مراجعة طـلال أســد*لكتاب أدوار سعيد، الاستشراق
ترجمة: محمد نور النعيمي**
لقد كان المستشرقون مهتمين بشكل تقليدي بوصف كتابات المسلمين والشرق أوسطيين ونقدها وتمييزها، وكان يُعتَقَدُ بأن تلك الكتابات تمثل الثقافة والمجتمع اللذين أنتجت فيهما. وعلى أية حال، لم يتقبل المستشرقون وحلفاؤهم من المفكرين بصدرٍ رحبٍ الممارسات المشابهة التي استهدفت نتاجاتهم الفكرية. والشعور بالنقمة الذي أثارته الدراسة الممتازة لإدوار سعيد في كتابه، الاستشراق (لندن، هنلي: روتلغ آند كيغان بول، 1978) في الدوائر الأكاديمية لربما كان ذاته ذي دلالة على دراسات الاستشراقية التي حاول سعيد وصفها. ومع ذلك، فأن هذا لا يعني القول إن سعيداً يستخدم التقنية الاستشراقية التقليدية على النصوص الاستشراقية. فسعيد لا يناقش بأن الاستشراق يمثل أو يعكس الثقافة والمجتمع الغربيين، بل يرى أنه – أي الاستشراق – “يُعَدُّ بُعْداً مهماً من أبعاد الثقافة السياسية – الفكرية الحديثة، و[أنه]، في مثل هذه الحالة، ليس له علاقة بالشرق بقدر ما له علاقته بـ عالم (نا)”.

إن تحليل سعيد للاستشراق بالطبع تحليل نقدي (وهنا يكمن مصدر السخط)، ولكنه تحليل مطابق لأفضل المبادىء الأدبية والنقد الثقافي، تحليل لا يهتم بإظهار التناقض بين “الواقع” وصورته عند المستشرقين. وعوضاً عن ذلك، فإنه يسعى لرسم البُنَى الكامنة خلف الادعاءات والموضوعات والدوافع التي اتصل من خلالها الاستشراق بموضوعاته، بوصفه ظاهرةً سياسية-فكرية معقدة، وفي بعض الأحيان متغيرة. ومن الممكن إغراء القراء بالقول إن الاستنكار المتواصل خطايا المستشرقين ذاته مُعَرَّضٌ لخطر الانتهاء في موقف غير عقلاني وذلك برفضه العشوائي لكل شيء قد حققه البحث العلمي الاستشرافي. بيد أنه إذا ما تمت المناقشة بهذه الطريقة، فستكون إساءةَ فهمٍ خطيرةً لموضوع هذا الكتاب الذي لا يشكل فقط لائحة للضغائن الغربية حول العرب والمسلمين وسوء تمثيل لهم؛ وهو أساساً ليس تقويماً أكاديمياً لمدى تقبل الدراسات الغربية لتاريخ الشرق الأوسط وثقافاته ومجتمعاته، ولكنه يمثل كِلا هذين الأمرين معاً؛ وهذا ليس كل شيء، وهو لا يأتي في المقام الأول. وبمقدار ما كان [كتاب الاستشراق] يشكل مثل تلك اللائحة وذلك التقويم، لكان بالطبع متحاملاً إلى حدّ بعيد في جزء منه – في المعنى المزدوج لكونه متشظياً وخاضعاً في الوقت نفسه لمناقشة بالغة الأهمية. إن مساهمته البارزة تكمن في محاولته تحليل البناء السلطوي للخطاب الاستشرافي، أي تحليل الشيفرة المغلقة، والمؤكِدة لذاتها والجلية بذاتها من ذلك الخطاب المميز الذي أعيد إنتاجه المرة تلو المرة من خلال النصوص الأكاديمية، وقصص الرحلات، والنصوص الأدبية التخيلية، وما قيل بالمناسبة obiter dicta من قبل رجال مهتمين بالشؤون العامة. وبكلمات سعيد ذاته فإن:
