ليتني أستطيع تذكر ذلك اليوم

(ثقافات)

 ليتني أستطيع تذكر ذلك اليوم 

شعر : كريستينا روسيتي 

ترجمة : دكتورة سارة حامد حواس *

سارة حواس

ليتني أتذكر ذلك اليوم الأول 

الساعة الأولى ، اللحظة الأولى من لقائي بك 

ربما كان  الفصل مشرقًا أو معتمًا ؛

 في الصيف أو في الشتاء 

لم أوثقها حينها ؛ يبدو أنها اختفت من ذاكرتي بعيدًا 

كنت عمياء لأرى و ألاحظ 

ساذجة جدا للاحتفاء بنمو شجرتي 

التي أينعت و ازدهرت فيما بعد على مهل في شهر مايو 

آه لو كنت أستطيع تذكره ، ذلك اليوم من الأيام 

الذي تركته يأتي و يذهب بعيدًا عن ذاكرتي 

لا أثر له كذوبان الجليد  في الصيف 

كنت أظن أنها لا تعني شيئًا و لكنها تعني الكثير 

آه لو كنت أستطيع تذكر تلك اللمسة 

لمسة يدينا الأولى -آه لو كنت أعلم.

‎كريستينا روسيتي ( ١٨٣٠-١٨٩٤)

‎كريستينا روسيتي شاعرة إنجليزية ولدت في عام ١٨٣٠، كتبت العديد من القصائد الرومانسية و التعبدية ، و اشتهرت أيضا بمجموعة  من القصائد في شعر الأطفال و من أشهر قصائدها ” سوق العفاريت” و ” تذكّر” و “ترنيمة عيد الميلاد ” و”في منتصف الشتاء البارد ” .

‎ولدت كريستينا روسيتي في لندن ؛ والدها جبرايل روسيتي رسام و منفي سياسيًّا من فاستو المنطقة الإيطالية ووالدتها فرانسيس بوليدورن شقيقة جون وليام بوليدورن الصديق المقرب للشاعر البريطاني الشهير لورد بايرون ، و قد أهدت كريستينا قصتها الأولى لوالدتها قبل تعلمها الكتابة.تلقت كريستينا تعليمها في المنزل على يد والديها و درست العديد من الأعمال الدينية و الكلاسيكية و الحكايات و الروايات و قد تأثرت كثيرا بأعمال جون كيتس و والتر سكوت و آن رادكليف ، أما عن أعمال دانتي أليجييري و بترارك فكان لها التأثير الأكبر على كتابات كريستينا فيما بعد .

‎في عام ١٨٤٢ بدأت كريستينا بكتابة  قصائدها ، و في عام ١٨٤٧ بدأت كريستينا بكتابة السوناتات (sonnets) و التراتيل و القصائد الغنائية القصصية و قد استفادت من التراث المسيحي في نصها الشعري ؛ و كان لنص العهد الجديد تأثير واضح على شعرها.

‎أما عن أعمالها الأولى فكان يغلب عليها التأمل في الموت و أيضا طابع الرومانسية ، نُشر لكريستينا أول قصيدتين لها و هي في الثامنة عشر من عمرها (عام ١٨٤٨) : قصيدة ” برودة الموت في الوسط ” و قصيدة ” برودة القلوب في الوسط” في مجلة أثنيوم البريطانية باسم ” إلين آلن ” ، و نشرت بهذا الاسم المستعار لعدم منعها من الكتابة لأن قصائدها كانت بمثابة تمرد على النمط الذكوري السائد حينذاك و كانت المرأة في هذا العصر محرومة من العمل في مجال الإبداع و الكتابة .

‎وقد وجد الباحثون أن شعر كريستينا تأثر بصورة كبيرة بفرويد حيث تناولت بعض قصائدها موضوعات كالكبت الديني و الجنسي، و قد تم التوصل إلى بعض أبعاد من شخصيتها من خلال شعرها و كانت أعمال كريستينا ملهمة للكثير من الأكاديميين حيث بدأ الكثير منهم وقتها نقد أعمالها و البحث عن سر عذوبية رومانسيتها الشعرية و البحث عن أسباب براعتها في علم العروض و كتابة الشعر و قد اختيرت كريستينا كشاعرة القرن التاسع عشر و تركت أعمالها أثرا كبيرا على أعمال بعض أشهر الكتاب منهم فورد مادوكس و ڤيرچينيا وولف و فيليب لاركن ، و لاقت قصيدة عيد الميلاد ” في منتصف الشتاء البارد ” و قد لحنها جوستاف هولتس كترنيمة عيد ميلاد و قد لحنها بعده هارولد دراك .

‎و لكريستينا الكثير من الأعمال المنشورة كالأبيات في عام ١٨٤٧ ، و سوق العفاريت في عام ١٨٦٢ ، و قصيدة تقدم الأمير في عام ١٨٦١ و غن أغنية :كتاب شعري للأطفال (١٨٧٢-١٨٩٣) ، و قصيدة الموكب في عام ١٨٨١ و نضيف إليها العديد من الروايات الواقعية و الخيالية أيضا.

‎و قد غلبت على قصائد كريستينا النزعة الدينية و الصوفية التي كانت من خلالها تتأمل فيها  علاقتها بالخالق و تحدثت أيضا عن الموت في بعض قصائدها  خصوصًا أثناء مرضها بالغدة الدرقية حيث كانت تترقب الموت في كل لحظة و كتبت العديد من رسائل الحب  التي  كانت تتضمن نصائح لمحبوبها بأنه لا يحزن بعد رحيلها و  قد اتسمت بنزعة وجودية فلسفية تعكس إيمانها الشديد بالله و التسليم للقضاء و القدر و قد تعرضت كريستينا للاكتئاب الشديد  بسبب تعرضها للعديد من الأزمات المالية و نتيجة لذلك اضطرت في أواخر حياتها أن تعمل كمربية .

‎كتبت كريستينا العديد من المقالات الدينيه و دراسات في اللاهوت مما أحدث نوعًا من التناقض بين قصائدها المملوءة بالعشق و الحب و عاطفتها المتوهجة و بين نزعتها الدينية التي تمثلت في الكثير  من كتاباتها .

‎ وكانت حياة كريستينا العاطفية قد أثرت تأثيرا كبيرا على كتاباتها و لكن تكريس حياتها للحياة الدينية عطل تطور علاقاتها العاطفية و كان هذا بمثابة الوقود الذي أشعل وهج عاطفتها في قصائدها الرومانسية المملوءة بالعشق و الوجد .

‎حافظت كريستينا على نجاحها و توهجها و استمرت في الكتابة و النشر حتى آخر أيامها و قد أصيبت بسرطان الثدي في عام ١٨٩٣ و توفيت على إثره في عام ١٨٩٤ تاركة إرثا عظيما من الشعر و الروايات التي يتحاكى عنها الشعراء و الأدباء و المثقفون حتى الآن .

*مدرس اللغويات بكلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية بجامعة المنصورة.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *