الكتابة وسيلتنا لمحاربة اللصوص ….!

(ثقافات)

الكتابة وسيلتنا لمحاربة اللصوص 

 جميل الشبيبي

أصبحت الكتابة وسيلة الروائي احمد خلف بمواجهة الخراب،والفساد وضد استغلال المثل العليا لغايات دنيئة، وأنتج عشرات الروايات المتميزة والقصص القصيرة والحوارات المثمرة، سجل فيها وجهة نظره عن الحياة، وعن الخراب الذي يحيط بنا ويعمد إلى قتل كل تفاؤل وخير في نفوسنا، وقد توزع إنتاجه الذي كتبه في أزمان متنوعة على مساحات واسعة في خارطة الإنتاج العراقي والعربي،وهو وثيقة إبداعية فنية مهمة ،تكشف عن موهبة كبيرة وقدرة فنية عالية في استثمار متغيرات الحياة في سرود حية،جسدت هموم المثقف العضوي، بشخوص ورؤى وأماكن،خيالية، لها علاقة وثيقة بمنعطفات الحياة العراقية الدائبة والمتغيرة…

لقد تعلم احمد خلف درس الإبداع، من عمق التجربة العراقية الإبداعية، وأنصت طويلا لكتابات الأجيال التي سبقته خاصة جيل الخمسينيات، الذي استثمر الشخوص الشعبية،معبرا عن آلامها وخوفها وأحلامها البسيطة،بطريقة المحاكاة التي تصف الشخصية وظروفها ولا ترفع قامتها وتطلعها، بل تبقيها ساكنة غير فاعلة،من خلال مفهوم عن القصة يتجنب إقحام الشخصية في أمور لا يمكن أن تفكر بها،حفاظا على الصدق الفني!!

كما أنصت القاص إلى انجازات جيله الستيني،وتاثره بالموجات الصاخبة والنظريات الوجودية والعبث التي انتشرت في المجلات الأدبية العربية كمجلة الآداب وغيرها وملاحظا التطرف وتضخيم الذات في العديد من القصص الستينية، التي تأثرت بذلك ومحاولا أن يصوغ شخوصه على وفق نظرة تلاءم بين الخيال والواقع، كما اتضح في قصته الشهيرة( خوذة لرجل نصف ميت)، التي نشرت في مجلة الآداب البيروتية عام 1969،وهي تسرد مأساة جندي أصابته قنابل النابالم وشوهت وجهه وأخرجته من عالم الحياة، والقصة تسجيل فني لأحداث هزيمة حزيران عام 1967 وما أحدثته من هزة عنيفة في وجدان العربي الذي اكتشف هزيمته بعد فوات الأوان،وقد استثمر القاص تقنيات متنوعة كالحوار الداخلي،والانتقالات المختلفة في زمن ومكان الأحداث وتوظيف المنولوج ومناجاة النفس كأساليب متنوعة ترصد الحالة وتكشف المعاناة، ويبقى سؤال الزوجة ممضا وقاسيا حين تردد أمامه: (يا الهي، أتنوي أن تبقى هكذا؟ … أنت تقتلني الآن)وهي صرخة استغاثة واستنكار وتأكيد موت الزوج، وهي صرخة تحمل سؤالا عن جدوى التضحية والموت في عالم فاسد لا يستطيع الدفاع عن نفسه في من وجهة نظرها !!!، أما بندول الساعة الرتيب الذي يشبه المشنقة فهو رمز لتكرار زمن الهزيمة وإيقاعاتها المرة،وإذا كان السرد قد اتجه إلى تحطيم بندول الساعة، فان ذلك لا يعني عبورا للشخصية من ماساتها إلى زمن جديد، بل هو نوع من الخلاص الذاتي من كابوس الزمن وهو يعيد الأحداث نفسها!!

لقد أنجز الروائي احمد خلف عشرات الروايات المتميزة والقصص القصيرة واللقاءات القصصية التي يتحدث فيها عن انجازه الإبداعي بين تلك القصة في نهاية ستينيات القرن العشرين،والى غاية اليوم، وسوف نلقي ضوءا على رواية ( البهلوان) التي انتهى منها في عام 2019 وصدرت في مصر عام 2021.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *