الخَرَائِطيّ مؤلّف كتاب “اعتلال القلوب في أخبار العشّاق والمحبّين”

الخَرَائِطيّ مؤلّف كتاب “اعتلال القلوب في أخبار العشّاق والمحبّين” (حوار متخيّل)

د.غريد الشيخ

دخلتُ قاعة مكتبة الرّباط، كان هناك عدد من الباحثين يعملون بصمت، وعامل المكتبة يقوم بين فترة وأخرى ليُحضر أحد الكتب لأحد الباحثين.

ناديتُ عامل المكتبة بالإشارة وعندما تقدّم مني قلت له بصوتٍ خفيض: أرجوك  أن تُحضِرَ لي مخطوط (اعتلال القلوب للخرائطي الذي تُوفّيَ عام ثلاثمائة وسبعة وعشرين للهجرة)

عاد بعد لحظات حاملًا المخطوط، حملتُه برفقٍ كأمٍّ تحملُ ابنَها الصّغير الحبيب، وفجأة جلسَ قُبالتي رجلٌ عجوزٌ يقاربُ التّسعينَ من عمرِهِ.

قال بصوتٍ مُحَذِّر قَلِقٍ:

– عِمْتِ صباحًا… انتبهي، فأوراقُ الكتابِ قديمةٌ جدًّا.

سألته باستغراب:

– عِمتَ صباحًا، عفوًا، مَنْ حضرتك؟!

قال مبتسمًا:

  • مَنْ أنا؟! بل مَنْ أنتِ؟

أجبته: أنا باحثةٌ وأعملُ في تحقيقِ المخطوطاتِ القديمةِ.

أجابني مفتخرًا:

  • أمَّا أنا فصاحِبُ الكتاب… أبو بكر محمَّد بن جعفر بن سهل الخَرَائِطيّ السَّامَريّ.

قمت لأرحّب بالضَّيف الذي حلمتُ طويلًا بِلقائِه:

  • تَشرَّفنا… أهلًا وسهلًا..

الخَرَائِطيّ: تفضَّلي… اجلسي.

قلت: الخَرَائِطيّ… الخَرَائِطيّ… لَطالَما أحببْتُ أنْ أتَعَرَّفَ إلى ذلكَ الرَّجُل الّذي صَنَّفَ هذا الكتاب الرَّائع (اعتلال القلوب).

الخَرَائِطيّ (ضاحكًا): وها هو حُلمُكِ قد تحقّق.

سألته: ولكن قُلْ لي… ما معنى الخَرَائِطيّ وإلامَ تعودُ هذهِ النِّسبة؟

الخَرَائِطيّ: إنَّها تعودُ إلى الخَرائط جمع خَريطة.

قلتُ مقاطعةً: الخَريطة على وزنِ فَعيلة مِن “خَرَط”.

الخَرَائِطيّ: نعم، والخَرِيطةُ شيءٌ مثلُ الكِيس تكونُ من الخِرَقِ والأَدَمِ، تُغْلَقُ على ما فيها.

سألتُ بتعجُّب: ومنها خرائطُ  كتبِ السُّلطان وعُمَّالِه؟!

الخَرَائِطيّ: نعم.

سألته: وهل تعملُ أنتَ بالخرائطِ هذهِ؟

الخَرَائِطيّ: لا، ولكن ربَّما كانَ أحدُ آبائي وأجدادي يعملونَ بها.

ذهبتُ لأحضرَ فنجانين من الشّاي، بينما كان الخَرَائِطيّ يُقَلِّبُ صفحاتِ الكتاب.

قلتُ: والسَّامَرِّيُّ، نسبةً إلى سُرَّ مَن رأى؟..

الخَرَائِطيّ (ضاحكًا): أرى أنَّكِ لا تنسينَ مِهنتَكِ الأساسيَّة وهي التَّحقيق، فأنتِ تُحَقِّقينَ في كلِّ كلمةٍ وحَرفٍ وتُريدينَ إرجاعَهُ إلى أصلِهِ.

قلت: أليسَ التَّحقيق في الأمرِ يعني أنْ نتحقّقَ ونتيقّنَ منهُ؟

الخَرَائِطيّ: أحسنتِ، فالتَّحقيقُ لُغَةً يَعني هو العِلْمُ بالشَّيءِ ومعرفةُ حقيقتِه على وَجهِ اليَقين.

قلت: أمَّا اصطلاحًا، فالتَّحقيقُ بالنِّسبةِ للمُشتغلينَ في مجالِ نَشْرِ التّراث: هو إخراج النّصوص إلى النّور.

الخَرَائِطيّ (ممازحًا): وهذا ما تقومينَ أنتِ بِهِ؟!

أجبته: نعم.. فأنا أسعى إلى إخراجِ النُّصوصِ الجميلةِ من تُراثِنا الغنيّ إلى النُّور، مع الشَّرحِ والتَّعليقِ على النَّصّ..

الخَرَائِطيّ: ولكن أرجو يا أستاذة ألّا تُحَرِّفي أو تَتَدَخَّلي في النَّصِّ الأساسيّ.

قلت ضاحكة: لا… لا تَخَفْ… لن أتدخَّلَ في النّصِّ الأساسيّ بل سأترُكُهُ على حالِهِ، إلّا إذا..

قاطَعَني: إلّا إذا ماذا؟

قلت: إذا كانَ هناكَ خطأٌ أو سَهْوٌ مِنَ النَّاسخِ.

ضحك وقال: حسنًا… أنتِ مُحِقَّةٌ في هذا، وأيضًا أنتِ مُحَقِّقَةٌ متميِّزةٌ أيضًا.

صمت فجأة وكان يقلّب صفحات الكتاب

سألته: أيُّها الشَّيخُ الجليل.. كَلِّمْني عنكَ..

الخَرَائِطيّ (ينظرُ إلى الأوراق بين يدي):

– أرى في هذهِ الأوراق بين يديكِ أشياءَ كثيرةً ومعلوماتٍ عنِّي؟ هل تتجسّسينَ عليّ؟!

قلت ضاحكةً: بل أتحسَّسُ.

قال: أحسنتِ، تتحسّسين ولا تتجسّسين.

قلت مبتسمةً: في عملي هذا يجبُ أن أجمعَ كلَّ ما يتعلَّقُ بالكاتبِ وحياتِهِ وأعمالِهِ.

الخَرَائِطيّ: ولكن… مِن أينَ تستقينَ هذهِ المعلومات؟

قلت: إنَّ الكتبَ الّتي تَكلَّمَتْ عنكَ كثيرةٌ جدًّا، ومنها: تاريخ بغداد والأنساب ومعجم الأدباء والوافي بالوفيَّاتِ وغيرها كثير..

الخَرَائِطيّ: وهَل تعودينَ إلى كلِّ هذهِ المصادر؟

أجبتُ بفخرٍ: طبعًا فهذا عملي ويجبُ أن أعرفَ كُلَّ شيءٍ عنكَ.

الخَرَائِطيّ: سأخبرُكِ كلَّ شيءٍ عنِّي… تتلمَذتُ على جَمٍّ غَفيرٍ مِن عُلَماء عصري كإبراهيم بن الجُنَيد، وعَبَّاد بن الوليد الغُبَرِيّ، وحَمَّاد بن الحسن، والحسن بن عَرَفة وغيرهم… جَزاهم اللهُ خيرًا.

قلت: قرأتُ هذا في (تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر) وعَلِمْتُ أنَّكَ قد رَوَيْتَ عن هؤلاء العُلماء الحديثَ النَّبَوِيَّ الشَّريف، وأخبار الأنبياء…

الخَرَائِطيّ: كذلكَ نقلْتُ أخبارَ المُتَصَوِّفَة.

قلت: وقَد روى عنكَ عددٌ مِن تلاميذِكَ أيضًا.

الخَرَائِطيّ: تلاميذي… نعم لَقَد سَمِعوا منِّي ودَوَّنوا ونقلوا الحديثَ والأخبار.

قلت: فَوَصَلَتْ إلينا عن طريقِهِم كُتُبُكَ المُخطوطة…

الخَرَائِطيّ: إنَّ لي كُتُبًا كثيرة غير هذا الكتاب الَّذي بينَ يديكِ.

قلت: نَعَم هناكَ بعض الكتب المطبوعة مثل (فضيلة الشكر) و(مساوئ الأخلاق ومذمومها) ، و(مكارم الأخلاق ومعاليها)، و(هواتف الجَنَّان) و(المُنتقى مِن مكارم الأخلاق).

الخَرَائِطيّ: ولكن لَدَيَّ كتبٌ أُخرى، لماذا لم تذكريها؟!

قلت: تقول الكتب المختصّة إنَّ هناك مخطوطاتٍ مازالت موجودةً في المكتبات كهذه المَخطوطة.

الخَرائطي: كتاب (اعتلال القلوب)

قلت: وذَكَرَتِ الكتبُ أسماءَ كتبٍ أَخرى ما زالتْ مفقودةً مثل (قمع الحِرص بالقَناعة)، و(كتاب الأجواد)، و(كتاب القبور).

الخَرَائِطيّ: كم هوَ مؤسفٌ ضَياعُ الكُتُب!!

أجبته بأسف: كثيرًا ما تَعَرَّضَتْ بلادُنا ومَكتباتُنا عبرَ العصورِ إلى النَّهبِ والسَّرِقة والإحراقِ والتَّهريب.

الخَرَائِطيّ (مشجّعًا): وهنا يكونُ دَورُكِ يا عزيزتي ودَورُ المُحقّقين في الحفاظِ على هذا التُّراثِ القَيِّم.

صمتُّ قليلًا ثم قلتأهلًا بكَ في الرِّباط، في هذا المكانِ بالذّات.

الخَرَائِطيّ: أهلًا بِكِ أيّتها المُحَقِّقة.

بدأتُ أقلِّبُ صفحات الكتاب بتأنٍّ، وقلت:

–  حسنًا، أنا أرى هذهِ النّسخة وهي النّسخة الوحيدة، وقد كُتِبَتْ بِخَطِّ أحمد بن عمير بصَخرةِ بيت المَقْدِس.

الخَرَائِطيّ: هذا ما أراهُ أيضًا وَقَد انتهى مِن نَسْخِها عام ستمائة وخمسة وستّين للهجرةِ كما جاءَ في آخر كلِّ جزء.

قلت: إنَّهُ خطٌ نَسْخِيٌّ كبير، والكَلِماتُ مُعْجَمَةٌ، وبعضُ حُروفِها مَشْكُولَةٌ أيضًا..

الخَرَائِطيّ: كَم أنا سعيد، أكادُ لا أرى أيَّ أخطاءٍ في الكتابة، ولا أرى سقطًا.

قلت بفرح: لَقَد نَجَتِ المَخطوطةُ مِنَ الرُّطُوبةِ والأَرَضَةِ، وهي بحالٍ جيّدة.

الخَرَائِطيّ (بتعجب): هَل تتفحّصينَ كلَّ هذهِ الأشياءِ في دِراستِكِ للمخطوطِ؟!

قلت: أجل، انظر إنَّها مُرَقَّمَة بالتَّرقِيمِ الإفرنجيّ الحديث، وليسَ العربي، ومقاس الصَّفحة هو (18.5*26 سم)

الخَرَائِطيّ (مقاطعًا): دعيني أرى، (ويتابعُ بلهجَتِي) وعَدَدُ الأَسْطُرِ في كُلِّ صَفحةٍ هوَ سبعة عشر سطرًا، وفي السَّطْرِ الواحدِ عَشرُ كلماتٍ تقريبًا… ما رأيُكِ بتلميذِكِ يا أُستاذة؟

قلت (ضاحكة): حسنًا، لَقَد بدأتَ تتعلَّمُ مِهنةَ التَّحقيقِ أَيضًا بالإضافةِ إلى التّأليف.

الخَرَائِطيّ: ألا تخافينَ أن أُنافِسَكِ وأقوم بتحقيقِ الكتبِ النَّادرة.

قلتُ (متمنّيةً): أيُّها العالمُ الجليل الخَرَائِطيّ، في مِهنتِنا هذهِ نَتَمَنَّى أن يَكْثُرَ المُحَقِّقونَ العُلماء الأَصِيلونَ ويسارعوا في الكَشْفِ عن مَخبوءاتِ تراثِنا العظيم.

سألني الخَرَائِطيّ (متعجّبًا): ولكن هَل هذهِ هي النّسخة الوحيدة للمخطوط؟!

قلت: لا… ولكن هناكَ نسخة أُخرى موجودة في دارِ الكُتُبِ المصريَّة في القاهرة.

الخَرَائِطيّ: وهل ذهبتِ إلى هناكَ ورأيتِها؟

قلت: نعم، ذهبتُ، ولكن للأسفِ وَجَدْتُ أنَّها ليسَتِ الكتابَ كاملًا، وإنَّما هي جزءٌ مِن الكتابِ الأصليِّ (اعتلال القلوب) وعدد أوراقها هو ستّة وستّون ورقة فقط.

الخَرَائِطيّ: بينَما هذه النّسخة فعدد صفحاتها هوَ ثلاثمائة واثنان وأربعون صفحة.

قلت: لَقَد لاحظتُ عندما قرأتُ تلكَ المخطوطة أنَّها تبدأ منَ البابِ الواحد والعشرين.

الخَرَائِطيّ: وما نوع الخطّ؟

قلت: نَسْخِيٌّ قديم، ولونُ المِدَادِ أسود في المَتْنِ وأحمر في العناوين، ولكن آثار الرُّطوبة والتّقطيع بادية عليها.

الخَرَائِطيّ: وما هذهِ الأوراق التي تُخْرِجِينَها مِن حقيبتِكِ؟

قلت: سأُرِيكَ بعضَ أوراق المخطوطة الثّانية.

الخَرَائِطيّ (بتعجّب): وكيفَ حصلتِ عليها؟ وهل يستطيعُ أيٌّ كانَ أن يحصلَ على مخطوطٍ ويأخذَهُ؟

أجبته: لا يا سيِّدي، بل هي صُورة طبق الأصل عن المَخطوطةِ الموجودة في مكتبةِ دار الكتب المصريّة.

الخَرَائِطيّ: أرَحْتِني الآن… إذًا يستطيعُ الباحثُ أن يرى المخطوطةَ الأصليَّة ويَدرسَها طالما هوَ في المكتبة.

قلت: لا تَخَفْ يا سيّدي، فللمَخطوطاتِ اهتمامٌ خاصٌّ مِنَ القَيِّمينَ عليها، فممنوعٌ أخذُ المخطوطات مِن أماكنِها، وهي عادةً تُوضَعُ في أماكنَ ضمنَ ظروفٍ بِيئيَّةٍ خاصّة كالغُرفِ الزُّجاجيَّة المُبَرَّدة.

الخَرَائِطيّ: لماذا لا يُعْطُونَها للنُّسَّاخ لينسخوا عِدَّة كتبٍ منها..

قلت: لَقَد تَطَوَّرَ الزَّمنُ كثيرًا يا سيِّدي، وصارَ هناك طُرُقٌ عديدة لِنَسخِ الكُتُب غير الطُّرُق القديمة.

الخَرَائِطيّ (بتعجّب): كيف تُنْسَخُ الكتبُ بدون أن يَنْسَخَها أحدٌ!

قلت: تفضَّل معي.

رافقته إلى جهاز التّصوير في إحدى زوايا المكتبة وقلت له:

 – انظرْ إلى هذا الجهاز، لِمُجَرَّد أن تَضَعَ ورقةً يَخْرُجُ من الطَّرفِ الآخر عددٌ كبيرٌ من النُّسَخِ طِبقَ الأصل.

الخَرَائِطيّ: رائع… لو كانَ هذا على أيَّامِنا…

قلت: أمَّا المخطوطات فتُوضَعُ على (ميكروفيلم) أي تُصَوَّرُ على أفلام صغيرة… سأُريكَ الآن أحدها.
الخَرَائِطيّ: أجَل… أرجوكِ أُحِبُّ أن أرى مخطوطتي هذهِ على ما تسمينه ميكـ..

ابتسمت وتابعت: ميكروفيلم.

اتّجهنا نحو جهاز الميكروفيلم، حملت الفيلم الصغير وأعطيته إيّاه، وقلت:

  • انظرْ.. هذا هوَ الميكروفيلم.

الخَرَائِطيّ(يحمل الفيلم بيده ويقلبه بتعجّب):

–  لا أصَدِّقُ أنَّ هذهِ القطعةَ الصَّغيرة تحوي كتابًا مُؤَلَّفًا من ثلاثمائة واثنتين وأربعين صفحة!!

قلت: حسنًا سنضعُ الميكروفيلم ونرى صورة المَخطوطة على الشَّاشةِ البيضاء تلك… انظرْ..

قال بفرح:

–  أجل… هذهِ الصَّفحة الأولى من المخطوط الذي اطّلعنا عليه… حسنًا… اقلبي الصَّفحة يا أستاذة كَمْ أنا سعيد بمُراقبةِ الكتاب..

قلت مداعبةً: حسنًا، هل اطْمَأنَّ بالُكَ الآن على كِتابِكَ (اعتلال القلوب)؟!

الخَرَائِطيّ: بل اطمأنَّ قلبي على كلِّ الكُتُبِ النَّفيسة الّتي عملنا وتعبنا لكتابتِها..

رجعنا إلى الطّاولة، قلت له: ها قد عدْنا إلى صحبةِ المخطوطِ الأصليِّ…

الخَرَائِطيّ: والعَوْدُ أَحْمَدُ…

سألته: لماذا اخترتَ هذا الموضوع (اعتلال القلوب) وَقَد طَرَقَهُ قبلكَ كُثُرٌ وأيضًا بَعْدَكَ؟!

قال مقاطعًا: لا يا أستاذة، فأنا مِن أوائلِ من صَنَّفَ في هذا الموضوع، فكتابي هوَ الثّالث أو الرَّابع بين الكُتُبِ المُشابهة.

قلت: نعم، فقَبْلَكَ كانَ كتاب (مُفاخَرة الجَواري والغِلمان للجاحظ) وكذلكَ كتاب (الزَّهرة) لابن داود الأصبهاني، ثُمَّ كتاب (المُوَشَّى) لمحمَّد بن أحمد الوَشَّاء.

قال مقاطعًا: ولَكن هذهِ الكتب تختلفُ في طريقةِ مُعالجتِها للموضوع.

قلت: أعرف، ولكن هناكَ كتب قد جاءَتْ بعدَكَ تَكَلَّمَتْ في الموضوعِ نفسِهِ وَرَوَتْ الأخبار نفسَها التي رَوَيْتَها.

قال متعجّبًا: وهل ذكروا أنَّهم أخذوا الرّواياتِ عنِّي؟

قلت: بعضُهُم ذَكَرَ، وبعضُهُم تَغافلَ عن ذِكْرِ مصدرِ رواياتِهِ.

الخَرَائِطيّ: وما أهمّ هذهِ الكتب؟

قلت: (كتاب المَصُون في سِرِّ الهوى المكنون) و (طوق الحمامة) و(مصارع العشَّاق) و(ذمّ الهوى) و(روضة المحبِّين) و(الواضح المبين في ذكرِ مَن اشتهرَ من المحبين) و(ديوان الصبابة)، و(تزيين الأسواق) وغيرها…

الخرائطي: وأين هي هذه الكتب الآن؟

قلت: أكثرها قد طُبِعَ، سأُريك بعضَها الآن.

رافقته نحو إحدى مكتبات الحائط، فتناول كتاب (روضة المحبين)، وقلّب صفحاته، وقال:

  • الخطّ جميل.

قلت: إنّه مطبوعٌ على آلات خاصّة، وليس مخطوطًا ككتابِك (اعتلال القلوب).

الخرائطي: ومتى سيُطْبَعُ كتابي؟

قلت مبتسمةً: قريبًا، ولكنّ يجب أن أُنهي التَّحقيق أوّلًا.

الخَرَائِطيّ : حسنًا يا أستاذة، أسرعي إذن.

صمت قليلًا ثم سألني: بما أنَّكِ قد اطَّلَعتِ على هذهِ الكُتب وأنتِ الآنَ تقرئين كتابي هذا فما النَّتيجة الّتي تَوَصَّلْتِ إليها؟

قلت: لاحظْتُ أنَّكَ في كتابِكَ هذا (اعتلالُ القلوب) تعالجُ موضوعَ الحبِّ من زاويةٍ تُوافق سِيرتَكَ واتِّجاهَكَ وعقيدتَكَ..

الخَرَائِطيّ: أحسنتِ… لَقَد تناولْتُ موضوعَ الحُبِّ مِن وجهةِ نظرٍ إسلاميَّة، وحاولتُ أن أُؤكّدَ للمُحِبّينَ أنَّ مَن أَحَبَّ فَعَفَّ فكتَمَ فهوَ شَهيد.

قلت: لهذا جاءَت أخبارُ الكتابِ والشِّعرُ أيضًا تدور في هذا النّطاقِ ولا تَتَعَدَّاهُ..

قال: نعم دعوةٌ صريحةٌ للحبِّ العذريِّ والعلاقةِ العفيفةِ الطّاهرة.

قلت: وها أنتَ ذا قد نَثَرْتَ في ثَنايا الكتابِ كثيرًا مِن الآياتِ القرآنيَّةِ الكريمة والأحاديث النَّبويَّةِ الشريفةِ.

الخَرَائِطيّ: وأيضًا أوردتُ يا أستاذة بعضَ الآراءِ الفِقهيَّةِ التي تُؤَيِّدُ الفكرةَ التي طرحتُها وتدعمُها.

قلت: نعم.. هي دعوةٌ إلى العفافِ والابتعادِ عن الشَّهوات.

الخَرَائِطيّ: ربَّما لاحظتِ أيضًا أنَّ الكتابَ يُعْتَبَرُ كتابَ تَصَوُّفٍ وزُهدٍ بما أوردتُ فيهِ من قصصِ المُتَصَوِّفة وأخبارِهم.

قلت مبتسمةً: بالإضافةِ إلى بعضِ الأخبارِ الطريفة عن المحبين.

الخَرَائِطيّ: ها قد انتهينا يا أستاذة من الكلامِ عن(كتابِ اعتلال القلوب)، ومواصفاته وموضوعاته.

قلت: وأيضًا عن مُؤَلِّفِهِ العالمِ الجَليل وراوية الأحاديث النَّبويَّة الصّحيحة.

الخَرَائِطيّ: أشعرُ الآن أنَّ المَخطوطَ بأيدٍ أمينة.

قلت: وسيرى النّورَ قريبًا يا مُحَمَّد بن جعفر الخَرَائِطيّ…

الخَرَائِطيّ: أنا متأكِّدٌ من هذا، فلأنهضْ إذًا…

قلت: هل نتناول الغداء معًا؟

الخَرَائِطيّ (يضحك): الغداء؟

قلت: نعم… لِمَ لا؟

لملمتُ أوراقي بسرعة لأرافقَ الخَرَائِطيّ، نظرتُ حولي فلم أَجِدْه، قلت بدهشة:

–  أينَ أنتَ أيُّها الخَرَائِطيّ؟ أينَ أنت؟!

 

  • عن آسيا نت

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *