الإسلاموفوبيا.. على خطى الاستشراق


حلمي النمنم

“الإسلاموفوبيا” حالة سياسية ثقافية في بلاد الغرب، أوروبا والولايات المتحدة، تتعلق بالرؤية الغربية للإسلام وللمسلمين، سواء المقيمين في الغرب، أي الجاليات الإسلامية هناك أو المجتمعات الإسلامية عموما، والعرب منهم تحديدا.. كثيرة هي الكتابات والمتابعات الصحفية حول هذه الحالة أو الظاهرة، لكن الكتاب الذي صدرت ترجمته العربية مؤخرا يحاول تأصيل الظاهرة ودراسة أركانها.. كتاب “الإسلاموفوبيا.. الحملة الايديولوجية ضد المسلمين”، من تأليف ستيفن شيهي.

ينبه الكتاب إلى أن هجمات 11 سبتمبر 2001 في الولايات المتحدة الأميركية، لم تخترع الإسلاموفوبيا، ولم تستحدثها ولم تأت بجديد ولم تضاعف خطط الولايات المتحدة ومخططاتها تجاه الشرق الأوسط، لكنها اطلقت العنان أمام خطاب الكراهية، وأفعال وسياسات الكراهية تجاه البلاد الإسلامية، والتي كانت تكبحها من قبل ولا تبيح لها التعبير بحرية “المحاذير السياسية والفلاتر الأخلاقية”، بعد 11 سبتمبر صار متاحا للمعلقين وللصحفيين وللسياسيين أن يعلنوا على الملأ خطاب الإسلاموفوبيا الذي أعيد تشكيله أثناء التسعينيات وتحديدا مع سقوط الاتحاد السوفييتي وظهور الولايات المتحدة باعتبارها القوة الكوكبية الوحيدة في العالم. وكانت هناك كتابات ساهمت في ذلك ويخص الكتاب بعض الأسماء مثل صامويل هنتنجتون صاحب كتاب وشعار صدام الحضارات، وفوكوياما الذي اطلق صيحة “نهاية التاريخ”، أي توقف التاريخ بسيادة الرأسمالية والليبرالية الأميركية، وتحقق العولمة.. وهناك المستشرق الأميركي برنارد لويس، المتخصص في دراسات الحضارة الإسلامية وتاريخ الدولة العثمانية، وهو محمل برؤية عنصرية كارهة للإسلام وللمسلمين، رغم إلمامه الواسع بمنجزات الحضارة الإسلامية وإقراره كذلك بما ينطوي عليه القرآن الكريم والإسلام من ميل إلى التسامح والانفتاح وقبول الآخر.

ويضاف إليهم المؤلف فريد زكريا وفؤاد عجمي.. الأول أميركي من أصول هندية والثاني عربي، لكنهما من منظري خطاب المحافظين الجدد، حتى قبل وصول جورج بوش الابن الى البيت الأبيض.

ويبدد المؤلف التصور السائد أن “الاسلاموفوبيا” كانت مرادفة لحكم بوش الابن ورامسفيلد وديك تشيني، هي قبل ذلك، كانت موجودة منذ عام 1990، وأفكارها بدأت بالدعوة إلى غزو العراق وإسقاط حكم صدام حسين إبان عملية “عاصفة الصحراء”، ويبدد كذلك تصورا آخر، وهو أن الاسلاموفوبيا اختفت أو تراجعت مع وصول الرئيس الحالي باراك أوباما الى البيت الأبيض، صحيح أن أوباما تخلص من معظم رموز إدارة بوش، ومن المحافظين الجدد، لكن شبكات الاسلاموفوبيا من سياسيين وخبراء وصحفيين واكاديميين جعلوا منها، ثقافة ونمطا مهيمنا، صار التيار السائد في المجتمع المدني الأميركي وتشكيل مدركاته. يقول الكاتب إن حديث الكراهية الموجه للمسلمين وصل إلى مستويات غير مسبوقة في ظل إدارة أوباما، فقد كشفت استطلاعات الرأي عن أن 49 في المئة من الأميركيين لديهم تصورات سلبية عن الإسلام والمسلمين، حتى لو كانوا من المواطنين الأميركيين وان ثلث الأميركيين مقتنعون بان الإسلام دين “يشجع” على العنف ويدعو إلى الإرهاب.

وبتحليل خطاب أوباما إلى العالم الإسلامي والذي اطلقه في جامعة القاهرة يلاحظ انه استعمل كلمة “لكن” 39 مرة هو يقول إن الإسلام دين السلام “لكن” العنف يتم باسمه، وهكذا.. أوباما ـ هنا ـ لم يتخلص من حالة الإسلاموفوبيا، والدليل أنه يماطل في الموافقة على بناء مسجد ومركز إسلامي بمنهاتن، والثابت أن ثلث أعضاء الحزب الجمهوري يعتقدون جازمين أن الرئيس باراك أوباما يعتنق الإسلام سرا وان جبنه السياسي يحول دون أن يعترف بذلك، ويسخر المؤلف من هذا التصور، ذلك أن اوباما طور الحرب على الإرهاب بما لم يستطع جورج بوش الابن، اطلق اوباما الطائرات من دون طيار لتهاجم مواقع مدنية داخل باكستان وامعن في الحرب على أفغانستان.

الاسلاموفوبيا هي تطوير للاستشراق، بعد أن فقد الأخير دوره وتراجع، ويتوقف الكتاب مطولا أمام كتاب إدوار سعيد عن الاستشراق، الصادر عام 1978، ويتبنى رؤية سعيد أن الاستشراق حول بلاد الإسلام إلى موضوع للدراسة وان الاستشراق كان مواكبا للاستعمار الأوروبي لبلاد العرب الإسلام خلال القرون الأخيرة، وجاءت الاسلاموفوبيا لتطور مفاهيم الاستشراق إلى شيطنة المسلم والاسلام عموما.. وهو يرى أنها تعبير عن رؤية عنصرية اميركية لا تحترم الملونين، أي من غير ذوي اللون الأبيض.

وفي المقابل هناك أفكار وآراء بين العرب والمسلمين ضد أميركا، لكنه يؤكد أن العرب والمسلمين ليسوا كلهم كذلك، فضلا عن أن العرب كانت ثقتهم كبيرة بأميركا، ومنذ الحرب العالمية الثانية لمسوا “حنث” أميركا بعهودها معهم، يضاف إلى ذلك أن العرب والمسلمين تابعوا مساندة أميركا لعدد من الطغاة في بلادهم، وقفت الولايات المتحدة وراء انقلاب البعث في العراق عام 1963، وهي التي أمدت صدام حسين بالسلاح في عهد رونالد ريجان واعتبرته رجلها المفضل، وكانت تلك بداية الأزمات.. وهناك رئيس باكستان السابق ضياء الحق الذي حظي بمساندة أميركية ضخمة، وهو الذي قام خلال ذلك بأسلمة القوانين في باكستان ولعبت أميركا دورا في تسليح المجاهدين وساندتهم في أفغانستان.. أي أن الآراء الرافضة لأميركا بين العرب والمسلمين لا تعبر عن موقف ثقافي أصيل لدى المسلمين والعرب، أنما تعبر عن غضب من بعض السياسات الأميركية.



( الاتحاد الثقافي )

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *