كعك جدتي و”بيجامة” العيد

(ثقافات)

كعك جدتي و”بيجامة” العيد

د. صحر انور

في الأيام الأخيرة من شهر رمضان تهلّ روائح العيد، يبدأ الإستعداد لإستقبال الجوائز، شعور بالبهجة تنثرعطره السماء، يمتزج بالهواء فتتنفسه كل الكائنات، تجد أن كلٌ منّا يحاول أن يقدم السعادة للآخرين، حركة سريعة تنتشر بالشوارع، إزدحام بكل الأماكن، المحلات تزداد أنوارها وتتزين بملابس العيد، فرحة الأطفال وهي تختار وتشتري لبس العيد بل ولعب العيد أيضاَ، سعادة الآباء في شراء حلوى العيد، حالة من النشوى تراها في العيون. ولكلٌ منّا الكثير من الذكريات في مثل هذه الأيام تتعلق بالذاكرة مهما مرّ عليها من أعوام، تظل بكل تفاصيلها وأحداثها وحتى ألوانها، فمثلاً أتذكر جدتي وأنا طفلة عندما كانت تستعد لعمل كعك العيد وهذا الحدث كان يُعتبر من الأحداث الهامة والكبيرة في العائلة، كانت تقوم بصنع كميات كبيرة لتوزعها على بناتها وأخواتها حيث كان ذلك من عادتها، فأتذكر فرحتي انا وأخوتي وأطفال العائلة عندما كنا نلتف حولها وهي جالسة وأمامها أطباق كبيرة من العجين والدقيق الذي يغطي وجهها وملابسها فيصبح لونها أبيض مثل الدقيق، وكنت أفعل مثلها وأضع الدقيق على وجههي وملابسي وكأنها طقوس أساسية، ثم تبدأ جدتي في صنع الكعك ووضعه في ” صاجات كبيرة ” وهي التي يتم وضع كميات كبيرة فيها الى حد ما ولا بد من خبزها في فرن خباز لأنه لا ينفع إستخدامها في فرن البوتاجاز المنزلي، وكانت روائح خبز الكعك والخميرة والحلوى تملأ الشوارع وتنطلق من كل المنازل إذ لم تكن ثقافة شراء حلوى العيد الجاهزة قد انتشرت بعد، وكان الخباز حينها هو بطل الحدث في تلك الأيام، حيث يقف البطل وأعوانه لاستقبال الصاجات ويصنفوها ويقفوا عليها حتى لا تحترق، ثم يقوموا بتسليمها لأصحابها، فكانت جدتي تعطي لكل منّا بعض العجين وبعض الأشكال المعدنية التي نصنع بها أشكال الكعك التي نريد أن نأكلها ونضعها في هذه الصاجات ثم يكتب كلٌ منا إسمه عليه حتى لا يختلط مع الآخرين، كانت سعادتنا بصنع الكعك وممارسة هذه الطقوس وهذه الأحداث السنوية الهامة أهم من أكل الكعك ذاته، كما أتذكر أنه كان من أساسيات إستقبال العيد أيضاً شراء بيجامة جديدة نرتديها ليلة العيد بعد الإستحمام ” حُماية العيد ” فكانت أمي دائما تختار لي وأخوتي البنات بيجامات بألوان وردية وزاهية وتختار لأخوتي الأولاد بيجامات مخططة بالطول ويكون لونها غالباً ابيض مخططة باللون الأزرق أو الرمادي، ثم يبدأ كلٌ منا في إختيار كرسي ليضع عليه الملابس الجديدة ولا نضعها في الدولاب، كان لدينا إعتقاد حينها أن ننام مبكراً كي نستيقظ نجد أن العيد قد جاء، فننام سريعاً ونغمض أعيننا على رؤيتها ونستيقظ وتكون هي أول مانفتح عليه أعيننا، نرتديها بسعادة بالغة، ليس مهماً أن نخرج إلى أي مكان أو نسافر مثلاً، ولكن المهم أن هو نرتديها وليكن بعدها ما يكون.

كانت براءة الطفولة الجميلة، والسعادة بكل هذه الأشياء البسيطة هي التي تملأ قلوبنا الصغيرة، ذكريات عطرة مع أجدادنا وأهلنا التي تعلمنا منهم الحب والحنان والعطاء، ليتنا نتذكرهم في هذه الأيام وندعو بالرحمة لمن غابوا عنا، ونزور ونتبادل الزيارات مع من ما يزالون بيننا ونصلهم ونسعدهم كما قدموا لنا كل السعادة في شبابهم، في هذه الأيام فرصة لصلة الأرحام والتسامح حتى نحصل على العديد من الجوائز والنفحات الربانية ولتكون فرحة العيد أفراح لنا في الأرض والسماء.

شاهد أيضاً

لا شيءَ يُشبه فكرَتَه

 (ثقافات)  نصّان  مرزوق الحلبي   1. لا شيءَ يُشبه فكرَتَه   لا شيءَ يُشبه فكرتَه …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *