الحرب والانتظار في الأدب السوفيتي : وحدة الأدب العالمي .

(ثقافات)

الحرب والانتظار في الأدب السوفيتي : وحدة الأدب العالمي .

عادل الاسطة

هل صحيح أن أسطر ” ستنتهي الحرب ويتصافح القادة وتبقى تلك العجوز تنتظر ابنها ” ساذجة وسطحية ؟ وهل البحث عن قائلها مضيعة للوقت وغير مجد ؟
أثار الكاتب فراس عمر حج محمد في مقاله ” كأن محمود درويش لا يقول شعرا رديئا ( ١٠ / ٣ / ٢٠٢٣ ) ، وقبله مقالي في جريدة الأيام الفلسطينية ( العرس الفلسطيني : والدة الشهيد التي تنتظر ابنها ، ٢١ آب ٢٠٢٢ ) والفقرة التي نشرتها على الفيس بوك حولها ، جدلا حول مدى عمقها ، فقد رأى بعض المعلقين أنها لا يمكن أن تكون لمحمود درويش وأن صاحبها ليس أكثر من طالب توجيهي يتدرب على كتابة موضوع إنشاء ، وهذا ما لم أره ، إذ أعادتني إلى أعمال أدبية يمتاز كاتبوها بالعمق تمحورت بعض نصوصهم التي غدت عالمية حول موضوعات الأسطر وهي الحرب والانتظار والتضحية بالنفس وجني المكاسب ، وهذا ما توقفت أمامه في مقالاتي في الأسابيع الثلاثة الأخيرة ( ١٢ و ١٩ و٢٦ / ٣ / ٢٠٢٣ الأيام الفلسطينية ) ، وقد أنفقت الشهر الماضي أبحث في الكتب وفي غوغل علني أصل إلى نتيجة .
هكذا عدت من جديد باحثا وباحثا لا يكل ولا يمل حتى ضجر بعض القراء مما أكتب متسائلين عن جدوى ما أقوم به ، ناسين أو متناسين أنه البحث عن الحقيقة ونبش الذاكرة والعودة إلى المصادر والمراجع وعدم إطلاق القول على عواهنه ، إذ من غير المعقول أن يدرج أستاذ جامعي متخصص في الأدب الحديث الأسطر في صفحته في الفيس بوك دون أن يتأكد ، حتى لو كنت أنا شخصيا .
أعادني بحثي إلى مقولة الأديب الألماني ( غوتة ) ” وحدة الأدب العالمي ” وإلى أحد معاني كلمة بنية ” التجريد والتعميم والنموذج : من البنية الثابتة في أعمال مؤلف واحد إلى البنية الثابتة لأعمال مؤلفين مختلفين في عصر واحد وكذلك من البنية الثابتة لأعمال أدبية مختلفة في لغة واحدة إلى لغة ممتدة في الثقافة ” ، وهذا ما يلحظ في نصوص الحرب في الآداب العالمية المختلفة . إننا سنلحظ مثلا فيها كلها الموتيفات الآتية :
– فكرة الانتظار .
– فكرة الوطن والتضحية في سبيله .
– فكرة الجندي المضحي بنفسه والقائد الذي يجني المكاسب .
ولقد بحثت عنها في كتب ” موتيفات الأدب العالمي وأفكاره ” وتحت عنوان الحرب ” Krieg / War ” يقرأ المرء عن الاعتداء وصراع الإخوة ، ولقد بحثت أيضا في كتب المقاومة والحرب وما أكثرها وتوقفت أمام كتاب شاكر نوري ” المقاومة في الأدب السوفييتي : دراسة ومختارات ١٩٣٩ – ١٩٤٥ ” ( د . م و د. ت ) وكتاب حنا مينة ونجاح العطار ” أدب الحرب ” ( دار الآداب ١٩٧٦ و ط ٢ في ١٩٧٩ ) وكتاب غالي شكري ” الماركسية والأدب ” المؤسسة العربية للدراسات والنشر ١٩٧٩ ) وكتاب رفيف رضا صيداوي ” النظرة الروائية إلى الحرب اللبنانية ١٩٧٥ – ١٩٩٥ ” ( الفارابي ٢٠٠٣ ) لأقرأ فيها ولأجد أنها لا تخلو من المعاني التي كثفتها الأسطر .
يمكن في هذه المقالة الاقتباس من كتاب شاكر نوري وغالي شكري مثالا .
في كتاب الأول نقرأ قصيدة ل ( قسطنطين سيمنوف) يقول فيها :
” ماذا يمكن أن نقول لهم ؟ كم بائسة هي دموعهم
لكن المرأة العجوز أدركت لم نكن بهذه القساوة
إنها قرأت حزننا وأجابت :
” اذهبوا الآن يا أعزائي ، وسننتظر عودتكم “
آه ! سننتظر … وحقول القمح تتموج .. وتتمايل
الغابات تصرخ :” ننتظر عودتكم!”
ويتحدث إلى حبيبته قائلا :
” انتظريني وسوف أعود إلى البيت
لكن يجب أن تنتظري طويلا ” ( صفحة ٩٣ وقد تذكرها أيضا د.محمد شقير )
وقد وردت القصيدة نفسها في كتاب العطار وحنا مينة ( صفحة ١٦٤ ) . وقد أورد الدكتور يحيى الشعار Shaar Yahia في تعليقاته على الموضوع قصيدة ” الأم ” ل ( أندريه ديمنتيف ) وتصف أما انتظرت ابنها المشارك في الحرب ثلاثين عاما .
وماذا عن تصافح القادة ؟
هل تصافحوا في نهاية الحرب العالمية الثانية ؟
لا أريد أن أخوض في هذا لإشكاليته ، ولكن حتى القادة الذين توخت شعوبهم منهم الخير وأملت أن يقودوها إلى الحرية سرعان ما تحولوا إلى عبادة ذواتهم تحتل صورتهم الأمكنة كلها في حين أهملوها – أي الشعوب – وتسلطوا عليها .
في كتابه ” الماركسية والأدب ” يتوقف شكري أمام المقطع الآتي من قصيدة ( يفتشنكو ) ” سوق سمبرسك ” :
” أما الفلاحة فقد استلقت في الوحل !
كانت الاستعدادات تجري على قدم وساق
لنصب تمثال جديد لشخص ما
أما الفلاحة السكرى فقد استلقت في الوحل ” ( صفحة ١٣٤ ) .
بل ذهب بعض القراء ( سامح يوسف و Abdalla Takash ) إلى ربط أغنية كارول سماحة بأغنية ( Marlene Dietrich )
” Sag mir : Wo Die Bluemen Sind “
( قل لي : أين توجد الأزهار ؟ )
” Tell me : Where the flowers are ?”
ومارلين ديتريتش ممثلة ومغنية ألمانية وقفت ضد هتلر وشجعت الحرب عليه وتبرعت ببعض أموالها في سبيل ذلك ، وتأتي كلمات أغنيتها على الفتيات اللاتي حملن باقات الأزهار ل لإهدائها للرجال الذين ذهبوا إلى الحرب وصاروا جنودا ولم يعودوا فقد استقروا في القبور التي صارت تئن لصوت الرياح ، بل إن بعض القراء ( Ibrahim Ghabeish ) ذكرني بأغنية “
Are you going to Scarborough “

ل ( غارفيلد ) وهي عن جندي مات في الحرب – وكان الجنرال طلب منه أن يطلق النار – ويطلب من زملائه أن يذهبوا ويخبروا حبيبته التي صنعت له وشاحا ويسلموا على الزعتر والبقدونس وووو … .

هل أخطأ ( غوتة ) وهل أخطأ البنيويون فيما ذهبوا إليه ؟

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *