محمود شقير: منطقة لم تكشفها الرواية الفلسطينية


*ليلاس سويدان


«مديح لنساء العائلة» للروائي الفلسطيني محمود شقير، التي صدرت عن دار نوفل اللبنانية، من الروايات الست التي وصلت للقائمة القصيرة للجائزة العالمية للرواية العربية (البوكر). 

وهي تعد الرواية الثانية التي يكتبها شقير للكبار، وكان قد كتب قبلها أربع روايات للفتيان، وأنجز إحدى عشرة مجموعة قصصية للكبار، وما يزيد على خمس عشرة مجموعة قصصية للأطفال. عن «مديح لنساء العائلة» والجوائز الأدبية، كان لنا هذا الحوار مع محمود شقير.
روايتك التي وصلت للقائمة القصيرة لجائزة البوكر، ماذا تمثل لك بشكل خاص ضمن مشروعك الروائي؟
ـ هذه الرواية (مديح لنساء العائلة) تمثل استمرارا لرصد الحياة الخاصة لعائلة بدوية فلسطينية، إبان الهزات الكبرى التي تعرض لها الشعب الفلسطيني، ابتداء من بدايات الحرب العالمية الثانية، والأثر الذي تركته هذه الحرب على فلسطين، وانتهاء بخروج المقاومة الفلسطينية من بيروت. 
على خلفية هذه الهزات الكبرى، كنت معنيًّا بتتبع الهموم الفردية التي عاشها عدد غير قليل من رجال عائلة العبد اللات ونسائها، وباستشراف الأفق الذي تدفعهم أوضاعهم الخاصة والوضع العام نحوه، والأثر الذي يتركه هذا كله على القيم التي آمنوا بها.
قبل أن تترشح الرواية لجائزة البوكر، كيف استقبلها القراء والنقاد؟
ـ بعد صدور الرواية، أقمنا حفل توقيع لها في متحف محمود درويش في رام الله. حضر الحفل جمهور كبير من النساء والرجال. قدّم الروائي د. أحمد حرب مداخلة قيّمة حول الرواية. ثم تحدثتُ للجمهور عن ظروف كتابتها، وعن الفترة الزمنية التي غطتها من حياة العائلة البدوية التي ارتحلت من البرية وجاءت لتعيش في بيوت من حجر على مشارف القدس. وتطرقت إلى الأسلوب الذي انتهجته في كتابتها، إذ اعتمدت اسلوب بلورة الحدث الروائي من خلال وعي الشخصيات الرئيسة في الرواية.
أقيمت ندوة حول الرواية في مدينة طولكرم حضرها جمهور كبير من النساء والرجال، ونظّمت ندوة اليوم السابع في القدس جلسة نقدية حولها، جرت خلالها مناقشة موسعة للرواية. وقد استقبلها القراء باهتمام. تمثّل ذلك في الرسائل التي تلقيتها منهم، وفي المقالات التي كتبها قراء معنيون بالثقافة. واستقبلها نقاد وأساتذة جامعات وأدباء فلسطينيون وعرب بحفاوة واهتمام، ونشر في بعض الصحف والمجلات الثقافية الفلسطينية والعربية وفي الفيسبوك، ما يزيد على عشرين مقالة ودراسة عنها.
حدثنا عن هذه الرواية وظروف كتابتها ومضمونها والمختلف فيها عن رواياتك السابقة.
ـ منذ شرعت في كتابة روايتي الأولى «فرس العائلة» كنت معنيّا بتسليط الضوء على منطقة لم تكتشفها الرواية الفلسطينية إلا على نحو محدود، أقصد الحياة الخصبة لبدو فلسطين، من خلال عائلة العبد اللات التي كانت تعيش على رعي الأغنام في البرية، ثم انتقلت تحت ضغط القحط وشحّ المياه إلى تخوم القدس للعيش في بيوت من حجر، وللعمل في مطاعم المدينة وفنادقها وورشها، وكذلك للعمل في التجارة وفي الخدمة داخل البيوت، وتبيان أثر ذلك كله في النساء والرجال، والدخول في اشتباك بين قيم قديمة عاشت عليها العائلة زمنًا، ثم اصطدمت بقيم جديدة كانت تضخها المدينة بأشكال مباشرة وغير مباشرة. يضاف إلى ذلك الدخول في اشتباك مع الغزوة الصهيونية والانتداب البريطاني، وما تمثله الغزوة ويمثله الانتداب من تحدّيات للذات القومية وللكرامة الوطنية للناس، ولأمنهم واستقرارهم.
على هذه الأرضية وانطلاقا منها انشغلت رواية «مديح لنساء العائلة» بالحفر في هذه المنطقة البكر من التجربة الفلسطينية العريضة، بحيث اتسعت مدارات حركة الشخوص، الذين اغتربوا وهم في داخل وطنهم جراء ما استجد عليهم من ظروف وأحوال، واغتربوا وهم بعيدون من الوطن بحثا عن الرزق الحلال، بحيث اتسعت في الوقت نفسه تجليات الهوية الفلسطينية، وازدادت ثراء جراء الاحتكاك بثقافات أخرى، والعيش في بيئات مختلفة، مرة بسبب التهجير القسري الذي تعرض له الفلسطينيون، وأخرى بفعل الهجرة الطوعية إلى بلدان شتى لتحصيل الرزق، من دون أن تقع هذه الهوية ضحية التبديد أو الانمحاء. وفي حين كتبت الرواية الأولى مستندا إلى السرد بضمير الغائب، فقد كتبت الرواية الثانية مستندا إلى ضمير المتكلم، وإلى الاستفادة من خبرتي في تكثيف السرد الذي اعتمدته في كتاباتي القصصية.
البعض ينتقد الجوائز الأدبية، ومنها جائزة البوكر، ويرى أنها خلقت حالة من هوس كتابة الرواية من أجل الجوائز. ما تعليقك؟
ـ أعتقد أن أية جائزة أدبية لن تكون في منأى عن توجيه الانتقادات لها لهذا السبب أو ذاك، ورغم الشطط في بعض الانتقادات، فان النقد يظل مطلوبًا لتوجيه الأنظار إلى أمور ربما كانت غائبة عن الأنظار أو يعتريها غموض.
وفي ظني أن الاهتمام بكتابة الرواية يعتبر أمرا جديرا بالتقدير، لما يوفره من فرص للوصول إلى مستويات أكثر نضجا في الكتابة الروائية. وتلك ميزة تُحسب لجائزة البوكر، التي كانت منذ انطلاقتها سببًا لتحفيز الكتاب المخضرمين والجدد لكتابة المزيد من الروايات، ولتوسيع انتشار هذا اللون من الإبداع على الصعيدين العربي والعالمي.
وحتى لو كانت الرواية مكتوبة من أجل الجوائز، فما يعنينا هو مستوى الكتابة ومقدار تجسد الفن الروائي فيها، إذ لا يبقى في النهاية إلا ما هو قيّم وجدير بالبقاء، وأما ما يعتريه الزيف والافتعال فلن يبقى له دوام.
____
*جريدة القبس

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *