسمح بها بل من أجواء الرعب المحيطة بها وهو ما أشار له الكاتب ابتداء عندما حدثنا عن صرة البخور والمشعوذة المغربية وتعازيمها وهي الأدوات الأولى التي يستجلبها فيما يبدو صائدو الكنوز وحفاروا الذهب . بالمجمل إذا أردت أن أصف شعوري الخاص بعد إتمام رواية أبناء السماء ليحيى القيسي أرى أنني خرجت منها بفكرة أشمل وأعمق من مجرد فكرة البحث عن عوالم أخرى .تلك هي فكرة الخروج من مرحلة الشك إلى مرحلة اليقين . فالتطور الذي طرأ على الشخصية الرئيسة في رحلة صراعها الفكري وبحثها وتأملها جعلها تنسف قناعاتها السابقة من اللا إيمان إلى الإيمان ومن الإنكار إلى التسليم ومن البعد والتخلي إلى القرب الروحي الشفيف الذي يشير إلى حالة صوفية رقيقة .

الرواية مجموعة من الأفكار والتأملات والمحاكمات التي تستند إلى وعي ربما يتجاوز بعض الخطوط ولكنها تبقى عملية أدبية تخيلية تثير في القارئ تساؤلا وتفتح أمامه أفاقا كثيرة للتفكير وشخصيا أحب أن أقرأ أعمالا حديثة للكاتب يحيى القيسي وأعترف أنني ممن يعقدون المقارنات بين نتاج وآخر للأديب نفسه ، لأمر يتعلق بي وبرغبتي في تتبع التطور والنمو الذي يطرأ على الفكرة والأسلوب وغيرها من أدوات الكتابة .

أخيرا ، في إحدى المقابلات التلفزيونية وجهت المذيعة سؤالا للقيسي عن أثر البيئة في كتاباته ، قال أنه ابن قرية ( حرثا ) التي تحفل بالآثار وتطل على نهر اليرموك الذي حدثت به الموقعة الشهيرة ، وهي أيضا كجغرافيا تطل على سوريا وفلسطين فهذه المنطقة برأيه لها خصوصية تدفع الإنسان إلى التأمل والتفكر ، وربما ساهمت في بلورة بعض الأحداث والانشغالات التي قامت عليها الرواية .

* روائية أردنية تقيم في الكويت

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *