د. فايز صياغ :معظم الاعمال المترجمة إلى العربية تعاني من القرصنة المشوهة وركاكة اللغة

(ثقافات)

 

(حوار استذكاري)

 الشاعر الأردني د. فايز صياغ :معظم الاعمال المترجمة إلى العربية تعاني من القرصنة المشوهة وركاكة اللغة

 حاوره : يحيى القيسي

 

برز أول الأمر شاعراً له اسهاماته المتميزة برفقة جيل الستينيات في الأردن، ثم ما لبث ان هجر الشعر متحولا إلى  الدراسة الأكاديمية والعمل البحثي حيث تخرج أولاً في الجامعة الأميركية ببيروت في تخصص علم الاجتماع، وأكمل في جامعة تورنتو بكندا لدرجة الماجستير في علم الاجتماع الصناعي، والدكتوراه في علم الاجتماع الاقتصادي،وهو اليوم باحث اول في مركز الدراسات الاستراتيجية في الجامعة الاردنية منذ 1999،وقد ساهم في تأليف وتحريرعدد من الدراسات بالعربية والانجليزية في شؤون التنمية والاقتصاد والاجتماع ،ومن مؤلفاته المنشورة باللغة العربية ” حكايات شعبية من الخليج 1989″ و” اصوات بالقصة القصيرة البحرينية ” 1989 ،و” الحب مثلا وقصائد اخرى – شعر 1988″ ، كلمات على الرمل – شعر 1975 ” ،إضافة إلى عشرات الكتب المشتركة والبحثية ،أما في مجال الترجمات من الانجليزية إلى العربية فقد أنجز ” عصر الثورة – اوروبا 1789-1848″ للمؤرخ اريك هوبزباوم 2006 وترجم اولا للمؤلف نفسه ، عصر رأس المال 1848-1914 ، ” عصر الامبراطورية 1875-1914 ” تأليف انتوني غدنز، ” بيكاسو : نجاحه واخفاقه ” من تأليف جون بيرجير  ” 1979 .

والرجل يتميز بقدرته الاحترافية على الجمع بين اللغتين العربية والانجليزية وتمكنه من العمل الدؤوب لترجمة مختارات من ابرز الكتب، ضمن أمانة نقلية عالية القيمة ، بعيدا عن قرصنة المترجمين الآخرين واستخفافهم بحقوق الكتاب المترجم لهم، ولكل هذا الجهد فقد فاز مؤخرا بجائزة الشيخ زايد للترجمة عن كتاب ” علم الاجتماع ” لأنتوني غيدز ، وهي ارفع جائزة عربية في الترجمة ،وارفع جائزة ادبية ينالها ايضا كاتب اردني ، هنا حوار مع الصياغ حول تجربته الشعرية وقضايا الترجمة وهواجسها .

 

لنبدأ من الكتاب الذي ترجمته وفاز بالجائزة، كيف اخترته في الأساس، وما هي قيمته العلمية ؟

 

علاقتي بالكتاب لها قصة إذ بدأت دراستي الجامعية في الأدب العربي في الجامعة الأميركية، ثم تحولت إلى الأدب الانجليزي ،وكنت آنذاك شاعرا معروفا ،ولكني فيما بعد تحولت إلى علم الاجتماع الصناعي إذ حصلت على شهادة الماجستير في هذا التخصص،وقد درست اثناء ذلك مؤلفات انتوني غيدنز عالم الاجتماع البريطاني المعروف،وقمت لاحقا بتدريسه في جامعة تورنتو بكندا،وإزاء ما لمحته من تشويه للفكرة الأجنبية المنقولة إلى العربية عن طريق القرصنة والاختلاس ،وايضا ما وجدته من ضحالة في كتب العلوم الاجتماعية والانسانية عموما في الجامعات العربية ،إضاة إلى نزعة التلقين والابتعاد عن الاستقصاء والبحث ، رأيت ان اول ما يمكن ترجمته هو كتاب ” علم الاجتماع ” الصادر في طبعته الأخيرة عام 2002 من خلال مؤسسة ترجمان في عمان،والمنظمة العربية للترجمة في بيروت، أما عن قيمة الكتاب فهو يشكل مرجعا محوريا ومعلميا للعلوم الاجتماعية في مجالاتها النظرية والتطبيقية ،سواء كان ذلك للأكاديميين  او الباحثين او الطلبة على حد سواء .

واسمح لي هنا بأن استشهد بفقرات مما كتبه الناقد ابراهيم العريس في مجلة “وجهات نظر” المعروفة عن اهمية الكتاب وترجمته :

” إن “غِدنْزْ  يهيمن تماماً في الفكر الأنجلو- ساكسوني على حيّز العلوم الاجتماعية، من دون أن يسمى لنفسه حزباً أو تياراً. فهو، بعد كل شيء، من نمط أولئك المفكرين الذين يؤمنون بنجاعة الفكر حين ينتج أفكاره، تاركاً للآخرين تنفيذها أو استلهامها”. كما أن ترجمة هذا الكتاب إلى العربية “شكلت فرصة طيبة للتعرف عن قرب وبالتفصيل على أفكار هذا الباحث الاقتصادي-الاجتماعي المميَّز الذي يعرف كيف يأخذ من أبرز أسلافه المفكرين أفضل ما عندهم ليصوغه نظرة إلى العالم تكاد تشمل كل شيء..،  أما ما يجعل من “علم الاجتماع” عملاً استثنائياً في طبعته العربية: فهو اشتغال مترجمه وواضع مقدمته النقدية  الدكتور فايز الصُيّاغ، بشكل لم يسبق له مثيل في الإصدارات العربية ” وحتى من دون أن نتوقف طويلاً عند دقة الترجمة وقوة العربية التي استخدمت فيها، نلفت إلى الإضافات المدهشة التي أضافها المترجم ” .

وماذا عن الصعوبات او التحديات التي واجهتها اثناء الترجمة من ناحية لغة الكتاب ومادته وأيضا حجمه ؟

 

 

ما لدي من خبرات معرفية في الترجمة والأدب وعلم الاجتماع بالاضافة إلى عملي خبير تنمية في الأمم المتحدة ، جعلني اواجه حتى في المؤلفات في العربية للعلوم الاجتماعية الافتقار إلى العلماء الاجتماعيين العرب،ولا سيما في المؤلفات التي ينسبونها إلى انفسهم.

في ترجمة هذا الكتاب تصديت إلى اشكاليتين في عملية النقل والتعريب، فبعد الاستئذان من الناشر والمؤلف الذي كتب مقدمة خاصة للطبعة العربية، ادخلت عددا هائلا من الاسهامات العربية في العلوم الاجتماعية حول كل موضوع عالجه الكتاب في أطر مميزة، مثلا دور ابن خلدون، وتعريف العولمة ومقتطفات مما كتبه ادوارد سعيد وحليم بركات والطاهر لبيب وبرهان غليون وسعد الدين ابراهيم وغيرهم .

وأي, H] أدرجت ايضا في نهاية كل فصل من هذه الفصول مجموعة من الأسئلة التي تحث الطالب والباحث العربي على المزيد من الاستقصاء لقضايا وثيمات اجتماعية تخص المجتمعات العربية، وقد ارفقت ايضا بالكتاب نحو 35 صفحة من تعريفات المفاهيم والمصطلحات السائدة في العلوم الاجتماعية المعاصرة .

بالنسبة للغة الكتاب الاصلية فقد كانت قريبة مني ، وفي المتناول لخبراتي المعمقة في اللغتين العربية والانجليزية،وخبراتي العملية ايضا ،وبالنسبة لحجم الكتاب فقد كان ضخما إذ يربو على 700 صفحة ،وقد استغرق مني نحو 4 اشهر علما بأنني غير متفرغ للترجمة فقط .

بالمناسبة كيف تلقيت الفوز بالجائزة وماذا تعني لك ؟

إن هذا التكريم إنما هو وسام على صدور المثقفين والمفكرين والمبدعين في الأردن وارجاء الوطن العربية ،وحافز ودعوة إلى الإقبال على الكتاب موضوعا ومترجما ،والانفتاح والاستقصاء النقدي وارتياد آفاق العلم والمعرفة على شتى المستويات،إن مشروع جائزة الشيخ زايد للكتاب يمثل رافدا اساسيا يتضافر مع مبادرات وتيارات رائدة اخرى ليصب في حركة تنويرية مستنيرة للنهوض العربي ومواجهة تحديات المستقبل، وليكون نافذة مشرعة لتعزيز الحوار الحضاري واثراء التفاعل الثقافي مع العالم الحافل بالتغيرات والمستجدات من حولنا .

لماذا لم تنشغل ايضا بترجمة الأدب العالمي بما انك شاعر متمكن من اللغة الأدبية وتتقن الانجليزية بشكل احترافي ؟

في الحقيقة فإنني اعتز بأنني كنت من اوائل مترجمي الشعر حتى قبل ان تبرز مجلة شعر في بيروت وحتى في مجلة “الأفق الجديد”  في الستينيات، وأنا اول من ترجم عن الانجليزية لشعراء مثل اليوت،لوركا،نيرودا،يفتشينكو،ولقد ترجمت ايضا مجموعة من الكتب ذات الطابع الثقافي مثل : بيكاسو نجاحه واخفاقه للناقد المعروف جون بيرجر،وحكايات شعبية من الخليج العربي ، لكني فيما بعد تحولت إلى العلوم الاجتماعية واصبح محور اهتمامي في الترجمة .

هل هناك حركة نقد للترجمة من الانجليزية إلى العربية او مراقبة ام ان الأمر متروك لمن هب ودب؟

باستثناء الكتب الصادرة عن قلة قليلة من المؤسسات العربية من جملتها ” المجلس الأعلى للعلوم والثقافة في الكويت ” و” المجلس الأعلى للثقافة والفنون في مصر ،و ” المنظمة العربية للترجمة ” في بيروت ، و” ترجمان ” في الأردن،فإن الوضع يتسم بالنزعة التجارية والارتجالية المقرصنة ،ولا توجد امانة اخلاقية او فكرية ،وهي مطلوبة في هذه الحالات.

لا ريب في أن الترجمة، من العربية وإليها، شأنها شأن الكثير من جوانب الثقافة العربية المعاصرة، تعاني أزمة متعددة الجوانب. ويصدق ذلك على مضمون الترجمات، مثلما يصدق على المستوى الحِرَفي والفني للنقل.

 ذلك أن محتوى الأعمال المترجمة يتراوح، في أغلب الأحيان، بين نقل الكتب ” الشعبية” الرائجة المتصلة بالترفيه العابر والشؤون الحياتية اليومية، وصولا إلى المؤلفات البحثية والعلمية والأكاديمية الوقورة. وإنا لواجدون، في كلتا الحالتين، مزيجا من الترجمات الامينة المتميزة والملتزمة بأصول النقل، وهي قلة قليلة، ومن الأعمال المُقَرْصَنة المشوَّهة التي تُصادر فيها الحقوق الأدبية والفكرية للمؤلف والناشر على السواء، مع تردي مستوى الأداء في صياغة العبارات وتعريب المصطلحات، وحتى في أبسط قواعد الصرف والنحو العربية. بل إن مجال الدراسات البحثية والأكاديمية – ’الموضوعة‘ لا المترجمة – حافلٌ، على نحو خاص، بانتحال المعلومات والمواقف والأفكار، مع إنكار حق المؤلف الأصلي، وعدم الإقرار بأية مراجع محددة لما يورده واضع المؤلف العربي.

ويتمثل هذا الجانب من الأزمة، في أجلى صوره، في نقل الدراسات الإنسانية والاجتماعية والعلمية المَعْْلَمية التي يُفترض فيها تعريف قادة الرأي والنخب التربوية والسياسية والاقتصادية، والأوساط الطلابية الجامعية العربية، بالإنتاج الفكري الجديد والمهم خارج العالم العربي، في المجالات الواقعة ضمن اهتمامات الأوساط العربية. كما يفترض في تلك المُتَرجَمات أن تستهدف، وفق خطة منهجية، الأعمال والمؤلفات الأجنبية المَعَْلَمية الجديدة أو ذات القيمة المتجددة، في مجالات الدراسات الإنسانية والعلمية، وفي العلوم الاقتصادية والاجتماعية والإدارية والسياسية والثقافية والفنية كافة، وعن اللغات الأصلية قدر المستطاع، مع الحصول، حسب الأصول، على حقوق الترجمة والنشر  اللازمة.

وماذا عن الوضع الحالي للترجمة من العربية وإليها وكيف يمكن العمل على انجاز حقيقي في هذا المجال في قادم الأيام؟

 

لا تفوتنا الإشارة إلى سلسلة من المبادرات العربية التي برزت خلال السنوات الأخيرة في ميدان الترجمة، على الصعيدين الوطني والقومي. فبالإضافة إلى مؤسسة محمد بن راشد آل مكتوم التي عقدت مؤتمر المعرفة الأول في أواخر تشرين الأول من العام المنصرم، فقد أعلن في وقت سابق عن جوائز زايد وخادم الحرمين ومؤسسة شومان للكتب المترجمة.  بيد أن الإنجازات التي حققتها بعض هذه الهيئات الرسمية أو الخاصة المتخصصة بالترجمة – التي اشرت إلى بعضها من قبل – خلال العقود القليلة المنصرمة، تظل في واقع الأمر شحيحة ومتواضعة إذا ما قورنت بالكم الهائل الذي تميز أكثره بالرداءة والغثاثة والتشتت، وغلبة الطابع التجاري وفقدان الدقة العلمية والأمانة الأخلاقية، وحتى القانونية.

ومع الإقرار بالدور الحيوي للهيئات التي تتعاطى التعريب وما يتصل به من أنشطة، فإن الخروج من هذه الأزمة لا يكون إلا ببناء نموذج جديد وصارم وممأسس للترجمة في العالم العربي، يتجسد في إستراتيجية ذات أهداف واضحة، ومشروعات وبرامج دقيقة محكمة، وآجال وآليات إنجاز محددة، وتستفيد مما اعتور الإستراتيجيات السابقة من أخطاء أو فشل. ومن المؤكد أن مثل هذا النموذج المقترح لن يستهدف الدمج أو التوحيد بين الهيئات العربية القائمة، بل سيحاول تأطيرها والتنسيق بينها وتشبيك بعضها مع بعض، وربما الأهم من ذلك، تقديم الدعم لها قياسا على الإنجاز الفعلي الكفء المبرمج، وفق خطة واضحة من جانب هذه المؤسسات الراهنة أو المقبلة.

لنعد إلى تجربتك الشعرية ونتساءل عن سبب توقفها او اجهاضها أم ترى انها تحولت إلى مسارت اخرى منذ نحو ثلاثين سنة او يزيد ؟

 

كنت اعتبر من اوائل الشعراء المحدثين ليس على صعيد الأردن فحسب بل منذ نشرت في مجلة “الآداب” في الستينات ومجلة ” شعر ” ،و” المعرفة ” السورية،وكنت قد اصدرت ديوانا شعريا بعنوان ” كلمات عل الرمل ” عام 1975 ،ولكنه احترق في بيروت مع نشوب الحرب الأهلية في دار عويدات للنشر ، اما الديوان الثاني فقد اصدرته فيما بعد،ويضم مختارات من شعري الذي كنت قد كتبته خلال فترة الستينيات وأوائل السبعينيات .

لا ادري بالضبط لماذا توقفت عن كتابة الشعر، ربما كان لنتائج حرب حزيران الكارثية اثر في ضياع الحلم لا بالمشروع القومي الكبير فحسب، بل بدور الشعر ،وربما الأدب عموما في هذا السياق .

وقد اتجهت انشطتي الفكرية والسياسية إلى العلوم الاجتماعية والتنمية البشرية التي اغتنت كثيرا كمستشار ومحرر لتقارير التنمية البشرية الأربعة التي اصدرها برنامج الأمم المتحدة الانمائي بين اعوام 2002-2006 والتي اعتقد انها اثرت كثيرا في اوساط المهتمين، يضاف إلى ذلك عملي كمستشار ومحلل للشؤون الاقتصادية والسياسية في مركز الدراسات الاستراتيجية بالجامعة الأردنية .

* نشر هذا الحوار في القدس العربي 2008

شاهد أيضاً

رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان

(ثقافات) رواية “قناع بلون السماء”…ملامح الهوية الفلسطينية بين التحقق والذوبان  صفاء الحطاب تذهب بنا رواية …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *