جـدران الـمخيـم فـي زمـان مـتـغـير ومـكـان مـخـتـلـف

جـدران الـمخيـم فـي زمـان مـتـغـير ومـكـان مـخـتـلـف

عادل الأسطة

في أول أيام عيد الأضحى زرت ابنة أختي في مخيم بلاطة، ولطالما خربشت، من قبل، عن زياراتي المتكررة لمخيمات مدينة نابلس، ولطالما كتبت عنها من قبل أو أبديت رأيي في صورتها في أدب الخمسينيات والستينيات من القرن٢٠ وصورتها في العقود الثلاثة الأخيرة.
مرة في أثناء توقيعي كتابي «قراءات في القصة القصيرة الفلسطينية» الصادر عن وزارة الثقافة الفلسطينية في ٢٠١٢، أيام كانت السيدة سهام البرغوثي وزيرة للثقافة، سئلت، بعد أن أتيت على صورة المخيم في قصص سميرة عزام وغسان كنفاني، عن صورة مخيمات لبنان الآن، وعما إذا كان هناك كاتب رصد الوقع الفلسطيني فيها بعد الكاتبين المذكورين، فأتيت على رواية سامية عيسى «حليب التين» التي كانت صادرة حديثاً وأثارت ضجة.
وقبل أعوام زرت مخيم عسكر القديم فتساءلت عن الصورة التي سيرسمها غسان كنفاني للمخيم لو زاره في هذه الأيام ورأى ما صار عليه، وفي العام الماضي اتصل بي أحد محرري مجلة «رمان» يسألني عن صورة المخيم في أدب كنفاني والحكاية تطول.
وأنا أغادر المخيم تأملت طويلاً في شوارعه وجدران بيوته ومؤسساته ووجدتني ألتقط غير صورة لأحد الجدران.
بدا لي لو أنه جدارية يريد أبناء المخيم أن يخلدوا شهداءهم عليها – لا من خلال الكلمات كما فعل محمود درويش في «جدارية» التي أرادها أن تكون انتصاراً على الموت وتخليداً لحياته – وإنما من خلال الصور.
لقد عج الجدار العريض الكبير بعشرات صور شهداء المخيم الذين حملوا السلاح وقاوموا قدر استطاعتهم فارتقوا.
بدت الصور تارة مبروزة وبدت طوراً أقرب إلى الملصقات التي عرفها الفلسطينيون في مخيمات الشتات منذ هزيمة حزيران ١٩٦٧ حتى خروجهم من بيروت وحرب المخيمات في ٨٠ القرن٢٠.
وأنا أنظر في صور الشهداء، التي أشاهد مثلها في شارع النصر في نابلس، غالباً ما أتساءل عن خسائر الطرف الآخر الذي اشتبك معه هؤلاء الشباب، وأشعر بالأسى لعدم تشابه النتيجة بسبب عدم تكافؤ السلاح.
شباب مثل الورد يرتقون بسهولة تامة، علما بأنهم أبناء المكان الذي تغنى به روائيونا أو شخوصهم وقالوا إنه يعمل لصالح المقاومة ولكن النتيجة كانت مختلفة. (سحر خليفة «ربيع حار» صفحة ١٤٥). عموماً هذا موضوع آخر يمكن التفصيل فيه.
عندما أدرجت الصور على صفحتي أدرجت بالخطأ معها صورتين لي، واندهشت من أن الصور الشخصية تلقى تفاعلاً أكثر. الأمر حقاً حيرني.
في اليوم نفسه قرأت على حائط علي أبو طوق – الاسم الذي اختاره ابن مخيم البقعة مهند طلال الأخرس اسماً لصفحته، تيمناً بالشهيد علي أبو طوق أحد أبرز مقاومي حرب المخيمات في بيروت في العامين ١٩٨٤ و ١٩٨٥ – في اليوم نفسه الذي أدرجت فيه صور شهداء مخيم بلاطة قرأت ما كتبه علي أبو طوق/ مهند طلال الأخرس تحت عنوان «عيدنا عودتنا» عن مخيم البقعة في زمنين مختلفين؛ زمن الثورة الفلسطينية في الأردن والزمن الحالي.
لقد بدا المخيم مختلفاً فيهما اختلافاً تاماً، واختلفت حياة الصديقين خلال الخمسين عاماً أيضاً اختلافاً تاماً، فما يشغلهما الآن غير ما شغلهما بعد هزيمة حزيران.
عندما قرأت قصة علي اقترحت عليه أن ينظر في صفحتي ليرى أيضاً الفرق بين الجدران في مخيم البقعة والجدران في مخيم بلاطة في الوقت الحالي، وبالتأكيد الفرق بين جدران مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة من ناحية ومخيمات المنافي من ناحية ثانية.
يكتب مهند عن جدران المخيم يوم كانت الثورة حاضرة. كانت الجدران صحافة المخيم تكتب عليها شعارات الثورة وأفكارها وأسماء رموزها. ويكتب أيضاً عما آلت إليه أحوالها – أي الجدران – لاحقاً.
لقد حلت شعارات تدعو إلى النظافة وما أشبه محل الشعار الثوري وصارت الرسوم لا معنى لها، بل إن بعض الجدران صارت مبولة لشباب المخيم.
جدران مخيمات الضفة الغربية وقطاع غزة كما رأيتها في مخيم بلاطة تختلف عنها الآن جدران المخيمات في الأردن كما ورد في كتابة مهند طلال الأخرس، ولا أعرف الكثير عن جدران المخيمات الفلسطينية في سورية، وأما جدران مخيمات لبنان فتبدو – من خلال برنامج «غنى الحادي» الذي بثته الفضائية الفلسطينية في شهر رمضان الماضي – تبدو متداعية جداً، ومن المؤكد أنها في زمن صعود المقاومة الفلسطينية في لبنان حتى ١٩٨٥ كانت جدراناً تلصق عليها صور الشهداء، وقد تعزز أشعار معين بسيسو عن الملصق والشهداء هذا اليقين، ومثلها أشعار محمود درويش صاحب قصيدة «أحمد الزعتر» ١٩٧٦ وقصيدة «صهيل على السفح» ١٩٨٤، وفي الأخيرة يقول:
«أعد لسيدتي صورتي: علقيها إذا مت فوق الجدار.
تقول: وهل من جدار لها؟ قلت: نبني لها غرفة. – أين.. في أي دار؟»
وما زال أهل الأرض المحتلة، بخلاف كثيرين من أهل المنفى، يملكون الجدران.
هل يقتصر الأمر على الاختلاف بين الجدران؟ ماذا لو سألنا أهل المخيمات هنا وهناك عن تطلعاتهم وأحلامهم و.. و.. و صلتهم بفلسطين والاستعداد للتضحية من أجل العودة إليها بعد سلسلة التجارب المريرة القاسية وما آلت إليه م. ت. ف بعد حرب بيروت والانشقاق الفلسطيني في المنفى والأرض المحتلة والربيع العربي؟

  • عن الأيام الفلسطينية

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *