شخصيات عرفتها: الكاتب الأديب خيري منصور

(ثقافات)

شخصيات عرفتها :الكاتب الأديب خيري منصور

أ.د. تيسير أبو عرجة

أقام خيري منصور صرح ثقافته بالجهد والمعاناة وعندما كان يعمل في الكويت في بداية السبعينيات حيث شرفت بصداقته في تلك الفترة لم يكن مستقرًا في وظيفة واحدة وعاش اغلب السنوات القليلة التي أمضاها هناك على مكافآت يتقاضاها عن مقالاته في مجلة جمعية المعلمين الكويتية ومجلة الطليعة التي كان يصدرها سامي المنيس .

وتعد تلك السنوات سنوات البناء الثقافي والاغتراف من معين الادب والثقافة .وكانت له تجربة ثقافية في بغداد لمدة تسعة عشر عاما عمل خلالها محررا لمجلة الف باء الأدبية الشهرية التي كانت تصدرها وزارة الاعلام العراقية .وكانت بغداد وقتذاك منهلًا ثقافيا وأدبيا وافرًا بصحبة أجيال الشعراء والادباء والنقاد العراقيين والوافدين العرب في السبعينيات والثمانينيات الى ان غادرها بضغط الظروف السياسية المستجدة عام ١٩٩١ الى عمان . حيث تولى التحرير الثقافي في جريدة الدستور وكاتبًا لعمود صحفي على الصفحة الاولى بعنوان خاطرة.وفي هذه الفترة كان يتنقل بين عمان والقاهرة مشاركا نشطًا في الحركة الثقافية والادبية هنا وهناك . وكاتبًا لعدد من المقالات المعمقة في مجلة وجهات نظر الصادرة عن دار الأهرام .وظل خيري الى ايامه الاخيرة قبل انتقاله الى بارئه في ١٨ سبتمبر ٢٠١٨ قابضا على جمر الكلمة ويواصل كتابة مقاله في الدستور وعديد المقالات في عدد من الصحف العربية.

ان خيري ابن قرية دير الغصون في محافظة طولكرم تعرفت عليه في بدايات نشاطه الكتابي عندما كنا معا في صحافة الكويت .ومنذ تلك البدايات كان الأفق الثقافي أمامه ممتدًا واسعًا .ومنذ ذلك الزمن الذي شهدت معه إقلاع الطائرة على حد تعبيره بدأت أتابع كتاباته وأعايش حروفه وتجربته.. وهي غنية عميقةومتنوعة .فهو الكتاب السياسي والناقد الادبي والمفكر والشاعر.وهو ينتج وبصفة يومية مقالة نخبوية مبدعة .تنأى عن كتابة الأشياء المكتوبة او السائدة أو المألوفة .أو تلك التي ترتدي الزي الموحد.

ومنذ تسلل حب القراءة الى روحه .وجدته مثقفا شاملًا موسوعيا في كل فرع ولون ..أدبًا وفكرًا وفلسفة وتاريخًا وسياسة.

لقد كان يلتهم كل ما تقع عليه يده وعينه فأبهر قراءه بسعة ثقافته ودقة أسلوبه وعمق معالجته .وظل صاحب المقالة المحملة بعمق التحليل ورقي اللغة المتكئة على عبر التاريخ واحداثه وما أنتجته الفلسفات المعاصرة وما حمله عالم الرواية وألق الشعر وأتون الحياة في صراعها واصطخابها وما قدمته العواصم شرقًا وغربًا شمالًا وجنوبا وقد جابها وارتاد كل آفاقها.

لقد كان تأهيله الجامعي في كلية دار العلوم بجامعة القاهرة .وحصل في مسيرته المهنية الطويلة على عديد الجوائز المقدرة لإبداعه الادبي والصحفي ومنها جائزة دبي للصحافة في فن المقال.

ووضع خيري العديد من الكتب والدراسات والمجموعات الشعرية .ومن مؤلفاته:صبي الأسرار.ثنائية الحياة والكتابة.أبواب ومرايا.تجارب في القراءة.البوابة الثامنة.العصا والناي.دراسة في الادب الاسرائيلي.الجغرافيا الحزينة.وغيرها.اضافة الى الاعمال الشعرية الكاملة التي ضمت سبع مجموعات شعرية .وكتب مقدمتها العلامة الدكتور إحسان عباس.

وكان الشاعر محمود درويش صديقه القريب جدًا قد كتب على غلاف الكتاب الذي ضم هذه المجموعات الشعرية الكاملة يقول :هذه مناسبة صالحة لاعادة الحياة الى كلمة محذوفة من لسان العرب المنقح .هي كلمة الصداقة بين أبناء المهنة الواحدة.فهل في هذا خروج عن مألوف النميمة.وثقافة الإقصاء.وتقاليد الاغتيال المعنوي السائدة بين من لا يحبوننا إلا موتى .ما لنا ولهذه الاسئلة الان! فنحن هنا للاعتراف بأن الصداقة ممكنة .والمحبة ممكنة.وصيانة جمرة المبادئ ممكنة.ونحن هنا لنقول لك :إنك فنجان قهوتنا الاول .فلا يبدأ نهارنا إلا بك.أحببناك.وأدمناك .ولم ينج أحد منا من عدواك.

وفي الحق فإن خيري منصور اختار دروب الفكر والمعرفة إنتاجا واستهلاكا .والتزامًا صارما مع الذات. حين يقرأ .وحين يتأمل.وحين يكتب.وارتاد آفاقًا ثقافية رحبة .عربية وعابرة للحدود والقارات.

وظل خيري شاهدًا على عمق جراح الوطن والأمة .يقاربها يوميًا بكل ما أوتي من صدق الكلمة .وقوة الأداء.في كتابات مبدعة.تتفرد في الطرح والأسلوب والمعالجة.يفتح فيها أمام قرائه نوافذ للضوء من رحم النقد اللاذع والهجاء القاسي وعصارة الالم.

وفي هذا السياق كان كتابه الباذخ :الاستشراق والوعي السالب .وهو الموضوع الذي كان يقع في صلب اهتماماته الفكرية.والذي يعد من الكتب الريادية في مجاله .وقد تضمن جهدًا علميًا وبحثيا يعتد به ويشهد له .خصوصًا عندما يتحول الاستشراق المعرفي الى استشراق عسكري يقوده جنرالات مشحونون بشهوة السيطرة.

شاهد أيضاً

فرويد وصوفيا في جلسة خاصة

(ثقافات) فرويد وصوفيا في جلسة خاصة د. صحر أنور جلس سيجموند فرويد أمامها ينظر إلى …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *