” حِجابُ السَّاحرِ ” رواية جامحة بروح شعرية سماوية

(ثقافات)

” حِجابُ السَّاحرِ ” رواية جامحة بروح شعرية سماوية

سارة حوّاس

    الشهاويُّ شاعرٌ سماويٌّ.. يتكلم بلغةِ الروحِ في زمنٍ انتشرت خلاله المنافعُ والمصالحُ. فلا تُغريه المكاسب المادية، ولا تُشبع روحَه، بل قلمُه الحُرّ الذي يسطّر به ما يجول بخاطره، وما يُؤمنُ به من نثرٍ كان أو شعرٍ هو ما يُشبع وجدانه.  إنك لتشعر بمصداقيته عند أوّل كلمةٍ يبوحُ بها أو يكتبها، فهو شخصٌ واضحٌ وصريح.. فلا يُجاملُ أحدًا في رأي ، ولا تشعرُ بمللٍ عند قراءة أعماله. فرواية “حجابُ السَّاحرِ” مغامرةٌ شائقة سافرت خلالها إلى مناطق مختلفة من الروح، وشعرت من خلالها بمعانٍ إنسانية كثيرةٍ افتقدنا وجودها هذه الأيام. فلغة الشهاوي الشعرية كانت بمثابة الحُلي التي تزيَّنت بها روايتُه، والأهمُّ من ذلك تعلَّمتُ منه المُثابرةَ، وأنْ أُحاولَ أن أكونَ نفسي، وأسعى إلى ذلك غير مكترثةٍ بمرحلةٍ عُمريةٍ معينة، أو ظُروفٍ خاصة .. فالشَّهاويُّ شاعرٌ وكاتبٌ بدرجة إنسانٍ، وأظنُّ أن هذا سببًا قويًّا من بين أسباب تقف خلفَ شعبيتِه، وحُبِّ الناسِ له؛ فالعالمُ لا يفتقدُ إلى المواهب بقدرِ ما يفتقدُ إلى الإنسانية، وقد نجح الشهاويُّ في الجمع بينهما.. فهنيئًا له بهذا الجمع وهذا النجاح .

     لقد امتلك الشاعر ناصية الكتابة، وأبحر فيها فمنحته ثقةً وقُدرة على تقديم إمكاناته الإبداعية والفنية بطرقٍ وأساليب شتى، وهذه حالة لها خصوصيتها مع شاعر كأحمد الشهاوي صاحب الروحِ الوثَّابة التي تحلق خلف الفكرة بالكلمة والقصيدة.

لقد طرق الشاعر باب الرواية كعديد من الشعراء وهو أمر جميل وبديع، وقد حقق كثيرٌ منهم نجاحًا كبيرًا من أمثال: إبراهيم نصر الله، وحسن نجمي، ومحمد الأشعري و غيرهم، ومن الأدب العالمي: ڤيكتور هوجو، ووليم شكسبير، وصمويل بيكيت وغيرهم، وها هو أحمد الشهاوي ينضم لقائمة الشعراء الكُتّاب، ممن اتجهوا إلى كتابة الرواية، وخرج لنا بروايته الأولى ” حِجابُ الساحرِ ”، والتي رُشِّحت لجائزة الشيخ زائد القائمة الطويلة؛ ولا عجب في ترشيح روايته لهذه الجائزة الكبرى فقد حصل الشهاوي على عديد من الجوائز العالمية من قبل على أعماله الشعرية . في رواية ” حجاب الساحر ” برع الشهاوي في تمكين لغته الشعرية خلال كتابة روايته حيث امتلأت بالصور الشعرية البديعة والمؤثرة، وكأنَّ الشهاوي أراد أن يُثبت لنا أنه شاعر في المُقام الأول .

     وعلى الرغم من تراجع الشعر – إلى حد ما – كفنٍ مُستقلٍ؛ إلا أنه مازال حاضرًا في كل فنون الأدب؛ في الرواية والقصة والمسرح والموسيقى، فكل فنٍ بلا شعرٍ هو فنٌ مُتخثّرٌ بلا رَوحِ، ومصيرُه إلى زوالٍ، فالشعرُ هو المعنى، و فقه الضمير، وسمو الروح. وحتى الشخصيات الروائية الكُبرى هي شخصياتٌ شعرية بامتياز؛ فقد كان الروائي الشهير نيكوس كازانتزاكيس يقول ” روح زُوربا هي عَصْفٌ شِعري يمشي أمام العالم ”، ومن هذا المنطلق، نجد أنَّ شخصية “شمس حمدي” في “حِجاب الساحر” هي شخصية شعرية بامتياز رسمها الشهاوي بلغة شعرية بليغة؛ يعجز عن رسمها روائي لا يمتلك ملكة الشعر. شمس حمدي الأنثى المقاتلة التي واجهت كثيرًا من المصاعب بصبرٍ وعزيمة وإصرار.

     إن قُدرة الرواية على أن تضم بين دفتيها أكثر من نوعٍ إبداعيٍّ ” القصيدة، والسينما، والفن التشكيلي” من أهم الأسباب التي قد جعلت الشهاوي و غيره من الشعراء يتوجهون إلى الرواية، إلا أنَّ بعضَ الأفكار تحضر أحيانًا عند المبدع، وتحتاج إلى قالب معين لاحتوائها، ليكون أكثر تمثيلا وتعبيرًا عنها، وفي مثل هذه الأحوال يتجه الشاعر إلى السرد ليكتب روايته؛ لأن ما يحتاج إلى قوله والتعبير عنه يفوق القصيدة أو القصة القصيرة، ولعله من المهم أيضًا ألّا نتجاهل عامل الثورة العلمية والتكنولوجية التي منحت المبدع روافدَ كثيرة معرفية وثقافية، بالإضافة إلى ما يحدث الآن في العالم العربي من حروب وانقسامات، وكل ذلك أدَّى إلى الاتجاه نحو الرواية لقدرتها على البوح والاسترسال بالمكاشفة .

      ويبقى هناك سؤالٌ مهم، ودائمًا ما يتطرق إلى أذهان الأدباء والمثقفين في المحافل الأدبية والثقافية، وهو لماذا نجد دائمًا أنَّ الشاعر ينتقل من القصيدة إلى الرواية، ولم نجد روائيًا انتقل من الرواية إلى القصيدة من قبل، وهنا.. أجدُ أنَّ الإجابة عن هذا السؤال يكمن في كلمة واحدة وهي الموهبة؛ فالشعر مَلكة لا يملكها إلا مَن وهبه الله تلك الملكة والمنحة، والشاعر الفَطِن هو من يُصقلُ هذه الموهبة بقراءاته الكثيرة ويفتح نافذة على كافة الفنون، مثلما فعل الشاعر الأديب “الشهاوي” فمن خلال كتبه الكثيرة، وكتاباته المتعددة فهو مثقفٌ مطلعٌ على ثقافات كثيرة ومتعددة، فلم تقف عند ثقافات العالم العربي وكفى، بل تخطاها إلى الثقافات العالمية.. فهناك كثير من الشعراء لا يقرأون ولا يمسكون كتابًا ويعتمدون على موهبتهم فقط .

    وعلى الصعيد الآخر، نجد عددًا من الشعراء الكِبار الذين لم يتطرقوا يومًا إلى الرواية على الرغم من قراءاتهم الكثيرة لعديد من الروايات، وحبهم الجمّ لهذا النوع الأدبي، ومنهم الشاعر محمود درويش..  فكان يقرأ الروايات ليستلهم قصائده، فقد أبدع درويش في قصائده الشعرية، وأُطلقت على نثره صفةُ الأرستقراطية أيضا، ومع ذلك لم يكتب درويش رواية واحدة، على الرغم من كونه ناثرًا متفوقًا، وقارئًا مُحبًا للروايات، وإذا عقدنا مقارنة بسيطة بينه وبين الشهاوي، فسنجد أن الشهاوي قد تفوَّق على درويش في اتخاذ هذه الخُطوة نحو المغامرة، وعلى الرغم من كونها المخاطرة، وخاصة مع شاعر كالشهاوي يخشى الفشل!!

     لقد أصبحت الرواية – في الآونة الخيرة – سيدة الحضور الإبداعي، وكأنما أصبح لزامًا على الناس أن يصبحوا روائيين حتى لو لم يمتلكوا مقومات الروائي، فنلحظ مثلا أنَّ كلَّ شاعر يكتب روايةً يحاول قَدر الإمكان أن يستخدم لُغة بَعيدة عن الشعر حتى يُرسّخ في أذهان القُراء أنه كاتبٌ روائي، وذلك لم أجده في حِجاب الساحر فقد غلبت لغة الشهاوي الشعرية في روايته بصورة كبيرة، وخاصة عندما وصف البطل عمر الحديدي حبيبته شمس حمدي  بأنها ” امرأة تظهر في كل ليلة وكل نهار في شأن، إنها نساء عديدات وليست امرأة واحدة تكرر نفسها ”، وأيضا استشهاده بأبيات لبعض الشعراء كابن الرومي ” نواهد لا تعد لهن عيب”  ( نواهد لا يُعَدُّ لهن عيبٌ   سوى منع المحب من العناق)

     ومن ناحية أخرى نجد أنَّ النزعة الصوفيةَ تجلَّت في الشهاوي الروائية، حينما تحدثت شمس حمدي عن مدى تأثر روحها بالألوان فقالت :

” فالألوان والأزهار معنى، وصورة من صور الحياة؛ وهي اللغة التي تتحدث بها الروح، فالروح لا تتحدث لغتنا، إنها تتحدث معنا بلغة التناغم ” .

      ونجد في فصل ” لقاء نساء الثلاثاء” حُبَّ الشهاوي، وولعه بالحَكْي والسرد، وقد ظهر ذلك جليًّا في هذا الفصل حيث برع في سرد حكايات النساء التسع، ولكل امرأة حكاية مختلفة عن الأخرى، وتناول هذا الفصل بأسلوب فُكاهي شَيّق مليء بالمواقف المتنوعة، ووصفه للنساء كان مُضحكًا بعض الشيء، وقد عمل هذا على تخفيف وطأة الألم الذي شعر بها القارئ بسبب تعرض شمس للآلام، و عملية استئصال الرحم، فكان هذا الفصل بمثابة استراحة للقارئ بعد شعوره بالألم لآلام شمس.

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *