عن اللويبدة التي نعرفها

(ثقافات)

عن اللويبدة التي نعرفها

يحيى صافي

اللويبدة التي لا نعرفها:

أصبحت أميل للجلوس في الصباح الباكر بمطعم ( أبوالشكر) أتناول أفخم ثلاثية فول وحمص وفلافل في عمان مع تحفظ واحد أنه يتعذر تناول البيض عيون لعدم وجود قلاية تيفان/ بالنون؛ وهذه أحد الأسرار الجاذبة لمطعم أبو الشكر.. عدا عن لمة الأصحاب والأشخاص الطريفين من شخصيات مثلث مطعم الخال.

والمدهش أنك تشعر بأنك في كادر تصوير مسلسل أردني حقيقي؛ لولا وجود مشاهد تدخل على الكادر فجأة حتى تكاد تصرخ صرخة يوسف شاهين:

– ستوب؛ مين الناس دول.!

من المفرح مثلاً أن يصف سيارته الجيب القديمة جداً الممثل القدير شايش النعيمي في طريقه للنقابة، فيؤشر من بعيد بالسلام؛ ويأتي ليسلم، في حين تدعوه مُلحاً:

– بالله يا أستاذ تفلح عالمقسوم.

يعتذر بخجل لإرتباطه بموعد في النقابة؛ ويصر بدوره على دفع حساب طاولتي.

وأصر بأن ( ليتك سالم يا أستاذ شايش؛ والله الحساب مدفوع سلف).. ويؤكد أبوالشكر بالإقرار.. نتبادل أرقام الهواتف ويمضي مودعاً لموعده.

يمر تيسير نظمي كالعادة( لا شيء يعجبه)، وتمر السيدة أم مالك لبنانية من بلدة بكفيا اللبنانية؛ طاهية السفير الأيطالي سابقاً تسلم بمودة؛ وتسألني عن مروان وغسان:

– لك وَين رفقاتك المهضومين؟!

تسأل بإهتمام؛ وكأنها تعرفهم منذ الحرب الأهلية في لبنان.

يمر فنان ناياتي جميل في الستين من العمر؛ ذلك الذي يمقته تيسير نظمي بينما يحبه كل البشر.. يمر ليسلم ويسألني عن زميله نور أبوحلتم.

يمر صاحب محل (البدوية للقهوة) يجلس إلى جانبي بكشرة جميلة بينما تفوح منه روائح اليمن وكولومبيا والبرازيل وأثيوبيا.

في حين يدخل كادر المشهد عابرون على رصيف أبوالشكر كأن يمر مجموعة سياح كوريين يمشون في طابور منظم وبعظهم يحدق في طبق الفول والفلافل أمامي بتركيز بالغ؛ والذي اضطرني أن أرفع صحن الفلافل مقدماً أياه لباقي الجروب؛ سيدتان فقط تناولتا حبتي فلافل وانحنيتا بالشكر لي ولأبو الشكر الواقف خلفي.. لأقول في سري:

– هنيئاً يا شعب كوريا الخلاق.

والذي ينزع المشهد شخص يمر كأنه شبح أو جني استحضر للتو قرب مطعم الخال؛ يمشى بزهو الطاووس( في الصورة أعلاه) يلبس قماش فضفاض من الساتان؛ وشعر طويل جدا مصبوغ بعضه بالأشقر الذهبي.. ولحية كثة.

– ستوب؛ مين الناس دول.

حقيقة والكل يعرف أنني مع حرية اللبس، لكل إنسان شأنه فيما يلبس ويأكل ويشرب.. ولكن في مثل الخال وأبوالشكر يبدو المنظر مريباً؛ فتلك ليست اللويبدة التي أعرفها.

مثلما سيبدو غريباَ للأوروبي أن يلبس أحدهم ثوباً عربيا وحطة وعقال في أحد ضواحي برلين أو ستوكهولم.

وجهين لمدينة واحدة.

وجه لإنسان أعرفه وأحفظه عن ظهر قلب مثل وجه شايش النعيمي؛ أو الوجه الطيب للسيدة أم مالك؛

وجوه أبو الشكر وعازف الناي وتيسير نظمي وصاحب محل القهوة الكشر؛ وجوه تشعرني بالأمان؛ بل وتجيبني عن سؤال الهوية:

– هذه اللويبدة التي تعرفها.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *