عبد الرحيم التوراني*
( ثقافات )
لما حصل الروائي الكبير على الجائزة الكبرى، بعد سنوات طويلة من الكتابة، قرر استدعاء شخصياته الروائية للاحتفال بها. وأيضا رغبة منه في إنعاش ذاكرته، وربما يدفعه ذلك إلى الاستفادة منها في كتابة رواية جديدة، عنونها مؤقتا ب “مخلوقاتي المطيعة”.
لم يكن الكاتب فكر بعد في ما سيقوله لمخلوقاته الروائية المطيعة.
لما حضرت ضاقت بها رحاب القاعة الكبيرة في الفندق الكبير.
في البداية شكر الروائي الحضور، ملاحظا تغيب بعض الشخصيات. ثم طلب من كل شخصية على حدة أن تقول رأيها في المصير الذي اختاره لها في رواياته. هل هي راضية عنه تمام الرضى، أم غاضبة منه مستاءة.
وحرصا على تجاوز التسرع والارتجال، تم تحديد موعد قريب لتسلم الاستبيان مكتوبا.
لكن طليقة الكاتب وعشيقاته السابقات عمدن إلى إفشاء كل ما لديهن من أسرار الكاتب، واستهتاره وقسوته وتلاعبه بمصائر شخصيات رواياته.
هكذا فوجئ الكاتب في الموعد الموالي بتغيب جميع الشخصيات، ومن غير استثناء.
أول المتغيبين كانت الشخصيات التي قتلها وحكم عليها بالموت والجنون في نصوصه الروائية:
– كيف سنحضر ونحن لسنا سوى موتى ومجانين؟
هكذا قالوا منسحبين.
وتغيب الذين عذبهم وأرسلهم للقهر والعذاب والويل والفقر، العاطلون والعاهرات والسجناء والمشردون والفقراء المعدمون:
– في الأمر مكيدة ما، لم يرسل لنا هذا الكاتب مرة من قبل لحضور حفلة ولو صغيرة، فما بالكم بحفل ضخم في فندق من خمس نجوم.
هكذا ارتابوا وتأخروا.
ثم تأخر المستبدون والفاسدون، والعملاء والجواسيس، والقتلة والجلادون، والنصابون واللصوص، والفقهاء الدجالون، والوزراء المنافقون، والبرلمانيون من ناهبي المال العام، والقضاة المرتشون، وكل من فضحهم وعراهم الكاتب في أعماله:
– كيف نحضر وقد دأب الكاتب على التشنيع بنا وفضحنا وبهدلتنا أمام الرأي العام، لا يشرفنا اللقاء معه أبدا.
هكذا نطقوا وولوا مدبرين.
لكن لما سئل الضحايا الذين كان الروائي يدافع عنهم في أعماله، عن سبب غيابهم، أجابوا:
– كيف يطلب منا الحضور ونحن أصلا كنا مغيبين؟ هو من نصب نفسه للكلام نيابة عنا، لم يستشرنا مرة، ولا نظر إلى ما نختزنه من طاقات وقدرات، وما نستطيعه من مبادرات، لقد كان يقتنصنا من بيئاتنا ويعمد إلى اجتثاتنا واعتقالنا بين أسطر صفحاته. بديهي إذا كنا سنتخلف ونغيب.
لاحقا أصدر مكتب الروائي بيانا صحافيا، أعلن فيه أن تمرد شخصياته هو مؤامرة محبوكة من ورائها النساء والنقاد الأعداء.
وتأكيدا للانتقام، أعلن عن قرب صدور رواية له جديدة بعنوان: “المرأة ليست من مخلوقات الله”.
وهو ما أثار ردة فعل كبرى في مختلف الأوساط، خاصة الجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة، التي أطلقت عليه وصف “عدو المرأة”، والفقهاء الذين رموه بالكفر.وأصبح الجميع متأهبا لصدور الرواية الجديدة والتعرف على أبطالها الجدد للاتقضاض على الكاتب متلبسا بحروفه.
لكن الكاتب صرح في برنامج إذاعي أن لا شخصيات في روايته الجديدة. إذ أن ” آلة نكران الجميل” هي بطلها الوحيد.
وأضاف:
– حان الوقت للاستغناء عن اليد العاملة التي أشغلها في رواياتي، هذا عصر المكننة.
وبعد هذا التصريح أضيفت النقابات إلى أعداء الكاتب المتربصين به.
__________________
*كاتب وإعلامي من المغرب