تعويذة قلب: الكتابة الشعرية وما لم يكتب من قبل: تأملات معمقة و فن مروادة اللغة

(ثقافات)

تعويذة قلب :

الكتابة الشعرية وما لم يكتب من قبل: تأملات معمقة و فن مروادة اللغة

ماهر دربال

ينهض الخطاب الشّعري لدى بسمة المرواني على حضور الضمير المتكلّم المفرد (أنا) بصفة طاغية وتحيل هذه السمة الأسلوبيّة على البعد الغنائي المهيمن على القصائد. وتبدو هذه الذّات مأخوذة بتقديم أحوالها وما يطال النّفس من انفعالات وهواجس ورغبات بسبب محن أو صراعات أو أوضاع واجهتها في واقعها المرجعي. ولكنّ كتاباتها الشعرية تبقى وفيّة لهويّتها الجماليّة والفنيّة فهي  الكاتبة المتأمّلة تجعل اللغة تتأمّل ذاتها في مرايا اللغة وتكتب عن التلميح باعتباره صمتا جميلا جذّابا قوّالا أكثر من التصريح وهو فنّ مراودة اللغة لما هو خفي من الدلالات التي تحقق للمتلقي البهجة والسعادة  وفي مجموعتها تستعمل التكثيف وبلاغة اللغة المجازيّة والاستعاريّة (لوّحت/ إلى ما رصفته الأعين الصفراء/ وما نطقت به الشّفاه/ من طعنات السكاكين / ركلت وجعا رابضا/غالبت حزنا / في المدار نابضا / ونسيت ما نام في الجسد من خواء) فالشاعرة تقدّم واقعها المرجعي الذي لا يخلو من مظاهر سلبيّة في مستوى العلاقات الاجتماعية. ولكنّها استخدمت أسلوب اللّمح والإشارة والإيحاء وبقيت متمسّكة بمعايير الكتابة الجماليّة والفنيّة. وليست القصيدة لديها إلاّ الموضع الذي تكشف فيه الواقع بما فيه من بشاعة في العلاقات وتحجّر في الأحاسيس وقبح في السّلوك ( صار الأصدقاء أعداء / والمشاعر صارت من حجر وجليد/ شحّ من الينابيع الصافية الماء/ وفي البيوت بدل / الياسمين المنثور والذهب / قالت العرّافة / يشقّ الزّعيق البيوت / يغزوها النّقيق ونزيز الشّرور)  ونتبين من خلال قراءة عديد النصوص طغيان معجم الضّياع والألم على واقع الذّات الكاتبة حتّى غدا موضوعا مركزيّا في مدوّنتها. إنها تحيل على واقع تراجيدي فتعثّرت النّغمات في شفاه قصائدها بصراخ أحزانها وأنّاتها. ولم تكفّ عن إبلاغ حزنها الصّارخ الدّاوي وتولّت نصوصها ترد يد أصداء ارتعاشاتها وآهاتها (عند عتبات التّيه / عند رعشات الوجع / نترك عرينا يجامع مطر الموسيقى / نفتح أذرع اللاشيء / سرابا / نجده في قطرة من نغمة / فقدت مسارها / هنا الانبعاث انطفأ) وبظهور ضمير المتكلم الجمع يصبح الخطاب الشعري موطنا لتجلية أحوال المجتمع وطرح كل المسائل ويتحوّل التّيه والوجع وعيا جماعيا ولعلّ موضوع التيه في الوجود من أكثر المسائل إثارة للوجع والألم والفاجعة (نحمل الدّرب فوق تيهنا في/ الوجود/ وعلى الكتف أسئلة / أتعبني هروبك أيها الجواب) فالشاعرة تثير أسئلة حول الوجود وتعيش في أفق حفّ به المجهول وتبقى تسائل الجواب ويظل يحجبه السراب. وظلّت معلّقة بالفراغ الرّهيب. هكذا هو شعر بسمة المرواني مثقل بتأملاتها المعمّقة وبعذابات الأسئلة في الوجود والموت ومنزلة الإنسان في الحياة .. كتابات الأديبة بسمة تكتب ماهو خفي ومغاير للمألوف وما لم يُكتب من قبل.

شاهد أيضاً

فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“

(ثقافات) فضاءَاتُ الطفولة المُستمِرّة في “أيْلَة“ بقلم: إدريس الواغيش في البَدْءِ كان جمال الطبيعة وخلق …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *