حكايةُ امرَأة طالعَة من عُمق الجبَال

(ثقافات)

حكايةُ امرَأة طالعَة من عُمق الجبَال

العربي شحمي

أَغمضَت عَينيهَا
وَاستَسلمَت للنُّعَاس
فبَدت وَكأنما هي قمرٌ شَاردٌ في عُمقِ الظَّلام
أو شُعاعٌ خَافتٌ ينسَابُ مِن بَين غَيمتَين عالقَتينِ بَين أشجَار التين والزيتون
وَمُنعَطفات الطريق…
وخُيولٌ مثلَ حُسنِ الشمسِ
مُرغِيةٌ
مُزبِدةٌ
إذْ طلعتْ كالرَّعْد
تَركدُ بَعيدًا بَعيدًا عَلى مَدِّ البَصر المشدود إلى أُفُق مُمتَد عَلى مَرأَى وَمسمَع مِن المُتوَارينَ فِي الظِّل الآخِذ فِي الأفُول والسَّادرِين في الغيِّ عَلى قارِعَة الطَّريقِ في وَاضحَة النهَار الآخِذ فِي الذُّبول …
حُفاةً
عُراةً
يَلفحُهم الطَّميُ المُتشظيِّ
ذرَّات ذرَّات
تَتناثرُ كَطعْم دوَاء مُرٍّ
اسْتبَاحَ عِرْضَ حُنجُرةٍ أطبقَت شَفَتيهَا وَاستَسلمَت لجُموحِها التوَّاقِ إلَى مُتعَة الطَّميِ المُختلِط برَائحَة العَرَقِ وَطعْم المَاء.

قَادِمةٌ إليكِ أيتهَا المَجنونةُ
قَالَت تلكَ المَرأةُ الطَّازجَة الطَّالعَة مِن عُمق الجبَال
كَشجَرةٍ مُبَارَكةِ زَيتُونةٍ يَفيضُ نُورهَا من تَحتِ حِجاب يلُف فَضاءَ مَدينَة ضَاربَة فِي التَّاريخ والرفعَة الرَّفيَعة والنَّسبِ الجَليل…
وألقَت زَغرُودة خَضرَاء
رَدَّدَت صَداهَا
كلِّيدَة *
نَفزَة
وَالمِقَال…
طارَ حمامٌ يتبَعهُ حَمام
حامَ طَويلاً طَويلاً حَول حِمَى المدينَة المُبارَكة ” وَزَّان ”
قَبل أَن يعُود إلَى من حَيثُ أتَى
إلى غَابات الزَّيتُون
وقِبَاب المسَاجد
والأَضرِحَة
والرِّياض
وَأطرَاف جبَل أبي هِلاَل
الآهِلةِ بالزِّين والتِّين والقُرنفُل والرَّيحان …

قَالت أنَا قادِمَة إليْكِ أيتُها المجنُونَة
اِستَفيقِي وَاخرُجي مِن حُلمِك
لتَدخُلي حلمًا آخَر
أكثر روَاءً
و هُدوءً
فالشُّرفَاء الفُضلاء الأجِلاء
ياعَزيزَتي
ينتَظرُونَكِ عَلى أَحرَّ من الجَمر
بالعطُور
والبُخور
وَالبُردَة
والقُرآن
ردَّدَت ذَلك مَرةً
وربما مَرتَين
وَمن غَير استِئذانٍ
اختَفى وَجهُها الحَليبِيُّ
النَّاعم
خَلف أطلاَل غَرْسَة السُّلطان…

العربي شحمي –  وزان/ المغرب
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كليدة ، نفزة ، المِقال أسماء مداشر تحيط بمدينة وزان

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *