المتفق والمفترق بين سيّد قطب ونجيب محفوظ

(ثقافات)

المتفق والمفترق بين سيّد قطب ونجيب محفوظ

زياد أحمد سلامة

 المقدمة:

      كان سيد قطب يهيئ نفسه ليكون أديباً يحتل موقعاً متقدماً في عالم الأدب: شاعراً وروائياً وناقداً، ولكن ” سيد قطب المفكر” هو الذي صاحبه من المهد إلى اللحد.

 نجيب محفوظ، الذي تعرفه الأجيال المتعاقبة روائياً متميزاً؛ لفت نظر سيد قطب الناقد منذ وقت مبكر، بل وتنبأ سيد له بمستقبل متميز منذ أن قرأ رواياته الأولى.

  سيرتبط الرجلان بعلاقة (أدبية) رغم اختلافهما الفكري، وستستمر هذه العلاقة إلى النهاية رغم ما جرى لكليهما من أحداث، سيد سينصرف عن الأدب ومنه النقد ويتوجه إلى عالم الفكر والصراع مع السلطات الحاكمة، وسيتعرض للسجن والتضييق على حريته، وسيصل به الأمر في نهاية المطاف إلى التفاف حبل المشنقة حول عنقه عام 1966.

 أما نجيب محفوظ فستتسارع خطاه في عالم الرواية من إبداع إلى إبداع، وسيبدو اتجاه نجيب محفوظ يسير في مفارقة عن سيد، وسيجد نفسه في وسط الفن والفنانين في عالم السينما الذين أخذوا الكثير من رواياته وقصصه وحولوها إلى أفلام سينمائية لكبار نجوم هذا الفن،[1] وسيُتَوَّجُ مشواره الأدبي بالفوز بجائزة نوبل في الآداب عام 1988.

 ومن المفارقات أن سيداً وبعد (إعدامه) بنحو ثلاثين سنة سيُتهم بالحريض على (قتل) نجيب محفوظ!

 في هذا المقال سنرى هذه العلاقة بين الرجلين الأديبين المفكرين وماذا قال كلٌ منهما عن الآخر؟

  • من هو سيد قطب؟ (١٣٢٤ -١٣٨٧ هـ = ١٩٠٦ ـ1966 م)

  هو “سيد ابن الحاج قطب إبراهيم حسين شاذلي”: مفكر إسلامي مصري، من مواليد قرية (موشا) في أسيوط. تخرج في كلية دار العلوم (بالقاهرة) سنة (١٣٥٣ هـ =١٩٣٤ م) وعُيِّن مدرسًا للغة العربية ثم انتقل إلى وزارة المعارف في مطلع الأربعينيات، ثم عمل مفتشاً بالتعليم الابتدائي عام 1944 وبعدها عاد للعمل مدرساً حوالي ست سنوات. ثم عمل سنتين في وزارة المعارف بوظيفة مراقب مساعد بمكتب وزير المعارف آنذاك إسماعيل القباني، وعمل مديراً لمكتب طه حسين يوم كان مستشاراً لوزارة المعارف. وخلال الفترة من عام (1932-1948) كان له دور بارز في الحياة الفكرية والأدبية في مصر.

  حصل سيد قطب على بعثة للولايات المتحدة عام 1948 م من وزارة المعارف للتخصص في التربية وأصول المناهج. وكان يكتب المقالات المختلفة عن الحياة في أمريكا وينشرها في الجرائد المصرية ومنها مقال بعنوان “أمريكا التي رأيت “[2] ولما عاد عام 1951 انتقد البرامج التربوية المصرية وكان يراها من وضع الإنجليز، وطالب ببرامج تتمشى والفكرة الإسلامية. وبنى على هذا استقالته (١٩٥٣) في العام الثاني للثورة. انضم إلى جماعة الإخوان المسلمين، فترأس قسم نشر الدعوة وتولى تحرير جريدتهم (١٩٥٣ -1954) وكان عضواً في مكتب الإرشاد.

  عمله السياسي: انضم أولاً إلى حزب الوفد الليبرالي لسنوات وتركه بعد حادث 4 فبراير/ شباط سنة 1942، عندما طلب الإنجليز من الملك فاروق تكليف مصطفى النحاس (رئيس حزب الوفد) تشكيل الوزارة، ففقدَ سيد قطب ثقته بحزب الوفد، ولذا ترك سيد قطب الوفد والتحق بالسعديين (الطليعة الوفدية) برئاسة أحمد ماهر. وكان سيد قطب شديد الإعجاب به، ثم انفض عن الأحزاب كلها.

  عام 1953 انضم لجماعة الإخوان المسلمين، وبعد انضمامه لهم ووقوع الخلاف بين الإخوان وحكومة الثورة وقيام الحكومة بتعقب الإخوان وسجنهم، سُجن سيد قطب ثلاث مرات، الأولى في الشهر الأول عام 1954ولبث في السجن حتى آذار من ذلك العام، والثانية في العام نفسه وحُكم عليه خمسة عشر عاماً؛ قضى منها عشر سنوات، حيث أفرج عنه عام 1964، وبعد أقل من عام، أعاد عبد الناصر اعتقاله مرة أخرى في (30/7/1965) بتهمة تشكيل تنظيم يهدف لقلب نظام الحكم،  فحُكَم عليه بالإعدام مع ستة آخرين، صدر الحكم يوم 21/8/1966 ونُفذ بعد أسبوع واحد؛ فأعدم فجر الإثنين 13 جمادى الأولى 1386 هـ الموافق 29 أغسطس عام 1966 م.[3]

  كتب سيد قطب أربعة وعشرين كتابًا، وهناك نحو ثلاثين كتابًا لم يتم نشر بعضها لأسباب مختلفة (دمرت الدولة معظمها، وعدل عن إتمام بعضها)، وكتب ما لا يقل عن 581 مقالة.

   سنوات عطائه الأدبي الواقعة بين عامي (1930 ـ 1950) كانت سنوات خصبة الانتاج وكان ناقدًا أدبياً عميق النظرة، وكان ناقدًا اجتماعيًا وسياسيًا قوي الحجة والبينة، وله في ذلك كتب ومقالات تعد بالمئات ما زالت مطوية في الصحف والمجلات.[4] وبعد هذه السنوات العشرين في عالم الأدب انخرط في الفكر والعمل الإسلامي؛ وغدا علماً من أعلام هذا المجال في القرن العشرين ولا يزال أثره قائمًا شاغلاً الناس ومالئاً الدنيا.

  • من هو نجيب محفوظ (1331هـ= 1427هـ = 1911ـ2006م)

  ولد “نجيب محفوظ بن عبد العزيز إبراهيم أحمد الباشا” يوم (11/12/1911) بحي الجمالية   بالقاهرة،[5]  تنقل في صغره بين العديد من الأحياء والمناطق في القاهرة كالعباسية والحسين والغورية وكان لهذا أثر كبير في تشكيل شخصيته الوجدانية حول الحارة الشعبية وتفاعل مبكراً مع الأحداث الجارية ومنها ثورة 1919 وكان عمره وقتها سبعة أعوام.

  التحق بالكُتاب، وتعلم القراءة والكتابة، ثم دَرَسَ في التعليم العام، والتحق بكلية الآداب جامعة فؤاد الأول (القاهرة بعد ذلك) وحصل على ليسانس الفلسفة عام 1934، وشرع في إعداد رسالة الماجستير عن “الجمال في الفلسفة الإسلامية”، لكنه توقف بسبب انشغاله بالعمل.[6]

 عمل نجيب محفوظ موظفا بالحكومة، حيث اشتغل سكرتيرًا برلمانيًا بوزارة الأوقاف (1938-1945)، ثم مديرًا لمؤسسة القرض الحسن حتى عام 1954، انتقل بعدها مديرًا لمكتب وزير الإرشاد، ثم مديرًا للرقابة على المصنفات الفنية. وعُين مديرًا عامًا لمؤسسة دعم السينما؛ ثم رئيسًا لها، حتى أحيل إلى المعاش / التقاعد عام (1971). [7]

    استوحى من المنطقة التي نشأ بها (حي الجمالية ومحيطه) معظم رواياته وقصصه، التي شكلت عالمه الخاص، ومنها انطلق إلى العالمية، أول قصه نشرها هي “همس الجنون” 1938، ثم رواية “عبث الأقدار” 1939، فـ “رادوبيس”، و”كفاح طيبة”، وكلها عن تاريخ الفراعنة.

  ثم اتجه للكتابة الواقعية برواية “القاهرة الجديدة”، و”خان الخليلي”، “زقاق المدق”، و”السراب” و”بداية ونهاية” ثم “بين القصرين” و”قصر الشوق” و”السكرية” …إلخ.

   لمْ يلقَ نجيب محفوظ اهتمامًا يُذكر من النقاد لما يقرب من عشرين عامًا، وظل يشعر بالامتنان للأديب سيد قطب، الذي كان أول من كتب عنه، وقدمه للساحة الأدبية في مجلة “الرسالة” عام 1944.

  كان نجيب متأثرًا بمصطفى لطفي المنفلوطي، ومحمود عباس العقاد، وجيمس جويس، وفرانز كافكا، ومارسيل بروست. [8]

  كتب نجيب محفوظ أكثر من ثلاثين رواية اشتهرت غالبيتها، وتم إنتاجها سينمائيا أو تلفزيونيا، وأول رواياته “عبث الأقدار” ثم رادوبيس 1943، ومن أشهر رواياته: الثلاثية “بين القصرين-قصر الشوق-السكرية”، و”ثرثرة فوق النيل” و”الكرنك” و”بداية ونهاية”، و”اللص والكلاب”، و”أولاد حارتنا”، و”الحرافيش”.

 استمر محفوظ في الإبداع، وكتابة الرواية والقصة والمقال السياسي، حتى قبيل وفاته بفترة وجيزة.[9]

 أما آخر رواية كتبها فهي “قشتمر” عام 1988، وكتب أكثر من عشرين قصة قصيرة، آخرها “أحلام فترة النقاهة” 2004. اعتبر النقاد مؤلفاته بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر وتدوينا معاصرا للوجود الإنساني.

   أوّل من تنبأ لنجيب محفوظ بجائزة نوبل هو الدكتور طه حسين وأشاد له برواية “بين القصرين”[10]   حصل نجيب محفوظ على العديد من الجوائز والأوسمة، منها:

  1. جائزة وزارة المعارف عن رواية كفاح طيبة سنة 1944

  2. جائزة مجمع اللغة العربية – خان الخليلي 1946

  3. جائزة الدولة في الأدب – بين القصرين 1957

  4. وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى 1962،

  5. وسام الجمهورية من الطبقة الأولى 1972

  6. قلادة النيل العظمى 1988.

  7. وأهم جائزة نالها هي جائزة نوبل في الأدب عام 1988، ليكون أول عربي ينالها

 مُنحت لجنة جائزة نوبل الأستاذ نجيب هذه الجائزة العالمية الرفيعة على مجمل أعماله، وقد سُلطت الأضواء في الصحف على رواية “أولاد حارتنا” وقالت تحليلات أخرى أن من الأسباب الأخرى لمنحه الجائزة أسباب سياسية تتعلق بتأييده لعملية السلام التي قادها الرئيس السادات.

  تعرض نجيب محفوظ لمحاولة قتل عام 1994 من قبل شبان وقعوا تحت تأثير فتاوى تُكَفِّرُ نجيباً على خلفية تأليفه رواية “أولاد حارتنا” وأكَّدَ الجاني محمد ناجي أنه لم يقرأ أي رواية لنجيب، وأوضح أنه حاول قتله تنفيذًا لفتوى عمر عبد الرحمن مفتي الجماعة الإسلامية آنذاك، [11]ولكن الله تعالى كتب السلامة لنجيب حتى انقضى أجله يوم (30/8/2006) بحي العجوزة بالجيزة عن عمر قارب الخمسة والتسعين عاماً.[12]

  • مكانة سيد الأدبية    

  تخرَّج سيد قطب في كلية دار العلوم عام 1933 حاملاً شهادة الليسانس في الآداب مع دبلوم في التربية ومتخصصاً في اللغة العربية.[13]

  بدأ سيد حياته الأدبية كاتباً في الصحف والمجلات المصرية، ونشر الكثير من قصائده الشعرية والمقالات الأدبية لا سيما في النقد، “وقد استطاع سيد أن يلفت نظر أدباء مصر ونقادها إليه ناقداً أكثر منه شاعراً، فقد تمكن من إتقان فن كتابة المقالة النقدية منذ الثلاثينات، وخاض معارك أدبية مع الشباب والشيوخ على حد سواء”.[14]

 بدأ قطب بكتابة المقالات وهو في سنوات الدراسة في كلية دار العلوم وتابع هذا الأمر إلى نهاية عمره، وقد كتب عدداً كبيراً من المقالات نشرها في شتى الصحف والمجلات منها: البلاغ الأسبوعي وفيها نشر أولى مقالاته عام 1929، وكتب في صحيفة دار العلوم والمقتطف والرسالة والثقافة المصرية والكاتب المصري، وأبولو والأسبوع والأهرام والوادي والكتاب والعالم العربي وروز اليوسف والمسلمون والآداب والإخوان المسلمون وعددها.[15]  ويؤكد سعود المولى (في كتابه “الإخوان وسيّد قطب”)، على أن سيد قطب في تلك المرحلة الواقعة ما بين عامي 1932 و1948، لم يكن يكتفِ بالمقالات النقدية فحسب، بل أنه أيضاً قد دخل في العديد من المعارك الثقافية والأدبية مع بعض من كبار رموز الحياة الثقافية المصرية حينذاك.[16]

  الأديب القادم من قلب صعيد مصر، كان مؤيداً وداعماً لمدرسة جماعة الديوان، والتي كان كل من عباس محمود العقاد وعبد الرحمن شكري وإبراهيم المازني، من أهم مؤسسيها، والتي دعت إلى التجديد في الشعر العربي، وإلى الصدق في الإحساس والتعبير والبعد عن التكلّف والتصنّع.[17]

  كتب سيد قطب الشعر فأصدر عام 1935 ديوانه الأول ” الشاطئ المجهول”، ثم تم جمع قصائده في كتاب حمل اسم (ديوان سيد قطب) جمعه ووثقه وقدَّم له الأستاذ عبد الباقي محمد حسين وصدر عام 1989 ويقع في (300 صفحة)، وهناك طبعة أخرى من الديوان قدَّم لها حسن حنفي، بعنوان (الأعمال الشعرية الكاملة) وصدر في دمشق سنة 2000.

  يقول الشاعر الراحل فاروق شوشة في حوار تليفزيوني مع الإعلامي مفيد فوزي إن سيد قطب كان شاعرًا رومانسيًا مثل علي محمود طه، ومحمود حسن إسماعيل، محمد عبد المعطي الهمشري.[18]

  لسيد قطب ثلاثة أعمال في مجال القصة والرواية هي المدينة المسحورة، وصدرت عام 1946، وكُتبت على غرار قصص ألف ليلة وليلة. وكتب مذكراته بعنوان (طفل من القرية) وصدرت طبعته الأولى عام 1946 ورواية (أشواك) وصدرت طبعتها الأولى عام 1947.

وشارك في كتاب (الأطياف الأربعة) وهو مجموعة من الخواطر كتبها بالاشتراك مع أشقائه محمد وحميدة وأمينة، وصدرت الطبعة الأولى عام 1945. (له شقيقة أخرى هي “نفيسة” لم تشارك في هذا الكتاب).

 وفي عالم الأدب كتب الأستاذ سيد مجموعة من القصص للأطفال بالاشتراك مع الأستاذ عبد الحميد جودة السحار بعنوان سلسلة القصص الديني عن حياة الأنبياء.  وصدر منها ثلاث قصص.

وشارك في إعداد عدد من الكتب المدرسية، منها: الجديد في اللغة العربية، والجديد في المحفوظات، وكان هذان الكتابان مقررين على مدارس الوزارة، حتى بعد محنة سيد الأولى عام 1954، ومحاكمته والحكم عليه، ولم يُلغَ هذان الكتابان إلا عند محنة سيد عام 1965.[19]

 وأصدر كتابين من سلسلة “روضة الطفل” بالاشتراك مع أمينة السعد ويوسف مراد، وصدرا عام 1947 عن دار المعارف.

 وكتب عدداً من الكتب في النقد الأدبي، كان أولها “مهمة الشاعر في الحياة” وكتبه وهو طالب في كلية دار العلوم عام 1933، و “كتب وشخصيات” (1946) و”النقد الأدبي: أصوله ومناهجه” (1947).

استمر سيد قطب في الكتابة النقدية حتى عام 1951 حسب الأستاذ يوسف العظم[20]

 حدث لسيد قطب تحولات فكرية أثناء سفره للولايات المتحدة (1948ـ 1951) ففي هذه السنوات شهدت المنطقة أحدثاً مفصلية أهمها (قيام الدول الاستعمارية بتكوين الكيان الصهيوني)، أضف إلى ذلك قيام سيد قطب نفسه بمراجعات فكرية جذرية انتهت به إلى أن يكون أحد أعلام الفكر الإسلامي في القرن العشرين ومن أكثر المؤثرين في شباب المسلمين.

  في تلك الظروف الصعبة والمربكة، تبلور المشروع الإسلامي في فكر سيد قطب، حيث آمن أن الإسلام يحتوي على المبادئ التي من شأنها أن تكون بديلاً ناجحاً لمثيلتها المنتشرة في الغرب، فلم يكن غريباً أن يحزم قطب أمره، أثناء وجوده في أميركا، على أنه سوف يترك ميدان النقد الأدبي إلى غير رجعة، وسيصرف همّه الأكبر وشغله الشاغل إلى بلورة وصياغة مشروع فكري اجتماعي سياسي مستمد من الفكر الإسلامي نفسه. ولعل أقوى شاهد على ذلك، كان تلك الرسالة التي أرسل بها قطب من أميركا إلى صديقه أنور المعداوي، والتي جاء فيها: “تنتظر عودتي لأخذ مكاني في ميدان النقد الأدبي! ّ. أخشى أن ذلك لن يكون، وأنه من الأولى لك أن تعتمد على نفسك إلى أن ينبثق ناقد جديد! إني سأخصص ما بقي من حياتي وجهدي لبرنامج اجتماعي كامل يستغرق أعمار الكثيرين، ويكفي أن أجدك في ميدان النقد الأدبي لأطمئن إلى هذا الميدان”.[21]

  بعد أن أصدر الدكتور طه حسين كتابه “مستقبل الثقافة في مصر” عام 1938 كتب سيد قطب نقداً للكتاب، نشره أولاً مقالاً في صحيفة دار العلوم في عددها الرابع من السنة الخامسة (نيسان 1939) وعنوان المقال: نقد مستقبل الثقافة في مصر، ثم تم نشر هذا البحث في كتاب جاءت الإشارة إليه في الطبعة الثانية من كتابه (مشاهد القيامة في القرآن) وصدرت طبعة أخرى منه عام 1969 عن الدار السعودية للنشر والتوزيع.

  قال الكاتب والباحث في الأدب العربي طلال العامر: “ويعتبر كتاب “النقد الأدبي أصوله ومناهجه” لقطب من أهم ما كتب في النقد الأدبي لأن مؤلفه كان حرًا وله منهجية خاصة، ويمتاز برؤية نقدية واضحة وحرية فكرية وجرأة في الطرح ألقت بظلالها على الصراعات الأدبية التي خاضها مع بعض الأدباء مثل مصطفى صادق الرافعي.[22]

   كان نجيب محفوظ يتلمس خطواته الأولى على طريق النشر، فيما كان سيد قطب يخوض معارك أدبية ذائعة الصيت، وكانت مقالاته اللافتة تملأ الصحف والمجلات، فمنذ بدايته القوية على صفحات جريدة «البلاغ» الوفدية، لم ينقطع عن الكتابة للصحف والمجلات المتخصصة، بالإضافة إلى أن مجلة «الرسالة» التي كان ينشر فيها قطب مقالاته النقدية، كانت هي الأعلى صوتا والأكثر تأثيرًا من بين المنابر الثقافية والصحافية في ذلك الوقت”.[23]

  في أوائل أربعينيات القرن العشرين، كان لسيد قطب مشروع اجتماعي نقدي، عرض أبعاده في مجلة الشؤون الاجتماعية، احتلت مكان القلب من ذلك المشروع صورة مثلى ثلاثية الأركان للمجتمع المصري، هذه الثلاثية هي: الثقافة المصرية القديمة، الدين الإسلامي، اللغة العربية والمدنية الأوروبية العلمية والصناعية، حينما بدأ قطب يواجه الوجه الفعلي المشوه للواقع على هدى الصورة المثلى، اكتشف بُعد الشقة بين المثال والواقع، فانهار المركب الثلاثي السابق وجر معه الانهيار للمشروع الاجتماعي القطبي.[24]

  كان لسيد قطب محاورات ومواجهات ودراسات نقدية وعلاقات مع لكبار الأدباء في ذلك العصر منهم: عباس محمود العقاد، ومصطفى صادق الرافعي، وطه حسين، وتوفيق الحكيم، وعلي الطنطاوي، وأحمد حسن الزيات، وأحمد زكي أبو شادي، ومحمود تيمور، وعبد الحميد جودة السحار، وعبد القادر حمزة، وإبراهيم عبد القادر المازني، ويحيى حقي، ومحمد مندور، وأحمد أمين، وعبد المنعم خلاف، وعباس خضر، وطاهر أبو فاشا، وأنور المعداوي، ونجيب محفوظ، وغيرهم كثيرون.[25]

   أنشأ سيد قطب مع مجموعة من المفكرين الثائرين مجلة “الفكر الجديد” كان شعارها: “تحرير أقلام قوية مؤمنة بحق الشعوب في الحياة. “ومن الذين استقطبهم سيد قطب للكتابة في المجلة: نجيب محفوظ وسعد مكاوي وأحمد عبد الغفور عطار وعيسى الناعوري وحبيب جاماتي وصادق إبراهيم عرجون والتيجاني يوسف بشير وعبد الحميد يونس وأحمد حسن الباقوري وعبد الحليم منتصر ومحمد الغزالي.[26]

      مع طه حسين: أجرى سيد قطب حواراً مع طه حسين نُشر الجزء الأول منه في العدد الأول من مجلة “الفكر الجديد والثاني في نهاية فبراير/شباط من العام نفسه، وكان بعنوان “لحظات مع الدكتور طه حسين بك”.[27]

   وفي تلك المقابلة سأل سيدٌ طه بعض الأسئلة الخفيفة، وفي هذا الحوار قال طه حسين بأن أول كتاب قرأه وأثَّر في حياته هو القرآن الكريم وقال (ولم يزل يؤثر في حياتي حتى الآن)، وثاني كتاب هو “لزوميات أبي العلاء المعري”.

 وقال بأن الكتب التي يفضل قراءتها الكتب العربية القديمة، خصوصاً كتب القرنين الهجريين الأول والثاني؛ لأن الانتقال إلى ذلك الماضي يريحني وينعشني. وأحبُّ تلك الكتب القديمة إلى نفسي [كتب] الطبقات. وأحبُّ هذه إليَّ “طبقات ابن سعد”. ورغم قراءتي الكثيرة فيها، فإني لا أشعر بسآمة، ولا ملل، لأن لغتها في غاية العذوبة، وموضوعاتها في منتهى الدسامة. فمثلاً حين تطالع ترجمة لعمر تجد عرضاً بارعاً يثير العاطفة الفنية، سواء في ذلك موقف عمر من رعاياه أو موقف الرعايا معه. ومن مميزاته، في نظري، أنه لا يُعتبر من القُصاص الذين يتلقون الروايات الضعيفة ويروجون لها، بل هو من النقاد الذين يمحصون رواياتهم. وأراه أبعد ما يكون عن “مدرسة الواقدي”.

  وسألت المجلة الدكتور طه حسين عما صنع وماذا ينوي صنعه لتحقيق العدالة الاجتماعية الضائعة؟ فأجاب: لم أصنع ولن أصنع سوى تبصير الشعب بحقوقه المشروعة، والمطالبة بما ينبغي له من العدل والمساواة. فسأله سيد: وهل هذا يكفي؟ فأجاب طه: وماذا أستطيع أن أفعل غير هذا؟ هل كنت تتوقع أن أجيبك بأكثر من هذه الكلمات؟ (ثم ضحك وقال): إن خير الكلام ما قل ودل، فلا داعي للإطالة في هذا الموضوع ما دامت الكلمات القليلة تكفي للتعبير عن المعنى المطلوب”.[28]

  كان طه حسين بدوره يفهم شخصية سيد قطب جيداً، وقد لخص ذلك بدقة حسب رواية لأحمد عبد الغفور عطار (مجلة كلمة الحق، ع 2، مايو 1967)، بأن “في سيد قطب خصلتين، هما: المثالية والعناد، وهو ليس مثالياً فقط، ولكنه مثالي في المثالية”.[29]

  وعندما نشر سيد قطب كتابه “طفل من القرية” (1946) أهداه إلى طه حسين قائلاً: “إلى صاحب كتاب الأيام.. الدكتور طه حسين بك. إنها -يا سيدي- أيام كأيامك، عاشها طفل بالقرية، في بعضها من أيامك مشابه، وفي سائرها عنها اختلاف. اختلاف بمقدار ما يكون بين جيل وجيل، وقرية وقرية، وحياة وحياة؛ بل بمقدار ما يكون بين طبيعة وطبيعة واتجاه واتجاه. ولكنها -بعد ذلك كله-أيام من الأيام”.[30]

   مع توفيق الحكيم: وبعث برسالة للأديب توفيق الحكيم نُشرت في مجلة “الرسالة” (9/5/1949) وفيها يؤكد على وجوب أن تكون الثقافة والأدب منبثقة من المجتمع المحلي العربي الإسلامي، وأن يبتعد الأديب عن الأخذ من الثقاة البعيدة عن مشاعر وهموم المجتمع، وفيها يقول للحكيم:

 إنني لا أعيب الثقافة – فهي أمر لا بد منه اليوم لتكوين الأديب – ولكن الذي أعنيه أنك أيها الصديق – شأنك في هذا شأن ذلك الجيل كله من الشيوخ – تستلهم ثقافتك الفنية الغربية، قبل أن تجد ذاتك الأصلية.

من هنا يفقد فنك – كما تفقد أعمالهم جميعاً – ذلك الطعم الخاص الذي يتذوقه القارئ في آداب كل أمة، والذي يميزه عن آداب الأمم الأخرى.

إنكم لا تجدون أنفسكم في خضم ثقافتكم. إنكم تمتحون من رؤوسكم أكثر مما تستحون قلوبكم. وهذا هو العنصر الخطر عليكم جميعا.

إنك تهتدي إلي النبع في مقدمتك، ولكن بذهنك الواعي، لا بشعورك الغامض. لهذا يخطئك التوفيق عند التطبيق.[31]

 وقال: إنك في حاجة لأن تستلهم وراثتك الأصلية المتغلغلة في ضميرك آلاف السنين ومئات الأحقاب، لا أن تستلهم ثقافتك الطارئة في عمرك الفردي المحدود، هنالك النبع يا صديقي لو شئت لأعمالك الخلود![32]

   مع العقاد: علاقة سيد قطب بالعقاد معروفة ومشهورة، فقد ابتدأت هذه العلاقة بالإعجاب القوي من سيد تجاه العقاد، كان سيد من أشد المعجبين بالعقاد وأدبه وكان مدافعاً عنه بكل قوة، وخاض العديد من المعارك الأدبية نصرة لمعلمه وكتب العديد من المقالات في هذا الاتجاه أيضاً، فقد كتب أربع عشرة مقالة يدافع فيها عن العقاد، الذي يعتبره رائد الثقافة العميقة الأصيلة. وقد نشر تلك المقالات في مجلتي الرسالة، والثقافة، وقليلاً منها في مجلتي المقتطف والكتاب. وقد جمع معظمها لاحقاً في كتابه “كتب وشخصيات”.[33]

ولشدة إعجابه بالعقاد قال مرة “لا يستحق أمير الشعراء بأن يُطلق على العقاد”، في إشارة منه إلى أنه أكبر من هذا اللقب، لكن العقاد نفسه لم يَسْلم لاحقا من نقده الأدبي.[34]

  ولكن هذه العلاقة الحميمة بدأت بالفتور ثم بالتراجع وانقلبت إلى هجوم كبير من سيد تجاه معلمه لأسباب متعددة، منها إهمال العقاد لكتب سيد وعدم تقريظها أو الإشارة إليها في مقالاته، وأشار قطب في أكثر من مقالة له عن معاناته مع النقد، وكيف عمل في ظل بيئة منعدمة الأخلاق بعدما سيطر على مساحة النقد حفنة من محرري الصحف اليومية الجهلاء، وزهد الشيوخ الكبار عن ممارسة مهمة النقد المقدسة، فيذكر قطب أن عمله النقدي لم يورثه سوى خسارة الأصدقاء وكسب الأعداء. لذا كان يرى قطب أن النقد ضريبة يؤديها الناقد من وقته وجهده، فهو لم يتعب في كتابة الأعمال الأدبية قدر تعبه في إعداد مقال من مقالات النقد الصغيرة. [35]

   ولقد ذكر شريف يونس في كتابه ” سيد قطب والأصولية الإسلامية”  أن العلاقة بين العقاد وقطب أصابها المزيد من الفتور والإحباط خلال منتصف الأربعينيات، فقد كان قطب منتظرا تشجيع أستاذه وتقدير جيل شيوخ الأدباء الأكبر، ولكنه رغم أعماله المتتالية لم يجد من ينقدها أو يقدرها، فكتب يقول: “لقد كنت مريدًا بكل معنى كلمة المريد لرجل من جيلكم تعرفونه عن يقين، ولكن هذا الرجل وجيل الأساتذة بأكمله لم يقدموا كلمة تشجيع مكتوبة لهذا المريد المتفاني، حين بدأ ينشر كتبه المتتالية، بدءا من عام 1945، كلمة انتظرها كثيرا، ولم ينلها”. وزاد الطين بلة حينما رفض العقاد أن يكتب مقدمة لأحد كتبه (التصوير الفني في القرآن 1945)، فكان أن قاطع سيد قطب ندوة العقاد، شاعرًا بالمرارة والظلم ونوع من الغدر.[36]

  • معارك سيد الأدبية

خاض سيد قطب كثيرًا من المعارك الأدبية التي شغلت الأوساط الثقافية، وأشهر المعارك الأدبية التي خاضها:

  1. “معركة المنبر الحر (1934م)

  2. معركته مع الرافعيين (1938م)

  3. معركته مع الدكتور محمد مندور حول الأدب المهموس (1943م)

  4. معركته مع عبد المنعم خلاف حول التصوير الفني في القرآن (1944م)

  5. معركته مع دريني خشبة (1943م)

  6. معركته مع صلاح ذهني (1944م)

  7. معركته مع إسماعيل مظهر (1946م)

  8. معركته مع شيوخ الأدب (1947م)” [37]

  يقول الأستاذ علي شلش عن معارك سيد الأدبية:” وفي هذه المعارك (الأربع) التي لم تنته بالصلح لجأ قطب إلى كل أسلحة الدفاع بما في ذلك الهجوم والمغالطة والعناد في الرأي ولا سيما في دفاعه عن العقاد، كما أبدى روحاً قتالية ومشاكسة من الطراز الأول وتحيزاً واعتداداً بالدوافع الشخصية”.[38]

(5). مكانة نجيب محفوظ الأدبية  

  درس نجيب محفوظ الفلسفة في (جامعة فؤاد الأول / جامعة القاهرة)، وفي بداية حياته الأدبية كان يُعِدُ نفسه ليكون شاعراً، وقد كتب شيئاً منه، ولكنه انصرف عن ذلك لافتقاده مَلَكَةَ الحفظ. [39]

   بدأ نجيب محفوظ الكتابة بكتابة المقالات الفلسفية في مجلات وصحف مختلفة في الفترة بين 1930 و1939. ثم اتجه بعد ذلك للكتابة الأدبية. كانت رواياته الثلاث الأولى روايات تاريخية عن زمن الفراعنة. وبدءاً من 1945 بدأ خطه الروائي الواقعي الذي حافظ عليه في معظم مسيرته الأدبية برواية القاهرة الجديدة، ثم خان الخليلي، وزقاق المدق. وكان متأثراً ببعض الكُتاب الغربيين والشرقيين أمثال: “رايدر هاجارد وهوك كين وجورجي زيدان.

  كانت أولى رواياته “حكمة خوفو” والمعروفة باسم “عبث الأقدار” وصدرت عام (1939)، ثم رادوبيس (1943) ثم كفاح طيبة (1944) ثم القاهرة الجديدة (1945) ثم خان الخليلي (1946) ثم زقاق المدق (1947) ثم السراب (1948) ثم بداية ونهاية (1949).  ثم كتب (الثلاثية) عام 1952 ونشرها فى ثلاثة أجزاء عامي (1956و1957) وحسب الكاتب “محمد شعير” مؤلف كتاب “أيام نجيب محفوظ” الذي قال عن أسباب توقف الأديب “نجيب محفوظ” عن الكتابة لمدة سبع سنوات، في حوار معه بثته “فضائية المحور في برنامج “90 دقيقة” مع الإعلامي “محمد الباز” جاء فيه أن نجيب محفوظ أجرى حواراً مع الأديب جمال الغيطاني فى كتاب “نجيب محفوظ يتذكر”، وتحدث نجيب أنه كان يمر بأزمة مالية، بعد زواجه، وأن الأدب “ما بيأكلش عيش”، وكان مسئولاً عن ثلاث أسر، وهم والدته وأخوته وشقيقته حيث زوجها متوفى، وزوجته. وأشار شعير، إلى أن نجيب محفوظ اضطر لتسجيل نفسه فى نقابة السينمائيين كسيناريست، وعمل اثني عشر فيلماً، ورغم توفيرها دخلاً مادياً له، كان لديه أزمة حقيقية فى فكرة التوقف عن الكتابة، وشعر فى فترة من الفترات أنه “سينتحر لو توقف عن الكتابة”.[40]

  وقيل بأنه توقف “مباشرة بعد قيام الثورة المصرية عام 1952، عن الكتابة، معتبرًا أن التغيير الذي كان ينادي به في رواياته قد تحقق، لكنه سرعان ما قرر العودة إلى الكتابة بعد سنوات من التوقف عندما شعر بأن الثورة المنشودة بدأت تنحرف عن مسارها، فأصدر “أولاد حارتنا” التي كتبها بشكل رمزي عن حقيقة الذات الإنسانية والنظرة الكونية الإنسانية العامة مع الاستفادة من قصص الأنبياء في خلق حبكة روائية توجه النقد بالدرجة الأولى للسلطة الحاكمة”.[41]

  ثم توالت أعماله الروائية والأدبية الأخرى، فقد نشر نجيب محفوظ 34 رواية وأكثر من 350 قصة قصيرة والعشرات من سيناريوهات الأفلام وخمس مسرحيات خلال مسيرته الأدبية التي استمرت سبعين عامًا.

   جرَّب نجيب محفوظ الواقعية النفسية في رواية السراب، ثم عاد إلى الواقعية الاجتماعية مع “بداية ونهاية” و”الثلاثية”. فيما بعد اتجه إلى الرمزية في رواياته: الشحاذ، وأولاد حارتنا، كما اتجه في مرحلة متقدمة من مشواره الأدبي إلى مفاهيم جديدة كالكتابة على حدود الفنتازيا كما في رواياته: الحرافيش، ليالي ألف ليلة. وكتابة البوح الصوفي، والأحلام كما في: أصداء السيرة الذاتية، وأحلام فترة النقاهة، واللذين اتسما بالتكثيف الشعري، وتفجير اللغة والعالم. وتعتبر مؤلّفات محفوظ بمثابة مرآة للحياة الاجتماعية والسياسية في مصر، وتدويناً معاصراً لِهَمِّ الوجود الإنساني، ووضعية الإنسان في عالم يبدو وكأنه هجر الله أو هجره الله، كما أنها تعكس رؤية المثقّفين على اختلاف ميولهم إلى السلطة.[42]

(6). الخط الفكري لكل من سيد ونجيب.

   في حين بقي نجيب محفوظ محافظاً على خطه الفكري العلماني مع الإبقاء على الإيمان الشخصي بالإسلام وأركانه وأنه دينه الذي يدين به، رأينا سيد قطب وكأنه ينتقل من حالٍ إلى حال.

  يقول الأستاذ “فواز جرجس” ـ أستاذ العلاقات الدولية، ورئيس مركز دراسات الشرق الأوسط في كلية لندن للاقتصاد والعلوم السياسية ـ في كتابه “تشكيل العالم العربي صناعة العالم العربي: عبدالناصر وسيد قطب.. الصدام الذي شكَّل الشرق الأوسط”: “بحسب علمي، لم يتوقّع أي أحد عام 1952 أن عبد الناصر عمّا قريب سينقلب على جماعة الإخوان المسلمين وأنه سيصبح مهووسا بتدميرها. ولا يوجد أي أحد عام 1950 تخيَّل أن قطبًا سيتحوّل من كونه ناقدًا أدبيًا معتدلاً، أو بالأحرى علمانيًا، ليصبح واحدًا من أهم المنظّرين الإسلاميين في القرن. في ذلك الوقت، لا بد أن التاريخ كان يبدو مفتوحًا على مصراعيه بل ويحدو إلى الشعور بالتفاؤل”.[43]

   يقول بعض الكُتَّاب والصحفيين ممن يحبون الثرثرة أن سيداً كان ملحداً ويشرب الخمر وماسونياً ومهتماً بالأدب من شعر ونقد ورواية ومقالات ونحو ذلك، كتب الصحفي “أحمد منصور” في جريدة “اليوم السابع” مقالاً بعنوان:” فى ذكرى إعدامه.. هل كان سيد قطب ملحدًا ويشرب الخمر؟”: “ومن الغريب أيضا أنه سيد قطب كان فى هذه السنوات ملحدًا، ويقول سليمان فياض فى مقال له بمجلة الهلال- سبتمبر 1986 بعنوان: سيد قطب بين النقد الأدبي وجاهلية القرن العشرين: “إنه سمع بأذنيه من سيد قطب أنه ظل ملحداً أحد عشر عاما”.

  وأضاف أحمد منصور: وقال الكاتب الصحفى حلمى النمنم فى كتابه “سيد قطب وثورة يوليو” ص69: “قال لى أحد الصحفيين القدامى، الذين عملوا مع سيد قطب فى مجلة (العالم العربى) أنه حتى سنة 1948، كان يتردد بين الحين والآخر على بار (اللواء) ويحتسى قليلا من (الكونياك) مشروبه المفضل».

وأضاف أحمد منصور في مقاله: كما يقول الكاتب الصحفى “عادل حمودة” فى كتابه “سيد قطب من القرية إلى المشنقة” (ص 15) “إن أتباع سيد قطب نسوا أيام كان يكتب عن المرأة والعشق وموسيقى الجاز، ويدعو أن تكون مصر مستعمرات للعراة، وهم يتمنون أن يفقد من ذاكرة التاريخ ذلك الجزء من أيامه كأن لم يكن، لتبدأ قصة حياته فى لحظة الهداية والعقيدة، وبداية الطريق إلى الاستشهاد”. واستمر سيد قطب على هذا الحال إلى أن سافر ببعثة تعليمية تحت عنوان “مهمة ميدانية” فى أمريكا فى عام 1948م، وسط ذهول فى الأوساط الثقافية، لعدة أسباب أبرزها عدم ارتباط البعثة بجامعة معينة إضافة لتخطيه السن القانوني للبعثات حيث سافر وهو يتجاوز الاثنتين والأربعين عاما، كما أنه لم يحصل على أي درجة علمية نتيجة تلك البعثة”.[44]

  وبحسب الكاتب مصطفى عبيد:” تحدث آخرون على أن التحول كان نتيجة تورطه غير المحسوب في العمل التنظيمي داخل جماعة الإخوان الإرهابية وما استتبعه من نصرة التنظيم بأي طريقة وفكر، لكن لم يُشر إلى المرأة، فرغم مقولة نابليون بونابرت الشهيرة “فتش عن المرأة”، إلا أن أحدًا من الباحثين الذين تناولوا سيرة سيد قطب بالبحث والدراسة والتحليل لم يشك لحظة أن امرأة مجهولة فاتنة لعبت دوراً مؤثرًا في تبدل شخصية قطب، وهذه المرأة التي أحبها الرجل بجنون تركت جُرحا غائراً في ذاته عانى منه أشد المعاناة، كان كفيلا بإبحاره ناحية التطرف وكراهية الحياة”.[45]

  وهناك مَنْ يقول بأن التغير الفكري حدث عند سيد قطب عندما كان في البعثة التي أُرْسِل فيها إلى الولايات المتحدة الأمريكية ورأى فيها أسلوب العيش المادي الذي لم يرق له.

  لم يتنقل سيد قطب فجأة ومرة واحدة إلى الفكر والعمل الإسلامي، الصحيح أن سيداً نشأ في عائلة متدينة وحفظ القرآن مبكراً واستمر على صلة وثيقة بالفكر الإسلامي، وإن كان اهتمامه بالأدب هو الأبرز، ولا ننس أنه بدأ منذ عام 1939 (أي في وقت مبكر) في الكتابات الإسلامية عندما نشر في مجلة المقتطف مقالين بعنوان “التصوير الفني في القرآن” ثم طوَّر هذا البحث إلى كتاب صدر بالعنوان نفسه عام 1945، وبعد ذلك أصدر كتابه الثاني “مشاهد القيامة في القرآن”.

  في هذه المرحلة بدأ سيد بالاندغام بالفكر والعمل الإسلامي، وكان النقطة المهمة هو إصداره كتاب “العدالة الاجتماعية في الإسلام” عام 1948، وخلال هذه المرحلة عمَّق سيد قراءاته الإسلامية وعمل على تنقية مفاهيمه والتخلص من كل شوائب المذاهب والأفكار الأخرى ومنها مفاهيم: المجتمع والجاهلية والحاكمية وغيرها، حتى قبل أن يطلع على كتابات المفكر الإسلامي الباكستاني أبي الأعلى المودودي رحمه الله، ففي تقديمه لكتاب الكاتب المسلم الهندي أبي الحسن الندوي ” ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين” قال: ” ولعله مما يلفت النظر تعبير المؤلف دائماً عن النكسة التي حاقت بالبشرية كلها منذ أن عجز المسلمون عن القيادة بكلمة (الجاهلية).

  وقال سيد في تلك المقدمة: هذا تعبير دقيق الدلالة على فهم المؤلف للفارق الأصيل بين روح الإسلام، والروح المادي الذي سيطر على العالم قبله، ويسيطر عليه اليوم تخلى الإسلام عن القيادة. . إنها (الجاهلية) في طبيعتها الأصيلة: فالجاهلية ليست فترة من الزمن محدودة، ولكنها طابع روحي وعقلي معين. طابع يبرز بمجرد أن تسقط القيم الأساسية للحياة البشرية كما أرادها الله، وتحل محلها قيم مصطنعة تستند إلى الشهوات الطارئة، والنزعات الهابطة. وهذا ما تعانيه البشرية اليوم في حالة الارتقاء الآلي، كما كانت تعانيه من قبل في أيام البربرية الأولى”.[46]

   كتب الدكتور صلاح الخالدي في كتابه “سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد” فصلاً بعنوان ” مع سيد قطب في رحلة ضياعه”، وبين أن ضياعه لم يكن في الإلحاد والخروج من الإسلام، بل “رحلة ضياع سيد هي المرحلة التي تلقى فيها المبادئ والأفكار والتصورات والفلسفات الأوروبية والغربية والمادية الجاهلية، عن الكون والحياة والإنسان، فأوجدت عنده تشويشاً وغبشاً، وظناً وشكاً وحيرة وقلقاً! حيث تعارضت مع ما عنده من مفردات إسلامية تلقاها منذ طفولته وصباه، وفي دراساته المختلفة”[47]

  وقال الخالدي رحمه الله: “ولم يوصل ضياعه الفكري إلى ضياع سلوكي، ولم تتأثر سلوكياته بضياعه الفكري… بمعنى أنه لم يهش حياته منحرفاً شاذاً متحللاً، لم يعيش حياة “بوهيمية” عمادها الشهوة واللذة والشذوذ، لم يُعهد عنه أنه شرب الخمر أو ارتكب فاحشة الزنا، أو مارس الشذوذ والمخدرات”.[48] واستشهد الخالدي بشهادة الأستاذ محمد قطب التي سمعها منه مباشرة والذي أكد أن أخاه لم يكن ضياعه كضياع غيره من المثقفين.[49]

 وشكك الخالدي بروايات سليمان فياض عن إلحاد سيد قطب وشربه الخمر وبيَّن أنها لا تستقيم مع تاريخ سيد قطب وطبيعته الشخصية.[50]

 (7). سيد يكتشف موهبة نجيب

   مع أن نجيب محفوظ بدأ الكتابة في وقتٍ مبكر، إلا أنه لم يلق اهتماماً كبيراً ولافتاً للنظر من قِبَلِ النُّقاد حتى قرب نهاية الخمسينيات.  سيد قطب هو الذى أعطى نجيب محفوظ شهادة ميلاده كروائى، وروائى عالمى، وهذا ما كان يتذكره نجيب محفوظ دائما بوفاء وامتنان حيث قال محفوظ ذات مرة: لم يكن أحد يعبرنا، وكان أول من كتب عني سيّد قطب، وبعد ذلك أنور المعدّاوي .. لأنهما أدباء شبان لديهم شيء جديد، وأنا أيضا كنت شاباً ولدي الجديد. ويقول محفوظ في مذكراته الصادرة عن دار الشروق: سيد قطب هو أول ناقد أدبي التفت إلي أعمالي وكتب عنها، وكان ذلك في الأربعينيات، وتعرفت عليه في ذلك الوقت حيث كان يجيء بانتظام للجلوس معنا في كازينو أوبرا.. كانت العلاقة التي تربطنا أدبية أكثر منها إنسانية”.[51]

  يقول الأستاذ محمد حماد: ورغم تحفظ محفوظ على بعض هذه التحولات (أي انتقال سيد من التحرر والليبرالية والعلمانية إلى الإسلام الصرف)، فإن نجيب محفوظ ظل يكن احتراما وتقديرا كبيرين لسيد قطب، ولم ينس أبدا فضل التنبيه إلى أدبه، ولفت الأنظار بقوة إلى رواياته يقول: “رغم الخلاف الفكري بيني وبين سيد قطب فإنني كنت أعتبره حتى اليوم الأخير من عمره صديقا وناقدًا أدبيًا كبيرًا، كان له فضل السبق في الكتابة عني ولفت الأنظار إليّ في وقت تجاهلني فيه النقاد الآخرون”.[52]

    يقول الكاتب المصري “وديع فلسطين” بأنّه حاز السبْق في التعريف بالروائي نجيب محفوظ، العام 1943، حين كان نجيب وقتها مغمورًا، يبحث عن دَربِه بين مسالك الإبداع المُلتوية”.[53]

   حول أولية الكتابة عن أدب نجيب محفوظ كتب الدكتور يوسف بكار:” لا بد لتجلية مسألة الكتابات الأولى عن بدايات نجيب محفوظ من الإشارة إلى مراجعة د. خالد عاشور مؤلف كتاب ” البحث عن زعبلاوي: الحركة النقدية حول نجيب محفوظ ” في مقاله “نقاد نجيب محفوظ والمسلمات النقدية” الذي بيَّن فيه أنَّ سيد قطب الذي ردد عدد كبير من النقاد ورجاء النقاش على رأسهم مستندين إلى جمال الغيطاني في “نجيب محفوظ يتذكر” حيث قال: أول من كتب عني “سيد قطب” و”أنور المعداوي” عام 1948و1949 منذ بدأت الكتابة عام 1929، بيَّن أن سيد قطب لم يكن أول من كتب عن نجيب محفوظ لأن مقاله عن “كفاح طيبة” يعود إلى سنة 1944، في حين كان قد صدر لمحفوظ حتى هذا العام (1944) روايتان تاريخيتان (عبث الأقدار 1939) و (رادوبيس 1943) وواكبهما متابعات نقدية تصل في مجملها إلى حوالي أربع مقالات منها ما هو نقدي وما هو صحفي لأسماء مثل: محمد جمال الدين درويش ووديع فلسطين وأحمد عبَّاس  صالح وثرت أباظة أقدمها، وهو ما ينفي الأولية الزمنية، مقال محمد جمال الدين درويش عن كفاح طيبة (مجلة الرسالة، تشرين الأول 1939) أما أنور المعداوي فلم يكتب عن بواكير نجيب محفوظ إلا في أربعينيات القرن العشرين، بل كتب أول مقالاته عن “بداية ونهاية” في العام 1951 واستمر في الكتابة عنه.

 أما سيد قطب الذي كتب عن “كفاح طيبة” و”خان الخليلي” و “القاهرة الجديدة” فتوقف عن الكتابة بعد مقاله عن “زقاق المدق” في العام 1948.

  وحسب الدكتور بكار: ويفسر الناقد نفسه (الأولية الزمنية) التي عناها نجيب محفوظ واختص بها سيد قطب والمعداوي بأنها ربما تكون “أولية الإسهام النقدي المتخصص في ما كُتب عن نجيب محفوظ في بداياته”.[54]

(جاء في موقع “أقباط متحدون” أن وديع فلسطين كانت تربطه علاقات ببعض الأدباء مثل طه حسين والعقاد ونجيب محفوظ؛ وهو يُعتبر من أوائل من تنبئوا أنه سوف يكون علمًا من أعلام الحركة الأدبية المصرية والعربية. وكان نجيب محفوظ يحرص على إهدائه كل رواياته مكتوبًا عليها ” إلى ناقدي الأول وديع فلسطين ” حيث كتب عنه خمسة مقالات وقال عنه لو تُرجمت روايته “رادوبيس” الي اللغات الأجنبية؛ لكان له شأن كبير في الأدب العالمي).[55]

 على كل حال يهمنا ما قاله سيد قطب عن أدب نجيب محفوظ في هذه المرحلة المبكرة وتنبؤه بوصوله للعالمية.

(8). ماذا كتب سيد عن نجيب؟

    كتب سيد قطب عن نجيب محفوظ أربعة مقالات، بينما كتب محفوظ عن قطب ثلاث مرات، مرتين في حياته، وكانت الأخيرة بعد رحيل قطب بستة أعوام.[56] وكانت سببا رئيسيًا فى شهرة محفوظ.

(أ). المقال الأول: كفاح طيبة، الرسالة (العدد 587) الصادر بتاريخ (2/10/1944)

  أصدر نجيب محفوظ رواية “كفاح طيبة” عام 1944 ضمن مشروعٍه لكتابة تاريخ مصر القديم، فقد لفتت هذه الرواية نظر سيد قطب، فكتب عنها مقالاً في مجلة “الرسالة” الأدبية الشهيرة في العدد (العدد 587) الصادر بتاريخ (2/10/1944) بعنوان ” في عالم القصة. كفاح طيبة لنجيب محفوظ”، وفي هذه المقالة أبدى سيد منتهى إعجابه بالرواية وكاتبها.

   رأى سيد قطب في الرواية قصة تُقرِّب التاريخ المصري القديم (الفرعوني) من الناس وتجعله حياً، وقال: ولم أجد -إلا مرة واحدة – كتاباً عن مصر القديمة يبعثها حية في نفوسنا، شاخصة في أذهاننا. ذلك هو كتاب المرحوم (عبد القادر حمزة): (على هامش التاريخ المصري القديم) ففرحتُ به مثلما أفرح اليوم بقصة كفاح طيبة. [57]

   ورأى في قصة محفوظ ” قصة استقلال مصر بعد استعمار الرعاة (الهكسوس) على يد (أحمس) العظيم. قصة الوطنية المصرية في حقيقتها بلا تزَّيُدٍ ولا ادعاء، وبلا برقشة أو تصنع. قصة النفس المصرية الصميمة في كل خطرة وكل حركة وكل انفعال”.[58]  وقال: (كفاح طيبة) هي قصة الوطنية المصرية، وقصة النفس المصرية، تنبع من صميم قلب مصري، يدرك بالفطرة حقيقة عواطف المصريين -ونحن لا نطمع أن يحس (المتمصِّرون) حقيقة هذا العواطف، وهم عنها محجوبون.[59]

   وقال قطب: وكنت أرى الطابع القومي واضحا -بجانب الطابع الإنساني -في آداب كل أمة، ولاسيما في الشعر والقصة -بينما أرى الطابع المصري باهتاً متوارياً في أعمالنا الفنية، مع بلوغها درجة عالية تسلك بعضها بين أرقى الآداب العالمية.

وقال: كنت أعزو هذا اللون الباهت، إلى أن مصر القديمة لا تعيش في نفوسنا، ولا تحيا في تصوراتنا. إلى أننا منقطعون عن هذا الماضي العظيم لا نعرفه إلا ألفاظا جوفاء، ولا نلمس صورًا ووشائج حية. إلى أننا نفقد من تاريخنا المجيد حقبة لا تقل عن خمسة آلاف سنة: من الفن والروح والعواطف والانفعالات. إلى أن بيننا وبين الآثار المصرية، والفنون المصرية، والحياة المصرية، والأحداث المصرية، هوة عميقة من الزمن واللغة، ومن الإهمال والنسيان”.[60]

  وقال قطب: دعوتُ إلى أن تصبح حياة أحمس وتحتمس ورمسيس ونفرتيتي وأمثالهم في منال كل تلميذ صغير وكل طالب كبير، بل أن تعود أساطيرَ حية للأطفال في المهود، بدل الشاطر حسن وجؤذر، وحسن البصري، والورد في الأكمام.[61]

 وقال قطب: إذا كانت مصر القديمة قد احتجبت عنا، لأننا أصبحنا نتحدث اليوم بلغة غير لغتها، فلننقلها هي إلى لغتنا الحديثة، لنضم إلى ثروتنا الفنية المحدودة بألف وخمسمائة عام (فترة الأدب العربي الذي ندرسه) ثروة أعظم منها وأعرق وأخصب في فترة أخرى طويلة تربو على الخمسة آلاف من الأعوام. فإنه من السفه أن نفرِّط في هذه الأعمار الطوال![62]

  وعن القيمة الفنية للرواية قال: ” فهي قصة بنسقها وحوادثها، وهي ملحمة -وإن لم تكن شعراً ولا أسطورة! – بما تفيضه من وجدانات ومشاعر، لا يفيضها في الشعر إلا الملحمة!

 وقال: إن العمل الفني هو الذي لا يمكن تلخيصه. وقيمته في هذه القصة لا تقل عن قيمتها القومية. وهذا هو المهم. فقد يحاول الكاتب إثارة العواطف القومية وينجح، ولكنه ينسى السمات الفنية، فيحرم عمله الطابع الذي يسلكه في سجل الفنون.

   إن كل شخصية من الشخصيات في هذه القصة لهي شخصية إنسانية وشخصية مصرية في آن. وإن كل موقف من مواقفها لهو الموقف الطبيعي الذي يُنْتَظَرُ من الآدميين المصريين. وإن السياق الفني لهو السياق الذي يلحظ الدقة الفنية بجانب الهدف القومي، بلا مغالطة ولا ضجة ولا بريق.

  وقال قطب: لم يحاول المؤلف أن يقلل من شجاعة الرعاة، ولا مميزاتهم النفسية. ولم يحاول كذلك أن يستر مواطن الضعف المصرية. وهي مواطن ضعف إنسانية – لم يجعل أبطال مصر أشخاصًا أسطوريين، ولم يجعل المصريين شعباً من الملائكة ولا من الشياطيين، ولكن بعد تهيئة وتمهيد.[63]

 ويكمل فيقول: لهذا كله تسير الحياة سيرة طبيعية في القصة، وتنبعث المشاهد شاخصة. لشد ما شعرت بالحقد الملتهب على الرعاة وحكامهم وقضاتهم، وهم يجلدون المصريين ويحقرونهم ويدعونهم استهزاء الفلاحين (ويبدو أن هذا اللقب هو الذي يتشدق به دائما أولئك الأجانب المغتصبون في جميع العصور، من الرعاة إلى الرومان إلى العرب إلى الترك إلى الأوربيين. وإن كان هؤلاء الفلاحون أشرف وأعرق من الجميع ـ ما بين قوسين لسيد ـ)، لشد ما شعرت بالقلق واللهفة على مصير الجيش المصري في عدده القليل أمام أعدائه المتفوقين. لشد ما خفق قلبي و”أحمس” المتخفي في زي التجار، يلقى الملك، ويصارع القائد، وينتفض للعزة الجريحة، ويمسك نفسه في جهد شديد. لشد ما عطفت عليه وهو يقع في صراع أشد وأعنف من كل صراع حربي، ويجاهد نفسه بين قلبه وواجبه، فيؤدي الواجب على حساب قلبه الجريح.[64]

   ولم يكن الشعور القومي وحده هو الذي يصل نبضاتي بنبضات أبطال القصة. بل كان الطابع الإنساني الذي يطبعها، والتنسيق الفني الذي يشيع فيها، هما كذلك من بواعث إحساسي بصحة ما يجري في القصة، وكأنه يجري في الواقع المشهود، بكل ما في الواقع من عُقد فنية، وعُقد نفسية، ينسقها المؤلف في مواضعها بريشة متمكنة، ويد ثابتة، تبدو عليها المرانة، والثقة بمواقع التصوير والتلوين.[65]

  وقال: ولا أحب أن يفهم أحد من هذا أن مؤلف (كفاح طيبة) قد بلغ القمة الفنية. فهذا شيء آخر لم يتهيأ بعد. إنما أنا أنظر إلى المسألة من ناحية خاصة. ناحية تحقيق هدف قومي جدير بعشرات القصص والملاحم. فإذا استطاع فنان أن يحقق هذا الهدف، دون المساس بالطابع الإنساني والطابع الفني، وبلا تزوير في المواقف والعواطف، أو تزوير في وقائع التاريخ، فذلك توفيق يشاد به بكل تأكيد. وفي هذه الحدود أحب أن يعني هذا المقال.[66]

  لم يُعْجَبْ سيد قطب برواية “كفاح طيبة ” لمستواها الفني، بل أُعْجب لما فيها تمجيد للتاريخ المصري الفرعوني القديم بشكل لم يكن مألوفاً من قبل، ومن هنا قال: لو كان لي من الأمر شيء لجعلت هذه القصة في يد كل فتى وكل فتاة؛ ولطبعتها ووزعتها على كل بيت بالمجان؛ ولأقمت لصاحبها -الذي لا أعرفه -حفلة من حفلات التكريم التي لا عِداد لها في مصر، للمستحقين وغير المستحقين![67]

  في هذا المقال ظهرتْ نزعة سيد قطب الإقليمية الممجدة للتاريخ المصري القديم والامتداد الفرعوني، ومقدماً إياه على كل تاريخ وكل أمة حكمت مصر بما في ذلك (العرب)، لذلك قال: ” قلت: إذا كانت مصر القديمة قد احتجبت عنا، لأننا أصبحنا نتحدث اليوم بلغة غير لغتها، فلننقلها هي إلى لغتنا الحديثة، لنضم إلى ثروتنا الفنية المحدودة بألف وخمسمائة عام (فترة الأدب العربي الذي ندرسه) ثروة أعظم منها وأعرق وأخصب في فترة أخرى طويلة تربو على الخمسة آلاف من الأعوام. فإنه من السَّفَهِ أن نفرِّط في هذه الأعمار الطوال![68]

   وقال قطب: لشد ما شعرت بالحقد الملتهب على الرعاة وحكامهم وقضاتهم، وهم يجلدون المصريين ويحقرونهم ويدعونهم استهزاء الفلاحين (ويبدو أن هذا اللقب هو الذي يتشدق به دائما أولئك الأجانب المغتصبون في جميع العصور، من الرعاة إلى الرومان إلى العرب إلى الترك إلى الأوربيين. وإن كان هؤلاء الفلاحون أشرف وأعرق من الجميع)… إلخ الفقرة التي اقتباسها قبل قليل![69]

  انظر كيف شمل المسلمين من العرب والترك مع الرعاة الهكسوس والرومان إلى الأوربيين، وهذه نزعة وُجِدَت لدى بعض المصريين سواء في العهد الملك أم في العهد الجمهوري، حتى قال قائل بأن جمال عبد الناصر “هو أول زعيم مصري يحكم البلاد منذ عهد الفراعنة العظام”.[70] وبالتأكيد لقد تخلى سيد عن هذه الأفكار!.

(ب). المقال الثاني: خان الخليلي: الرسالة (العدد 650) الصادر بتاريخ 17/12/1945؛

  مقال سيد قطب الثاني عن أدب نجيب محفوظ كتبه عن رواية «خان الخليلي»، ورأى أنها تستحق أن تُفرد لها صفحة في سجل الأدب المصري الحديث، ويعقد مقارنة بينها وبين «عودة الروح» لتوفيق الحكيم، ولم يخش قطب أن يُعلِّي من شأن «خان الخليلي» على «عودة الروح»، رغم أن الحكيم آنذاك كان من أساطين وأساطير الأدب في مصر.[71] وَسَيَرِدُ الحديثُ عن هذه المقارنة بعد قليل.

  وفي هذا المقال حذَّر سيدُ قطب الأديبَ الناشئ نجيب محفوظ من الغرور، فقال: وكل رجائي ألا تكون هذه الكلمات مثيرة لغرور المؤلف الشاب، فما يزال أمامه الكثير لتركيز شخصيته والاهتداء إلى خصائصه، واتخاذ أسلوب فني معين توسم به أعماله، وطابع ذاتي خاص تعرف به طريقته، وفلسفته حياة ذلك تؤثر في اتجاهه.

  وجاء في المقال: “القصة الثالثة هي التي تستحق أن تفرد لها صفحة خاصة في سجل الأدب المصري الحديث، فهي منتزعة من صميم البيئة المصرية في العصر الحاضر؛ وهي ترسم في صدق ودقة. وفي بساطة وعمق، صورة حية لفترة من فترات التاريخ المعاصر، فترة الحرب الأخيرة، (الحرب العالمية الثانية) بغاراتها ومخاوفها، وبأفكارها وملابساتها؛ ولا ينقص من دقة هذه الصورة وعمقها أنها جاءت في القصة إطاراً لحوادثها الرئيسية، وبيئة عاشت القصة فيها. ولكن هذا كله ليس هو الذي يقتضي الناقد أن يفرد لهذه القصة صفحة متميزة في كتاب الأدب المصري الحديث. . .

  إنما تستحق هذه الصفحة، لأنها تسجل خطوة حاسمة في طريقنا إلى أدب قومي واضح السمات متميز المعالم، ذي روح مصرية خالصة من تأثير الشوائب الأجنبية – مع انتفاعه بها – نستطيع أن نقدمه – مع قوميته الخاصة – على المائدة العالمية، فلا يندغم فيها، ولا يفقد طابعه الإنساني العام، ويساير نظائر في الأدب الأخرى.

  وهذه الظاهرة حديثة العهد في الأدب المصري المعاصر لم تبرز وتتضح إلا في أعمال قليلة من بين الكثرة الغالبة لأعمال الأدباء المصريين. وهي في هذه القصة أشد بروزاً وأكثر وضوحاً فمن واجب النقد إذن أن يسجل هذه الخطوة ويزكيها.[72]

   ويقول: وبعض هذه الخصائص قد أخذ في البروز والوضوح في قصصه السابقة وفي هذه القصة؛ وهي الدقة والصبر في رسم الخوالج والمشاعر وتسجيل الانفعالات المتوالية، والبساطة والوضوح في رسم صورة لحياة أبطاله”.[73]

  ثم يصل إلى ذروة الثناء على الرواية والراوي عندما يقول: “كان على النقد اليقظ لولا غفلة النقد في مصر أن يكشف أن أعمال نجيب محفوظ هي نقطة البدء الحقيقية في إبداع رواية قصصية عربية أصيلة، فلأول مرة يبدو الطعم المحلي والعطر القومي في عمل فني له صفة إنسانية”. [74]

(ج). مقارنة مع عودة الروح للحكيم:

  ويتابع قطب فيقول: ولعل من الحق حين أتحدث عن قصة (خان الخليلي) أن أقول: إنها لم تنبت فجأة، فقد سبقتها قصة مماثلة، تصور حياة أسرة وتجعل حياة المجتمع في فترة حرب إطار للصورة. . . تلك هي قصة (عودة الروح) لتوفيق الحكيم.

ولكن من الحق أيضاً أن أقرر أن الملامح المصرية الخالصة في (خان الخليلي) أوضح وأقوى، ففي (عودة الروح) ظلال فرنسية شتى. وألمع ما في عودة الروح هو الالتماعات الذهنية والقضايا الفكرية بجانب استعراضاتها الواقعية؛ أما (خان الخليلي)؛ فأفضل ما فيها هو بساطة الحياة، وواقعية العرض، ودقة التحليل. وقد نجت (خان الخليلي) من الاستطرادات الطويلة في: (عودة الروح). فكل نقط الدائرة فيها مشدودة برباط وثيق إلى محورها.[75]

(د). رسالة من قطب لنجيب محفوظ:

   يقول الأستاذ محمد شعير: “عام 1946 جمع سيد قطب العديد من مقالاته النقدية المتناثرة في المجلات في كتاب بعنوان «كتب وشخصيات» صدر عن مطبعة مجلة «الرسالة» التي كانت قد نشرت على صفحاتها الكم الأكبر من هذه المقالات.  وكعادته أرسل قطب نسخا من كتابه الجديد إلى عدد من النقاد والمبدعين الذين تضمن الكتاب دراسات عن أعمالهم، وكان من بينهم نجيب محفوظ، حيث احتوى الكتاب دراسة كتبها قطب عن رواية «خان الخليلي». كتب قطب على النسخة المرسلة إلى محفوظ هذا الإهداء: «إلى قصاص مصر الأول الأستاذ نجيب محفوظ». وكما احتفظ محفوظ في مكتبته بمئات الكتب المهداة له، احتفظ بكتاب قطب، ولكنه ترك بداخله رسالة أرسلها إليه قطب من الإسكندرية تتعلق أيضا بالكتاب:

“أخي الأستاذ نجيب 

تحيتي إليكم وبعد

فلعل نسختك التائهة من كتاب «كتب وشخصيات» قد وصلت إليك. ثم لعل هذه الرسالة تصل إليك في حينها (فقد تكون بالإجازة) فإذا وصلتك الرسالة وكانت النسخة لاتزال تائهة فأرجو أن تطلبها من «الرسالة» فهي مودعة لك هناك.

وأنا منتظر رأيك في الكتابلا أجد ما أكتبه إليك فأنا على «البلاج» الآنوأفكاري لا تحضر في فكرة ولا موضوع، إنها تنساب مع الأمواج المنسابةفإذا تراجعت الموجة صحبت معها كل ما في رأسي من أفكار!!

تحياتي إليكم والسلام

سيد قطب

منزل الأستاذ العشماوي بشارع جامع سيدي بشر بالإسكندرية

كدت أرسل لك بعنوان “خان الخليلي“![76]

(هـ). المقال الثالث: القاهرة الجديدة، الرسالة، عدد 704 وتاريخ الصدور (30 /12/1946)

   القاهرة الجديدة… هي قصة المجتمع المصري الحديث، وما يضطرب في كيانه من عوامل، وما يصطدم في أعماقه من اتجاهات. قصة الصراع بين الروح والمادة، بين العقائد الدينية والخلقية والاجتماعية والعلمية، بين الفضيلة والرذيلة، بين الغنى والفقر، بين الحب والمال… في مضمار الحياة[77]. هذا ما قاله سيد عن هذه الرواية!

 وقال أيضاً عارضاً للقصة: لقد اختار المؤلف من بين طلاب الجامعة أربعة ليمثلوا الأفكار والاتجاهات التي تتصارع في المجتمع الحديث…!

الأول: الإيمان بالدين والخلق والفضيلة عن طريقه، والالتجاء إليه طلباً للخلاص.

الثاني: الإيمان بالمجتمع والعدالة الاجتماعية، والصراع العملي لتحقيق الفضيلة الاجتماعية والشخصية من هذا الطريق.

الثالث: الإيمان بالذات، وعبادة المنفعة، وتسخير المبادئ والمثل والأفكار جميعاً لخدمة هذا الإله الجديد!

الرابع: المتفرج الذي يرقب هذا وذاك وذلك لمجرد التسجيل والنظر والمشاهدة!..[78]

 والقصة تبدأ في نقطة الارتكاز في الجامعة، حيث تصطرع الأفكار الناشئة هناك بين طلابها – بفرض أن الجامعة ستكون هي (حقل التجارب والإكثار) للأفكار النظرية التي تسير الجيل.. ثم تدفع بشتى الأفكار والنظريات النابتة في هذا الحقل، إلى مضمار الحياة الواقعية، وغمار الحياة اليومية، وتصور صراع النظريات مع الواقع خطوة فخطوة، تصوره انفعالات نفسية في نفوس إنسانية، وحوادث ووقائع وتيارات في خضم الحياة.

   وصفحة فصفحة نجدها في صميم الحياة المصرية اليومية. هذه الأفكار المجردة نعرفها، وهذه الوجوه شهدناها من قبل؛ وهذه الحوادث ليست غريبة علينا. نعم فيها شيء من القسوة السوداء في بعض المواقف، ولكنها في عمومها أليفة. تؤلمنا ولا ننكرها، وتؤذينا أحياناً، ولكننا نتقبلها!

  وقال: هذا هو الصِّدق الفني. فنحن نعيش مع الرواية لحظة لحظة. نعيش مصريين، ونعيش آدميين، وفي المواقف القاسية، في مواقف الفضيحة، حيث تبدو الرذيلة كالحة شوهاء مريرة، نود لو ندير أعيننا عنها كي لا نراها، ولكننا نُقبل عليها مضطرين ففي القبح جاذبية! إنها الدمامل والبثور في جسم مصر وفي جسم الإنسانية كذلك، وإذا انفعلنا لها مرة لأننا مصريون، انفعلنا لها أخرى، لأننا ناس وإنسانيون.[79]

  وقال: ونستطيع أن نلمح في ثنايا الرواية وفي خاتمتها ميل المؤلف لأن ينتصر للمبادئ على كل حال، وأن يحقر الإيمان بالذات والتدهور الخلقي والاجتماعي، والقذارة، والانحلال. ولكنه لم يلق خطبة منبرية واحدة في خلال ثمانين ومائة صفحة ولم يفتعل حادثة واحدة افتعالا.[80]

واستنكر ما وصفه بغفلة النقد فى مصر عن هذه الرواية، فقال: “من دلائل غفلة النقد في مصر، أن تمر هذه الرواية “القاهرة الجديدة”، دون أن تثير ضجةً أدبيةً، أو ضجةً اجتماعيةً، لأنّ كاتبها مؤلفٌ شابّ!”، ثم يقول: إن أعمال محفوظ هى نقطة البدء الحقيقة فى إبداع رواية قصصية عربية أصيلة، فلأول مرة يبدو الطعم المحلى والعطر القومي فى عمل فني له صفه إنسانية.[81] وقال: “من دلائل غفلة النقد في مصر، أن تمر هذه الرواية “القاهرة الجديدة”، دون أن تثير ضجةً أدبيةً، أو ضجةً اجتماعيةً، لأنّ كاتبها مؤلفٌ شابّ!”. [82]

(و). المقال الرابع: زقاق المدق،

 “قيل بأنه نشرها في مجلة الرسالة، العدد (مارس 1948)، وقيل بأنه نشرها في مجلة   “الفكر الجديد”. وقد بحثتُ في العدد المذكور من مجلة الرسالة فلم يكن للمقال ذكر فيه، ولم أتمكن من الوصول للمقال الأصلي.

  آخر مقالات سيد قطب ورابعها عن نجيب محفوظ جاء عن رواية «زقاق المدق» كرّر فيه الإشادة بفن محفوظ وأدبه، والأهم أنه أشار إلى إنجاز محفوظ على صعيد فن الرواية، فقال: «نملك اليوم أن نقول إن عندنا قصة طويلة، أي رواية، كما نملك أن نقول إننا نساهم في تزويد المائدة العالمية في هذا الفن بلون خاص، فيه الطابع الإنساني العام، ولكن تفوح منه النكهة المحلية، وهذا ما كان ينقصنا إلى ما قبل أعوام».[83]

   في رسالة من سيد قطب لتوفيق الحكيم أرسلها له وهو في أمريكا قال عن رواية زقاق المدق لنجيب محفوظ: ” وعلى ذكر (نجيب محفوظ) فإني أستشعر في نفسي الخوف على هذا الشاب القصاص الموهوب!

لست أذكر متى سمعته يقول ونحن نتحدث عن رواية: (زقاق المدق) إنه أراد أن يدخل قالباً معيناً في الرواية المصرية. قالب الرواية العرضية لا الطولية، وأنه لهذا صاغ روايته في هذا القالب الجديد.

القالب. . .! هذا هو الخطر الأكبر يا صديقي نجيب! لست أفهم هذه الكلمة اللعينة! أفهم أن يتم العمل الفني أولا فإنك لا بد أن تخنق عملك ليكون وفق هذا القالب. وفي كل خطوة ستستيقظ لتقيس هذا العمل، وترى إن كان قد خرج على القالب الموضوع!

لا. لا. حذار أيها الصديق المرجو. إن القالب لا قيمة له إلا في عالم التاريخ![84]

(9). سيد قطب يتوقع بلوغ نجيب محفوظ العالمية:

   حسب “محمود تهامي (روائي وباحث مصري، مهتم بالكتابة في الفلسفة والتراث والإسلام السياسي): “وثَّق جمال النهري (أحد أعضاء الجماعة وابن أخت نجيب محفوظ، التقى سيداً في المستشفى أثناء فترة اعتقاله التي ابتدأت عام 1954)، تفاصيلَ المرحلة في فيديوهات نشرتها الجماعة على موقع “إخوان تيوب”. وبحسب حديثه، فإن قطب “هو الذي أعاد تعريف نجيب محفوظ لي، رغم أن نجيب محفوظ خالي”، ولم يستطرد في شرح ما قاله له قطب، بل حكى أنه كان يقرأ الأعمال المهداة من خاله لأمه وأنها لم تكن تنال إعجابه، وكانت “بعض تفاصيل يقولها في قصصه أبقى مش راضي عنها”، لكن حالة عدم الرضا عن أدب خاله تبدلت: “المهم أن الأستاذ سيّد شجعني على قراءة أدب نجيب محفوظ، وقالي نجيب محفوظ ده هيبقى أعظم أديب في مصر وربما على مستوى العالم”.[85]

(10). ماذا كتب نجيب محفوظ عن سيد قطب؟!

 تحدث نجيب محفوظ عن سيد قطب ثلاث مرات، الأولى كانت تعقيباً على كتاب سيد قطب “التصوير الفني في القرآن” والثاني عن رواية سيد “أشواك” وفي المرة الثالثة تحدث للناقد رجاء النقاش عن زيارة قام بها نجيب محفوظ لسيد قطب بعد الإفراج عنه من السجن عام 1964.

  المقال الأول لنجيب محفوظ: ونشره مجلة الرسالة (العدد 616، بتاريخ 23/4/1945) بعنوان “كتاب التصوير الفني في القرآن”.[86]

  كان الأستاذ سيد قطب قد نشر مقالين في مجلة “المقتطف” المصرية عام 1939 بعنوان “التصوير الفني في القرآن الكريم”،[87] وكتب في مجلة الرسالة مقالاً بعنوان ” التصوير الفني في القرآن”[88] ثم طوَّر هذه المقالات إلى كتاب بالعنوان نفسه صدر عام 1945، وتقوم نظرية سيد قطب حول التصوير الفني في القرآن على أن (التصوير هو الأداة المفضلة في أسلوب القرآن. فهو يعبر بالصورة المحسة المتخيلة عن المعنى الذهني، والحالة النفسية، وعن الحادث المحسوس، والمشهد المنظور. وعن النموذج الإنساني والطبيعة البشرية. ثم يرتقي بالصورة التي يرسمها فيمنحها الحياة الشاخصة أو الحركة المتجددة، فإذا المعنى الذهني هيئة أو حركة؛ وإذا الحالة النفسية لوحة أو مشهد، وإذا النموذج الإنساني شاخص حي، وإذا الطبيعة البشرية مجسمة مرئية. .).[89]

   في المقال ثناء وإعجاب من نجيب محفوظ على هذا الكتاب، يقول: “والمهم أنك وفقتَ لأن تكون لسان جيلنا الحاضر في أداء هذا الواجب الجليل الجميل معاً ــ التفقه في علوم القرآن، والغوص إلى أسرار بلاغته ــ مستعيناً بهذه المقاييس الفنية التي يألفها المعاصرون ويحبونها ويسرون في وادي الفن على هداها ونورها. إن عصرنا -من الناحية الجمالية -عصر الموسيقى والتصوير والقصة، وها أنت ذا تبين لنا بقوة وإلهام أن كتابنا المحبوب هو الموسيقى والتصوير والقصة في أسمى ما ترقى إليه من الوحي والإبداع. ألم نقرأ القرآن؟[90] بلى. وحفظنا – في زمن سعيد مضى – ما تيسر من سوره وآياته، وكان – وما يزال – له في قلوبنا عقيدة وفي وجداننا سحر، بيد أنه كان ذاك السحر الغامض المغلق، تحسه الحواس، ويهتز له الضمير، دون أن يدركه العقل أو يبلغه التذوق، كان كالنغمة المطربة التي لا يدري السامع لماذا ولا كيف أطربته، فجاء كتابك كالمرشد للقارئ والمستمع العربي من أبناء جيلنا، يدله على مواطن الحسن ومطاوي الجمال، ويجلى له أسرار السحر ومفاتن الإبداع. كان القرآن في القلب فصار ملء القلب والعين والأذن والعقل جميعاً. [91]

  وقال: “ومهما يكن من أمر فينبغي أن أقرر هنا أنه في فصليْ (التناسق الفني) و (القصة في القرآن) قد بارك القرآن مجهودك فرفعك إلى مرتقى يتعذر أن يبلغه ناقد بغير بركة القرآن”!…[92]

وفي نهاية المقال وجَّه نجيب سؤالاً لسيد، يقول: والآن اسمح لي أن أوجه إليك سؤالاً، وأن أسوق ملاحظة: أما السؤال: فإنك تحدثت عن التصوير والتخييل والتجسيم والتنسيق الفني، وكل أولئك روح الشعر ولبابه قبل أي شيء آخر، أفلم يخطر لك أن تحدد نوع كلام القرآن على ضوء بحثك هذا؟ [93]

 المقال الثاني، كان تعليقاً من نجيب محفوظ على رواية “أشواك” لسيد قطب

 عام 1947 نشر سيد قطب طبعته الأولى من روايته “أشواك” عن دار سعد مصر للنشر، ثم صدرت في طبعة ثانية عن الدار السعودية للنشر، من غير أن تذكر تاريخ النشر، وتقع في (135 صفحة من القطع المتوسط) وقد أعادت الهيئة المصرية العامة للكتاب نشرها   عام 2011، وقدّم لها الناقد الأدبي شعبان يوسف.

 عَرْضُ الرواية: كتب وزير الثقافة المصري “حلمي النمنم” والذي كتب كثيراً عن سيد قطب مقالاً بعنوان “أشواك سيد قطب” عرض فيه للرواية، فقال: “أشواك” رواية نفسية بمعنى أنها تتناول حالة وموقفا نفسيا خاصًا بالبطل “سامي” وهو شاب من أصول ريفية جاء إلى القاهرة ثم تقدم لخطبة فتاة قاهرية من أسرة متدينة، وخطبها بالفعل، الفتاة اسمها “سميرة” وصارحت “سامي” بأنه كان هناك من تقدم لها قبله ورفضته أسرتها، رغم انه كان يحبها وكانت تحبه، كانت هذه الواقعة قبل تقدم “سامي” إليها بحوالي عامين، لكن ما حكته له تحول إلى عقدة أو “أشواك” سممت علاقته بها، رغم أنها أكدت له أنها تحبه هو وأنها نسيت الموضوع القديم تماما، لكنه تذكره وافسد علاقته بها، وانتهى الأمر بالقطيعة بينهما وفسخ الخطبة، بعد أن رأت أسرتها أنه سمم العلاقة بذلك الهاجس الذي يسيطر عليه، وظل عدة شهور مرتبطاً بها ويتردد على البيت يومياً، وأسرتُها تثق به وتتركه يختلي بها أحياناً لينعم بالحب معها، وما بين هذا الحب وذلك الشك مضى الأمر، حتى انتهى كل شيء، وبينما تألم هو، بعد أن تركها كانت هي اقوى منه، إذ اقتنعت بأنه لا مستقبل لعلاقته بها، كانت هي الحاسمة والواضحة وكان هو المتردد، يريدها ولا يحتملها، وكان البطل “سامي” واعيًا بمشكلته هو “تراه أخطأ طريقة في هذا المشروع كله؟ وأن هذه الفتاة ليست له، لا هي ولا فتيات القاهرة جميعاً؟ إنه يريد في فتاة أحلامه مفارقات لا تجود بها الحياة، يريد الحورية القاهرية المغمضة العينين، والفتاة العذراء القلب والجسد، في زي قاهري” ثم يتساءل من جديد مع نفسه: “تراه أخطأ الطريق فطلب الحورية العذراء في بنت من بنات القاهرة، أم تراه أخطأ الطريق من أوله، فطلب حياة زوجية لا تصلح له بحال؟”. كانت نشأته الريفية تجعله يشك في أهل القاهرة وتصور له “أن الناس هناك أحسن أصلا وأكثر مروءة وأنقى ضميرا”. كان البطل مترددًا طوال الرواية، يجلس مع نفسه فيشعر بالضيق، واعتزم أن “يرحل عن العاصمة الكريهة إلى جهة ما، وأن ينجو بنفسه من هذا الضيق لكنَّه بعد ساعات يقرر من جديد أن القاهرة حبيبته، وأن الحياة في هذه المدينة جميلة”. بعد القطيعة بعام ونصف العام يلتقي فتاته في شارع سليمان باشا مصادفة، وكانت تزوجت وأنجبت، فيدور حوار عابر بينهما فتقول له “إنني أعرف الحقيقة وأعيش فيها؛ وأنت تبقى هكذا في الأحلام”.[94]

  وقال النمنم: ” ذهب بعض النقاد والمحللين إلى أن هذه الرواية جزء من سيرة سيد قطب في بداية حياته، وأنها تعبر عن مرحلة في حياته الشخصية، وكثيرون يحاولون تطبيق أحداث كل رواية على كاتبها، وبالتأكيد في كل رواية شيء من شخصية كاتبها، وفي “أشواك” نجد البطل “سامي” يعمل في ديوان الوزارة ويكتب مقالات نقدية في الصحف ويسكن الضاحية “حلوان” ويستقل القطار يومياً ذهابًا وعودة، وجاء من القرية وأقام مع أسرته التي يرعاها في القاهرة، هذه كلها ملامح من حياة سيد قطب، لكن لا يمكن الجزم أن موضوع القصة يتعلق بحياته هو. في الأربعينيات كان الكاتب يحاول أن يجرب نفسه في مختلف مجالات الإبداع والكتابة”.[95]

 وممن مال إلى القول بأن قصة أشواك تمثل جانباً كبيراً في حياة سيد؛ الدكتور عبد الله الخباص في كتابه “سيد قطب الأديب الناقد” وقال الخباص بأن الأستاذ محمد قطب (شقيق سيد) قال بأن سيداً عاشها في حياته الخاصة”. [96]

  وكذلك الأستاذ يوسف العظم الذي كتب فقال عن الرواية: ” وفي الرومانسية كتب سيد قطب قصة أشواك، تلك التي تمثل حياته أو جانباً من حياته في فترة من فترات الوجدان الإنساني العف، حيث كتب الله له أن يتقدم لخطبة فتاة كانت تميل إلى شاب آخر من قبل”.[97]

  وكذلك الدكتور صلاح الخالدي، حيث قال: هي قصة حب حقيقية، عاشها سيد نفسه مع خطيبته”[98]

 وكان الكاتب المصري «وديع فلسطين» حين عرض هذه الرواية على صفحات مجلة «المقتطف» في مايو عام 1947 وقال بأن ثمة مشابهة ملحوظة بين «أشواك» سيد قطب و«سارة» عباس محمود العقاد، فالقصتان على ما يتضح من سياقهما مستمدتان من حياة كاتبيهما وموضوع كل منهما يكاد يكون واحدا، فمحوره أن شابا يحب فتاة فتبدي له الفتاة من الصد ما يقطع الصلة بين العاشقين”.[99]

   وكتب نجيب محفوظ مقالاً عن “أشواك” نشره في جريدة «الوادي» عقب صدور الرواية مباشرة، ويثبت أن رواية «أشواك» هي سيرة ذاتية لقصة حب سيد قطب، مستشهداً بالإهداء الذي قدم به قطب الرواية، قائلاً: «إلى التي خاضت معي في الأشواك، فدَمِيتْ ودُمِيتُ، وشقيتْ وشقيتُ، ثم سارت في طريق وسرت في طريق، جريحين بعد المعركة، لا نفسها إلى قرار، ولا نفسي إلى استقرار …».[100]
في التقييم الختامي لرواية قطب أشار نجيب محفوظ إلى أن «القصة وهي تجربة شخصية، فهي معفاة من ضرورات الخلق في الموضوع والشخوص، وينبغي أن نذكر بأن القصاص لا يستحق هذا الاسم حقًا حتى يخرج من نطاق ذاته، ويكتب عن الآخرين، ولكن ليس من شك أن من حقه أن يعالج تجربته الشخصية ولو لمرة واحدة، ومن حقه كذلك إذا فعل فأحسن وأجاد أن نشهد لفنه بما هو أهله من السمو والبراعة». [101]

(11). زيارة نجيب محفوظ سيدَ قطب !!

    كان آخر مقال كتبه سيد قطب عن نجيب محفوظ المقال الذي تحدث فيه عن رواية “زقاق المدق” مطلع عام 1948، ومن المرجح أن سيداً لم يلتقِ بنجيب بعد ذلك إذ سافر إلى أمريكا (3 /11/ 1948 وعاد عام 1951) وعند عودة سيد انشغل بالسياسة وانصرف عن الكتابة في الأدب لا سيما النقد الأدبي، وبعد سنوات قليلة دخل سيدٌ السجن ليقضي فيه عشر سنوات (1954 ـ 1964)، وقد أفرج عنه بتدخل من الرئيس العراقي الراحل عبد السلام عارف، ولأسباب صحية.[102]

   بعد الإفراج عنه زاره في بيته كثير من الأصدقاء وكان من الذين زاروه الصديق القديم “نجيب محفوظ” وقد تحدث محفوظ عن هذه الزيارة للناقد رجاء النقاش، فقال:

   «سيد قطب هو أول ناقد أدبي التفت إلى أعمالي وكتب عنها، وكان ذلك في الأربعينيات، وتعرفت عليه في ذلك الوقت، حيث كان يجيء بانتظام للجلوس معنا في كازينو أوبرا، كانت العلاقة التي تربطنا أدبية أكثر منها إنسانية.

   ميز سيد قطب في تلك المرحلة: تحرره وذكاؤه وموهبته الأدبية، خاصة أنه كان من تلاميذ العقاد المخلصين، والعقاد ـ على ما أذكر ـ هو الذي توسط له لدى النقراشي باشا لإرساله في بعثة دراسية إلى الولايات المتحدة الأمريكية ـ وكنت أعده لسنوات طويلة من رواد الاستنارة والفكر الجريء المتحرر، وكان آخر لقاء جمعنا معاً في بيته في “حلوان” حيث ذهبتُ لزيارته بصحبة آل السحار عقب خروجه من السجن بعفو صحي، ذهبت إليه رغم معرفتى بخطورة هذه الزيارة وبما يمكن أن تسببه لى من متاعب أمنية، وفى تلك الزيارة تحدثنا عن الأدب ومشاكله ثم تطرق الحديث إلى الدين والمرأة والحياة، كانت المرة الأولى التى ألمس فيها بعمق مدى التغيير الكبير الذى طرأ على شخصية قطب وأفكاره، لقد رأيت أمامي إنسانا آخر حاد الفكر متطرف الرأى، ويرى أن المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وأنه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله انطلاقا من فكرة «الحاكمية» وسمعتُ منه آراءه دون الدخول معه فى جدل أو نقاش حولها، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب».

  وقال نجيب محفوظ: وعرفتُ أنه تلقى عرضاً للعمل في العراق، ورغم إغراءاته المادية ومميزاته الكبيرة، فإنه رفضه لأنه لا يريد أن يترك مصر، وبقي فيها لقضائه وقدره.

  ويضيف محفوظ: «عندما سمعت بخبر اشتراك قطب فى مؤامرة قلب نظام الحكم وصدور حكم بالإعدام عليه لم أتوقع أبداً تنفيذ الحكم، وظننت أن مكانته ستشفع له، وإن لم يصدر عفو عنه فعلى الأقل سيخفف الحكم الصادر ضده إلى السجن المؤبد على الأكثر، وخاب ظني ونُفِّذ حكم الإعدام، وبرغم الخلاف الفكرى بيني وبين قطب فإنني كنت أعتبره حتى اليوم الأخير من عمره صديقا وناقدًا أدبيًا كبيرً ا كان له فضل السبق فى الكتابة عنى ولفت الأنظار إلىّ فى وقت تجاهلني فيه النقاد الآخرون،  ولتأثري بشخصية سيد قطب وضعتها ضمن الشخصيات المحورية التي تدور حولها رواية “المرايا” مع إجراء بعض التعديلات البسيطة، ولكن الناقد المدقق يستطيع أن يدرك أن تلك الشخصية فيها ملامح كثيرة من سيد قطب».[103]

  يقول الأستاذ محمد حماد عن ذلك اللقاء: في تلك الزيارة كانت مجموعة من أصحاب اللحى تتحلق حول قطب، الذي لم يعد يشبه صديق محفوظ القديم، ولكنه -كعادته في إطلاق الدعابات -حاول كسر حدة الصمت الثقيل، يقول: “أطلقتُ دعابة عابرة، وافترضتُ أنَّ أساريرهم ستنفرج وسيضحكون، ولكنهم نظروا إليَّ شزرا، ولم يضحك أحد حتى سيد نفسه، وعندها غادرت البيت صامتًا”.

   ويتابع حماد: أدرك محفوظ أن تحولًا كبيرًا طرأ على صديقه القديم، وأن هذه التحولات شملت شخصيته وطريقة تفكيره ومواقفه من الحياة والمجتمع وكل ما يدور حوله، بعد ذلك نما إلى علم محفوظ أن تحولات قطب قادته إلى قلب حركة «الإخوان المسلمين» باعتباره أحد مراجعها الكبرى، فانقطعت علاقتهما نهائيًا، حتى سمع بخبر مشاركة قطب في مؤامرة قلب نظام الحكم، وصدور حكم بالإعدام عليه.

يقول محفوظ: “لم أتوقع أبدا تنفيذ الحكم، وظننت أن مكانته ستشفع له، وإن لم يصدر عفو عنه فعلى الأقل سيخفف الحكم الصادر ضده إلى السجن المؤبد على الأكثر ثم يخرج من السجن بعد بضع سنوات، وخاب ظني ونفذ حكم الإعدام بسرعة غير معهودة أصابتني بصدمة شديدة وهزة عنيفة”.[104]

(12). سيد قطب في “مرايا” نجيب محفوظ 

   رواية “المرايا” هي إحدى روايات الكاتب نجيب محفوظ ونُشِرَت سنة 1972. يرسم محفوظ صوراً فنية لجميع الشخصيات في الرواية، فهي لا توازي الرواية العربية التقليدية، حيث إن التركيز على الشخصيات بدلاً من الأحداث. وهي عبارة عن محاولة من الكاتب لرسم صور فنية -من منظوره الخاص -لبعض الشخصيات التي قد تكون واقعيه في حياته وذلك بإلقاء الضوء على الجوانب الخفية والمعلومة لهذه الشخصيات مع رابط دقيق بين سِيَرِهم وبين الأحداث المتعاقبة عليهم وتأثير تلك الأحداث على مجريات حياتهم ومصائرهم كما لم يخلُ المؤَلَّف من انطباعات الكاتب الشخصية حول أبطال العمل والحقب السياسية التي عاصروها تحت بصره وسمعه.[105]

   تدور الرواية بمجملها حول آراء محفوظ بمجموعة من الشخصيات الحقيقية، الأدبية والفكرية والسياسية، التي عاصرها، مع التمويه عنها في الرواية بأسماء مستعارة، وإضافات خيالية لإكمال الحبكة .. رغم أننا نستطيع أن نهتدي إلى الملامح والأسماء الصحيحة لكثير من تلك الشخصيّات الواقعية .. فيا ترى تحت أي قناع في الرواية يكون سيّد قطب ؟؟؟[106]

  كان من ضمن الخمس والخمسين شخصية التي رسمها محفوظ في روايته شخصية (عبد الوهاب إسماعيل) والتي قيل بأنها شخصية سيد قطب نفسه، يقول الأستاذ “محمد سيد بركة”: “هناك شبه اتفاق بين النقاد أن سيّد قطب هو نفسه عبد الوهاب إسماعيل في الرواية. فماذا جاء عن تلك الشخصية في الرواية؟”.[107]

  يقول الأستاذ “محمد شعير” في مقاله له بعنوان “رسالة من سيد قطب إلى نجيب محفوظ”: ” المرة الثالثة التي كتب فيها محفوظ عن قطب، فى روايته “المرايا”.. تحوَّل قطب إلى شخصية خيالية، وكعادة محفوظ وظف خبراته بالشخصيات التى عرفها إلى مصدر من مصادر إبداعه، لكنه لا يسرد حيوات هذه الشخصيات كواقع، وإنما يحاول ترميزها وإثقالها بالمعاني. فى «المرايا» حمل سيد قطب اسم عبد الوهاب إسماعيل راصدا تحولاته: «إنه اليوم أسطورة، وكالأسطورة تختلف فيه التفاسير، وبالرغم من أنني لم ألق منه إلا كل معاملة كريمة أخوية إلا أنني لم أرتح لسحنته ولا لنظرة عينيه الجاحظتين الحادتين..». ويضيف محفوظ في الرواية: «وبالرغم من أن عبد الوهاب إسماعيل لم يكن يتكلم في الدين، وبالرغم من تظاهره بالعصرية في أفكاره وملابسه وأخذه بالأساليب الإفرنجية في الطعام وارتياده دور السينما، إلا أن تأثره بالدين وإيمانه بل وتعصبه لم يخف عليّ. اذكر كاتباً قبطياً شاباً أهداه كتابا له يحوي مقالات في النقد والاجتماع، فحدثني عنه فقال: إنه كاتب مطلّع حساس وذو أصالة في الأسلوب والتفكير. فسألته ببراءة متى تكتب عنه، فابتسم ابتسامة غامضة وقال: لا ثقة لي في أتباع الأديان الأخرى»![108]

    الأستاذ “محمد عبد الرحمن” في مقال له بعنوان “هل تناول نجيب محفوظ في “المرايا” شخصية سيد قطب. وكيف رأى تحوله الفكرى، فيقول: ” وبحسب مقال للكاتب الكبير الراحل صلاح عيسى تحت عنوان “سيد قطب فى مرايا نجيب محفوظ” فإن الخطوط العامة لسيرة حياة “عبد الوهاب إسماعيل” ـ وهو الاسم الذى يظهر به “سيد قطب” فى مرايا “نجيب محفوظ” ـ لا تكاد تختلف مع المعروف عن سيرة “سيد قطب”.. ابتداء من عينيه الجاحظتين الحادتين اللتين لم يسترح لهما المؤلف حين تعرف عليه فى أحد الصالونات الأدبية أثناء الحرب العظمى الثانية، وحتى عمله كمدرس للغة العربية، ونشره لفصول فى النقد وقصائد من الشعر التقليدي فى المجلات الأدبية، إلى اعتلال صحته، ومن تعاطفه مع الوفد إلى انشقاقه عنه.

   محفوظ وإن أخفى حقيقة إن كان سيد قطب هو المقصود بعبد الوهاب إسماعيل فى رواية “المرايا” لكنه لم يخفى أبدا علاقته بالإخوانى الراحل، فيذكر الكاتب الصحفي محمد شعير فى كتابه “أولاد حارتنا.. سيرة الرواية المحرمة” وصف نجيب محفوظ لانطباعاته عن لقائه الأخير مع سيد قطب بأنه “فقد قدرته على الابتسام، عندما مضى فى طريق آخر يكَفِّر فيه المجتمع”، وفى آخر لقاء جمع بين الاثنين، الذى حدث حينما زار نجيب محفوظ – حسبما يذكر محمد شعير – سيد قطب فى بيته فى حلوان بعد خروجه من السجن، وقبل عام من إعدامه، وقال أيضا: لقد رأيت أمامي إنسانا آخر.. حاد التفكير.. متطرف الرأى.. يرى أن المجتمع عاد إلى الجاهلية الأولى وأنه مجتمع كافر لابد من تقويمه بتطبيق شرع الله، انطلاقا من فكرة الحاكمية لا حكم إلا الله، فماذا يفيد الجدل مع رجل وصل إلى تلك المرحلة من الاعتقاد المتعصب؟

أمنية أخيرة من نجيب لسيد

   يقول نجيب محفوظ في “المرايا”: حين يسأل سيداً عن المستقبل، فيرد عليه: هل لديك اقتراح؟ فقال: لديَّ اقتراح لكني أخشى أن يكون جاهليا، أقترح أن تعود إلى النقد الأدبي “.[109]

 رسم شخصية عبد الوهاب إسماعيل / سيد قطب في المرايا:

    كتب الصحفي المصري سامح فايز بأن سيد قطب هو الشخص الذي اتخذه محفوظ أحد شخوص “المرايا”، ويتطابق مع رحلة قطب الشخصية هو شخصية “عبد الوهاب إسماعيل”. ورسم محفوظ هذه الشخصية من خلال هذا الحوار:

“ويوماً كنت في زيارةٍ للأستاذ سالم جبر، فقال لي: -الظاهر أنّ نجم عبد الوهاب إسماعيل سيلمع قريباً. فسألته باهتمام: – ماذا تعني؟

– أصبح من المقرَّبين.

– ككاتبٍ سياسيٍّ أم ككاتبٍ دينيٍّ؟

– باعتباره من الإخوان المسلمين.

فهتفت بدهشة: الإخوان؟! لكنني عرفته سَعْدِيَّاً متطرفاً.

فقال متهكماً: سبحان الذي يُغيّر ولا يتغير!”

واسترسل محفوظ واصفاً تحولات عبد الوهاب إسماعيل، من الناقد إلى المتطرف: “وقال بقوة: الاشتراكية، والوطنية، والحضارة الأوروبية، خبائث علينا أن نجتثها من نفوسنا. وحمل على العِلْم حملةً شعواء، حتى ذهلت، فسألته: حتى العِلم؟!

– نعم لن نتميز به، نحن مسبوقون فيه، وسنظل مسبوقين مهما بذلنا، لا رسالةً علميةً لدينا نقدمها للعالم، لكن لدينا رسالة الإسلام وعبادة الله وحده لا رأس المال ولا المادية الجدلية.”.[110]

  في الرواية:” يرى عبد الوهاب “أي سيد قطب” أن القرآن يجب أن يحل مكان جميع القوانين المستوردة، ويحمل بعنف على الاشتراكية والوطنية والحضارة الغربية، فهي خبائث علينا أن نجتثها من نفوسنا.

  يقول محفوظ: استمعت إليه طويلا ضاغطا على انفعالاتي حتى لا أخل بواجب المجاملة ..[111]

نهاية سيد قطب الحقيقية تختلف قليلاً عن نهاية عبد الوهاب في الرواية، فمن المعروف أن سيد قطب قد أعدم عام 1966 بعد اتهامه بأنه مشترك في مؤامرة لقلب نظام الحكم، بينما تأتي قوة من الشرطة لاعتقال عبد الوهاب بتلك التهمة أيضاً، ولكنه يقاومها فيصاب بطلقة قاتلة “فسقط جثة هامدة”.[112]

(13). مسؤولية سيد عن محاولة اغتيال محفوظ

  عام 1994 تعرض الروائي نجيب محفوظ لمحاولة اغتيال، وقد قام بتنفيذ الاعتداء شخصان ينتميان للجناح العسكري “للجماعة الإسلامية” في مصر، والذي قان بطعن الأستاذ نجيب محفوظ في رقبته هو (محمد) ويحمل بطاقة مزورة باسم (محمد ناجي محمد) ويعمل نقاشاً (عامل دهان) وشاركه (عمرو محمد محمد إبراهيم).[113]

  بدأ الحديث عن نجيب محفوظ وردته بعد فوزه عام 1988 بجائزة نوبل والتي ذُكر أن من أسباب فوزه بها هو روايته (أولاد حارتنا)، وهي رواية قديمة نشرها على حلقات في جريدة “الأهرام” عام 1959، وقد أثارت آنذاك ردود فعل غاضبة من علماء الأزهر، بسبب الحديث المباشر عن الرموز الدينية بما لا يليق بها، مما أدى إلى توقف نشرها وعدم طبعها في مصر، حتى نُشرت في لبنان أولاً ثم في مصر لاحقاً.[114]

  وينقل رجاء النقاش عن الناقد جابر عصفور أن الجناة قالوا: لم نقرأ رواية أولاد حارتنا، ولكنَّ تكليفاً صدر إلينا بقتل مؤلفها بعد قيام الجماعة باغتيال فرج فودة (20 أغسطس 1945 – 8 يونيو 1992)، وأضاف (المتهم بمحاولة قتل محفوظ) بأنه ليس نادماً على ما فعل، ولو قُدِّر له الخروج من السجن فسيعيد ارتكاب المحاولة.[115]

 ثم صدر الحكم بإعدام منفذ المحاولة وشريكه فيها وبالسجن سنوات مختلفة لعدد من المتهمين وببراءة آخرين.

   كان نجيب محفوظ قد أدان عام 1989 فتوى الخميني بردة سلمان رشدي (الكاتب البريطاني ذو الأصل الباكستاني الذي كتب روايته “آيات شيطانية” وفيها إساءة لبيت النبوة)، ثم أخذت صحيفة “النور” بالربط بين سلمان رشدي ونجيب محفوظ وقالت بأنهما وجهان لعملة واحدة واعتبرت أن سلمان رشدي من تلاميذ رواية “أولاد حارتنا”.[116]

  وممن تحدث عن هذه الرواية الشيخ عبد الحميد كشك[117] الذي أصدر عام 1988 كتاباً بعنوان “كلمتنا في أولاد حارتنا”، والشيخ عمر عبد الرحمن[118] الذي أدلى بحديث لجريدة الأنباء الكويتية جاء فيه أنه من ناحية الحكم الإسلامي فسليمان رشدي ومثله نجيب محفوظ مرتدان، وكل من يتكلم عن الإسلام بسوء فهو مرتد، والحكم الشرعي أن يُستتاب؛ فإن لم يتب يُقتل، لو نُفِّذَ هذا الحكم في نجيب محفوظ عندما كتب أولاد حارتنا لتأدب سلمان رشدي”.[119]

   بدأت الإشارات غير المباشرة لمسؤولية (فكر سيد قطب) عن محاولة اغتيال نجيب محفوظ مبكرة جداً، وبعد أيام من محاولة طعن محفوظ نشرت صحيفة الأهالي (لسان حال حزب التجمع الوطني التقدمي الوحدوي، وهو حزب يساري مصري معارض للحكومة) رواية نجيب محفوظ (أولاد حارتنا) وقالت عن سبب النشر: “لأن مبدعها الأصيل يرقد حالياً في مستشفى الشرطة مصاباً بمطواة في رقبته، طعنه فيها شقي من الأشقياء، والذيم قال لهم فقهاء “الحاكمية” إن “أولاد حارتنا” رواية ملحدة وصاحبها ملحد لا بد من استتابته وقتله”.[120] ومن المعروف أن من أوائل مَنْ قال بفكر “الحاكمية” وركَّز عليه هو المرحوم الأستاذ سيد قطب.

  وهناك من يربط بين سيد قطب وبين الجماعات والأسماء التي يقرنها الإعلام عادة بالإرهاب، ومن هذا “الربط” هذا “النص”:” وعلى الرغم مما عُرف به سيد باعتباره أديبا وناقدا، ثم مثقفا مناضلا من أجل العدالة الاجتماعية، فإن صيته قد ذاع باعتباره المنظر والمفكر الإسلامي. وما يزيد المشهد تركيبًا هو ارتباط اسمه في صدارة قوائم منظري الجهاد المعاصرين، ولا تكاد تُذكر جماعات الجهاد العربية إلا مقرونة باسم سيد، فمن شكري مصطفى وصالح سرية وعبد الله عزام وعبود الزمر حتى أيمن الظواهري كان سيد هو الحاضر الغائب في استشهاداتهم، وهو ما دفع البعض إلى أن يتهم سيداً بأن كتاباته وأفكاره، فضلاً عن مواقفه العملية، كانت وراء تأسيس أجيال الجهاديين في الستينيات والسبعينيات التي انتشرت في أرجاء الأرض. ليصبح اسم “سيد قطب” تهمة في حد ذاته، حيث كثيرًا ما اقترن اسمه بالإرهاب في مراكز الأبحاث الغربية، حتى مُنعت مؤلفات سيد في العديد من البلدان العربية”. [121]

   وأثار الكاتب الصحفي والمؤلف وكاتب السيناريو “بلال فضل” الحديث مجددًا عن قطب عندما قدَّم حلقة على قناته على يوتيوب بعنوان “هل كان سيد قطب إرهابيا؟ الحقيقة آه”. أكد فضل أن القمع الذي مورس على نطاق واسع في الحقبة الناصرية تسبب في تحويل قطب من أديب وشاعر إلى إرهابي تكفيري من الطراز الأول. وأشار إلى أن أفكار قطب -كالجاهلية والاستعلاء واعتزال المجتمع والمفاصلة مع الأنظمة الحاكمة-كانت المصدر الذي انبثقت منه التنظيمات المتطرفة فيما بعد. استند فضل في طرحه لاثنين من أهم الباحثين الذين درسوا أفكار سيد قطب، وهما الكاتب الصحفي حلمي النمنم، والباحث الأكاديمي شريف يونس. كما احتكم فضل لعدد من النصوص الواردة في كتب قطب والتي ظهرت من خلالها أفكاره الراديكالية المتشددة.[122]

  وتساءلت بعض المقالات صراحة عن مسؤولية سيد قطب في محاولة اغتيال نجيب محفوظ، مثل مقال الصحفي المصري سامح فايز والذي عنوانه: “سيد قطب. بشّر بنجيب محفوظ ثم أمر بقتله!”، وفيه يقول: “فبين تدشين محفوظ أديباً كبيراً، في كتابات قطب، والإرهابي الذي حاول قتل ذلك الأديب الكبير، معتمداً أيضاً على كتابات قطب. يتراءى لنا مشهدان يجمعهما عاملٌ مشتركٌ هو نجيب، ويبقى بينهما لغزٌ لا يزال غير مفهومٍ حتى الآن”.”[123]

 ومقال أحمد رمضان: “في ذكرى وفاة سيد قطب.. كيف أثرت كتاباته في تشكيل التيارات الجهادية؟[124]

    لا بد من توضيح الأمر، فكثيراً ما جرى الربط بشكل تعسفي بين سيد قطب وأفكاره من جهة، وبين أفعال وأقوال بعض الجماعات التي توصف بالإرهابية (أو هي كذلك فعلاً) مثل “داعش” وشقيقاتها، لنقرأ ما قاله الكاتب “جمال قنديل” في كتابه “سيد قطب: رمز الشموخ في زمن الانكسار” تأثير أفكار قطب في التنظيمات الجهادية المعاصرة، فذكر أن تنظيم “داعش” نشر عدة مقالات تؤكد على سير التنظيم على خطى سيد قطب. من ذلك مقالة تحت عنوان “انتصارات الدولة الإسلامية.. معالم في الطريق”. أيضًا اعترف أمير “جبهة النصرة”، أبو محمد الجولاني، في 2015 بتدريسهم كتب سيد قطب، لعناصر التنظيم. الأمر نفسه ظهر فيما كتبه الأمير السابق لتنظيم القاعدة أيمن الظواهري، في كتابه “الوصية الأخيرة” عندما ذكر أن قطب “أكد مدى أهمية قضية التوحيد في الإسلام وأن المعركة بين الإسلام وأعدائه هي في الأصل معركة عقائدية حول قضية التوحيد، أو حول من يكون الحكم والسلطان”.[125]

  • لقد كانت مفاهيم: (الحاكمية، المجتمع، الجاهلية، الكفر والتكفير) التي استعملها سيد قطب كثيراً في كتبه: العدالة الاجتماعية في الإسلام، وفي ظلال القرآن، ومعالم في الطريق) هي التي أثارت الجدل وجعلت الكثيرين يسارعون بالقول بأن سيداً يصف مجتمعات المسلمين بأنها جاهلية وكافرة لأنها لا تحقق معنى الحاكمية. فصار لا بد من تحديد مراد سيد بهذه المصطلحات:

  • الحاكمية: يحدد الأستاذ سيد قطب مفهوم “الحاكمية” بكل وضوح بقوله: “إن مدلول (الحاكمية) في التصور الإسلامي لا ينحصر في قضية تلقي شريعة الحكم والتحاكم إليها. ومن ثم لا تتمثل العبودية لله وحده في مجرد تلقي الشريعة منه وحده، والتحاكم إلى هذه الشريعة وحدها. . متى قَصَرْنا الشريعةَ على معنى أصول الحكم وقوانينه. . فإن هذا بدوره لا يمثل مدلول “الشريعة” في التصور الإسلامي! إن شريعة الله تعني كل ما شرعه الله لتنظيم الحياة البشرية. . وهذا يتمثل في أصول الاعتقاد وأصول الحكم؛ وأصول السلوك، وأصول المعرفة. . يتمثل في العقيدة والتصور. . وكل مقدِّمات هذا التصور . . ويتمثل في الأحكام التشريعية. . ويتمثل في قواعد الأخلاق والسلوك. يتمثل في القيم والموازين التي تسود المجتمع، وتقوِّمُ بها الأشخاصَ والأشياء والأحداث. . ثم يتمثل في المعرفة بكل جوانبها وفي أصول النشاط الفكري والفني جملة. .  وفي هذا كله لا بد من التلقي عن الله؛ كالتلقي في الأحكام الشرعية سواء بسواء”. (معالم في الطريق).

  إذا لا بد لتحقيق معنى الحاكمية أن يؤخذ الإسلام كلياً ابتداء بالعقيدة ومروراً بالحكم والقانون والقضاء وانتهاء بالأحاسيس والمشاعر.

  • الجاهلية: تحدث سيد قطب عن مفهوم الجاهلية فقال: “إن العالم يعيش اليوم كله في جاهلية من ناحية الأصل الذي تنبثق منه مقومات الحياة وأنظمتها، جاهلية لا تخفف منها شيئاً هذه التيسيرات المادية الهائلة، وهذا الإبداع الفائق! هذه الجاهلية تقوم على أساس الاعتداء على سلطان الله في الأرض وعلى أخص خصائص الألوهية. . وهي الحاكمية .. إنها تسند الحاكمية إلى البشر، فتجعل بعضَهم لبعض أربابًا، لا في الصورة البدائية الساذجة التي عرفتها الجاهلية الأولى، ولكن في صورة ادعاء حق وضع التصورات والقيم، والشرائع والقوانين، والأنظمة والأوضاع، بمعزل عن منهج الله، وفيما لم يأذن به الله …”

  فليست الجاهلية في فكر سيد هي نقيض العلم والتمدن، وليست نقيضاً للعلم والمعرفة، بل هي وبوضوح عدم الأخذ كلياً بمفهوم الحاكمية.

  • المجتمع: أما المجتمع الإسلامي، فليس هو المكان الذي يعيش فيه مجموعة من الأفراد، بل المجتمع الإسلامي وكما يقول الأستاذ سيد قطب: هو الذي يتخذ المنهج الإسلامي كله منهجاً لحياته كلها. ويُحَكِّمُ الإسلامَ كلَّه في حياته كلِّها، ويتطلبُ عندَه حلولاً لمشكلاته، مستسلمًا ابتداء لأحكام الإسلام، ليست له خِيَرَةٌ بعد قضاء الله. فأين هو هذا المجتمع اليوم؟ أين هو في أي زاوية من زوايا الأرض؟

  ففي هذا القول سيدخل النظام العام والقوانين والتشريعات والعادات والتقاليد، فالمجتمع الشيوعي غير المجتمع الرأسمالي، والمجتمع الأمريكي غير المجتمع المصري مثلاً.

  • الكفر والتكفير: يقول الأستاذ سالم البهنساوي في كتابه “الحكم وقضية تكفير المسلم” أن سيد قطب “لا يحكم على المسلمين في عصرنا بالكفر لمجرد أن الحاكم قد حكمهم بغير ما أنزل الله، فهو لا يفترض أنهم يرضون هذا، بل يوضح أن الكفر يتحقق فقط بالنسبة لمن لا يرضي بحكم الله ورسوله منهم أو من يتولى عنه، ويرفض قبوله، مفضلًا عليه حكم الجاهلية الحديثة. وعبارة “من لا يرضى بحكم الله، أو من يتولى ويرفض قبوله” لا تحتمل التأويلات فأقواله هذه صريحة في أنه لا يقول بكفر الشعوب المسلمة، إلا إن عارضت حكم الله أو تركته واحتكمت مختارة إلى غيره، لأن عدم الرضا لا يتواجد ولا يتحقق إلا بهذين الأمرين: “المعارضة الصريحة لحكم الله، أو المعارضة الضمنية بالاحتكام إلى حكم آخر…”.[126]

 أهم ما في موضوع التكفير أنه لا يكفر أعياناً أو آحاداً من المسلمين، بل هو يذكر الأحوال التي تخرج المرء من الإسلام، وبالتالي لا يمكن إسقاط أقوال سيد قطب على عملية اغتيال نجيب محفوظ ولا فرج فودة ولا غيرهما.

  يقول الشيخ اللبناني “فيصل مولوى” (1941 ـ 2011) مبيناً ان سيداً لم يقصد تكفير أحد كان فى تفسيره لقوله تعالى فى سورة النساء: {ولا تقولوا لمن ألقى إليكم السلام لست مؤمناً}، يقول قطب: “يأمر الله المسلمين إذا خرجوا غزاة، ألا يبدأوا بقتال أحد أو قتله حتى يتبينوا، وأن يكتفوا بظاهر الإسلام فى كلمة اللسان، إذ لا دليل يناقض كلمة اللسان” فالسيد يكتفى هنا بظاهر الإسلام فى كلمة اللسان، ويعتبر الإنسان بذلك مسلماً معصوم الدم، ولوقلنا إن سيد قطب يعتبر المؤذن مرتداً بمعنى الكفر واستباحة الدم، لكان هذا متناقضًا مع ما ورد فى تفسير هذه الآية عند سيد قطب نفسه. [127]

   بالنظر إلى هذه المفاهيم وكما حددها سيد لا تُطلق هذه الأوصاف على أعيان الناس وبصفتهم الشخصية، هل في قوله تعالى: {وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ ٱلْأَعْرَابِ مُنَٰفِقُونَ ۖ وَمِنْ أَهْلِ ٱلْمَدِينَةِ ۖ مَرَدُواْ عَلَى ٱلنِّفَاقِ لَا تَعْلَمُهُمْ ۖ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ ۚ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَىٰ عَذَابٍ عَظِيمٍۢ * التوبة 101} ما يفيد أن كل ما حول المدينة من الأعراب هم منافقون؟

  وهل في قوله تعالى: {الْأَعْرَابُ أَشَدُّ كُفْرًا وَنِفَاقًا وَأَجْدَرُ أَلَّا يَعْلَمُوا حُدُودَ مَا أَنزَلَ اللَّهُ عَلَىٰ رَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ *97 التوبة} ما يفيد أن كل الأعراب أشد كفراً ونفاقاً…!

   سيد قطب غيْرُ معني بما أخذه غيرُه ممن لم يستوعبوا أفكارَه وأخذوها فجَّة وبنوا عليه أفكارهم وأفعالهم.

   من اعتدوا على الأديب نجيب محفوظ لم يشيروا إلى سيد قطب، بل أشاروا إلى الشيخ عمر عبد الرحمن والشيخ عبد الحميد كشك.

  اقحام اسم سيد في موضوع محاولة اغتيال نجيب محفوظ أمرٌ مفتعل، وبالإضافة إلى الإساءة لسيد قطب فالمقصود هو تشويه الفكر الإسلامي بشكل عام وإلباسه لبوس الإرهاب والقتل ومعاداة الأدب والعلم وكل مظاهر الحضارة والمدنية، وأن نموذج الحكم الإسلامي الذي ينادي به الإسلاميون هو نموذج مرعب!!!

[1]  تم تحويل (21) رواية من روايات نجيب محفوظ إلى أفلام سينمائية، و(8) روايات إلى مسلسلات تلفزيونية. (ناديا البنا: بوابة الأخبار: 29رواية لـ «نجيب محفوظ» تحولت لأعمال فنية، 28/8/2018)
[2]  قام الدكتور صلاح الخالدي بجمع كتابات سيد عن أمريكا ونشره بعنوان “أمريكا من الداخل بمنظار سيد قطب” وصدر عن دار المنارة بجدة عام 1985.
[3]   صلاح عبد الفتاح الخالدي: سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، ط 1، 1991، ص 518 وعبد الله عوض الخباص: سيد قطب الأديب الناقد، مكتبة المنار، الزرقاء، ص 372 ـ 398.
[4]  بين سيد قطب.. ونجيب محفوظ؟! الدستور – 10/9/2006 (موقع صحفي).
[5]   حياة نجيب محفوظ، الجزيرة ـ الموسوعة ـ 4/3/2015
[6]   حياة نجيب محفوظ، الجزيرة ـ الموسوعة ـ 4/3/2015
[7]   حياة نجيب محفوظ، الجزيرة ـ الموسوعة ـ 4/3/2015
[8]   محمد خمفوسي: نجيب محفوظ بين جائزة نوبل وطعنة السكين، الجزيرة نت، 11/2/2019
[9]   حياة نجيب محفوظ، الجزيرة ـ الموسوعة ـ 4/3/2015
[10]   محمد خمفوسي: نجيب محفوظ بين جائزة نوبل وطعنة السكين، الجزيرة نت، 11/2/2019
[11]   محمد خمفوسي: نجيب محفوظ بين جائزة نوبل وطعنة السكين، الجزيرة نت، 11/2/2019
[12]   حياة نجيب محفوظ، الجزيرة ـ الموسوعة ـ 4/3/2015
[13]   عبد الله عوض الخباص: سيد قطب الأديب الناقد، مكتبة المنار، ط1، 1983، ص 94
[14]   عبد الله عوض الخباص: سيد قطب الأديب الناقد، مكتبة المنار، ط1، 1983، ص 118
[15]  انظر قائمة بكل أسماء مقالات سيد قطب في: عبد الله الخباص: سيد قطب الأديب الناقد (ص372 ـ 398)
[16]   محمد يسري أبوهدور: عن الجانب المُغيّب من سيد قطب، الميادين نت، 20/4/2018
[17]   محمد يسري أبوهدور: عن الجانب المُغيّب من سيد قطب، الميادين نت، 20/4/2018
[18]  محمود القيعي: لذكرى الـ 52 لإعدام سيد قطب تجدد الخلاف حوله، رأي اليوم، 29/8/2018
[19]    صلاح عبد الفتاح الخالدي: سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، ط 1، 1991، ص 536
[20]  يوسف العظم: رائد الفكر الإسلامي المعاصر “سيد قطب”: حياته ومدرسته وآثاره، دار القلم، دمشق، ط1، 1980، ص 127
[21]   محمد يسري أبوهدور: عن الجانب المُغيّب من سيد قطب، الميادين نت، 20/4/2018
[22]   سيد قطب.. شخصية أدبية وفكرية شيطنها البعض وألهمت آخرين، برنامج موازين، الجزيرة نت، 1/2/2023
[23]   محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[24]   زهرة العلا: سيد قطب.. مفكر أيديولوجي أم أديب ناقد؟ الجزيرة نت، 31/10/2018
[25]   عبد الحميد ضحا: ما قبل الحاكمية: الجذور الفكرية والأدبية والسياسية لسيد قطب، منتدى العلماء، 30/10/2019
[26]    موقع الشيخ يوسف القرضاوي: (32) كتاب “العدالة الاجتماعية في الإسلام” وسيد قطب،29/11/2021، وعبد السلام حيدر: حوار نادر جداً بين سيد قطب وطه حسين، عربي بوست، 19/3/2021، وانظر كتاب: سعود المولى: الإخوان وسيد قطب، دار المشرق، ط1، 2017، ص 19
[27]   عبد السلام حيدر: حوار نادر جداً بين سيد قطب وطه حسين، عربي بوست، 19/3/2021
[28]   عبد السلام حيدر: حوار نادر جداً بين سيد قطب وطه حسين، عربي بوست، 19/3/2021
[29]   عبد السلام حيدر: حوار نادر جداً بين سيد قطب وطه حسين، عربي بوست، 19/3/2021
[30]   عبد السلام حيدر: حوار نادر جداً بين سيد قطب وطه حسين، عربي بوست، 19/3/2021
[31]   رسالة من سيد قطب الى توفيق الحكيم. مجلة “الرسالة”، 9/5/1949
[32]    رسالة من سيد قطب الى توفيق الحكيم. مجلة “الرسالة”، 9/5/1949
[33]  وليد شوشة: ما الذي تعرفه عن “الناقد الأدبي” سيد قطب؟  الجزيرة نت 12/4/2019
[34]   سيد قطب.. شخصية أدبية وفكرية شيطنها البعض وألهمت آخرين، برنامج موازين، الجزيرة نت، 1/2/2023
[35]   زهرة العلا: سيد قطب.. مفكر أيديولوجي أم أديب ناقد؟    الجزيرة نت، 31/10/2018
[36]    زهرة العلا: سيد قطب.. مفكر أيديولوجي أم أديب ناقد؟    الجزيرة نت، 31/10/2018 وشريف يونس: سيد قطب والأصولية الإسلامية، ص 43
[37]   انظر: صلاح عبد الفتاح الخالدي: سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، ط1، 1991، ص 165، وعبد الحميد ضحا: المعارك الصغرى لسيد قطب، 15/11/2019 موقع البوصلة
[38]  علي شلش: نجيب محفوظ والتمرد على الأدب، دار الشروق، ص 45
[39]   رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، 1977، ص 57
[40]   أحمد عبد الرحمن: فيديو.. تعرف على أسباب توقف الأديب “نجيب محفوظ” عن الكتابة لمدة 7 سنوات، اليوم السابع 10/8/2018،
[41]  عبد المجيد سباطة: رواية كادت أن تقتل صاحبها! الجزيرة نت، 15/8/2017
[42]   موسوعة ويكيبيديا
[43]   جمال عبد الناصر وسيد قطب.. كيف رسم التنافس بين شخصين مستقبل مصر؟ الجزيرة نت، موقع ميدان ترجمة (فريق الترجمة) هذا التقرير مترجم عن Foreign Affairs ولا يعبر بالضرورة عن موقع ميدان. 19/8/2019
[44]   أحمد منصور “فى ذكرى إعدامه. هل كان سيد قطب ملحدًا ويشرب الخمر؟” اليوم السابع، 19/8/2018
[45]   محمد عبد الرحمن: سيد قطب من كاتب روايات عاطفية إلى منظر الإرهاب الأول.. ما الذي حدث؟ اليوم السابع، 9/10/2020
[46]  سيد قطب: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، مجلة الرسالة، العدد 947، ومقدمة الكتاب المنشور
[47]   صلاح الخالدي: “سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد” دار القلم، دمشق، ط 1، 1991، ص 2013 وما بعدها.
[48]   المرجع السابق ، ص 218
[49]   المرجع السابق 219
[50]  المرجع السابق، ص 160و 234
[51]   محمد سيد بركة: عندما رد تحية سيد قطب بالتي هي أسوأ، رابطة علماء الشام
[52]  محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[53]   رحيل وديع فلسطين… الكاتب السبّاق إلى التعريف بنجيب محفوظ، المدن (جريدة إلكترونية) 5/11/2022
[54]  يوسف بكار: وديع فلسطين ونجيب محفوظ، جريدة الرأي، 28/2/2014
[55]   ماجد كامل: وديع فلسطين حبشي. أول من تنبأ بقيمة نجيب محفوظ العالمية مساحة رأي ماجد كامل، موقع (الأقباط متحدون) 21/11/2022
[56]   محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[57]   سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[58]   سيد قطب -2 -في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[59]   سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[60]   سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[61]   سيد قطب -2 -في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[62]   سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[63]   سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[64]   سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[65]  سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[66]    سيد قطب -2 – في عالم القصة.. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[67]   سيد قطب -2 -في عالم القصة. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[68]   سيد قطب -2 -في عالم القصة. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[69]   سيد قطب -2 -في عالم القصة. كفاح طيبة لنجيب محفوظ، مجلة الرسالة (العدد 587) تاريخ (2/10/1944)
[70]  محمد وديع: (50 عامًا على رحيل جمال عبد الناصر. ثاني مصري يحكم البلاد منذ عهد الفراعنة.) موقع صدى البلد، 28/9/2020
[71]  محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[72]  سيد قطب: خان الخليلي.. (قصة مصرية) تأليف الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة -العدد 650، 17/12/1945
[73]   سيد قطب: خان الخليلي.. (قصة مصرية) تأليف الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة -العدد 650، 17/12/1945وسيد قطب: كتب وشخصيات، دار الشروق، ص 159
[74]   محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[75]   سيد قطب: خان الخليلي.. (قصة مصرية) تأليف الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة -العدد 650، 17/12/1945
[76]   محمد شعير: رسالة من سيد قطب إلى نجيب محفوظ: عقل على البلاج – مدينة، medinaportal.com
[77]   سيد قطب -القاهرة الجديدة.. تأليف: الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة؛ عدد 704(30/12/1946)
[78]   سيد قطب -القاهرة الجديدة.. تأليف: الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة؛ عدد 704(30/12/1946)
[79]   سيد قطب -القاهرة الجديدة.. تأليف: الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة؛ عدد 704(30/12/1946)
[80]   سيد قطب -القاهرة الجديدة.. تأليف: الأستاذ نجيب محفوظ، مجلة الرسالة؛ عدد 704(30/12/1946)
[81]   ماهر حسن: نجيب محفوظ: زرت سيد قطب وتحدثنا عن الأدب قبل إعدامه، اليوم السابع، 31/8/2015
[82]   سامح فايز: هل أمر سيد قطب بقتل نجيب محفوظ؟ تفاصيل جديدة لا يعرفها كثيرون، الدستور (المصرية) 15/5/2021
[83]  محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[84]   سيد قطب، رسالة أخرى لتوفيق الحكيم، مجلة الرسالة، العدد 828 (5/1949)
[85]   محمود تهامي: محاولات لسجن نجيب محفوظ في “حظيرة الإسلام”، رصيف 22، 31/1/2023
[86]   صدر كتاب “التصوير الفني في القرآن” عن دار المعارف عام 1945، ثم طبعته دار المعارف سبع طبعات منها طبعة عام 1956 وطبعة أخرى عام 1959 (وكان سيد وقتها مسجونا) كما طبعته دار الشروق في القاهرة وبيروت عدة طبعات.
[87]  سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، مجلة المقتطف، العدد 2 (1/2/1939) والعدد 3 (1/3/1939).
[88]  سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، مجلة الرسالة، العدد (601)، 8/1/1945
[89]   سيد قطب: التصوير الفني في القرآن، دار الشروق، ط 8، 1983. ص 36.
[90]   نجيب محفوظ: كتاب التصوير الفني في القرآن، مجلة الرسالة/العدد 616، 23/4/1945
[91]   نجيب محفوظ: كتاب التصوير الفني في القرآن، مجلة الرسالة/العدد 616، 23/4/1945
[92]   نجيب محفوظ: كتاب التصوير الفني في القرآن، مجلة الرسالة/العدد 616، 23/4/1945
[93]   نجيب محفوظ: كتاب التصوير الفني في القرآن، مجلة الرسالة/العدد 616، 23/4/1945
[94]  حلمي النمنم: أشواك سيد قطب، جريدة الاتحاد (الإماراتية) 6/1/2012
[95]  حلمي النمنم: أشواك سيد قطب، جريدة الاتحاد (الإماراتية) 6/1/2012
[96]  عبد الله عوض الخباص: سيد قطب الأديب الناقد، مكتبة المنار، ط1، 1983، ص 294
[97]   يوسف العظم: رائد الفكر الإسلامي المعاصر “سيد قطب”: حياته ومدرسته وآثاره، دار القلم، دمشق، ط1، 1980، ص 86
[98]  صلاح عبد الفتاح الخالدي: سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، ط 1، 1991، ص532
[99]  محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[100]   محمد حماد: حكاوي الراوي… نجيب محفوظ (13 -15) الأقدار تجمع الضدّين… نجيب محفوظ وسيد قطب، جريدة الجمهورية (إلكترونية) 18/6/2016، وانظر صفحة الإهداء في الرواية، الدار السعودية للنشر، جدة
[101]   محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[102]   صلاح عبد الفتاح الخالدي: سيد قطب من الميلاد إلى الاستشهاد، دار القلم، ط 1، 1991، ص 372
[103]   رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، ص 349، وماهر حسن: نجيب محفوظ: زرت سيد قطب وتحدثنا عن الأدب قبل إعدامه، اليوم السابع، 31/8/2015
[104]  محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[105]   موسوعة ويكيبيديا
[106]   محمد سيد بركة: عندما رد تحية سيد قطب بالتي هي أسوأ، رابطة علماء الشام
[107]   محمد سيد بركة: عندما رد تحية سيد قطب بالتي هي أسوأ، رابطة علماء الشام
[108]   محمد شعير: رسالة من سيد قطب إلى نجيب محفوظ: عقل على البلاج – مدينة، medinaportal.com
[109] محمد حماد: من «أشواك» سيد قطب إلى «مرايا» نجيب محفوظ، موقع (مصر: بث تجريبي) 24/7/2022
[110]   سامح فايز (صحفي مصري): سيد قطب.. بشّر بنجيب محفوظ ثم أمر بقتله! موقع حفريات، 24/12/ 2017
[111]   محمد سيد بركة: عندما رد تحية سيد قطب بالتي هي أسوأ، رابطة علماء الشام، انظر: نجيب محفوظ، المرايا، دار الشروق، ط 4، 2012 ص 214
[112]    نجيب محفوظ، المرايا، دار الشروق، ط 4، 2012 ص 219
[113]   رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، 1997، (باختصار من الفصل الأخير الرابع والعشرين، جريمة الاعتداء على نجيب محفوظ)
[114]   محمد خمفوسي: نجيب محفوظ بين جائزة نوبل وطعنة السكين، الجزيرة نت، 11/2/2019
[115]  رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، 1997 ص 381
[116]  رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، 3 370
[117]   عبد الحميد كشك (1933م -1996م) هو عالم وداعية إسلامي مصري كفيف، ويُلَقَّب بفارس المنابر ويعد من أشهر خطباء القرن العشرين في العالم العربي والإسلامي، وله أكثر من 2000 خطبة مسجلة، وخطب مدة أربعين سنة. حفظ القرآن وهو دون العاشرة من عمره، ثم التحق بالمعهد الديني بالإسكندرية، وفي الصف الثاني الثانوي حصل على تقدير 100%، وكذلك في الشهادة الثانوية الأزهرية وكان ترتيبه الأول على الجمهورية، ثم التحق بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر، وكان الأول على الكلية طوال سنوات الدراسة، وكان أثناء الدراسة الجامعية يقوم مقام الأساتذة بشرح المواد الدراسية في محاضرات عامة للطلاب بتكليف من أساتذته الذين كان الكثير منهم يعرض مادته العلمية عليه قبل شرحها للطلاب، خاصة علوم النحو والصرف. (وكيبيديا)
[118]  عمر عبد الرحمن (1938 -2017)، عالم أزهري مصري. وهو الزعيم الروحي للجماعة الإسلامية، له مجموعة من المؤلفات. كان معارضاً سياسياً لنظام الحكم في مصر، اُعتقل في الولايات المتحدة وقضي فيها عقوبة السجن المؤبد بتهمة التآمر، في قضية تفجيرات نيويورك سنة 1993، التهم التي نفاها عمر عبد الرحمن، توفي بتاريخ 18 فبراير 2017 في سجون الولايات المتحدة الأمريكية. ودفن في مصر (وكيبيديا).
[119]  رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، ص371
[120]  رجاء النقاش: صفحات من مذكرات نجيب محفوظ، دار الشروق، 1997، ص 381
[121]   محمد فتوح: في ذكرى وفاة سيد قطب.. كيف أثرت كتاباته في تشكيل التيارات الجهادية؟  الجزيرة نت، 29/4/2018
[122]  محمد يسري: هل كان إرهابيا أم لا؟.. سيد قطب في قلب الجدل مجددا، موقع ارفع صوتك، 7/8/2022
[123]   سامح فايز (صحفي مصري): سيد قطب.. بشّر بنجيب محفوظ ثم أمر بقتله! موقع حفريات، 24/12/ 2017
[124]  أحمد رمضان: في ذكرى وفاة سيد قطب. كيف أثرت كتاباته في تشكيل التيارات الجهادية؟  الجزيرة نت،29/4/2018
[125]    محمد يسري: هل كان إرهابيا أم لا؟.. سيد قطب في قلب الجدل مجددا، موقع ارفع صوتك، 7/8/2022
[126]    محمد يسري: هل كان إرهابيا أم لا؟.. سيد قطب في قلب الجدل مجددا، موقع ارفع صوتك، 7/8/2022
[127]   مفاجأة تاريخية.. براءة سيد قطب من التكفير ووثائق تؤكد دعوته للدولة المدنية، ويكيبيديا الإخوان المسلمين. اليوم السابع

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *