مقام الحُب

(ثقافات)

 

مقام الحُب

د. صحر أنور

 

الحب هو أصل الوجود وسر الكون، بداية كل بداية، تكمن فيه أسراروأنوار القلوب، فالحب لا حقيقة له ولا تعريف، لا تستطيع وصفه أو لمسه ولا تعرف أين يكمن ولا من أين بدأ ولا كيف سينتهي، فالحب كالروح لا أحد يعلم أسراره إلا خالقه، فالله قد خلق مقام الحب منذ بداية الخلق، خلق الكون بالحب وللحب، فالكون كله يتنفس بالحب. مقام الحب هو مقام إلهي شريف، نسب الله الحبّ إلى نفسه، فمن أسمائه الوَدود، وهو المُحبّ، كما يرد في آيات كثيرة في القرآن: {قل إن كنتم تحبون الله فاتبعوني يحببكم الله}. وهناك الكثير من الآيات التي يُذكر فيها حبّ الله لعباده من المتطهّرين، والتوّابين، والمتوكّلين، والصابرين، وغيرهم ممن تحقّقوا بسِمات حسنة يحبّها. من ذاق عرف.. فالحب شُرْب بلا رِيٍّ، حنين لا يهدأ، وشوق يستعر، وظمأ دائم لا رِيٍّ له، تتنفس الحب فتخرج أنفاسك متلاحقة تلهث وراء طيف الحبيب. قال الشيخ رمضان عبد الرازق أن الحب له مقامات عشرة أولها ” التعلق” ومنها يتعلق الحبيب بالمحبوب، وثانيها ” الإرادة ” وتأتي فيها إرادة القلب بالمحبوب، وثالثها ” الصبابة “، لإنصباب القلب على المحبوب، ورابعها ” الوداد ” وهي المودة والحب الصافي، وخامسها ” الغرام” وهو الحب الملاصق لحبيبه، والمقام السادس هو” العشق” وهو التداخل وأن يكونا الأثنين شيء واحد، والدرجة السابعة هي ” التتيم” وهي درجة العذاب بالحب، والثامنة ” الشغف” وهذه هي نهاية درجات الحب فيما بين البشر، الدرجتان التاسعة والعاشرة هي حب الانسان لربه سبحانه وتعالى، فالتاسعة هي ” التعبد” ، والعاشرة هي ” الخلة”. وهذا التدرج في المقامات حيث يصل في منتهاه إلى حب الله هو الحب الأسمى وأيُّ مرتبة تسمو إلى مرتبة الحب الإلهي؟! وكما يقول محيي الدين: «وألطف ما في الحب ما وجدته، وهو أن تجد عشقًا مفرطًا وهوىً وشوقاً مقلقاً، وغرامًا وتحولًا، وامتناع نوم، وعدمَ لذة بطعام، ثم ذهولًا وذهابًا وفناءً، ثم تجليا وفيضاً ولذة لا تُوصف. وكلما زداد الحب ازداد الإيمان، وعلى مقدار الحب وصفاءه القلوب نفهم غاية الحياة وسرها والمراد منها. فما خُلقنا إلا للعبادة والمحبة، فحب الله هو روح العبادة، ورجوع بالنفس إلى الفطرة، وهو وفاء بالعهد السابق حينما أُخذ الله العهد والميثاق على الأرواح عند خلقها . فالحب الإلهي يضفي على قلبك وروحك وكونك جمالاً وأنواراً وأسراراً: الله نور السموات والأرض، فترى بنور الله ومن الله وبالله ، وهنا يقول جلال الدين الرومي:”هو الكحل الذي تكتحل به عين القلب فينجلي بصرها”. كما يملأ حياتك بالشعور بالرضا، فترى كل شيء جميلا، فالله خالق كل جميل، حتى حينما يأتيك الإبتلاء، تجد نفسك تشعر بكل الرضا لأنك تعلم أنه من الحبيب، وأن كل ماأنت فيه من قضاءه ، ومن إرادته، وقضاء الحبيب حبيبٌ. وهنا يقول الإمام الغزالي: إن لله تعالى شرابًا يسقيه في الليل قلوب أحبائه، فإذا شربوا طارت قلوبهم في الملكوت الأعلى، حبًّا لله تعالى، وشوقًا إليه. فالحب الإلهي حبٌ بالحب وللحب، ذلك الحب الذي يغسل القلب من الدنيا، ويطلق كنوز الروح فتتجلى لها الأنوار، ويمنح مذاق الأنس والقرب، بينما يقول فيه الحلَّاج:”ما من أحدٍ يعبد الله بفعلٍ يكون أحب إلى الله من حبه تعالى “، كما يقول مُنشداً. لي حبيبٌ حبه وسط الحشا .. لو يشا يمشي على قلبي مشا روحه روحي وروحي روحه.. إن يشا شئت وإن شئت يشا.

شاهد أيضاً

عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب

(ثقافات) عبد الصّمد بن شريف يُحاضر بفاس حول تحوُّلات الإعلام بالمغرب متابعة: إدريس الواغيش احتضنت …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *