الأغنية في السينما

(ثقافات)

الأغنية في السينما

تامر حسني هل يكسب الرهان

أحمد طملية

يبدو أن المغني تامر حسني قد كسب الرهان، بأن أن يكون النجم الذي يبحث عنه صناع السينما المهووسين في محاولة الاستفادة من المواهب الغنائية في الأفلام السينمائية، وذلك بناء على النجاح الذي حققه فيلمه” تاج” الذي يعرض حاليا في صالات السينما العربية، محققا إيرادات قياسية.

تستوقفني ظاهرة استقطاب المطربين الى السينما، فما أن يلمع اسم مطرب حتى تجد السينما قد تلقفته في محاولة للاستفادة من شهرته في الغناء، ومن ينظر الى واقع الحال أيام زمان وأيامنا هذه يجد أن هذا الاستقطاب لم يعد بالزخم السابق، ففي الوقت الذي كانت فيه الأفلام الغنائية أو الاستعراضية تحقق أرقاما قياسية في الايرادات والحضور فانها اليوم بالكاد تحقق اكتفائها الذاتي، وبالكاد تنجو من صالات العرض بأقل الخسائر، وان كان من سبب لذلك فقد يعود الى غياب المطرب النجم الذي يحظى باجماع المشاهدين، ناهيك عن سوء توظيف الموهبة الغنائية في سياق الفيلم، فتجد الأغنية في واد وقصة الفيلم في واد آخر.

تعود هذه الظاهرة الى بدايات تبلور الفن السابع اذ استقطبت السينما العربية المصرية على وجه الخصوص، أغلب نجوم الطرب العربي : محمد عبد الوهاب، فريد الأطرش، ليلى مراد، محمد العزب، عبد الحليم حافظ، شادية، وردة الجزائرية، محرم فؤاد، صباح، فهد بلان، وغيرهم ممن استفادت السينما من نجوميتهم في الغناء فقدمتهم في أفلام لاقت تجاوبا وترحيبا من الجكهور، بعد أن تم استثمار الأغاني الشائعة في الأفلام مما أكسبها جماهيرية، وبدا الغناء متداخلا مع الدراما السينمائية، لدرجة أن الكثير من المطربين نجحوا من خلال الأدوار التي جسدوها، وليس لجماليه أصواتهم، أو لشعبية أغانيهم، ويعود ذلك الى عناية مقدمي تلك الأفلام في وضع الأغاني في سياقها، وبما يتناسب مع أحداث الفيلم، مما زاد من نسبة التفاعل مع الأغاني المقدمة.

نستشهد على ذلك بأغاني ليلى مراد في فيلم “غزل البنات”، ومحمد العزب في فيلم “اجازة نصف السنة”، وفريد الأطرش في فيلم “نغم في حياتي”، ففي جميع هذه الأفلام غابت الفواصل بين الأغاني وسياق الفيلم، وبين جمال الصوت ودقة الأداء، فانصهرت كافة هذه العوامل محققة أفلاما لا تنسى، ولعل الصورى لا تكتمل إلا عند الوقوف عند رائعة المخرج حسين كمال في فيلم “أبي فوق الشجرة” للراحل عبد الحليم حافظ، فقد جاءت أماكن التصويروجماليات التكوين، وتوظيف الاضاءة تعبيريا لتضفي زخما اضافيا للأغاني المقدمة، فعبرت الأغاني التي وردت في بداية الفيلم “قاضي البلاج” ، و “دقوا الشماسي”، عن فرحة الطلبة بعطلتهم الصيفية، ثم أخذت الأغاني تأخذ منحى آخر، تجلى في أغنية “تجلي القلب” التي يعبر من خلالها عبد الحليم عن مشاعره نحو محبوبته (ميرفت أمين) فكانت أصدق من أي كلام أو حوار، ولتواصل الأغاني تعبيرها الدرامي في الفيلم، فنصل الى أغنية “جانا الهوا” التي صورت في أجمل المواقع في لبنان، ولتعبر عن انخراط عبد الحليم في علاقته مع راقصةفي ناد ليل (نادية لطفي). ولتصل الأغاني الى ذروة الحدث الدرامي في أغنية “أحضان الحبايب” حين غناها عبد الحليم بعد أن شعر بضياعه في علاقته مع الراقصة، وما تخلل ذلك من معايشته لحياة الليل، وبعد أن ابتعد عنه الأصدقاء، وشعر أنه وحيد، وقد أعطى كل ذلك زخما للأغنية زاد من درجة التفاعل معها أكثر مما لو تم الاستماع لها خارج سياق الفيلم.

وقد استفادت السينما من تجربتها على هذا الصعيد وواصلت استقطاب المطربين في افلام سينمائية، وظل الأقدر على ذلك بعد موجة أفلام أيام زمان، المخرج يوسف شاهين فقدم ماجدة الرومي في فيلم “عودة الابن الضال” ومحمد منير في فيلم “المصير” ولطيفة في فيلم “سكون حنصور”. وبدت الأغاني في هذه الأفلام خلفية معبرة عن الحدث وليست جزءا من سياقه بل هي ذات طابع ايحائي، والأهم من ذلك أنه لا علاقة ما بين صاحب الدور وصاحب الصوت، فماجدة الرومي لعبت دورا جميلا في فيلم “عودة الابن الضال” اكتسب تأييد وتقدير الجمهور، وذلك بمعزل عن جمال صوتها، والأمر ذاته ينطبق على محمد منير ولطيفة.

هذا، على الصعيد الايجابي في التوظيف السينمائي للأغنية، ولكن، وعلى صعيد آخر فقد هبطت الى دور السينما أفلام يحار المء في تصنيفها : أهي “فيديو كليب” طويل أم أفلام سينمائية، فقد بدت الفلام الدارجة، واخص بالذكر أفلام مصطفى قمر ومحمد فؤاد، وكأنها تقاس على مقاس الطرب، فبدت بعض تلك الأغاني مبتورة لا علاقة لها بالفيلم، بقدر ما نضفي نرجسية على المطرب الذي يفترض بالمشاهد أن يتضامن معه سلفا باعتباره “صاحب الصوت الحلو والوجه الحسن”.

ومن الأفلام التي بلغ  بها الاسفاف مداه فيلم محمد فؤاد “هو فيه ايه” فالفيلم بلا قصة محددة، سوى أن ثمة شخصين (محمد فؤاد وأحمد آدم) يتعرضان ليلة زفافهما لمواقف غريبة يعتقدان أنها فكاهية، ثم يتم اقحام الفيلم باشارات سياسية غير مترابطة، وذلك عندما يتورطان مع شبكة مخدرات، ويتمكنان، في النهاية، من التبليغ عنها لأجهزة الأمنية.

الفيلم ركيك وساذج والملاحظ فيه أن محمد فؤاد نسي أنه مطرب واندمج في دوره الكوميدي، ولآن الدور غير لائق عليه فقد كشف ذلك عن عيويبه في التمثيل، وواضح أن الفيلم تم على أمل استرجاع النجاح الذي كان قد حققه فيلم “اسماعيلية رايح جاي” الذي شارك فيه الى جوار محمد فؤاد الفنان الكوميدي محمد هنيدي، ولهذا الفيلم قصة، فقد حقق نجاحا لافتا وغير متوقع، ويعتبره النقاد نقطة تحول في السنما المصرية من حيث التنوع في مضامين الأفلام الى التركيز على الكوميديا، وكانت بوابة العبور الفعلية لـ محمد هنيدي الى البطولة المطلقة. وقد ظل محمد فؤاد مسكونا بالنجاح الذي حققه فيلمه آنذاك، فحاول أن يكرر النجاح في فيلم “رحلة حب” وقد استعان به ايضا بممثل كوميدي، وهو أحمد حلمي، دون جدوى. والملاحظ هنا أنه إذا كانت الكوميديا هي التي أسعفت الفيلمين الأوليين فحققت حضورا لدى الجمهور، فانها، أي الكوميديا، هي التي خذلت فيلم “هو فيه ايه” بعد أن تم الاعتماد عليها دون سياق. ففقد المخرج البوصلة وظهر الفيلم عبارة عن اسكتشات غير مقنعة قائمة على التهريج والمقدمة على طريقة الفيديو كليب.

ولا يمكننا أن نتجاهل على هذا الصعيد فيلم “سبع ورقات كوتشينة” للمغنية روبي فالمخرج لم يفعل شيئا سوى أن أتى بأغاني روبي المتاحة في الفضائيات وجمعها بلا سياق وبلا حبكة ليصنع منها فيلما سينمائيا، وعلى الرغم من الدعاية المجانية التي قدمت للفيلم على أثر الجدل الذي دار حول بعض المشاهد الساخنة والايحاءات الجنسية والذي حسم لصالح الموافقة على عرض الفيلم بعد حذف بعض المشاهد التي لم يوافق عليها الرقباء واعتبروها مسيئة للمرأة، وعلى الرغم من الأغواء الذي مارسته روبي عبر الفضائيات بأغانيها التي تسقط فيهاالكلمة واللحن ولا يظل الا ما هو رخيص على أمل استقطاب شريحة معينة من الجمهور، على الرغم من كل ذلك فقد سقط الفيلم، والأهم من ذلك حصول “روبي” على لقب ” الأسوأ” عن دورها في هذا الفيلم في عدد من الاستفتاءات الاعلامية.

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *