حوار تلفزي مع الصحفي المصري مصطفى أمين 1914- 1997
تم اللقاء في مكتبه في أخبار اليوم 1993
حاورته ليلى الأطرش
لا يؤرخ للصحافة العربية دون التوقف عند أولاد أمين، التوأم علي ومصطفى أمين، أبوهما محام كبير، وأمهما ابنة أخت زعيم ثورة 1919 سعد زغلول، فتربيا في بيته لأنه لم يرزق بأولاد. تعلقا بالصحافة أطفالا فاصدرا مجلة “الحقوق” وهما في الثامنة، ثم أصدرا يافعين مجلة “التلميذ” لكنها هاجمت الحكومة فأغلقوها!
عمل مصطفى أمين في مجلة “روز اليوسف” وهو في المرحلة الثانوية، وقبل أن يتوجه للدراسة في جورج تاون أعرق جامعات أمريكا، وتخرج بدرجة الماجستير في العلوم السياسية عام 1938 بمرتبة الشرف الأولى!
1944 أنشأ مع أخيه علي أمين دار “أخبار اليوم” فحققت انتشارا كبيرا وبرعاية من مؤسسة الأهرام. ثم أنشأ مجلة آخر ساعة.
أثناء العدوان الثلاثي على مصر 1956 طاف مصطفى أمين بلدان الشرق والغرب ليطلعهم على صور العدوان الثلاثي الوحشي على بور سعيد وتهجير أهلها! اتهمته المخابرات المصرية لاحقا بأنه صارجاسوسا مزدوجا لمصر وأمريكا، ولم يلتزم بتعليمات مصر في نقل الأسرار المضللة للأمريكيين، فسجن وعذب وحتى أفرج عنه في عهد السادات.
يعد مصطفى أمين مدرسة رائدة في الصحافة العربية، جاء بأفكار اجتماعية جميلة أثرى بها الصحافة شكلاً وموضوعاً، “ليلة القدر” تبرعات أسهمت في التخفيف عن المحتاجين في شهر رمضان، وكتب العمود اليومي “فكرة “ واستمرت رأياًّ قصيراً موجزاً يصل إلى الهدف بسرعة، ثم “عيد الأم” وغيرها.
مصطفى أمين رغم أنه عاش في بيت الأمة قريباً من سعد زغلول، وكان أبوه وزيراً مفوضاً، ودرس في أمريكا إلا أنه تدرّج في العمل الصحفي، ومارس صحافة استقصائية، وركض وراء الأخبار قبل إعدادها في مطبخ صاحبة الجلالة!
عمل مصطفى أمين في عام 1934 مع الأستاذ محمد التابعي في مجلة “آخر ساعة”، في عام 1940 انتقل إلى الأهرام، 1941رئيساً لتحرير مجلة الاثنين، 45 أصبح نائباً في مجلس النواب، في عام 1944 اشترى مع أخيه دار أخبار اليوم، في عام 52 حرر ورأس تحرير “الجيل الجديد”.
أدخل هذا الصحفي البارع الكثير من الأفكار التي أثرت في الفكر والمجتمع العربي، وتأصلت أفكاره ممارسات شعبية وما زال بعضها يمارس طقسا اجتماعيا، “يوم الأم”، “طبق الخير”، “لست وحدك” والكثير الكثير.
من مؤلفاته “ست الحُسْن”، “أمريكا الضاحكة”، “الآنسة هيام”، “لا”، بالإضافة إلى العديد من الأعمال التي تحولت إلى السينما وأعمال تليفزيونية.
-ليلى: أستاذ مصطفى أمين كلما شاهدت الكاريكتير على الصفحة الأخيرة في صحفنا العربية، أتذكر أن هذه فكرة أولاد أمين، من أين جئت بها؟ هل تأثرت بالصحافة الغربية ونقلتها إلى الصحافة العربية؟
–مصطفى أمين: الجرائد العربية ما بتنشرش كاريكاتير في الصفحة الأخيرة، بتنشروا جوّه في الصفحات الداخلية إنما…
-ليلى: لا عندنا صحافة عربية تنشرُه على الصفحات الأخيرة.
أخبار اليوم هي أول من بدأ نشر الكاريكاتير في الصفحة الأخيرة، لأنه كان زمان الصفحة الأخيرة ماحدش يقرأها، فإحنا حافظنا إننا نحُط حاجات مهمة في الصفحة الأخيرة ليقرأها القرّاء! |
– مصطفى: إنما أخبار اليوم هي أول من بدأ نشر الكاريكاتير في الصفحة الأخيرة، لأنه كان زمان الصفحة الأخيرة ماحدش يقرأها، فإحنا حافظنا إننا نحُط حاجات مهمة في الصفحة الأخيرة ليقرأها القرّاء!
-ليلى: ما كانوش يقرأوها؟! لماذا يا أستاذ؟
-مصطفى: الصفحة الأخيرة كانت تنحط فيها البواقي، بواقي المقالات يعني زمان!.
-ليلى: فأنت تأثرت بالصحافة الغربية! يعني ممكن أقول إن دراستك بالغرب أثرت عليك؟
-مصطفى: لا، لو كنت أقلّد الغرب أحط الكاريكتير في صفحة جُوّاه، لكن أنا فكرت كتفكير عربي، مش تفكير أجنبي إني أحطّها في الصفحة الأخيرة.
أسرتي كانت ضد اشتغالي في الصحافة، وكانت تعتقد إن دي مصيبة للأسرة إنه يكون أحد أفرادها صحفيا، لأن في ذلك الوقت كانوا الصحفيين هم ساقطي الشهادات العليا ومطرودين من وزارات الحكومة |
-ليلى: تربيت مع شقيقك المرحوم علي أمين في بيت زعيم عربي كبير هو سعد زغلول، لصفة القرابة، كما كان والدك وزيرا مفوضا، ألا تعتقد أن مركز والدك وقرابتك للزعيم سعد زغلول فتحا أمامك أبواب الصحافة والفرص وتسهيل أموركما؟
-مصطفى: أولاً أسرتي كانت ضد اشتغالي في الصحافة، وكانت تعتقد إن دي مصيبة للأسرة إنه يكون أحد أفرادها صحفيا، لأن في ذلك الوقت كانوا الصحفيين هم ساقطي الشهادات العليا ومطرودين من وزارات الحكومة، وكان في كل جريدة صحفى واحد كبير، والباقي كلهم صحفيين صغيّرين جداً، لدرجة إنه كان يلاحظ على الصحفي أن ملابسه غير لائقة، وتستطيع في أي اجتماع أن تعرف الصحفي ده، تلاقيه لابس ملابس مبهدلة، تعرف إنه صحفي! إلى أن جاء واحد إسمه الدكتور حافظ عفيفي وتولى رئاسة إدارة التحرير في جريدة السياسة، فجاب لكل صحافي رينكوت وسترات وسموكينغ فظهروا في مظهر الوزراء!
-ليلى: (تضحك) لبّسهم يعني؟
-مصطفى: لبسهم آه (يضحك)
-ليلى: في ذاكرتك الكثير مما فعلت من أجل أن تكون في الصحافة، وكنت علامة فارقة في الصحافة العربية سواء أنت أو المرحوم علي أمين، أثناء هذا التدرج في العمل اضطررت في يوم من الأيام إلى الكذب حتى على المرحومة أم كلثوم ؟ّ!
–مصطفى: أيوه.. كذبت في سبيل أن أحصل على سبق صحفي.
– ليلى: هل الغاية تُبرر الوسيلة في الصحافة؟
-مصطفى: لا.. هي الحكاية إني أنا قلت لها أنا راجل يتيم وبربي إخواتي السبعة، وإذا لم أحصل على هذا الحديث سأُرفد من الجريدة، ويموتوا من الجوع، فهي تأثرت جداً وقعدت وأدّت الحديث.
-ليلى: لكن هل يحق للصحفي أن يصل إلى الحديث بأي طريقة؟ هل هي مدرسة مثلاً في الصحافة العربية؟ ما هي مدرسة مصطفى أمين؟
-مصطفى: مدرستي أن الشعب من حقه أن يعلم! لكن لما ييجي واحد صحفي ويدّعي أنه سفير أو أنه خدّام ممكن نعمل كده! ممكن يبقى سُفرجي ويقوم بخدمة وزير ويعرف منه الأخبار، ده كله مُصرّح فيه بالصحافة، إنما مش معنى الكذب أنه يقول -ليلى: خبر غير صحيح! في رأيك الوسيلة مشروعة، لكن الخبر يجب أن يكون صحيحا
– أيوه. أيوه.
دخلت جورج تاون رغم عني، لأني ذهبت بقصد أن أدرس صحافة، لكن والدي رفض أن أدرس صحافة، واختار مدرسة للعلوم السياسية وهي أكبر مدرسة للعلوم السياسية في أمريكا هي جورج تاون! عشان أدرس فيها سياسة خارجية، وأنا استفدت من دراسة السياسة الخارجية |
-ليلى: ماذا استفدت من دراستك في أمريكا وحصولك على الماجستير من جورج تاون الجامعة العريقة في سن مبكرة أوائل القرن العشرين، كيف تُقيم تلك التجربة الآن؟
-مصطفى: أنا دخلت جورج تاون رغم عني، لأني ذهبت بقصد أن أدرس صحافة، لكن والدي رفض أن أدرس صحافة، واختار مدرسة للعلوم السياسية وهي أكبر مدرسة للعلوم السياسية في أمريكا هي جورج تاون! عشان أدرس فيها سياسة خارجية، وأنا استفدت من دراسة السياسة الخارجية، واستفدت من دراسة المواد اللي موجودة هناك، كان في نظام إنه الواحد يختار المواد التي يدرسها، فاخترت مواد أقرب للصحافة ودرستها وخدت فيها الماجستير.
أول ما فتحت عيني فتحت عيني على ثورة 19، (1919) وسمعت الجماهير وهي بتهتف للاستقلال ولسعد زغلول، وشفت وأنا صغيّر المعارك اللي بين المصريين والإنجليز قدّام شارع سعد زغلول
|
-ليلى: ما مدى تأثير معايشتك وقربك من الزعيم سعد زغلول والمحيط الذي يعيش به الزعيم على حياتك وأفكارك؟
-مصطفى: أنا تأثرت جداً! لأني أول ما فتحت عيني فتحت عيني على ثورة 19، (1919) وسمعت الجماهير وهي بتهتف للاستقلال ولسعد زغلول، وشفت وأنا صغيّر المعارك اللي بين المصريين والإنجليز قدّام شارع سعد زغلول، قدّام بيت سعد زغلول، والقتلى والجرحى، وكانوا يحملوا القتلى إلى داخل بيت الأمة” بيت سعد”، ويحملوا الجرحى ويعالجوهم في بيت الأمة، فكل هذا طبعاً تأثرت به، الجو ده الذي فتحت عينيّ عليه كان عمري خمس سنين لما كانت الثورة، فعشت أسمع هذا وأسمع قصص الثورة كأنها حواديت، بدل ما أسمع حواديت الأطفال سمعت أحاديث الثورة!
-ليلى: أستاذ مصطفى قربك من الزعامات في بيت الزعيم سعد زغلول بيت الأمة، هل أزال حاجز الخوف بينك وبين الشخصيات التي قابلتها وتعاملت معها في ما بعد؟ ساعدك؟ أثّر على حياتك؟
-مصطفى: طبعاً طبعاً لأني شفتهم وهم صغيرين، فتعودت عليهم وهم كبار
-ليلى: ما فيش رهبة منهم! يمكن أنت حظك أحسن من حظ الصحفيين الآخرين
-مصطفى: فعلاً فعلاً.
-ليلى: عندما رُد الاعتبار لثورة 1919 في الميثاق الوطني، وصدر سنة 52 ماذا كان شعورك؟ أتذكر ذلك اليوم؟
-مصطفى: آه أذكره ولو أنه جاء متأخرا! لأنه كان صدر قرار باعتبار الثورة غير موجودة ولم تقع! وبقيت الجرائد ممنوعة بأن تذكر سعد زغلول لعدة سنوات، وبعد ذلك سُمِح بنشر الحقيقة، فطبعاً لما نُشِرت الحقيقة شعرت بالسعادة.
-ليلى: 1919ومن وحي ثورة 19كتبت رواية دولت فهمي التي لم يعرفها أحد
-مصطفى: ده انت حافظة خالص!
-ليلى: مزاكرة، ذاكرت دروسي وجيت لك! دولت فهمي التي لم يعرفها أحد، وهذه قصة واقعية؟
-مصطفى: واقعية نعم
-ليلى: كيف عرفت القصة؟ وهل أعجبك العمل عندما تحول إلى فيلم تليفزيوني؟
-مصطفى: أولاً عجبني! وهو أخذ جائزة من الصين كأحسن فيلم مصري يُعرض، والمخرجة إنعام محمد علي كانت ممتازة، لأنها صورت أفكاري بالزبط، وأنا سمعت الحادثة من بطل القصة، اللي قُبض عليه بعد ان أطلق الرصاص على الوزير المصري، فادّعت دولت فهمي أنها صاحبته وكان عندها، وهو روى لي القصة كاملة، وأنه لم يعرفها قبل الحادثة أبدا.
-ليلى: هل يحق للصحفي أو للكاتب أن يزيد من خياله على هذه الوقائع؟ وما الفرق بين الكتابة الصحفية والكتابة الإبداعية؟
-مصطفى: هذه القصة لم تكن تحتاج إلى خيال، لأن ما حدث فيها أغرب من الخيال
-ليلى: أن تفتدي مصر بشرفها؟
-مصطفى: آه طبعاً
– ليلى: كان فيها من الخيال ما يكفي
-مصطفى: لا لا فيها الواقع زي ما حصل
(لقاء المخرجة إنعام محمد علي):
-ليلى: كم من المساحة كان مسموحا لكِ عند الأستاذ مصطفى أمين أن تُغيّري في النص؟ وكيف استعدت ثورة 1919؟
-إنعام: معظم التفاصيل اللي كانت في قصة دولت فهمي التي لم يعرفها أحد لمصطفى أمين، ظهرت في العمل، لأن القصة كانت أطول شوية من الفيلم، وممكن يبقى سطر أو كلمة في القصة تستغرق عشر دقائق أو ربع ساعة في الفيلم في التصوير يعني، لغة الصورة ولغة الكاميرا مختلفة خالص عن لغة القصة نفسها، ده اللي حصل في “دولت فهمي”، و”دولت فهمي” على فكرة برضه قصة حقيقة
عن مُدّرسة، في وقت كانت المُدرسات في بداية القرن الحالي عندنا، يمكن سنة 40 كان ممنوع عليهم إنهم يتجوزوا، كان يعني زي ما يقولوا راهبات من أجل العلم، فدولت كانت آنسه ما تجوزتش، وعلى فكرة كانت بلدياتي! أنا من صعيد مصر اللي هي المنيا يعني، ودولت أيضا من المنيا، يمكن ده برضه فيه حته ذاتية صغيرة في تحمُسي لدولت، دولت دي..
-ليلى: هل بحثت عن القصة واتصلت بالأستاذ مصطفى أمين؟
-إنعام: أيوه أيوه، أنا اللي بحثت عن القصة، واتصلت بالأستاذ مصطفى أمين، وبُهرت به، لأنه في هذا الوقت المُبكّر من القرن، فتاة من الصعيد ومُدّرسة تُقدّم أغلى ما تملك أو تدعي أن أغلى ما تملك يعني بمعنى..
-ليلى: ادعت أنها قضت الليل مع الشاب المُطاردالذي لا تعرفه وقدمت نفسها ضحية لإنقاذ شاب وطني، وضحت بشرفها وسمعتها لإنقاذه، فقتلها أهلها رغم أنها بريئة ولم تعرف الشاب أبدا.
-إنعام: أيوه، فضَّلت وطنها على شرفها، الوطن أولاً ثم العِرْض
في العصر الملكي دي كانت نُزهة! لأنه كان يُقبض عليّ في الصباح وأُعرض على القاضي بعد الظهر، ويُفرج عني في المساء، حصل ده مثلاً في سنة 51حوالي 21 مرة، اتقبض عليّ 21 مرة، إنما في عهد الثورة اتحبست 8 سنين ونص!
|
-ليلى: أستاذ مصطفى أمين دخلت السجن في العصر الملكي وفي عصر الثورة فكيف تُفسر وتُقيم ذلك؟
-مصطفى: أبداً في العصر الملكي دي كانت نُزهة! لأنه كان يُقبض عليّ في الصباح وأُعرض على القاضي بعد الظهر، ويُفرج عني في المساء، حصل ده مثلاً في سنة 51حوالي 21 مرة، اتقبض عليّ 21 مرة، إنما في عهد الثورة اتحبست 8 سنين ونص!
-ليلى: بقاؤك وحياتك في بيت الأمة مع الزعيم سعد زغلول جعلك قريباً أيضاً من عمالقة الفن في ذلك الوقت، مع الأستاذ عبد الوهاب، السيدة أم كلثوم، هل تذكر اللقاء الأول بهما؟ دائما اللقاء الأول يترك أثرا كبيرا في نفس حساسة مثل عين الصحفي اللاقطة، فهل تذكر اللقاء الأول مع أم كلثوم؟ اللقاء الأول مع عبد الوهاب؟
قال أبويا نروح نسلم على أم كلثوم ونقدم لها علي مبارك، فرحنا فدُهشْتُ إنه واقف جنب أم كلثوم أحمد رامي، وده كان مُدّرس الترجمة عليّ في المدرسة الابتدائية، فسلِمنا عليها وبعدين قالوا سلم على الأستاذ أحمد رامي مهابةً، وهكذا عرفتها عرفت أم كلثوم غصب عني
|
-مصطفى: أذكر اللقاء الأول مع أم كلثوم، في سنة 1925، زار مصر أحد زعماء أفريقيا إسمه علي مبارك، وكان هذا الرجل أكرم أعضاء الوفد اللي كانوا مسجونين في جزيرة سيتشل، فرأي سعد زغلول أن يُكرّمُه، فدعاه إلى الغداء، وحضرنا الغداء، وفي نهاية الغداء قال لوالدي خُذه فسّحه بالليل، فوالدي قال طيب، بعدين احنا قلنا لأبويا في مسرح علي الكسار رواية إسمها ” أبو زيزع” ناخدوه هناك، فأبوي قال أيه أبو زيزع؟! إحنا نروح نسمَّعه أم كلثوم دي أهم حاجة عندنا، فرحنا مرغمين إنه احنا نسمع أم كلثوم، فطلعت واحدة لابسه عقال مع التخت بتاعها “فرقة موسيقية بسيطة”، وبدأت تُغني وفي منتصف الغناء قال أبويا نروح نسلم على أم كلثوم ونقدم لها علي مبارك، فرحنا فدُهشْتُ إنه واقف جنب أم كلثوم أحمد رامي، وده كان مُدّرس الترجمة عليّ في المدرسة الابتدائية، فسلِمنا عليها وبعدين قالوا سلم على الأستاذ أحمد رامي مهابةً، وهكذا عرفتها عرفت أم كلثوم غصب عني
-ليلى: لكن أستاذ أحمد رامي أستاذ الترجمة ضربك في يوم من الأيام
مصطفى: ضربني ألم على وشي آه..لأنه سأل full يعني أيه؟! فقلت له مجنون، مجنون أفندي، هي fool غير full،
– طبعاً طبعاً- فضربني ألم
-ليلى: لغلطة؟!
-مصطفى: لغلطة آه
-ليلى: إذن ما رأي الأستاذ مصطفى أمين في التربية ما بين القديم والحديث؟! يعني إذا كان الأستاذ على غلطة بين fool و full يعني فرق صحيح فرق كبير بالمعنى لكن باللفظ يمكن التلاعب
-مصطفى: على كل حال أنا ضد الضرب في المدارس، وضد الضرب في البيوت، وبعتقد أنه بالطريقة الحديثة إنه ما فيش ضرب
-ليلى: حتى بين الأب وإبنه؟!
-مصطفى: حتى بين الأب وإبنه
-ليلى: أستاذ مصطفى أمين حضرتك، والله يعطيك العمر، تنتمي إلى جيل سابق نسبياً لكنك تعلمت ووصلت إلى أمريكا، وكان عدد المتعلمين قليل جداً
–-مصطفى: جداً آه
ورغم ذلك لك ابنة لم تُكمل الدراسة الجامعية!! هل ترى أن الشهادة الجامعية ضرورية في هذه الحياة أم لا؟
مش مهم شهادة المهم ثقافة، ياخدها وهو معاه الشهادة الابتدائيةّ!! العقاد أخذ هذه المكانة وهو لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، وفي صحفيين كويسيين ولا يحملوا شهادات |
-مصطفى: والله يعني مش ضروري، إنما المهم يكون عنده ثقافة، مش مهم شهادة المهم ثقافة، ياخدها وهو معاه الشهادة الابتدائيةّ!! العقاد أخذ هذه المكانة وهو لم يحصل إلا على الشهادة الابتدائية، وفي صحفيين كويسيين ولا يحملوا شهادات
(الغمز من قناة الصحفي الشهير محمد حسنين هيكل الذي لم يحصل على شهادة جامعية)
-ليلى: ورغم ذلك نجحوا وتميزوا.
-مصطفى: نجحوا آه
-ليلى: إذاً الثقافة في رأيك..
-مصطفى: أهم
ليلى: “معبودة الجماهير” كيف وأين كتبت هذه القصة؟
-مصطفى: في مرة الرئيس جمال عبد الناصر أعطاني أجازة من أخبار اليوم (تضحك)، فقعدت في بيتنا ما أخرجش، كان غير مصّرح لي الخروج من بيتنا، فقعدت وكتبت القصة!
-ليلى: هل استوحيتها من الواقع؟
-مصطفى: هي قصة خيالية!
-ليلى: لكن ما رأيك في أداء شادية وعبد الحليم حافظ؟
-مصطفى: كويس قوي
-ليلى: هل تحرص أستاذ مصطفى على مشاهدة أعمالك الأدبية بعد أن تتحول إلى أعمال تليفزيونية أو سينمائية؟ هل تحرص على أن تعرف كيف تحولت؟
-مصطفى: أنا مرة واحدة تدخلت في فيلم “فاطمة”
-ليلى: لأم كلثوم؟ ده قديم أوي
-مصطفى: لأم كلثوم نعم، فاخترت أنا أبطال الرواية، واخترت الممثلين كلهم، واخترت المخرج أحمد بدرخان، لأنه كان زميلي في المدرسة
ليلى: ده أنت ديكتاتور
-مصطفى: في الرواية دي، وبعد ذلك لم أتدخل في أي رواية لي خالص، إنما دي الرواية الوحيدة اللي تدخلت فيها لأني كنت مبتدئ
-(ليلى: تضحك)
-ليلى: لكن ما رأيك في السينما الآن، لا أعرف إذا حضرتك بتشوف سينما؟!
-مصطفى: لا
-ليلى: بتروح مسرح؟
-مصطفى: لا
-ليلى: مع أنّه في أحد الأيام حاولت تكون ممثل مسرحي، بل ومثّلت!
-مصطفى: آه طبعاً ومثلت، إنما الواقع في الظروف هذه، أولاً المسارح ما عادتشي زي زمان، المسارح زمان كانت منظمة، فأيام يوسف وهبي يقول: لا يجوز هذا، لا يجوز أن تتكلم أثناء الرواية، لا يجوز لا يجوز عشرين لا يجوز، حتى يعلّموا المُتفرج أدب المسرح، بعد ذلك الناس نسيت أدب المسرح، وأصبح في وسط ما الراجل بيمثل يقوم واحد يقول كوكاكولا ويبيع شوكولاته، وما يقدر الواحد يتابع الرواية، والناس تتكلم، والناس تكلم الممثلين وتخُش معاهم قافية، كل هذه تضيع هيبة المسرح
-ليلى: يعني أنك لا تندم على أنك لم تمثل؟
-مصطفى: لا
أنا غويت المسرح، لما كنت بشاهد روايات يوسف وهبي كنت أعجب فيها، وده اللي خلاني أفكر إني أدخل جمعية التمثيل في المدرسة! |
-ليلى: هل يمكن أن نقول إنه قلق الفنان دفعك إلى أن تتنقل بين عدة مهن؟ أو يتصور الإنسان نفسه في عدة مهن؟
-مصطفى: يعني أنا غويت المسرح، لما كنت بشاهد روايات يوسف وهبي كنت أعجب فيها، وده اللي خلاني أفكر إني أدخل جمعية التمثيل في المدرسة! وبس!
-ليلى: كتبت أنك لست ضد هدم فيلا السيدة أم كلثوم! فكيف تُفسر هذا؟ كيف تفسر أن يتحول هذا المكان إلى عمارة ويكون الأستاذ مصطفى أمين مع هذا القرار؟
تهمة الناس لورثة أم كلثوم إنها هدمت بيت أم كلثوم دي تهمة غير صحيحة! لأن الواقع ان أم كلثوم كانت عايزة تهدم هذا البيت وتعمله عمارة في وقت من الأوقات |
-مصطفى: لا أنا ما قلتش كده! أنا قلت إن تهمة الناس لورثة أم كلثوم إنها هدمت بيت أم كلثوم دي تهمة غير صحيحة! لأن الواقع ان أم كلثوم كانت عايزة تهدم هذا البيت وتعمله عمارة في وقت من الأوقات، واتفقت مع المهندس فلان الفلاني وعمل لها رسم العمارة، ولو ورثة أم كلثوم بحثوا في أوراقها حيجدوا رسم العمارة ورسم الأدوار موجودة فيه!
-ليلى: لكن كيف نحافظ على تراث هؤلاء العباقرة في الفن أو في الأدب؟ احنا الحقيقة زُرنا بيوتهم
-مصطفى: أم كلثوم كان رأيها إن البيت الذي له ذكريات هو البيت اللي ولدت فيه وعاشت صباها فيه وهو بيت صغير!
-ليلى: في طماي الزهايرة
-مصطفى: في طماي الزهايرة نعم، وكانت تعتقد أنه ده هو البيت اللي شهد مولدها وشهد مولد عبقريتها.
-ليلى: جئت بأفكار ممتازة أضحت جزءا من الحياة الاجتماعية، مثلاً ليلة القدر، عيد الحب، عيد الأم، طبق الخير، لست وحدك، كثير من الأفكار، ما هي أفكارك للحفاظ على تراث هؤلاء وبعضهم أصدقاء مقربين منك؟ ماذا تقترح على الدولة أن تفعل؟
-مصطفى: أن تُطلق أسماءهم على شوارع وميادين! وتعمل تماثيل لبعضهم، يعني بعضهم يستحق تماثيل مثل عبد الوهاب، وسيد درويش، وأم كلثوم، وعبد الحليم حافظ
-ليلى: عبد الحليم حافظ مثّل لك فيلم “دليلة” لكنه لم ينجح كثيرا، ثم مثّل “معبودة الجماهير” ونجح، ما قصة اللقاء الأول بين الأستاذ مصطفى أمين وعبد الحليم حافظ؟
-مصطفى: عبد الحليم حافظ عرفته وهو مبتدىء، فاللي حصل إن هو جالي، لأنه حضر حفلة في اسكندرية والجماهير قاطعته وقالت إنزل إنزل، وطلبوا منه إنه يغني حاجة لعبد الوهاب وكان بيغني “صافيني مرة” فالناس قالوا له أسكت، فهو جالي زعلان جداً في المكتب ده، وقال لي أنا فكرت في الانتحار
ليلى: هنا؟
-مصطفى: هنا في الأوضة في الكرسي ده اللي انت قاعدة عليه! فأنا قلت له يا عبد الحليم إنت تنتحر لو الناس ما ذكرتكش! لكن لو الناس ذكرتك، شتمتك أو مدحتك، فده نجاح! فالناجح بيتشتم لأن الشجرة المثمرة بيترمي عليها طوب، إنما الشجرة الغير مثمرة ما حدش يقدر يرمي عليها طوب، فأنت أثبتَّ أنك مثمر لأنهم ألقوا عليك طوب، فاقتنع ودي بداية صداقتي به!
ليلى: والأستاذ عبد الوهاب؟
فجاء عبد الوهاب وقال أنا عايز أمتحن أصوات، فأنا غنيت أمامه فقال لي أنت لا تصلح أبداً للموسيقى؟! |
-مصطفى: عرفته لمّا كنت تلميذ في مدرسة الخديوي إسماعيل الثانوية الملكية، وجابوه مدرس موسيقى، وعمل فرقة للموسيقى فأنا دخلت فيها، لأني أنا كنت أصدر صحيفة” مجلة التلميذ” فكنت أدخل في كل جمعية من جمعيات المدرسة عشان أعمل أخبار، الأخبار كلها تبقى في المجلة اللي أنا بصدرها، فجاء عبد الوهاب وقال أنا عايز أمتحن أصوات، فأنا غنيت أمامه فقال لي أنت لا تصلح أبداً للموسيقى؟!
-ليلى: زعلت؟
-مصطفى: أبداً لا
-ليلى: ما زعلتش؟! لكنك تعلمت الموسيقى بعدين؟
-مصطفى: لا لا أبداً أخذت كلمة الأستاذ عبد الوهاب نهائيا، وهو أنقذ البلاد
(يضحكان)
-ليلى: في لقاء تليفزيوني في أحد الأيام قلت إن الرئيس عبد الناصر استشارك في دخول إمرأة للوزارة؟
-مصطفى: صح!
-ليلى: وبعدين حضرتك يعني شُرت على الرئيس عبد الناصر بأن يختار أقل النساء جمالاً؟؟
-مصطفى: لا لا لا
ليلى: مش كده؟ حنزعل من بعض يعني!!
-مصطفى: لا لا، مش تمام!
-ليلى: مش تماماً؟!
-مصطفى: لا، هو سألني أني أعتمد على أرشيف أخبار اليوم في اختيار أكثر النساء المصريات نشاطاً في المجال العام! فاخترت عشر سيدات منهم: أمينة السعيد، وأم كلثوم رشحتها وزير الثقافة، وآخر واحدة حكمت أبو زيد، وبعت له الأسماء وبعت له صورهم، فهو اختار من العشرة حكمت أبو زيد، فأنا قلت له اخترتها ليه؟! قال لأنها غير جميلة!
– ليلى: قلت إن الرئيس عبد الناصر استشارك في دخول إمرأة للوزارة، الأستاذ محمد حسنين هيكل يردد دائماً أن الرئيس عبد الناصر استشاره في كذا وكذا، كيف كانت شخصية الرئيس عبد الناصر إذا كان يستشير أهل الرأي؟ وكيف تُفسر ما حدث إذا كان هذا الرجل يستشير أهل الفكر؟
-مصطفى: هو كان يستشير بعض أصحاب الفكر ولكن بيعمل اللي في دماغه! إنما بيسمع؟ كان يسمع كويس، ولا يقاطعك حتى إذا كانت الفكرة لا تُعجبه إنما يسمعك إلى آخر ما تقول! وأنا ترشيح الوزيرة بدأ بأني قلت له أنا اقترحت عليه إنه آن الوقت بعد ما أعطينا المرأة حق الانتخاب إنها تبقى وزيرة، فقال لي: قول لي عشرة من اللي يصلحوا للوزارة، فنختار واحدة منهم، فرشحت العشرة، لكن قبل كده واحنا قاعدين دخل عبد الحكيم عامر، فالريس جمال عبد الناصر قال لي: قول لعبد الحكيم أيه اقتراحك! فقلت له الاقتراح، فقفز عبد الحكيم عامر من
فقفز عبد الحكيم عامر من كرسيه وقال: عليّ الطلاق بالتلاته، لو إمرأة دخلت مجلس الوزراء أنا حخرج من مجلس الوزراء |
كرسيه وقال: عليّ الطلاق بالتلاته، لو إمرأة دخلت مجلس الوزراء أنا حخرج من مجلس الوزراء،
-ليلى: معقول!
-مصطفى: فعدل الرئيس عن الترشيح إلى أن جاء وقت خرج عبد الحكيم من مجلس الوزراء وأصبح نائب القائد العام. فهو كلمني وقال لي الآن التغيير الوزاري مش حيكون فيه عبد الحكيم! ففرصة إننا نعين وزيرة، فرشّح عشرة! دي كانت المناسبة
-ليلى: يعني عبد الناصر انتظر حتى خرج عبد الحكيم عامر من الوزارة؟ هذه إشارة ذكية جداً أستاذ مصطفى!
-مصطفى: آه، آه!
-ليلى: أيضاً اقترحت ضمن” فكرة”، أن تتولى السيدة أم كلثوم وزارة الثقافة، صحيح أن جاك لاندي مثلاً عندما أصبح وزيراً للثقافة عمل للثقافة ما لم يعمله وزير آخر في مجال آخر، الميزانية ارتفعت، كرّم الفنان، هل تعتقد أن وزير الثقافة يجب أن يكون فنانا؟
-مصطفى: أعتقد كده، لأنه لا يستطيع أن يحس بالفن ويفهمه إلا الفنان
ليلى: هل كانت أم كلثوم ستنجح وزيرة للثقافة؟
-مصطفى: بلا شك! بلا شك
-ليلى: ماذا يميزها؟
-مصطفى: هي نجحت كنقيبة للموسيقيين، وهي كسيدة عامة لها شهرة كبيرة جداً وهي في منتهى الذكاء، وكانت تُحسن اللغة العربية، وعلمت نفسها الفرنسية، وكانت ثقافتها واسعة، فأنا أعتقد أنها كانت تصلح وزيرة!
-ليلى: يعني الصحفي الأستاذ مصطفى أمين في يوم من الأيام طالب أن تكون أم كلثوم وزيرة للثقافة؟
بقول في فرق بين المُثقّف والمُثّقِف، المٌثقف ده هو أداة وحاجة ذاتية لذاته وتبقى قيمة للمجتمع، أما المُثَّقِف إنه يوصل القيمة دي، وأيضا هو الذي يختار القيم عشان يصدّرها في توقيت معين |
-مصطفى: مش بالضرورة، شوفي حضرتك مش بالضرورة يعني احنا مثلاً لما نيجي نقول: هل كان يصلح توفيق الحكيم وزيراً للثقافة؟! دي أصلها شغلانة تانية مش إنه هو مثقف، أنا بقول في فرق بين المُثقّف والمُثّقِف، المٌثقف ده هو أداة وحاجة ذاتية لذاته وتبقى قيمة للمجتمع، أما المُثَّقِف إنه يوصل القيمة دي، وأيضا هو الذي يختار القيم عشان يصدّرها في توقيت معين، ففيها فرق كبير جداً بين المُثَّقَّف وبين المُثقِف
-ليلى: أستاذ مصطفى أمين عندما تجلس لوحدك ماذا تسمع؟
-مصطفى: أسمع عبد الحليم حافظ وأم كلثوم وفريد الأطرش وعبد الوهاب طبعاً
-ليلى: بماذا تُدندن؟
-مصطفى: يعني أنا أُشفق على المطربين فلا أدندن لهم أبداً
-ليلى: معقول! مع أنك حاولت أن تغني في يوم من الأيام!
-مصطفى: حاولت آه، حاولت وفشلت. واعترفت إني فاشل
-ليلى: يعني لا تختار أغنية معينة تحبها وتسمعها
-مصطفى: لا أنا بحب أسمع أغنيات معينة لكن ما بغنيهاش، لا أجرؤ
-ليلى: هل تُثير أغنية معينة الشجن في نفس الأستاذ مصطفى؟
-مصطفى: الأطلال
-ليلى: آه الأطلال! لها ذكرى مؤلمة عندك؟!!
-مصطفى: فعلاً! آه
-ليلى: وأنت في السجن” بتهمة التخابر مع أمريكا”، أتحب أن تحكي القصة؟
-مصطفى: قوي جداً، وأنا في السجن كبير أطباء السجن دعاني للذهاب إلى عيادة السجن، فذهبت. قال لي: اقلع هدومك! فقلعت الجاكيتة، قال لي: نام هنا على ال..” “سرير الفحص” فأنا دُهشت أنه يعاملني بهذه الوقاحة كلها، بعدين مال براسه عليّ وهو ماسك السماعة كده، وقال لي أم كلثوم بتسلم عليك، وبتقول لك إنها راح تغني أغنية فيها بيتين علشانك، بس!.. وقال لي إلبس، فأنا ما عرفتش حاتغني ايمتى ولا أيه البيتين، ولا حاجة أبداً، فقعدت أنتظر لغاية ما جاءت الحفلة بتاعة يوم الخميس وإذ بأم كلثوم تُغني الأطلال
– ليلى: والبيتين؟
-مصطفى: أعطني حريتي أطلق يديّ…إنني أعطيت ما استبقيت شيئا
آه من قيدك أدمى معصمي لما ابقيه وما أبقى عليّ
-ليلى: أستاذ مصطفى حضرتك تأثرت بثورة 1919، عشت بعدها كل المتغيرات: سقوط الملكية، ثورة 52، والعدوان الثلاثي 56، وهزيمة 67، ونصر 73، ثم جاء ما يسمى بالنظام العالمي الجديد، شكل هلامي يحمل الكثير من المتغيرات، سواء على الصعيد السياسي أو الجغرافي أو العقائدي، كيف ترى المستقبل؟
رحبت بالنظام العالمي! إلى أن حدثت حكاية يوغسلافيا، وجدت النظام العالمي الجديد يتردد في مساعدة المسلمين في يوغسلافيا، وعندئذٍ سقط النظام العالمي الجديد في نظري. |
-مصطفى: والله أنا شخصياً رحبت بالنظام العالمي! إلى أن حدثت حكاية يوغسلافيا، وجدت النظام العالمي الجديد يتردد في مساعدة المسلمين في يوغسلافيا، وعندئذٍ سقط النظام العالمي الجديد في نظري.
-ليلى: في عصر الاتصالات والتليفزيون الذي نعيشه الآن، ماذا بقي للصحفي، هل أثر عصر الاتصالات والتليفزيون على دور الصحفي؟ ما دور الصحفي؟ وما دور الأديب؟
-مصطفى: سيبقى دور الصحفي مستمراً حتى مع ظهور التليفزيون، لأنه لما دخل التليفزيون في مصر زاد توزيع أخبار اليوم
-ليلى: صحيح؟!
-مصطفى: آه، فدي تجربة شاهدتها شخصياً، لم تتأثر الصحافة بدخول التليفزيون، بل اتسع أُفقها.
-ليلى: أستاذ مصطفى أمين في يوم من الأيام استأجرت شخصا دفعت له من جيبك لتُنشر مقالاتك بإسمه؟
–مصطفى: ما دفعتلوش فلوس لاء، أنا بس استأجرته على أنه يشتغل صحفي وياخد مرتب الصحفي وأنا أكتب المقالات!
-ليلى: معناها نفس الشيء إستئجار ده، إنت بتدفع له عرقك وجهدك وذهنك فوق المعاش الشهري، ده أكتر من الفلوس؟
-مصطفى: آه آه، آه فعلاً
-ليلى: إذاً أنت أردت أن تصل إلى الصحافة التي أحببت بأي شكل ونشر أفكارك ولو باسم آخر، ثم قبلت أن تتخلى عن الرواتب والمكانة مقابل أن تبدأ في جريدة جديدة، البدايات الأولى كانت دائماً تلعب دورا كبيرا في حياتك، تتحدى النجاح لتُثبت أنك صحفي ناجح، ما الفرق بين الصحفي في زمانك والصحفيين اليوم؟
– مصطفى: والله الفرق إنه اليوم مستعجلين، إنما في أيامي كنا بنصبر كثيراً، يعني أنا قعدت عشر سنين أكتب من دون إمضاء، أو بإمضاء ناس آخرين، الصحفي مش مستعد يقعد 10 أيام يكتب مقالات ويوقعها واحد تاني، لكن الصبر هو الصمود والصمود مفتاح النجاح
– ليلى: نعم، وصحافيي اليوم ما عندهمش صمود
-مصطفى: مستعجلين
-ليلى: هل تذكر حادثة تأثرت فيها كتيرا، بكيت فيها؟ لأن الصحفي إنسان؟ مصطفى أمين رغم أنك عملاق في الصحافة، لكن لا بد مررت بلحظات ضعف إنساني؟
-مصطفى: لا.. هي إنه لما توفيت أمي اللي كنا نحبها كثيراً ولا زلنا نحبها كثيراً، كان عليّ أنا وعلي أمين في نفس يوم دفنها إنه نعمل كاريكاتير في آخر ساعة، وكان عندنا اجتماع مع الأستاذ صاروخان( من أشهر رواد الكاريكاتير في الصحافة المصرية) للتفكير في الكاريكاتير! فبعد ما دفنّاها جئنا إلى مكتبنا في أخبار اليوم، وقعدنا نفكر في كاريكاتيرـ فلم يحتمل الأستاذ صاروخان هذا الموقف بكى وبكينا معه!
-ليلى: مثل الفنان الكوميديان اللي يُضحِك الجمهور في المسرح وقلبه من داخله حزين جدا!
-ليلى: من يعجبك من رسّامي الكاريكاتير الآن؟ من أفضل رسّام كاريكاتير في رأي الأستاذ مصطفى أمين؟
-مصطفى: مصطفى حسين
-ليلى: ما هي مواصفات رسّام الكاريكاتير الجيد؟
الكاريكاتير يتكلم ويُعبِّر ويصرخ ويبكي! |
-مصطفى: أن يشعر بالناس، وأن لا تحركه حاجة إلا روح الناس، ولا يحتاج إلى شرح للكاريكاتير، الكاريكاتير يتكلم ويُعبِّر ويصرخ ويبكي!
-ليلى: ما دور الرقابة في حياة مصطفى أمين؟ ماذا لعبت في حياتك؟
-مصطفى: لعبت دوراً خطيراً جداً، إنما أنا لعبت دوراً خطيراً في استغفالها (يضحكان)
-ليلى: أذكرلي حوادث؟
–مصطفى: أذكر على سبيل المثال أنه في أثناء الحرب العالمية الثانية تشرشل جاي مصر، وكانت التعليمات للصحافة عدم نشر إنه تشرشل حيبقى في مصر حتى لا يعرف الأعداء أنه في مصر، فأنا نشرت في الصفحة الأولى من جريدة أخبار اليوم، قلت ننتظر وصول شخصية عظيمة في مصر، وحطّيت صورة سيجار
-ليلى: سيجار تشيرشل الشهير طبعاً
-مصطفى: ففاتت على الرقيب
-ليلى: معقول؟! ما مواصفات الرقيب بنظرك؟ هل يمكن استغفاله؟
-مصطفى: آه ممكن قوي! إنما لما يبقى رقيب صحفي يبقى صعب جداً استغفاله!
-ليلى: ده بالنسبة للحرب العالمية، طيب ما بعد الحرب العالمية؟ هل تذكر حادثة مع الرقابة؟ طبعاً الحديث ذو شجون عن تلك الفترة مع الأستاذ مصطفى أمين؟
لمّا قامت ثورة 23 يوليو لم يكن الشعب يعرف من هو زعيم الثورة، وظهر اللواء محمد نجيب فالناس اعتقدت أن محمد نجيب هو زعيم الثورة، فأنا جئت في أخبار اليوم وقلت إن زعيم الثورة هو جمال عبد الناصر، فالرقابة اعترضت، فعبد الناصر كلّم الرقيب وقال له أُنشر الخبر! |
-مصطفى: لمّا قامت ثورة 23 يوليو لم يكن الشعب يعرف من هو زعيم الثورة، وظهر اللواء محمد نجيب فالناس اعتقدت أن محمد نجيب هو زعيم الثورة، فأنا جئت في أخبار اليوم وقلت إن زعيم الثورة هو جمال عبد الناصر، فالرقابة اعترضت، فعبد الناصر كلّم الرقيب وقال له أُنشر الخبر!
– ليلى: في الفترة الماضية كثر الحديث عن الهزيمة، عن مراكز القوى، دائماً أسأل نفسي وأتسائل أين كانت الصحافة؟ لماذا لم نعرف ماذا كان يحدث؟ لماذا فوجئنا بالهزيمة فهزمتنا؟
-مصطفى: لأن الصحافة كانت مُكممة، وكانت تحت الرقابة الشديدة، ولم يكن يستطيع كاتب أن يذكر الحقيقة، وإذا ذكر بعض الحقيقة دخل السجن
-ليلى: لكن في بعض الأدباء أرّخوا لتلك الفترة بتمجيد، ثم ومع انتهاء الفترة هاجموا تلك الفترة وتنصلوا من مواقفهم؟
-مصطفى: لأنهم كانوا لا يعرفوا
-ليلى: كانوا لا يعرفون!!!
–مصطفى: آه، لأن طريقة العلم لازم تكون يا إما بالاتصال بالثورة، أو بقراءة الخبر في الجرائد، يعني التعذيب ده لم يُنشر في الصحف أبداً إلا بعد وفاة الرئيس جمال عبد الناصر، بدأت الناس تتحدث.
-ليلى: أليس أفضل للإنسان أن يصمت بدل أن يكتب ما لا يعرف؟
–مصطفى: والله الصحفي يجب أن يعيش، يفضل أن يعيش ساكتاً على أن يموت مُتكلماً
(يضحكان)
-ليلى: قصة “سنة أولى حب” من أين أتيت بالفكرة؟
-مصطفى: الفكرة إني أنا عرفت قصة حب للنحاس باشا، فحولتها إلى قصة غرامية وتاريخية في الوقت نفسه.
-ليلى: إذاً يحق للصحفي أن يستعمل الوثائق ويستعمل ما يريد في عمل إبداعي؟
مصطفى: طبعاً
ليلى: هل كنت راضيا عنها وعن تمثيلها؟
مصطفى: دي أخرجها ثلاث أربع مخرجين يعني، طبعاً وأنا أرضى عن كل عمل يقوم به غيري في السينما!
-ليلى: “أميركا الضاحكة” كيف فكرت في هذا الكتاب الساخر؟
-مصطفى: أبداً.. أنا كنت بكتب مقالات من أميركا وأبعتها لآخر ساعة، فجمعت هذه المقالات ونشرتها في كتاب سميته “أميركا الضاحكة”، فكان الكتاب لحسن الحظ إنه من أكثر الكتب انتشاراً في سنة 1943.
-ليلى: نشكر الأستاذ مصطفى أمين
–مصطفى: متشكر جداً وأنا أشكرك على أسئلتك التي تدل على اطلاع واسع