راضي صدوق… وغياب مبدع أصيل

(ثقافات)

راضي صدوق… وغياب مبدع أصيل

زياد أحمد سلامة

 

   بوفاة الكاتب المبدع راضي صدوق يوم 20-7-2010 نكون قد طوينا صفحة أخرى من صفحات الأدب والإبداع في الوطن العربي، ذلك أن صدوق مبدع متعدد المواهب فهو شاعر وناقد وروائي وكاتب للقصة القصيرة وصحفي وإذاعي وسياسي ومحاضر ومؤرخ، وقد أبدع في هذه المجالات كافة.

(1) مقدمة تعريفية

 ولد “محمد راضي صدقي صدوق” في طولكرم بفلسطين عام 1938 وتعود أصول أسرته إلى عشائر الحويطات ،وعمل في سن مبكرة في التدريس مدة عامين،  ثم دخل عالم الصحافة عن طريق الأدب، فعمل في الصحافة الأردنية إذ بدأ في منتصف الخمسينيات من القرن الماضي عمله الصحفي في الصحافة المقدسية؛ سكرتيراً لتحرير جريدة (الجهاد) اليومية, ثم سكرتيراً لتحرير جريدة (الدفاع) اليومية, ثم ساهم في تأسس جريدة (المنار) اليومية

 وبعد رحلة طويلة عاد إلى جريدة الشعب في الثمانينات، و وتنقل خلال رحلته الصحفية الطويلة التي تجاوزت الخمسين عاماً في مواقع عديدة منها: رئاسة تحرير مجلة “رسالة الأردن الأسبوعية الصادرة عن وزارة الإعلام الأردنية عام 1966  ومجلة”حماة الوطن” الكويتية الشهرية الناطقة بلسان الجيش والقوات الكويتية المسلّحة ورئاسة تحرير مجلة “الرائد العربي” الأسبوعية أوائل التسعينيات بترخيص من لندن ، وعمل مديراً عاماً ورئيساً لتحرير جريدة “الأيام” وهي أول جريدة يومية صدرت باللغة العربية في روما.عام 1980، أنشأ جريدة “الهدف” الأسبوعية الكويتية عام 1961 وجريدة “الوطن”وجريدة “السياسة” الكويتيتين وعمل مديراً لتحريرهما. ومجلة “البيان” الشهرية الصادرة عن رابطة الأدباء الكويتيين، أبعد من الكويت بسبب نشاطه السياسي الفلسطيني

  أما في المجال الإذاعي فقد عمل في الإعلام مستشاراً ثقافياً للإذاعة الأردنية، وانتدب لتأسيس الإذاعة القطرية فعمل أول مراقب للبرامج في الإذاعة هناك وكان من الفريق الذي قام بإنشائها.
 ، كما عمل في الإذاعة السعودية مشرفاً على إدارة الأحاديث والثقافة ، ومنها نقل للمساهمة في تأسيس منظمة إذاعات الدول الإسلامية وشغل منصب المدير البرامجي للمنظمة منتخباً من الدول الإسلامية الأعضاء, بدرجة سفير.إضافة للعديد من المناصب والعضويات النقابية في اتحادات الكتاب والصحفيين.وكان عضواً في عديد من الهيئات والمنظمات والمؤتمرات الأدبية والصحفية والثقافية العربية والدولة منهاعضو المؤتمر التأسيسي الأول لاتحاد كُتَّاب وصحفييّ فلسطين وعضو نقابة الصحفيين الأردنيين وعضو إتحاد الصحفيين العرب وعضو إتحاد كتاب آسيا وإفريقياعضو منظمة “بنْ” العالمية لحرية الصحافة والفكر ومقرّها بلندنعضو الجمعية العربية للدراسات الدولية بواشنطنعضو في المؤتمرات التأسيسية الأولى للمجلس الوطني الفلسطيني وسكرتير عام المؤتمر الفلسطيني في الكويت عام 1965 عضو مراقب في مؤتمرات وزراء خارجية الدول الإسلامي عضو في عدة مؤتمرات للجمعية العمومية لاتحاد إذاعات الدول العربية.

 كتب في العديد من المجلات الأدبية اللبنانية مثل: الأديب والآداب والانطلاق، ومجلة المعرفة  السورية والأقلام العراقية واشعر والثقافة والرسالة المصرية والأفق الجديد المقدسية، وكان تناجه الشهري مزيجاً من الشعر والقصة والمقالة والنقد حتى تعذر على الكثيرين التمييز بين ميوله الأدبية واتجاهاته الثقافية.

حصل على البكالوريوس في اللغة العربية عام 1971.. وحصل على درجة بروفيسور فخرية، ودرع من وزارة الثقافة في السلطة الفلسطينية. وهو عضو مؤسس في رابطة الأدب الحديث بالقاهرة، ونقابة الصحافيين الأردنيين واتحاد الصحفيين العرب وسواها.. وحصل على العديد من الجوائز الأدبيةحائز على الجائزة الدولية لقادة الفكر العالميين لعام 1983 من المجلس الثقافي الاقتصادي الأوروبي ومقرّه في روماحرص صدوق على لم شعث الأدباء في الأردن فساهم في إنشاء أول رابطة أدبية في الأردن عام 1956 بالتعاون مع عدد من الأدباء، باسم “رابطة القلم الحرً“.

  هاجر إلى الولايات الأميركية المتحدة عام 2003, حيث أقام في ضواحي لوس أنجلوس. ثم عاد إلى عمان.  

انتقل راضي صدوق إلى رحمة الله تعالى يوم الثلاثاء 20-7-2010في مستشفى المدينة الطبية في عمّان.وأقيمت عليه صلاة الجنازة يوم الأربعاء 21-7- 2010  بعد صلاة الظهر في مسجد مجمع المحطة في وسط البلد ودفن  في مقبرة سحاب.

(2) أهم أعماله الأدبية والفكرية:

  ترك المرحوم راضي صدوق مؤلفات كثيرة سياسية ودراسات أدبية, وروايات نشر أكثرها مسلسلاً في الصحف اليومية العربية في القدس والكويت وروما..

كان لي قلب، شعر ، دار الكاتب العربي، بيروت 1962

ثائر بِلا هويّة، شعر ، دار الكاتب العربي، بيروت 1966

النّار والطّين ، شعر، دار الآداب، بيروت 1966

الكلمات الأولى : شعر.

النفاق في الشعر العربي: دراسة مطولة.

كلمات ليس لها تاريخ ( قطع وجدانية من النثر الفني) جزءان.

فلسطين: هزيمة… تجربة … مصير

 بقايا قصّة الإنسان” ، شعر ،  دار العودة، بيروت 1974

أمطار الحزن والدم ، بيروت 1978، نيقوسيا 1988، الرياض 1992

الحزن أخضرُ دائماً (شعر في نثر) دار كَرْمَة للنشر، روما 1991

 هوامش في الفكر والأدب والحياة، وزارة الثقافة، عمّان 1989

 نظرات في الأدب السعودي الحديث. دار طُويق، الرياض 1991

ديوان الشعر العربي في القرن العشرين، [توثيق أنطولوجي للشعراء العرب المعاصرين يقع في 5 آلاف صفحة،(ستة مجلدات) صدر المجلد الأول عام 1994 عن دار كَرْمَة للنشر في روما، وجميع الأجزاء الباقية مُنْجَزَة بالكامل منذ عام 1994 وتأخر إصدارها لأسباب تمويليّة

 رياح السنين، شعر ، دار كَرْمَة للنشر، روما 1996

 شعراء فلسطين في القرن العشرين، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، بيروت، 2000

 الرغيف المحروق وقصص أخرى (دار الكاتب العربي، بيروت(.  وقد نالت إحدى قصص هذه المجموعة وهي بعنوان (البرشامة) جائزة القصة القصيرة في المسابقة التي أعدتها جريدة ( الحوادث) البيروتية للكتاب العربي عام 1964.

 حوار مع مستشرق ألماني: (نصوص الحوار الذي دار حول كتاب د. كمال الصليبي عن الموطن الأصلي للتوراة مع المستشرق الألماني ويندفور في جريدة “الدستور” الأردنية

القدس “آنية الذهب والصراصير” (دراسة تاريخية لاهوتية وسياسية).

«الرغيف المحروق وقصص أخرى».

«شعراء فلسطين في القرن العشرين» توثيق – بيروت 2001.

هوامش في الفكر والأدب والحياة

هارب من الصحافة: ذكريات ومذكرات كتاب مخطوط يسرد فيه مذكراته في عالم الصحافة في خمسين عاماً.

(3) مؤثرات فكرية ومهنية :

كان العالم الكبير الشيخ “علي الطنطاوي” ـ رحمه الله ـ من أبرز من تأثر بهم راضي صدوق في مسيرته الأدبية، وقد داعبه الشيخ ذات مرة في برنامجه التلفزيوني التلفزيون الشهير قائلاً إن اسم “راضي صدوق” خطأ في اللغة والصحيح أن يكون “راضٍ صدوق“. كما تتلمذ الأستاذ صدوق على نصوص وعلى نماذج من الشعر العربي والنثر العربي القديم، فهو كما يقول عن نفسه وعن تكوينه الأدبيأنا ابن قراءاتي الدائبة المكثفة العميقة المبرمجة، أما أساتذتي في المدرسة في المرحلة الابتدائية فكان لبعضهم دور تحبيبي في اللغة العربية وإرشادي إلى بعض المناهل التي يمكن لمثلي أن يردها، لكنني كنت أفتقد المناخ الأدبي في بلدي، كانت بلدة صغيرة تخلو من المحاضرات والندوات والعلماء والأدباءوخاصة أنني نشأت في مرحلة حرجة، مرحلة نكبة عام 1948م، كان الناس في تلك المرحلة يلهثون وراء رغيف الخبز، وكان الكتاب المدرسي عزيز المنال فكيف بكتاب المطالعة، لهذا لم أجد المناخ الذي يمكن أن أقول إنني تتلمذت عليه، والمناخ الأساتذة والعلماء بعض من عناصره، لكن في جريدة الدفاع عملت في وقت مبكر، هذه الجريدة كانت عبارة عن حاضنة لنخبة من كبار المفكرين، وكان مدير تحريرها الأستاذ علي منصور، رجلاً من مصر، كان شاعراً لكنه مغمور بكل أسف، وتوفي بفلسطين، كان شاعراً عملاقاً وكان يعمل مديراً لتحرير هذه الجريدة اليوميةكذلك الأستاذ يوسف حنا (رجل من مصر) كان صديق الصبا للأستاذ مصطفى صادق الرافعي، وقد هاجر من مصر وجاء مع اللورد النبي كسكرتير خاص له عام 1914 م واستوطن فلسطين ولكنه توفي وعمره فوق التسعين وهو يتكلم المصرية، لم يغادرها إطلاقاً، يوسف حنا كان أطرشاً، وفي مراسلات بينه وبين الرافعي، لعل بعض الإخوان قرأ رسائل الرافعي إلى الشيخ أبي ريا، حين راسل الرافعي الشيخ أبي ريا، في هذا الكتاب رسالة صغيرة عن يوسف حنا يقول:(إنه شخصية سبخة لزجة موحلة لا تنتج)  لكنه كان عملاقاً في الكتابة السياسية وكان يقرأ الأدب القديم ويتابع آخر ما يصدر باللغة الإنجليزية، أيضاً الأستاذ حسين فخري الخالدي من كبار المفكرين بفلسطين أصبح رئيس وزراء الأردنأيضاً الأستاذ الدكتور “محمد أديب العامري”، أصبح وزير الإعلام، الأستاذ الإيراني، الأستاذ إبراهيم الشنطي، الأستاذ خير الدين الزركلي، كان سكرتيراً لتحرير جريدة الدفاع… في هذا المناخ بدأت حياتي الصحفية وتتلمذت على هؤلاء، كان معنا الأستاذ ناصر الدين النشاشيبي محرراً صغيراً وكان يتعلم في هذه الجريدة، وكذلك هناك صحفيون عمالقة ورجال سياسة أصبحوا رؤساء وزارات في الأردن تخرجوا من هذه الجريدة، هذه الجريدة بمناخها الفكري والسياسي والأدبي، وأنا في سن مبكرة جداً تتلمذت عليها، ومن حسن حظي، بعيداً عن التواضع، أنني أصبحت سكرتيراً لتحريرها وأنا دون العشرين، وكنت أتعامل مع هذه النخبة من الناس الطيبين“. الصبر والدأب وحينما سئل راضي صدوق عن الطريقة المثلى لتنشئة جيل جديد من أدباء العرب والمسلمين في عصرنا هذا الذي طغت فيه الماديات واندرس فيه كثير من المعاني الأدبية فأصبح الأدب العربي الإسلامي قليل الثراء فكرياً ومعنوياً كماً وكيفاً.. أشار إلى تجربته الشخصية وما صاحبها من صبر ودأب على طريق التحصيل العلمي قائلا: “أنا أعترف بتواضع، وأصحبه بالتوجيه أو بالنصح، ولكن تجربتي الخاصة، أنني منذ البداية لمست في نفسي حب القراءة فأقبلت على القراءة من منابعها الأصلية ليس قراءة المجلات ولا الصحف، في المرحلة الابتدائية قرأت كتب الجاحظ، قرأت كتب أبي حيان التوحيدي، كليلة ودمنة، بدأت من المنابع العربية الأصيلة، وقرأت الشعر العربي الأصيل، وتابعت نفسي، كنت أحب اللغة العربية، وهذا الحب ربطني بتراثها وأوابد الكتب القديمة، فأنا أعتقد أن أيما شاب يأنس في نفسه موهبة للكتابة عليه أن يبدأ بإتقان السلاح أو الآلة الأساسية في الكتابة، اللغة، بكل أسف نحن نلاحظ الآتيأن كثيراً من الأدباء وكثيراً من أساتذة الأدب في كليات الآداب في كثير من الجامعات العربية يخطئون في القواعد ويخطئون في الإملاء، بكل أسف، ويجب أن نعترف بهذا.. اللغة العربية وإتقانها إتقاناً كاملاً أساس في بناء الأديب، اللغة قواعداً ولغة وبلاغة وبياناً، بعد ذلك لا بد من القراءة والارتباط بنبع التراث العريق، الارتباط بالتراث يبني الشخصية ويشكل ضوابط في داخل الإنسان الشاب الموهوب، ويمنعه من السقوط في تيارات محدثة وافدة، فأعتقد أن هذه هي الطريقة، لا بد من اللغة والقراءة العميقة في تراثنا والانفتاح على التيارات المعاصرة أيضاً؛ لكن انفتاح الإنسان الحذر حتى لا يسقط بعيداً في مهاو تنأى به عن خصائص الشخصية العربية“. 

(4) سرقات أدبية

  تعرض صدوق لسرقة الكثير من قصائده وأعماله الأدبية، حدثنا عنها في مقاله “شعراء ومؤلفون وناشرون.. لصوص“!  في صحيفة “العالمية” الالكترونية التي أسسها ورئس تحريرها، وقد أشار لبعض سارقيه بالاسم ، فيما ألمح إلى آخرين، ومن ذلك أنه بعد عام من إصدار ديوانه الأول (كان لي قلب)، ويفاجأ برسالة ومعها نسخة من ديوان شعر ٍأنيق وعندما تصفح الديوان ، وجده نسخة ً منسوخة ًعن ديوانه(كان لي قلب) عنوانا ً وقصائد، مع تبديل ٍوتغييرٍ أوتحريف ٍوتمويه ٍفي بعض الكلمات والأبيات .ويقول صدوق: لقد أثارتني جرأة ُ هذا (الشاعر؟) الذي سرقني ثم وجد في نفسه الشجاعة ليرسل لي ديوانه.. عفواً: ديواني المسروق، ممسوخاً مُزوًراً، بكلً كرم ٍ وأريحيًة ووفاء! فتحت رسالته، وقرأت” أنا عاشق لشعرك الذي وجدت نفسي فيه. كل قصيدة في ديوانك تهزُني وتشعل مشاعري وتبكيني، لأنها تكاد أن تسجًل لي تجاربي العاطفية التي مررت بها.. فلا تغضب مني إذا وجدتَني أقلًد قصائدك وعنوان ديوانك في هذا الديوان الذي أرسله لك. وطويت الرسالة، وأحلت ُديوان َصاحبها إلى مكتبتي، ثم كتبت إلى هذا”الشاعر” الذكيً الطيب، بضعة َسطور شكرته فيها على”شجاعته.. وعلى وفائه وصدقه النادرَين في هذا الزمن العجيب..” ويتهم الأستاذ صدوق أيضاً أستاذنا المرحوم أمين شنار بسرقة قصيدته “وداع” وينشرها في مجلة “الأفق الجديد”، يقول صدوق :كانت المفاجأة أنني عندما فتحت مجلة “الأفق الجديد” وقعت عيناي على قصيدة (من قصائد التفعيلة الواحدة) لصديقنا رئيس تحريرها ،أمين شنًار.. فإذا بالأخ الكريم يفرش – على مدى صفحتين كاملتين من المجلة – قصيدتي (وداع).. نفسَها.. روحاً وصوراً ومعاني، بأسلوب فضفاض، وكلام ٍحلو كالعسل المُهراق، على طريقة الذين اقتحموا عوالمَ “قصيدة التفعيلة” لمُسايَرة “سوق التجديد” التي كانت مزدهرةً أيًما ازدهار في مطالع ومنتصف الستينيات!” انتهى كلام الأستاذ صدوق دون أن يذكر لنا اسم قصيدة شنار التي (قلد) فيها قصيدته “وداع” لدرجة أن الأستاذ صدوق اعتبرها سرقة أدبية، كنا بحاجة لمعرفة اسم تلك القصيدة لنرى مواطن التشابه والتأثر والاقتباس أو (السرقة) ولنا أن نسأل هنا عن معيار السرقة الأدبية عند صدوق؟ وهل التماثل في الأفكار والمعاني والصور الشعرية يعتبر سرقة أدبية؟ ولماذا لم ينشر الأستاذ صدوق هذا الكلام في وقته؟ لقد سألتُ الأستاذَ صدوق في لقاء لي معه في بيته قبل سنوات عن الأستاذ شنار فأثنى على شاعريته، وذكر أن الأستاذ شنار قد أهداه ديوانه”المشعل الخالد” عام1964 وكتب في إهدائه (إليك هذا الديوان الذي ندمت على إخراجه) وهذا يعني أن الأستاذ صدوق لم يعتبر الأمر (سرقة أدبية) في حينه. لنفترض أن الأستاذ شنار رحمه الله قد تأثر بصور ومعاني قصيدة صدوق، وصاغ قصيدة من نظمه هو واضعاً فيها تصوره ومشاعره وأفكاره بشكل مشابه لقصيدة الأستاذ صدوق، فهل تُعتبر القصيدة الجديدة(سرقة) عن القصيدة القديمة؟ إن الأدب العالمي ملئ بمثل هذا التشابه، وللنقاد في الموضوع نظريات كثيرة، متى يكون التأثر والتشابه سرقة، على أية حال إن التقاء بعض الأفكار لا يرتقي ليسمى “سرقة أدبية”. ويقول صدوق بأن قصيدة”أنا وليلى” التي غناها كاظم الساهر مسروقة من قصيدته”الرسالة الثالثة” المنشورة في ديوانه الأول وفيها:

لا تــسأليني َ عــن سـر ِ انفــعالاتـي    قد ذُبت ُ يا روح ُ في أولى رسالاتي

وبالعودة إلى نصي القصيدتين سنجد تأثراً واضحاً في قصيدة الشاعر العراقي حسن المرواني”أنا وليلى” بقصيدة” الرسالة الثالثة” لراضي صدوق، فيقول المرواني:

ماتت بمحراب عينيك ابتهالاتـــي ***  واستسلمت لرياح اليأس راياتي

جفت على بابك الموصود أزمنتي***  ليلى، وما أثمرت شيئاً نداءاتــي

ممزق أنا لا جاه ولا تـــــــــــرف*** يغريك فيَّ فخليني لآهاتـــــــــي

ويقول صدوق:

لاتسألينــــي عن سر انفعالاتــــــي *** قد ذبتُ يا روح في أولى رسالاتي

ولم أعد في فم الدنيا سوى شـــــبح *** يخبو مع الليل كالشهب المضيئات

قد كنتِ في خاطري شدواً وهيمنى *** صداكِ يملأ من دفء الهوى ذاتي

 يقول الأستاذ مجدي ممدوح في مقال له في مجلة أفكار(ع 224/سنة 2007ص110): ” وبإجراء مقارنة بين النصين نستطيع أن نلاحظ أن الشاعر العراقي المرواني قد تقمص الحالة الوجدانية المبثوثة في نص راضي صدوق وأعاد إنتاجها من جديد، ولكن  بالطبع بقيت آثار الإيقاع والموسيقى واضحة في النص الجديد والتي هيمنت على فضاء النص، مع بقاء المعاني والحالة الوجدانية متشابهة.. وهي الشكوى من الحبيب واليأس الكامل من متعة الوصل. وهكذا فإن ما ورد قبل قليل يبدو واضحاً من خلال المقارنة، فالشاعر المرواني لم ينتحل هنا المعاني والألفاظ والصور، بشكل مباشر، كما يحدث عادة في الانتحال التقليدي، بل أنه انتحل الخالة الشعورية مع كل ما يرافقها من أحاسيس وانفعالات حميمة، والنص الشعري السابق  مستل من ديوان الشاعر راضي صدوق المعنون ” كان لي قلب “.

 ويقول الأستاذ صدوق بأن شاعراً من حلب قد (سرق) قصيدته”وداع”ونشرها في مجلة “طبيبك” وأن قارئاً من الموصل في العراق قد أرسل للمجلة توضيحاً أن صاحب القصيدة الأصلي هو راضي صدوق.

واتهم مطربين وملحنين بالسطو على شعره تلحيناً وغناء دون استئذان، من ذلك قصيدة غنتها المطربة المغربية نعيمة بن سميح والتي فيها

طـائرًٌ حـطً عـلـى قـــــلبي وغـنًى        كلًما أنًت جراحي صاغ لحنـــــا

، وقصيدة(تائهان) التي سطا عليها أكثر من “ملحًن”وغنًاها من محمد قنديل وعليًة التونسية ومطرب آخر، أما قصيدة (من أجل عينيك) التي غنتها (أم كلثوم) باسم الأمير عبد الله الفيصل فلها حكاية، إذ طلب منه أن يكتب له قصيدة لتغنيها أم كلثوم،وتحت الضغط كتب قصيدة:

من أجل عينيك َ عشقت ُ الهوى             بعد زمان ٍ كنت ُ فيه الخَلي

ويتهم الأستاذ صدوق الأمير عبد الله الفيصل كذلك بإجباره على كتابة قصيدة بعنوان ( القدس) ويقول صدوق بأنه بعد من تكليف الفيصل له بكتابة هذه القصيدة بأيام نُشِرتْ قصيدة عن ( القدس) على الصفحة الأولى من جريدة (البلاد) مكتوية بريشة خطًاط ٍماهر، وليس بحروف المطبعة ، والطريف في الأمر أن الأستاذ صدوق قد قام بعد أيام وبتكليف من الأمير الفيصل بكتابة ونشر(معارضة) لهذه القصيدة.

  كان المرحوم مبدعاً وموسوعياً لم ينل حظه كافياً من الدراسة والنقد، فحري أن تقام له حلقات بحث علمية تتناول إبداعاته.

(5) مكتبته

ترك المرحوم مكتبة ثرية فيها ما يقارب العشرة آلاف كتاب، من بينها موسوعات متخصصة في مختلف العلوم، وكذلك كتب ودراسات تبحث في مختلف شؤون المعرفة، بين العلم، والأدب، والشعر، والسياسة، والتاريخ، وتفسير القرآن الكريم، من بين الكتب التي احتوتها مكتبة المرحوم صدوق كتب مخطوطة بخط يد أصحابها ، إضافة لكثير من الكتب القيمة ، والنادرة في شتى صنوف المعرفة. وغيرها من العناوين. استمر الراحل في جمع محتوياتها طوال سني حياته. وقد تبرعت أسرة الشاعر بهذه المكتبة لجامعة النجاح الوطنية في نابلس واعتبرت أسرة الراحل هذا التبرع بمثابة (صدقة جارية) ، حين قامت بوضع محتويات مكتبة صدوق بين أيدي الطلبة والباحثين والدارسين. وكانت عدة مؤسسات ثقافية وأكاديمية في الأردن اعتذرت عن شراء المكتبة، رغم معاينتها، والإطلاع على محتوياتها، الأمر الذي دفع العائلة بالتبرع بها لتكون في متناول الباحثين والدارسين من مسقط رأس الشاعر صدوق، فتم اختيار جامعة النجاح باعتبارها الأقرب إلى رغبة المرحوم.

(6) في مجال النقد:

 أصدر الأديب صدوق الجزء الأول من كتابه الموسوعي الكبير “ديوان الشعر العربي في القرن العشرين”، وهو [توثيق أنطولوجي للشعراء العرب المعاصرين] يقع في 5 آلاف صفحة،(خمسة مجلدات) وأصدر كذلك كتابه الموسوعي الآخر” شعراء فلسطين في القرن العشرين: توثيق أنطولوجي” وقد صدرت طبعته الأولى عام 2000 .

   لما لمس صدوق النقص في المعلومات عن شعراء وأدباء معروفين، بسبب قلة كتب التراجم؛ عمد إلى سد الفراغ في هذا الجانب فقام بإعداد هذه الأعمال الموسوعية، ومما يؤسف له أن عملاً كبيراً كثل موسوعة “ديوان الشعر العربي في القرن العشرين” استغرق من الجهد والوقت والمال ما استغرق، تحول الظروف المالية دون إكمال نشره!   

  في كتابيه المشار إليهما عمل صدوق على تجميع تراجم مئات من الشعراء العرب   (والفلسطينيين)، ثم قام بترتيبها هجائياً، ومن ثم بدأ الترجمة بذكر تاريخ الولادة (إن كانت معروفة) بالتاريخ الهجري وما يقابلها بالتاريخ الميلادي، وكذلك بالنسبة لتاريخ الوفاة ،ثم أخذ بذكر نُبذة عن حياة الشاعر من حيث ولادته ونشأته ودراسته وعمله، ثم أهم نتاجه الأدبي، من ذكر لأسماء الدواوين الشعرية أوالروايات أوالكتب النقدية وغير ذلك، ثم يورد نماذج من قصائد الشاعر موضع الترجمة، ولا ينسى أن يذكر رأيه النقدي في هذا الشاعر أو ذاك إن اقتضى الأمر ذلك، وهذا زاد من قيمة الكتاب، فلم يعد مجرد كتاب يُترجم لحياة أولئك الشعراء، بل غدا كتاباً فيه روح نقدية، ومن  ذلك مثلاً ما كتبه عن الشاعر اسكندر الخوري البيتجالي:”كان حظه من علوم اللغة العربية ضئيلاً للغاية رغم اشتغاله في بعض مراحل حياته مُدَرِّساً للغة العربية! وقد انعكس ذلك في شعره فجاء ركيكاً زاخراً بالأخطاء النحوية والعروضية، لكنه مع هذا كان رائداً في الاتجاه إلى ممارسة الشعر القصصي في فلسطين، وقد صاغ الكثير من الموضوعات الاجتماعية في قصائد مطولة، كما نظم بعض الأناشيد الوطنية”.وفي تعرضه للشاعر الليبي إبراهيم الأسطى مثلا قال: “شعره رقيق المعاني ،سهل الألفاظ والتراكيب،يتسم بالحس المرهف وتشوبه النثرية والنظم أحيانا وتشيع روح اليأس والتشاؤمية في بعض مقاطعه، يطرق في أشعاره القضايا الوطنية والوجدانية والفلسفية” وكذلك قد يذكر بعض المواقف (السلوكية والفكرية) للشاعر المترجَم له، فلما تحدث عن “إبراهيم عبد القادر المازني” ألمح إلى علاقاته [الفكرية] مع الإنجليز والذي يُلمح من خلالها أنه كان [عميلاً] للإنجليز ، فقد ذكر شغف المازني بالشعر الانجليزي وتأثره بعدد من شعراءه أمثال(شيلي، اللورد بيرون، هازلت، توماس هاردي) وقال : ويبدو أن هذا الشغف الأدبي تطور إلى ” علاقة خاصة” مع سلطات الاستعمار البريطاني في مصر، فقد أوفدت هذه السلطات المازني والعقاد إلى فلسطين ( التي كانت تمور بالثورة على مظالم الانتداب البريطاني والغزو الصهيوني) في مهمة لإقناع المجاهدين الفلسطينيين بوقف ثورتهم ووقف الإضراب التاريخي عام 1936، وقد أنزلتهما سلطات الانتداب في فندق الملك داود بالقدس، ولكنهما اضُطرا للانسحاب، والعودة إلى مصر، بعد تعرضهما لمحاولة اغتيال من قِبَلِ ثوار فلسطين. ،ثم انتدبت بريطانيا المازني ليخطب في الفلسطينيين من دار الإذاعة الفلسطينية لاستمالة الفلسطينيين والوقوف مع بريطانيا وقد ألقى المازني مجموعة أحاديث في شهر تشرين أول عام1940مركزا على ” معدن التشابه بين معدن الفطرة العربية ومعدن الفطرة الإنجليزية، وإن كانت تخفى بين مظاهر الحياة للشعبين، وأن هذا التشابه يظهر عند البحث في الأدبين، على الرغم من اختلاف الصور وأساليب التعبير. كما أن أساليب التفكير عند العرب والإنجليز في جوهرها واحدة”.

  في كتابه “نظرات في الأدب السعودي الحديث”،يؤكد صدوق أن النقد النابع من ذائقة
سليمة صافية وتنم عن ملكة نقدية مدربه ومؤهلة يكون أفضل من النقد المصنوع
المستورد من بيئات غير بيئاتنا مما يحول ناقلوه أن يجعلوه غرسا شيطانيا في
تربتنا.

يتوقف “راضي صدّوق”أمام بداية النهضة الأدبية الحديثة في السعودية التي واكبت
قيام ورسوخ الدولة ،حيث نشأت الصحف وشيدت المدارس ودارت عجلة التحديث والنهضة
، حيث لم يكن قبل ذلك نشاط ثقافي منظم ، وإن تمثل فرديا بما حفظه كتاب” وحي
الصحراء”وكتاب” شعراء الحجاز”،وبروز بعض الأسماء كمحمد سرور الصبان ومحمد حسن
عواد وعبد السلام الساسي وإبراهيم هاشم الفلالي. تعكس أدبيات تلك المرحلة مواكبة الأدباء للحركات الأدبية في الأقطار العربية الأخرى من خلال نشرهم في مجلة “الرسالة” لافتا لظلال الشعر المهجري على كثير من الشعراء السعوديين

  ملمح آخر يستوقف المتابع لمسيرة الأدب السعودي الحديث يتمثل في طغيان الشعر على
فنون القول الأخرى. فيما يتعلق بالسرد والمسرحية فقد أتيح للمؤلف الاطلاع على بعض المحاولات
المتقدمة ولم يجد حسب رأيه جديدا فيما يتعلق بالمسرح ،ذلك أن للمسرحية شروطها
وبيئتها ،منوها لأحمد علي باكثير كمثال ،مؤكدا أن المؤلف لم يكن لينجح هذا
النجاح وخاصة في المسرح لو ظل في حضرموت ولم يرتحل إلى مصر حيث كان المناخ هناك
ملائما وخصبا لنمو فن المسرح وازدهاره،بينما حال القصة القصيرة غير ذلك فهناك
محاولات رائدة لأحمد السباعي في “قصة فكرة”وعبد الله عبد الجبار في “قصة
أمي”وحسين عرب في “قصة البائسة”وكلها قصص اجتماعية تنبع من صميم البيئة وإن لم تفرقها لهجة الوعظ والمبالغة والمباشرة ،وافتقارها كما هو حال البدايات المقومات الفنية الأساسية لفن القصة الحديثة،إلا أن هذا الفن ما لبث أن شهد تطورا على يد”حامد دمنهوري”في روايته “ثمن التضحية و”مرت الأيام

في حديثه عن التجديد في الأدب السعودي يرى صدوق أن التجديد بدأ في الشعر
بالمحاكاة بتقليد شعراء مصر وسوريا والعراق؛ وزناً ومعان ولغة ،وإن ظل نفر
يحافظون على تقليديتهم حتى بروز ظاهرة الشعر الحديث ليبرز الصراع بين دعاة التجديد والتقليد
واضطرارهم لمسايرة الموجه كما يظهر بوضوح على شعر حسين سرحان.
شهدت الحركة الشعرية بروز أعلام يمكن مقارنتهم بزملائهم في الدول العربية وإن
فهم الشباب من الشعراء أن التجديد محض تحرر من القواعد الموروثة وعروضها ونحوها

قصيدة التفعيلة:  بعد أن استعرض الأستاذ صدوق بدايات قصيدة التفعيلة ومن هم روادها الأوائل قال: ولو واصلنا البحث والحديث في هذا المجال لوجدنا أن هناك في كل قطر عربي مَنْ يزعم أن قصيدة التفعيلة ولدت على يد شاعر من مواطنيه! وقصارى القول وباختصار شديد، يمكنني القول إن قصيدة التفعيلة قد نضجت وشكلت تياراً إبداعياً جديداً شق مجراه بوعي وثبات على أيدي النخبة التي ذكرناها من شعراء العراق ” نازك الملائكة، والسياب، وشاذل طاقة، والبياتي، وبلند الحيدري” في أواخر الأربعينات الميلادية، ثم شاعت  الموجة عموم الأقطار العربية بتراتب زمني وفق  ما سمحت به المناخات الأدبية والثقافية لكل قطر، حتى تشكل في النهاية تيار عام واحد جديد.”

قصيدة النثر: في مقابلة مع جريدة الندوة السعودية قال بشأن قصيدة النثر:” إن عبقرية أصحابها ودعاتها لم تستطع ابتكار اسم للنص الذي ابتكروه كما يدَّعون، فكلمة “قصيدة” هذه هي مصطلح فني تفتقت عنه عبقرية الشعر العربي القديم، وهي مصطلح فني له شروطه ومواصفاته المحددة، وهي شروط ومواصفات غير موجودة فيما يُسمى بقصيدة النثر، فكيف يسمونها قصيدة؟ ويستأنف الأستاذ راضي صدوق تساؤله قائلاً:” هل يمكن ـ عملياً ـ أن تُسمي السمكة طائراً والطائر سمكة؟ أنا أرى أن هروب أدعياء الشعر إلى هذا النص النثري هو دلالة على فقرهم في الموهبة وإفلاسهم في الإبداع، وأنهم وجدوا مَنْ يشجعهم على التورط في هذا المنزلق بغية التنكيل بالشعر العربي الأصيل الذي هو الجوهر الثاني لحضارتنا العربية بعد القرآن الكريم والسنة المطهرة”. ويقول صدوق: إن حركات التجديد التي جاءت بعد محمود سامي البارودي وزملائه ،بداية من مدرسة الديوان التي قادها العقاد و شكري والمازني ، ودعت إلى نبذ الأفكار التي تقوم عليها القصيدة العربية التقليدية. و مروراً بشعراء المهجر من أعضاء الرابطة القلمية (في أمريكا الشمالية)   والعصبة الأندلسية (في أمريكا الجنوبية) الذين دعوا إلى الابتكار في الأساليب والمعاني، ثم جماعة أبولو(1932م) برئاسة الدكتور أحمد زكي أبو شادي، التي حددت أغراضها بالسمو بالشعر العربي   وتوجيه الشعراء توجيهاً شريفاً، ورقية مستوى الشعراء أدبياً   واجتماعياً،  والدفاع عن مصالحهم    وكرامتهم ، و مناصرة النهضات الفنية في عالم الشعر، ثم شعراء التيار الواقعي الذين ظهروا مع نهاية الحرب العالمية الثانية، ونهايةً براود ما اصطلح على تسميته بالشعر الحر و القصيدة الحداثية و قصيدة النثر. نقول إن جميع حركات التجديد هذه؛ كانت أسيرة للتأثيرات الأوروبية؛  خاضعة لمعطياتها ،  وتحتذي النموذج الشعري الأوربي احتذاء التابع للسيد.

  أراء في بعض الشعراء:

  في حديث لجريدة الشرق الأوسط ذكر راضي صدوق إن الأدب العربي الراهن صورة للتراجع والانحسار والفوضى وقد تحدى الشعراء المجددين أن يقرؤوا قصيدة تراثية دون لحن أو خطأ،أما في مجال التجديد فأقر صدوق بأن السياب هو المجدد الوحيد وأن أدونيس لم يكن شاعرا إلا في ديوانه الأول فقط ، وفي معرض حديثه عن أدبنا المعاصر،نوه صدوق لحقيقة واحدة هي أننا في إنتاجنا في هذا العصر أدب مرحلي يصور فترة الانتقال التاريخية التي تعيشها الأمة بكل ما يمور داخلها من ترسبات وتناقضات ، ولا يستطيع باحث أن يزعم أن هذا الأدب يعبر عن شخصيتنا العربية بخصائصها الإنسانية التاريخية المميزة.عن الصحافة الثقافية وملاحقها قال صدوق:عجبت وأنا أتابع الصفحات الأدبية لظاهرة اغلب الظن أنها لاتوجد إلا عندنا، ذلك أني لاحظت أن كل ملحق يكاد يكون جزيرة معزولة له كتابه ومريدوه ،يحتلونه ويتخذن من متراساً لا يفسحون لأي كاتب من خارج دائرتهم للمشاركة بنتاجه، إن أي دارس يحترم أمانته ، لا يستطيع أن يأخذ أكثر الذي ينشر مأخذ الجد ولا أن يرى فيه صورة للواقع الأدبي في الأردن.

البارودي: استطاع محمود سامي البارودي أن يعود بالشعر إلى منابعه الأولى الصافية ، وحرره من الركود والجحود، وأعاد إليه ديباجته العربية المشرقة، وتجاوز التقليد في بعض الموضوعات.

أحمد شوقي: قال عنه في كتابه الموسوعي”ديوان الشعر العربي في القرن العشرين”:” يُجمع النقاد والدارسون على أن شوقي كان تعويضاً عادلاً عن عشرة قرون خلت من تاريخ العرب، بعد أبي الطيب المتنبي، وشوقي محافظ في دينه ولغته وفنه، ويؤثر النسج على منوال الفحول من شعراء العصر العباسي، والنظم في البحور الطويلة، وقلما ينظم في الأوزان  المستحدثة، أو يُنوع القافية في القصيدة. وقد انتقل بالشعر العربي من الشعر الغنائي إلى ما يشبه الشعر القصصي، كما عالج الشعر التمثيلي لأول مرة، ويتسم شعر شوقي بخيال مجنح وابتكار رائع وروح إسلامي صادق رغم أنه له قصيدة في مدح مصطفى كمال أتاتورك الذي حوّل تركيا من دولة إسلامية إلى دولة علمانية وعرف عنه عداؤه الشديد للإسلام،وقد اتجه بشعره إلى الشعب بعد أن أوصدت في وجهه أبواب الخديوي إثر عودته من منفاه في إسبانيا. وقال صدوق: رغم أن شوقي سجَّل الأحداث المصرية والعربية والإسلامية في شعره ؛ إلا أننا لم نعثر في جميع آثار شوقي ، الشعرية والنثرية، على أي ذكر لاسم “فلسطين” مع العلم أنه كان معاصراً لأخطر مراحل القضية الفلسطينية مثل صدور وعد بلفور المشؤوم وطلائع الغزو الصهيوني الخطير لفلسطين بتشجيع من حكومة الانتداب البريطاني ورعايتها، وكذلك اندلاع ثورة البراق في فلسطين ضد الصهاينة(عام 1929) …الخ”.

نزار قباني:  في دراسة له بعنوان “نزار قباني هل انتهى في شعره الأخير؟يقول صدوق:نزار ومنذ
ديوانه الأول ما يزال رومانسياً يقطع رحلة واحدة وفي مدار واحد عبر عالم واحد
المرأة ، وهو المجال الوحيد لنزار حتى يمكن اعتبار قصائده تسجيلاً نرجسياً لانطباعات رجل لا يعرف المرأة أكثر مما يعرفها لدونجوان المحترف ولا يزال نزار يصر على نظرته التقليدية للمرأة،جسد وزجاجة عطر،أما افقها الأناني الفكري فلم يرحل إليه نزار ، أما قصيدته“المتوحشة”فقد استعارها من بدر شاكر السباب من ديوانه “إقبال”وقصيده”أسألك الرحيلا” فنلمح ظلالها في قصيدة نازك الملائكة”لنفترق”.

أدونيس: قال راضي صدوق في مقال له عن التجديد في الشعر العربي “بالنسبة للشاعر علي أحمد سعيد”أدونيس” فالحديث فيه وعنه ذو شجون. نبدأ من اعترافه بتأثره الكبير ببعض الشعراء الفرنسيين حيث يصرح في مقال بعنوان”سان جون بيرس وأنا” نشره في مجلة “مواقف” قائلاً: “أعلن أنني أتأثر بكل ما يجري في العالم، والشِّعر العظيم هواء العالم. كل من يتنفس يتأثر” وقال صدوق: وطبيعي أن هذا الذي يقوله أدونيس كلام جميل لا اعتراض عليه لو أن أدونيس تأثر بالشعر الإنساني العظيم فقط ، لكن الحقيقة أنه في جميع قصائده الحداثية وتنظيراته في الحداثة ، كان عالة على شعراء الحداثة الفرنسيين. اقتبسَ ونقل وأخذ ونسخ عنهم قصائدهم البارزة، وتنظيراتهم الفكرية والنقدية، ونسبها إلى نفسه وروَّجَ لها في محيط الشعر العربي المحدث، دون أدنى إشارة إلى أصحابها ومصادرها. وقد تصدى شاعر ودارس ومقيم في المغرب الشقيق كان من تلاميذ أدونيس ومريديه الخُلَّص، لكشف أستاذه في كتاب كامل بعنوان “أدونيس منتحلاً” نشره عام 1990في الدار البيضاء. وقد تناول كاظم جهاد “وهو اسم الشاعر الدارس صاحب الكتاب” الانتحال الفكري والانتحال الشعري وانتحال الشكل الشعري عند أدونيس متهماً إياه بالسرقة من الشاعر الفرنسي ميشونيك والشاعر بونفوا، كما اتهمه باستقاء تنظيراته من طروحات  فلسفية وفكرية لكل من هايدرجر واكتافيو باث وصلاح ستيتية وبونو.وينقل صدوق كذلك عن الباحث العراقي سامي مهدي قوله:” إن أدونيس كان عيالاً في مفاهيمه على التراث السوريالي ولا سيما تراث رامبو؛ الأب الشرعي للسوريالية، وبريتون معلمها الأول، حتى أنك لن تجد بين تلك المفاهيم شيئاً من خارج ذلك التحداث” وكان هذا الباحث قد كتب كتابه ” أفق الحداثة؛ وحداثة النمط” حيث قارن فيه بين عدة نصوص لأدونيس مع نصوص فرنسية أخذها وصاغها بالعربية. وكذلك فعل الشاعر والباحث التونسي المنصف الوهايبي، وهناك أطروحة أخرى بهذا الموضوع للباحث والشاعر المغربي علال الحجام. ثم قال صدوق بأن أدونيس قد دعا من ضمن من دعوا إلى الانسلاخ عن التراث العربي جملة وتفصيلاً، تحت ستار حجة العيش في الحاضر والنظر إلى المستقبل، وقد تزعم هذا الاتجاه يوسف الخال وأدونيس ، وقد دعيا إلى رفض كل موروث سلفي بمفهومه الديني والسياسي ومعارضة كل مؤسسة سلفية دينية كانت أم أدبية.” ثم يقول صدوق: بدأ أدونيس شاعراً عامودياً ونشر عام 1950 ديواناً على هذا النسق بعنوان “دليلة ” وأتبعه بديوان عامودي آخر باسم “قصائد أولى” ثم اتجه إلى الحداثة مع ارتباطه بمجلة “شعر” وكانت أفكاره تتلخص ، في هذه المرحلة ، في مسائل الخروج بالقصيدة من الأطر التقليدية، ومن الشكل الموحد، ومن الوزن والقافية (وهو ما أسماه فيما بعد بـ ” الحداثة الأولى”) ثم بدأ بالخروج من هذه المرحلة ، مع تركه مجلة “شعر” عام 1964م واتجه إلى ما هو أبعد  وأوسع داعياً إلى ما يسميه بـ “الحداثة الثانية” بحجة أن “الحداثة الأولى” كما مورست ، وتحولت إلى نوع من الفراغ أو الحلقة المفرغة، وصارت أشبه بساحة تقذف فيها اعتباطاً باسم الحداثة آراء ونظريات وأفكار دون وعي دقيق أو فهم دقيق، ودعا إلى تأسيس كتابة جديدة (وليس تأسيس قصيدة جديدة فقط) تقوم على القضاء على ثنائية الكتابة الفنية (الشعر والنثر) وخلق كتابة فنية واحدة، بديلة، تكون مقابلة للكتابة غبر الفنية ، أو “الكتابة الرسمية” المتمثلة في الأسلوب المستخدم في الصحف والإذاعات والمراسيم والتقارير. ثم قال صدوق:” وفي رأينا أن شعرية النص توفرت في قصائده التي كتبها قبل أن يُخّوِّض في آفاق التجريب والتنظير، ثم خفتت شعريته ضحية تجريبيته، وصار نصه أقرب إلى طابع الفلسفة منه إلى روح الشعر، وهو أكثر الشعراء العرب المعاصرين إثارة للجدل والشكوك حول أفكاره واتجاهاته ومواقفه وارتباطاته”.

بدر شاكر السياب: ” يُعد السياب ـ في نظر صدوق  في طليعة رواد التجديد (قصيدة التفعيلة) في الشعر العربي المعاصر، ولعله من أبرز الذين حاولوا أن يجددوا بإخلاص في القصيدة العربية في إطار الموروث الشعري بقدر الإمكان، دون أن ينفلت من الوزن العروضي، وكان من أوائل الذين كتبوا قصيدة التفعيلة عن وعي وتصميم، وظهرت محاولته التجديدية أول مرة في قصيدته “هل كان حباً” المنشورة في ديوانه الأول”أزهار ذابلة” عام 1947″. ثم قال: يلاحظ في بعض شعره شحوب ثقافته الإسلامية، وضعف إحساسه القومي.. ويقابل ذلك ما يُلاحظ في شعره من ثقافة مسيحية عميقة تبرز من خلال استخدامه الرموز والمعاني والتعابير المسيحية بكثرة ظاهرة، ولعل ذلك نتج عن تأثره بالشاعرين إيليوت وسيتويل اللذين عُرفا بالتزامهما المسيحي. بتسم شعر السياب عموماً بقوة الإحساس وروعة اللغة، وثراء الصور والتشابيه المستلهمة من طبيعة بيئته الريفية في شط العرب، ومن أبرز سمات شعره أنه اعتمد المصادر الميثولوجية والدينية والتاريخية فأغنى معنى القصيدة العربية الحديثة، فخلق بذلك مضموناً حديثاً لها، ووظف فيها الأسطورة وأسهم إسهاماً كبيراً في خلق الشكل الشعري العربي الحديث وسخَّره وسيطاً مؤثراً للتعبير عن تجارب الحياة الحديثة، واستخدم ” الديالوغ” أو الحوار، وهذا ما أضفى على شعره شكلاً أكثر ديناميكية وحركة وجعله أكثر حيوية، كما استخدم ” المونولوج”أو المناجاة بطريقة مؤثرة جداً، فأضاف بذلك عمقاً آخر لشعره جاعلاً إياه خلقاً له أبعاده”.وقال صدوق أيضاً: “إن قصيدتي السياب” أنشودة المطر و المومس العمياء”هما على غرار قصيدتين مشهورتين للشاعر ت.س. إيليوت.”

خليل حاوي: فهو في شعره روحاً وبناء يكاد يكون صورة طبق الأصل عن الشاعر إدجار آلان بو، في بعض قصائده الأخرى يتحول إلى صورة من الشاعر بودلير.

المراجع:

راضي صدوق: ديوان الشعر العربي في القرن العشرين: توثيق أنتولوجي وأنطولوجي للشعراء العرب المعاصرين

راضي صدوق: شعراء فلسطين في القرن العشرين: توثيق أنطولوجي

موقع…. “فلسطيني”

يعقوب العودات( البدوي الملثم): من أعلام الفكر والأدب في الأردن وفلسطين

معجم البابطين لشعراء العربية في القرن التاسع عشر والعشرين.

راضي صدوق: مقال بعنوان” شعراء ومؤلفون وناشرون.. ولصوص” موقع ” العالمية” جريدة إليكترونية رأس تحريرها راضي صدوق

مجلة أفكار / الأردن، العدد 224 سنة 2007 ( ملف خاص عن المبدع راضي صدوق).

منتديات الشجرة 48

ملتقى الحكايا الأدبي: راضي صدوق شاعراً ومفكراً، سمير الشريف.

جريدة الدستور(19/10/2010) أسرة راضي صدوق تتبرع بمكتبته إلى جامعة النجاح في نابلس

علي محمد الغريب: دروس في الصبر والأدب(18/10/1425هـ1/12/2004) موقع: لها أو لاين.

 

زياد أحمد سلامة

ziadaslameh@yahoo.com

                                                            

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *