( أحوالُ الدّالِ المُضافةِ إلى الأَلم )

(ثقافات)

( أحوالُ الدّالِ المُضافةِ إلى الأَلم )

مهند ساري

فُؤادُكَ : /
أتْعَبْتَهُ حينَ صَيّرْتَهُ
صاهرًا للمعادِنِ حِينًا
وعامِلَ حَفْرٍ بِمَنْجَمِ هذا الوجودِ …
وَجَدْتَ قليلًا من الماسِ في النّاسِ
أَكْثَرُهُمْ كانَ فحْمًا !
فماذا ستفعلُ ؟!
قد صرتَ فُرْنًا كبيرًا بهذي الحياةِ
وأشقاكَ
( بين اللّهيبِ فؤادُكْ )
وِدادُكَ : /
قلتَ لهذي الطُّيورِ :
” حياتي تلالٌ منَ القمحِ
فَلْتَنْهَبيها
بِعَدْلِ المساواةِ بين قتيلٍ وقاتِلِهِ !
ظَفِرْتُ بِحُبِّ الفراغِ المُبَجَّلِ
فَلْتُفْرغيني لآخِرِ حَبّةِ قَمْحٍ ،
لآخِرِ لَذْعَةِ جُوعٍ بِحَوْصَلةِ الكائنِ الهشِّ… “
هذا فراغُكَ مُمْتَلئٌ
وتلالُكَ مرهونةٌ في حواصِلِها
( وَمُدمًّى ، بهذا الصّعيدِ ، وِدادُكْ )
مِدادُكَ /–أَعني–اعتيادُكَ :
مِن صخرتَينِ سماويّتَينِ وُلِدتَ على
الأرضِ
–لا صُدْفةٌ ها هنا – !
رأََيتَ دمًا هائمًا يُشْبِهُ الوحشَ فيها
فآويتَهُ في كهوفِ جراحِكَ :
” نمْ فيَّ حُرًّا ، ومُغْتَبِطًا آمنًا
فلا ريحَ تُنْشِبُ فيكَ مَخالبَها
ولا نابَ يُغْرَسُ فيكَ بلحميَ … “
فاسْتأْنَسَ الوحشُ …
مِن يومها وهْو يَجري دمًا فيكَ حُرًّا
وَيَمْتَصُّ روحَكَ
ها صرتَ عبدَ نداءاتِهِ كُلّما جاعَ !
لحمُكَ أرضٌ لذرّيّةِ الوحشِ يا
صاحبي
وبعيدٌ ، عليكَ ، رُقادُكْ
وها أنتَ مثْلي
تُطِلُّ على ولدٍ كُنتَهُ قبلَ
خمسينَ عامًا ، وتسْأَلُهُ :
ما الذي فاضَ يومًا
على صخْرتَينِ سماويّتَيْنِ
وأَشْقاكَ مثْلي :
( دَمِي .. أَمْ مِدادُكْ ) ؟! /
وعَوّدْتَهُ أنتَ عاداتِهِ
فتَوَحّشَ فيكَ ، وأَضْرَمَ نِيرانَهُ !
” إِليَّ بما ظَلَّ منكَ لآكُلَهُ ،
إِليَّ بقلبِكَ / آخِرِ جِذْعٍ شَهِيٍّ
مِنَ اللّحمِ جَفَّ بأنحاءِ جسْمِكَ …
عَوّدْتَني أنتَ عاداتِ موتِكَ
حينَ تعَوّدْتَها
وأمْلَى
( لِوَحشِكَ فيكَ .. اعتِيادُكْ ) ” !
سُهادُكَ : /
لو كان للنّومِ سُوْقٌ
لأَسْرَعَ مَنْ يَشتري كنتَ !
مِنْ أينَ يأْتي بهِ النّاسُ
مِن أينَ يَشْرُونَهُ ؟!
لمْ تَكنْ جيّدًا في اختيارِ بَضائعِ هذي الحياةِ ؛
فلا حُسْوَةُ النّومِ تَكْفيكَ حينَ تنامُ
ولا ما تَعُبُّ منَ الصّحوِ !
مِن كلِّ نافذةٍ تَدْخُلُ الشّمسُ ،
مِن بابِ بَيتِكَ يَدخُلُ ليلٌ ثقيلٌ
وأنتَ تَقَلَّبُ بينَهُما
مِثْلَما
( يَتَقَلَّبُ .. في السّاهدِينَ سُهادُكْ ) !
عِنادُكَ : /
لمْ تَتَعَلّمْ –إلى أنْ كبرْتَ– السِّباحَةَ !
جارَ قَناةٍ منَ الماءِ كنْتَ .. ولَمْ تَتَعَلّمْ !
أفي أرضِ نَجْرانَ أوّلُ ما
قد طَفَوْتَ على الماءِ ؟!
في قلبِ صَحراءَ قلْتَ : أُريدُ السِّباحَةَ ؟!
وَيحَكَ !
مثْلُكَ علّمَهُ الرّملُ غيرَ السّباحةِ ،
علّمَهُ أنّ آناتِ هذي الحياةِ كَثِيبٌ
ستَنْثُرُهُ الرّيحُ يومًا
فماذا دَهاكَ ليَحمِلَكَ الماءُ كَهْلًا ؟!
وماذا دَهاهُ
(–لِيَسْخَرَ منكَ– عِنادُكْ ) ؟!
رَمادُكَ /–أعني– بِلادُكَ :
ظَلَّ حريقٌ أَخيرٌ لِقلْبِكَ في الأرضِ
فاصبِرْ ، كأنّكَ آخِرُ أَثْلَةِ رَمْلٍ
وآخِرُ عَنْقاءَ تُوْلَدُ مِن نارِها …
واطوِ ليلَكَ ، هذا الطّويلَ ، هُنا سَهَرًا
لقد تَمَّ هذا الحريقُ عليكَ
وأحوالُ دالِكَ
مَنْهوبةٌ في رياحِ الكلامِ
( ومنهوبةٌ ، في الحريقِ ، بِلادُكْ )
معًا ظَلْتُما تُوْلَدانِ معًا
مِن رَمادِ سماءٍ هَوَتْ
كالكثيبِ المُدَمّى على الأرضِ …
ثُمّ ، معًا، تَنْبُتانِ معًا :
إذا نارُها التَهَبَتْ بالحنينِ
وعَطَّشَ
( أَشْواقَهُ ، بالأَنينِ ، رَمادُكْ )
مُرادَكَ : /
هذا عجيبٌ !
عجيبٌ تَمامُ القصيدةِ !
تَمّتْ تمامًا
وتَمَّ الفراغُ الذي
تَشْتهي مَلْئَهُ بالكلامِ
( وما تَمَّ فيها .. مُرادُكْ ) !
* * *
تَفَقّدْتَ أَحوالَ دالِكَ في اللّيلِ حتّى
ظَفِرْتَ بِمَلءِ الفراغِ المُبَجّلِ يا صاحبي
وأَفْرَغَكَ الألَمُ المُشْتهَى …
ألا رُبّما
جَدّدَ الموتُ وَحشَتَهُ فيكَ !
جَدّدَها
فَحَيِيْتَ لِمُنْتَصَفِ اللّيلِ/ ليلِكَ هذا
وَجَدَّ
( بأحوالِ نَفْسي .. اجتِهادُكْ )
عَذِيرَكَ مِنْ بعضِ أَحوالِها
عَذِيرَكَ منها حياةً
تُجَدِّدُ من فَرَحي أَلَمًا فارِهًا
ويُجَدِّدُ منها
( نُضارَ بَياضي .. سَوادُكْ ) !
لَكَمْ
أَخْلَفَتْنيَ ” لَيْلاكَ ” يا صاحبي
في الحياةِ مَواعيدَها !
وكمْ
( أَسْعَدَتْني .. ” سُعادُكْ ” ) !

وَكَمْ

أَبْهَظَتْني الحياةُ

دُيُونًا مِنَ الكَلِماتِ

أَعِيشُ بها بُلَغًا لا تَبُلُّ

ولكنّهُ

–ولِليَومِ–

( ما .. سَدَّ عنّي سَدادُكْ ) !!

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *