قصيدتان لكارولين فورشيه ”الزائر” و ”الكولونيل”

(ثقافات)

قصيدتان لكارولين فورشيه

”الزائر” و ”الكولونيل”

‎ترجمة : د. سارة حامد حواس

الزائر

‎يَهمسُ بِالإسبَانيةِ  ، لم يَعُد في الوَقْتِ  بَقِيةٌ ؛

‎يَسمَعُ صوتَ المَنَاجِلِ و هي تنحني على القمحِ  ؛

‎و صدى آلام لبعضِ الأَغَاني التي تُغَنَّى في حقولِ  السَّلڤادُور ؛

‎تهبُّ الرِّيحُ جانب السِّجنِ بِحَذَرٍ ؛

‎كَيَدَيّْ فرانسيسكو اللتين تَلمَسان الجُدرانِ بِالداخِلِ .

‎يَسمَعُ أنفاسَ زوجته تَتَسَلَّلُ إلى زنزانتهِ كل ليلةٍ مُتَخِيلًا يديهِ يَدَيْها ،

‎إنهُ بلدٌ صَغِيرٌ ؛

‎ليس هناك شيءٌ يَقتَرِفهُ رَجلٌ بحقِّ آخر.

الكولونيل

‎ما سمعتهُ كَانَ صَحِيحًا ، كنتُ في المنزلِ حينَها ؛

‎جاءت زَوجَتُهُ بصينيةِ قهوةٍ و سُكَّر ؛

‎برَدَتْ ابنتُهُ أظافرَها ، و خرَجَ ابنهُ ليلًا ؛

ُ‎كانت توجد صحفٌ يوميةٌ و كلابٌ أليفةٌ و مسدَّسٌ خلفهُ على الوِسادةِ ؛

‎كان القمرُ يتأرجحُ  عاريًا على حَبْلِهِ الأَسوَدِ فوق المنزلِ؛

‎كان يُعرَضُ عرضٌ

‎ بوليسيٌّ باللغةِ الإنجِلِيزيةِ على التِلفَازِ ؛

‎كانت الزجاجاتُ  المكسُورةُ  مغرُوسةً في الجدرانِ

‎المُحيطةِ بالمنزلِ ؛

ْ‎تفصلُ عظمَتي الرُّكْبةِ عن ساقيِّ رجلٍ أو تُقَطِّعُ يديه إلى شرائط ،

ٌ‎كانت هناك أسلاك حديديةٌ في النوافذِ كمتاجر بيعِ المشرُوبات الكحولية ؛

‎تناولنا العَشَاءَ ; فخذٌ من الضَّأنِ ، نبيذٌ فاخرٌ ، و جرَسٌ ذهبيٌّ على الطاولةِ

‎ لاستدعاءِ الخادمةِ ؛

‎أحضرتِ الخادمةُ المانجُو الأخضرَ و المِلحَ و نوعًا من الخُبْزِ و سُئلت كيف استمتعت بالبلدِ ؛

‎كان هناك إعلانٌ تُجارِيٌّ مُوجَزٌ باللغةِ الإسبانيةِ ، أخذتْ زوجتُهُ كُلَّ شيءٍ  إلى المطبخِ ؛

‎تحدَّثَ البعضُ بعد ذلك عن

‎الصُّعوبَةِ التي آل إليها الحُكمُ  ؛

‎قال الببغاءُ مرحبًا من  الشُّرفة ; و قال له

‎ الكولونيل: اصمتْ و اندفعْ بعيدًا عن الطاولةِ ،

‎قال لي صديقي بعينيهِ : لا تقولي شيئًا ؛

‎عاد الكولونيل بكيسٍ يُستخدمُ لجلبِ البقالةِ ؛

‎و ألقى العديدَ من الآذانِ البشريةِ على الطَّاولةِ ،

‎كانت كأنصافِ الخُوخ المُجفَّف و لا توجدُ طريقةٌ أخرى لقول هذا ؛

‎أخذ واحدةً منها في يديه ؛ هزَّها نحو  وجوهنا ؛ ثم ألقاها في كوبٍ من الماء ،

‎أصبحت حيَّةً هناك ؛ لقد سئمتُ بما قال من العبث ;

‎أما عن حقوق أي شخص أيا كان  ، أخبري شعبك بأن يذهب إلى ؛

‎الجحيمِ ؛

‎ثم

‎ألقى الآذانَ على الأرضِ مُمسِكًا

‎ آخرَ قطرةٍ من النبيذِ في الهواءِ؛

‎و قال :أتُلقي شيئًا لشِعْرك ، أليس كذلك ؟ بعضٌ من الآذانِ المُلقاةِ على الأرض لقطت أجزاءً من صوتِهِ ؛

‎و البعض الآخر  ضُغِطَ عليه على الأرض .

كارولين فورشيه شاعرة على وزن ” بابلو نيرودا”

ولدت الشاعرة كارولين فورشيه في ديترويت بولاية ميتشجان الأمريكية عام ١٩٥٠. وهي  أمريكية و مترجمة و ناشطة سياسية و محررة و أستاذة جامعية و مدافعة عن حقوق الإنسان.

حصدت العديد من الجوائز لأعمالها الأدبية فقد فازت في مسابقة

“Yale series of Young Poets”.

لمجموعتها الشعرية الأولى”

أما عن كتابها الثاني “البلد الذي بيننا” “.Gathering the tribes” “تجميع القبائل”

“The Country between us”

فقد حصدجائزة

“Alice Fay di Castagnola Award”

عام 1981.حصلت كارولين أيضا على ثلاث زمالات من الصندوق الوطني للفنون ، و نشرت مختاراتها الشعرية الشهيرة ” ضد النسيان ” عام ١٩٩٣ و ضمت فيها العديد من النصوص الشعرية لأهم الشعراء في العالم ممن عانوا من الحروب و السجن و الظلم و القهر و الخوف و الموت و قد أحدثت تلك المختارات الشعرية نقلة محورية في حياتها الأدبية كشاعرة نجحت نجاحا كبيرا في دمج حياتها و خبراتها الشخصية بالحياة السياسية التي شاهدتها و عاصرتها في السلڤادور ، و ذلك الدمج جعلها شاعرةً على وزن الشاعر  الشيلي الحائز على جائزة نوبل في الآداب ” بابلو نيرودا ” (1904-1973)و ”فيليب ليڤين”(1928-2015) و ”دينيس ليڤيرتوف” (1923-1997)، و عُرِفت منذ نشرها هذه المختارات بأنها تبنَّت ما يعرف ب ” شعر الشهادة ”

“Poetry of Witness”

 و صُنِّفت واحدةً من أهم الشاعرات الأمريكيات اللاتي يمتلكن صوتًا شعريًّا واعيا  مدافعًا عن الحقوق الإنسانية ، و لها أيضا الكثير من الترجمات لكثير من أعمال أكبر الشعراء كمحمود درويش و كلاريبيل ألجيريا و چورچ تراكل و روبرت ديسنوس و الكثير غيرهم.

ومن المُلاحظ في نصوص كارولين فورشيه الشعرية أنها تغلب عليها ثيمات الحروب و الديكتاتورية و النزاعات و ما عانته شعوب كثيرة من قهر و ظلم في فترات عديدة.

و يلاحظ أن شعرها نثري

“Prose Poetry”‘

 أي تهتم بسرد الأحداث التي  تشاهدها و تعاصرها مستخدمةً الصور الجمالية المبهرة كالاستعارات و الكثير من الوصف و التشبيهات و الرمزية ، و أدى ذلك إلى صقل نصوصها الشعرية و إعطائها نوعا من الفرادة و الامتياز ، فنجحت في نقل معاناة الشعب السلفادوري في أمريكا الوسطى  بصورةٍ شعريةٍ نثريةٍ مُحببةٍ ، فكانت لغتها تجمع بين البساطة و العمق في المعنى ، فمنذ الوهلة الأولى قد تتوهم بأنك ستقرأ قصيدةً بسيطةً في اللغة و المعنى و المغزى ، و كلما تبحرت في عمق القصيدة ستشعر بنوع من الارتباك و الحيرة  لاستخدامها الغموض كأسلوب في سرد قصيدتها الشعرية النثرية و سُيُحْتل عقلك بالعديد من التساؤلات التي تبدأ بكيف ؟ و أين ؟ و متى ؟ كيف حدثت تلك المأساة و أين وقعت و متى ستنتهي و ستشعر أيضا بنوع من التشويق الذي يجعلك تقرأ قصيدتها سريعا  لتعرف نهايتها و لكثرة استخدامها للرموز و التشبيهات التي قد أصفها ” بالغريبة” بعض الشيء ، قد تضطر أن تعيد قراءة نصَّها الشعري  لتستوعب ما كتبته من سطور عميقة و صادقة تمس القلوب و الوجدان ، فلوهلة قد لا تصدق ما قرأته لشدة صدقه  كأنها تحكي قصة حياتها بشفرات و على القاريء العارف الواعي أن يفكها برؤيته الخاصة و بفهمه الخاص للقصيدة .

أما عن كارولين فورشيه الإنسانة ، فمن خلال متابعتي لها على صفحات السوشيال ميديا فقد لاحظت أنها شخصية ودود و نشيطة و محبة للعرب و أعتقد أن حبها للعرب يرجع إلى أنها قد أستقرت في بيروت لسنوات و يبدو أن إقامتها هناك قد تركت آثارا في كارولين لم تُنس ، و قد لاحظت أيضا إجادتها للغة الإسبانية و قد ذكرت اللغة الإسبانية على سبيل المثال في قصيدة الزائر ”

The Visitor ‘’ :

‏                                            ” In Spanish , he whispers there is no time left’’

و أرى أن كارولين شاعرة من الطراز الثقيل تحمل بين طيات أعمالها الشعرية رسالة حب و سلام للعالم ، نقلت أوجاع الشعوب التي عاشت في حروب و انقسامات و الآلام التي  نتجت منها ، فهي دعوة غير مباشرة لنشر السلام و الحب بين شعوب العالم و هذا ما يميز أعمال كارولين ، فهي تعتبر أعمالا فنيّة و أيضًا خيرية .

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

تعليق واحد

  1. ماشاء الله مجهود رائع وترجمة متميزة دام تألقك يا دكتورة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *