شَرحْ مِيمَية القَاضِي الجُرْجَاني

(ثقافات)

 

شَرحْ مِيمَية القَاضِي الجُرْجَاني

العَلاَّمَة أَبُو الحَسَنِ عَلِيُّ بنُ عَبْدِ العزيز

٣٢٣ _ ٣٩٢ هـ

كتبه: الفقير إلى ربه؛أحمد ابن أبيه 

________________

[ مقدمة ]

بسم اللّٰه الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على أشرفِ الأنبياءِ والمرسلين نبينا محمدٍ وعلى آله وصحبهِ أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين وبعد:

سمعت البعض ينشد ميمية القاضي الجرجاني بمطلعها المعروف في عصرنا، قوله:

يقولون لي فيك انقباض وإنما = رأوا رجلاً عن موقف الذل أحجما

أرى الناس من دانهم هان عندهم = ومن أكرمته عزة النفس أُكرما

إلى آخر القصيدة التي ينشدونها في ست وعشرين بيتاً. ومن له دراية في الذوق لا يغيب عنه أن هناك حديث غاب قبل هذا البيت كما هو بين. فالسؤال: لماذا يقولون للقاضي الجرجاني فيك انقباض ؟ ألا يجدر بأن يكون هناك مقال سبق هذا البيت ؟!

السؤال نفسه الذي طرحته على نفسي، وجدت الكثيرين لم يطرحوه لانتقائهم ما تواتر من القصيدة. حتى إن أحدنا يكاد يقسم بأنهم أخذوا القصيدة على وجهها الظاهر دون معرفة باقي أوجهها الحقيقية، أو ينبشوا حول صحة روايتها ومصادرها !

وبما أنني كنت قد أمليتُ جلَّ قولي هنا مختصراً به على أعز أصحابي، حفظا ودراية دون الاستعانة بورقة بفضل اللّٰه، وذلك يوم الأحد في الثامن والعشرين من رجب لهذه السنة ١٤٤٤هـ في وسط البلد بمجلس حكاية المدينة، طاب لي كذلك أن أشارككم هذا النفع المفيد لأهمية القصيدة عندي ولمعالجتها لأكبر مشكلة تواجه المفيدين من العلم، ومعلميه. مع وضع شرحٍ لها لا يتضارب مع سهولة شعر هذا الشاعر.

[ حياته ]:

ولد صاحبها (( القاضي الجرجاني )) أبو الحسن علي بن عبد العزيز بن الحسين بن علي بن إسماعيل في مدينة جرجان في حدود سنة ثلاثة وعشرين وثلاثمائة ٣٢٣هـ. وربما توفي والده مبكراً في صباه، لأننا نرى أخاه الكبير محمد الفقيه والمناظر الحجة، يصحبه معه إلى نيسابور ليطيلان المقام فيها بطلب الحديث وسماعه. وهذا جعل المؤرخين يتحدثون عن فترة إقامة الجرجاني بنيسابور، إذ يقول الثعالبي في كتابه يتيمة الدهر: ( وقد كان في صباه خلف الخضر في قطع عرض الأرض، وتدويخ بلاد العراق والشام وغيرها، واقتبس من أنواع العلوم والآداب ما صار به في العلماء عالماً.. )). وقال ياقوت في معجم الأدباء: إنه (( لقي مشايخ وقته، وعلماء عصره )).

ولهذا نرى القاضي الجرجاني ألف في التفسير والفقه والنقد، كما أن له شعرًا ورسائل في مختلف الاتجاهات الفنية. ولعل كتابه ( الواسطة ) يدل على اطلاع واسع على دواوين الشعراء السابقين، وعلم غزير. ومعرفة بالغريب، ومقدرة على فهم معاني الشعر.

ولم يرجع الجرجاني صاحبنا إلى بلده إلا وقد وعى ما وعى من العلم والأدب، وربما كان يأمل أن يجد تقديراً من حكام عصره، فيولوه عملا يدر عليه رزقاً واسعا يناسب ثقافته العالية. ولكن هذا الأمل لم يتحقق، فانزوى في بيته منفقا من صبره.

وظل على هذه الحال حتى اتصل بوزير بني بويه، الأديب الغمر والوزير المشهور ” الصاحب بن عباد ” فوضعه في محل رفيع، وأجله، وقدر علمه وبيانه، وولاه قضاء مدينته جرجان.

وفي هذا الباب يقول:

وشيدتُ مجدي بين قومي، فلم أقل: = ألا ليت قومي يعلمون صنيعي

ومن يقرأ في ترجمة الأديبين الجرجاني ومحبه الوزير الصاحب بن عباد، يلاحظ غرام الوزير به وشدة حاجته ليكون بجانبه أينما ولى وجهته. فحين نزل الصاحب بن عباد مقيما في الري، أعطاه أيضا القضاء فيها. لكن، ورغم الحب والتقدير الذي منحه الصاحب بن عباد للقاضي، إلا أنه ترك القضاء لسبب مجهول، وربما لأجل العلم بذاته، لأنه قال في ذلك:

ما تطعمتُ لذةَ العيشِ حتى = صرتُ للبيتِ والكتابِ جليسا

ليس شيءٌ أعزَّ عندي من العلم = فَلِم أبتغي سواه أنيسا

إنما الذُّلُّ في مخالطةِ النَّاس = ، فَدَعهُم، وَعِش عزيزاً رئيسا

لم يكف القاضي عن هذا المنصب في القضاء إلا وكان اسمه علمًا في أرجاء العالم الإسلامي بما نثر ونظم وألف.

وعلى الرغم من أن ترجمته ليست كبيرة بأيدينا، ولم يذكر أحد تلاميذه وشيوخه، غير أن ياقوت روى أن عبد القاهر الجرجاني قرأ عليه، واغترف من بحره، وكان إذا ذكره في كتبه تبخبخَ به، وشمخ بأنفه بالانتماء إليه.

توفي رحمه اللّٰه بالريّ سنة اثنتين وتسعين وثلاثمائة، وقيل غير ذلك. وحمل إلى جرجان.

ولا نعرف أحداً ترجم إليه بدقة وغزارة، كما ترجم له الثعالبي في يتيمة الدهر، حتى أخذ عنه من تبعه، وفيه يقول:

حسنةُ جرجان وفرد الزمان، ونادرة الفلك، وإنسان حدقة العلم، ودرة تاج الأدب، وفارس عسكر الشعر، يجمع خط ابن مقلة، إلى نثر الجاحظ، ونظم البحتري، وينظم عقد الإتقان والإحسان، في كل ما يتعاطاه. وله يقول الصاحب بن عباد:

إذا نحن سلمنا لك العلم كله = فدع هذه الألفاظ ننظم شذورها

وعلى الرغم من إنَّه لم يصلنا من مؤلفاته إلا رسالة ذكرها ياقوت في معجم الأدباء، وكتابه الواسطة بين المتنبي وخصومه إلا أنه كتب أيضا تفسير القرآن، وتهذيب التاريخ، وله ديوان شعر ذكره غير واحد من الآئمة، حتى بلغت أشعاره من شهرتها البلدان والأمصار، وسارت بين الناس وضُربت بها الامثال. وبقيت بعض هذه الأشعار معكوفة في كتب التراث، وربما لم يبلغنا منها إلا قصيدته التي دائما يقدمونها بقولهم: ( يقولون لي فيك انقباض وإنَّما… ) التي جاءت في ديوان الجرجاني الذي جمعه سميح إبراهيم صالح، وهي ليست كاملة لمن يقرأها.

[ جهود السابقين في إخراج الديوان ومتن القصيدة ]:

أما قصة هذا الديوان وخبر العثور على القصيدة فهي أن الأستاذ سميح إبراهيم صالح في إحدى أيام الطلب في المرحلة الجامعية أطلعه والده المحقق والأديب إبراهيم صالح على القصيدة، وأثاره على جمع أشعار القاضي الجرجاني، فذهب ليجمع مادته من شتى مصادر التراث الأدبي الزاخر. وانتهى من جمعه ودراسته سنة ١٩٩٥. ولكن تأخر في نشر الديوان، ليتأكد من تمام العمل. فما هي سنة ٢٠٠٣ تقبل، حتى نشرته دار البشائر في دمشق.

لكن هذا الديوان الذي بأيدينا وفي مكتباتنا، ما كان صنع رجل وأحد، إذ ساعده والده في إخراجه وضبطه. ولمن لا يعرف والده، فهو من كبار المحققين الذين اشتفوا جواهر المخطوطات ونشروها. حقق والده إبراهيم صالح كتاب المستطرف في كل فن مستظرف للأبشيهي، وكتاب ألحان السواجع للإمام اللغوي الكبير خليل بن ايبك الصفدي، وحقق كذلك كتاب نوادر الرسائل، وعقود الجمان على وفيات الأعيان وغيرها من الكتب. وهذا إن دل على شيء فحسبنا أن نعلم مدى دلالته وأثره على ولده سميح وجمعه لديوان الجرجاني.

ورغم الجهد التي بذله الأستاذ سميح إبراهيم صالح في جمعه لأشعار الجرجاني إلا أنه ترك ما ترك من المخطوطات والكتب التي لم يستطع الوقوف عليها.

وبعد أن انتشر ديوان القاضي الجرجاني واشتهرت أشعاره من جديد بين العامة والخاصة. بعث الدكتور والمحقق الكبير جليل العطية رسالة إلى صديقه إبراهيم صالح، يخبره فيها: (( لقد وقعت بين يدي قصيدة للقاضي الجرجاني، أظنها تحمل أبياتا جديدة له، فأحببت أن أضعها بين أيديكم لعلها تنفع محروسكم ( سميح ) حفظه الله )). ومع هذه الرسالة صفحتين مخطوطتين للقصيدة في وأحد وخمسين بيتا.

فسأله الاستاذ إبراهيم عن اسم الكتاب الذي وردت فيه القصيدة _ فحتما لن يأخذها ويقبل بها إلا بعلم مصدرها _ فأجابه بأنه عثر عليها في مخطوطة لكتاب ( رياض الآداب ومنازه الألباب ) لمؤلف وناسخ مجهول. وأشار إلى رقم المخطوطة الموجودة في مكتبة مصطفى أفندي بإستانبول. والكتاب يشتمل على منتخبات من خمسة وعشرين ديوانا لشعراء عاشوا بين القرن الثالث والسادس.

فلما اطمأن الأستاذ إبراهيم لصحة المتن في يده والذي كان مطلعه:

بأيّامِنا بين الكثيبين فالحمى = وطيب ليالينا الحميدةِ فيهمَا

ووصْلٍ وَصَلنا بين أعْطافِه المُنى = برَدِّ زمانٍ كان للَّهو تَوْأَمَا

صَحِبْنَا بِهِ شَرْخ الشَّباب فدلَّنا = على خُلَسٍ أفْضَى إليهنَّ نُوَّمَا

أضاف _ جزاه اللّٰه _ إلى الواحد والخمسين بيتا، أربعة أبيات من القصيدة التي جاءت في الديوان الذي جمعه ولده _ وهي التي أخذها نقلاً عن كتاب ( شرح المضنون به على غير أهله للشيخ العلامة عبيد الله العبيدي ) _ فاجتمعت في خمسة وخمسين بيتا كاملة. ثم قدم للقصيدة، واستدرك على ولده، وقام بنشرها في مجلة مجمع اللغة العربية بدمشق، في المجلد التاسع والسبعين، الجزء الرابع. وهذا ما لا يعرفه بعض من حفظوا الأبيات الأولى على وجهها المرسوم في الديوان، حتى إذا ما صدر أحدنا نشيده بأول ما عثر عليه جليل العطية، شعر ناحيتهم بالوحشة والنفور، ورأوا منه غريباً مغلوظ.

وهذا المطلع لم يروى فقط في الكتاب المخطوط الذي سبق وذكرناه، وربما غاب عن أستاذنا إبراهيم وصديقه المحقق جليل العطية إنَّ أحمد بن يحيى العمري في كتابه مسالك الأبصار، ذكره في المجلد العاشر في الصفحة وأحد وثلاثين وخمسمائة. فهذه الرواية ثانية خرجت بها لتزيدنا ثقة بأن المتن مكتمل كما وثقوا به أول مرة كبار المحققين. كذلك ذكر بعض أبيات القصيدة ابن عساكر في مختصر تاريخ دمشق، ومحمد العبيدي في التذكرة السعدية، وغيرهم من المصنفين في مختلف كتبهم.

ولا ننسى قبل التعريج على القصيدة أن نشكر الأستاذ الدكتور المحقق الجليل “عزة حسن” الذي ضبط بعض كلماتها، وأظهر صوابها، واستدرك بها على أستاذنا إبراهيم صالح في مواضع الخلل التي لاحت له. فقد أفادت صفحاته التي نشرها في مجلة مجمع اللغة العربية في دمشق ( المجلد ٨١: الجزء ٤ ) في إتمام صوابها وتفادي مشكلاتها. وأحسب أنه قال كلمة جوهرية كانت في نفسي وهي: (( وفي هذه القصيدة القديمة أشياء كثيرة تحتاج إلى الشرح والتفسير والإيضاح. تركها الأستاذ إبراهيم غير مجلوة، ولم يلتفت إليها )).

وقبل أن أقرأ كلمته هذه، وضبطه لبعض الكلمات، كنت قد أنهيت شرحي على القصيدة، فشكرت اللّٰه أن هناك من وافق إحساسي وشعر بأنها تحتاج إلى الشرح، حتى لا يظن مقصر بأن عملي تكلفٌ، أو شيئٌ من هذا القبيل !.

أما قصة هذه القصيدة وسببها فقد روى ابن حجة الحموي في ثمرات الأوراق، فقال: (( يحكى أن القاضي أبا الحسن علي بن عبد العزيز الجرجاني كان يمر على الناس ولا يسلم عليهم فلامه بعض أصحابه في ذلك فقال: يقولون لي فيك أنقباضٌ وإنَّما .. الخ القصيدة )).

ووصفها الأستاذ سميح إبراهيم صالح في الديوان فقال:

(( ميمية القاضي الجرجاني أشهر قصائده، وبها اشتُهر، وهي من عيون الشعر، ومن حُرِّهِ وكريمهِ، تقطُرُ عزةً وإباءاً، وخاصة عزة نفس العلماء؛ صور فيها القاضي نفس العالم الحر الذي يأبى الهوان مستشعراً كرامته إلى أقصى حد، وإنَّه ليأبى أن يروى من منهلٍ قد يصيبه منه ما يؤذي نفسه، وإنَّه ليزدري العالم الذي يلهث وراء أطماعه في الدنيا، ناسياً أنَّ من شأن علمه أن يجعله مخدوماً لا خادماً، وسيداً لا عبداً، وإلا كان الجهل خيراً منه، ويزدري من يراهم حوله من العلماء صغار النفوس الذين لم يصونوا حرمة العلم، بل دنسوه ولطخوه بهوان كبير )).

وقال تاج الدين السبكي في طبقات الشافعية بعد ذكر القصيدة: (( لله هَذَا الشّعْر مَا أبلغه وأصنعه وَمَا أَعلَى على هام الجوزاء مَوْضِعه وَمَا أنفعه لَو سَمعه من سَمعه وَهَكَذَا فَلْيَكُن وَإِلَّا فَلَا أدب كل فَقِيه ولمثل هَذَا النَّاظِم يحسن النّظم الذى لَا نَظِير لَهُ وَلَا شَبيه وَعند هَذَا ينْطق الْمنصف بعظيم الثَّنَاء على ذهنه الْخَالِص لَا بالتمويه .. )).

وهي عندي مهمة لكل طالب وقارئ لما فيها من إصلاح للنفوس وعزة لا ينبغي أن يتفلت منها من أراد العلى.

۞ ۞ ۞

[ الشرح ]

قال القاضي الجرجاني رحمه اللّٰه [ من الطويل ]:

١ بأيّامِنا بين الكثيبين فالحمى = وطيب ليالينا الحميدةِ فيهمَا

في التاج: الكثيب: هو التل المستطيل المحدودب، من الرمل. قال تعالى: وكانت الجبال كثيبا مهيلا [المزمل/14] أي: رملا متراكما، وجمعه: أكثبة، وكثب، وكثبان. والحِمَى: ما حُمِيَ من شي‌ءٍ.

يريد أنه كانت له ليالي حميدة بين الكثبان والمواضع الآمنة.

٢ ووصْلٍ وَصَلنا بين أعْطافِه المُنى = بِرَدِّ زمانٍ كان للَّهو تَوْأَمَا

المنى: الموت. ويعني أنه وصل للهو الذي هو شبيهاً بالموت.

٣ صَحِبْنَا بِهِ شَرْخ الشَّباب فدلَّنا = على خُلَسٍ أفْضَى إليهنَّ نُوَّمَا

الشرخ: أول الشباب. والخلس: الاختلاس والانتهاز. والضمير في إليهن عائد لقوله ( ليالينا ). ونوما: هنا جمع نائم.

يريد: أنه صحب اللهو في أول شبابه فدله على النوم.

٤ فلم ْنرضَ في أخلاقنا النُّصحَ مَذْهَبَا = ولا اللَّومَ في أسماعنا مُتَلَوَّما

مذهبا: طريقاً. متلوما: أي متعرض للوم في الفعل السيىء.

أي لم نتخذ النصح طريقا ليرشدنا للصواب، ولم يضر اللوم في اسماعنا أبدا.

٥ إذا شَاءَ غاوٍ قادَ لَحْظَاً مُوزَّعاً = على غَيِّه أو شَافَ قَلْباً مُقَسَّمَا

غاو: بمعنى تائه وضال. وقوله لحظا: أي نظر إليه. وعلى غيه: أي على ضلالته.

يعني: إذا أراد تائه أو ضال أن ينظر فسوف ينظر إلى ضلاله أو لقلب مقسم.

٦ أعِنِّي على العُذَّال أو خَلِّ بَيْنَنَا = تُريْكَ دُموعيْ أَفْصَحَ القَوْلِ أَبْكَما

أعني: يخاطب المقصود بهذه القصيدة ليساعده. والعذال: جمع عاذِل أي لائم، والجمع: لائمون. وخلِّ بيننا: يريد من المقصود أن يدعه ويدع الُوَّام، فدموعه كفيلة بأن تفصح له القول بلا صوت. وهذا دليل على أن الشاعر مل الجُهال.

٧ وطَيْفٍ تخطّى أعيُنُ النَّاسِ والكَرَى = إلى ناظرٍ يَلْقى التَّبَاريحَ مِنْهُمَا

الطيف: الخيال. وتخطّى: وجدتها ( تَخَطَّتَ ) فوضعت الصحيح لاعتقادي أن هذا سهوا من الاستاذ إبراهيم صالح. والكرى: النوم. والتباريح: لوعته وتكاليفه، وقد تكون الشدائد وهي أقرب للصواب في هذا الموضع.

أي: بعد أن طلب الشاعر في البيت السابق من المقصود أن يساعده أو يدعه ويدع الوأم لأن دموعه تريه ما لا يقال، أضاف: بأن الخيال أيضا اجتاز أعين الناس ونومهم حتى وصل إلى ناظر يلقى الشدائد بسببهما.

٨ تنَسَّم ريَّاهُ و بشَّرَهُ بهِ = تناقُصُ ضوءِ البدرِ في جِهَة الحِمَى

تنسم: شَمَّهُ، والضمير هنا إلى الجاهل الذي لقي الشدائد بسبب النوم والخيال. والريا: الريح الطيبة. والحمى: تقدم ذكره

يعني: شم ذاك الذي يصفه الريح الطيب الذي بشره به ضوء البدر في الجهة الآمنة.

٩ وعَزَّ على العَيْنَيْنِ لو لمْ تُرَغَّبا = من الطَّيْفِ في إلمامَةٍ أن تُهَوِّما

إلمامة: إحاطة سريعة بموضوع. وتهوما: أي تنامان نوما خفيفا. والمعنى واضح.

١٠ ولمَّا غَدَا والبينُ يَقْسِم لحْظَهُ = على مُكْمَدٍ أغْضَى ورأْسٍ تبسَّما

البين: الفرقة. ولحظه: ما لاحظه بعينه. ومكمد: من كَمِد الرجل: كتم حزنه، أو حزن حزنًا شديدًا. وأغضى: أدنى الجفون، كما في الصحاح.

أي: ولما ذهب كتم حزنه واظهر ابتسامته لكي لا يتسم بأثر الفراق.

١١ فمِنْ قائِلٍ: لا آمنَ اللهُ حاسِداً = وقائلةٍ: لا روَّعَ البيْنُ مُغْرَمَا

وهذا البيت متمم لما سبق من ثبات المقصود وكتم حزنه بسبب الفراق، وبسبب من قال لا آمن الله حاسدا، وقائلة: لا روع البين مغرما: أي لا أفزع الفراق مغرم أو عاشق. وانظر متابعة وصفه في البيت التالي.

١٢ بَدَت صُفْرَةٌ في وَجْنَتَيْهِ فلمْ تَزَلْ = مَدَامِعُه حتَّى تشرَّبَتَا دَمَا

البيت واضح، وهي صورة المغموم.

١٣ سَقَى البَرقُ أكْنَافَ الحِمَى كلَّ رائحٍ = إذا قَلِقَتْ فيه الجنُوبُ تَرَنَّمَا

أكناف: بمعنى جانب. والحمى تقدم ذكره. والجنوب: ريح تهب من جهة الجنوب، وهي الريح القبيلة. وفي اللسان: هي التي تهب في كل وقت، ومهبها ما بين مهبي الصبا والدبور مما يلي مطلع سهيل. وترنما: اهتز.

أي اهتز هذا الرجل بريح الجنوب بعد أن رأى البرق يلمع في الأرض من حوله. والبرق هنا إشارة للبرد لانه غالباً لا يبرق إلا به. والعجز الثاني للبيت مشابه لقول كثير عزة:

جَنُوبٌ، تُسامِي أَوْجُهَ القَوْمِ، مَسُّها = لَذِيذٌ، ومَسْراها، مِنَ الأَرضِ، طَيِّبُ

١٤ إذا أَسْبَلَتْ عيناهُ لمْ تبقَ رَبْوةٌ = من الأرضِ إلا و هي فاغِرَةٌ فَمَا

اسبلت عيناه: أي أمطرت وفاض دمعها، واسبل الشيء: أرسله وارخاه. والربوة: التلة الصغيرة. والمعنى بين.

١٥ تَرَى الأرضَ أَنْجَمَتْ مُتَطَايراً = فإن أَنْجَمَتْ صارَتْ سماءً وأَنْجُمَا

أنجمت: أي انكشفت نجومها، وربما يريد بالنجوم أبا عمرو الذي ذكره في البيت السابع عشر.

١٦ تُسَالِبُهَا أَنْفاسَها نفسُ الصَّبا = و تُهْدي إليْها الشَّمسُ شيئاً مُسَهَّمَا

تسالبها أنفاسها: أي تخطف أنفاسها. ونفس الصبا: هي نسيم الصبا، الريح التي تهب من مطلع الشمس وهي أفضل الرياح، قال امرؤ القيس:

إذا قامَتا تَضَوّعَ الْمِسْكُ مِنْهُمَا = نسيمَ الصَّبا جاءت برَيّا القَرَنْفُلِ

والمراد: أن الأرض سلبت أو جذبت إليها ريح الصبا بمعونة الشمس، وذلك لدخول أبا عمرو إليها كما هو واضح في البيت التالي.

١٧ كأنَّ أبا عمروٍ تخلَّلَ رَوْضَها = ففاحَ بهِ عَرْفَاً و أشرَقَ مَبْسَما

تخلل: أي نفذ ودخل إليها. والروض: الأرض المخضرة. وعرفا: ريح طيب. والمعنى واضح.

١٨ إذا زادَت الأيَّامُ فينا تَحَمُّلاً = وحَيْفَاً على الأَحْرَارِ زادَ تَكَرُّمَا

حيفا: أي ظلما. وزاد تكرما: يريد أبا عمرو نفسه.

١٩ إذا هابَ بَعْضُ القَومِ ظُلْمَاً أَظَلَّهُ = تَجَلَّتْ مَسَاعِي أَوَّلَيْهِ فَأَقْدَمَا

أي من مساعيه أنه يظلل الظلم فلا يجعله ظاهر.

٢٠ سَقَى اللهُ دَهْرَاً سَاقَنِي لجِوَارِهِ = وإنْ كانَ مَشْغَوْفَاً بِظُلْمِي مُتَيَّمَا

سقى الله: تفيد بالدعاء. والمعنى لا شك واضح.

٢١ سَأَشْكُرُ ما تُولِيهِ قَولاً و نِيَّةً = ِفإن قَصَّرا نَابَ اعْتِذاريَ عَنْهُمَا

يقول له سأشكرك على قولك ونيتك فإن كانا أقل مما أظهرت فسوف ينوب عنهما اعتذاري. وهذا لأن شكره لا ينقص.

٢٢ فَسَحْتَ رَجَائِيْ بَعْدَ ضِيْقِ مَجَالِهِ = وأَوْضَحْتَ لِيْ قَصْدِيْ وَ قَدْ كَانَ أَظْلَمَا

٢٣ وَمَا زِلْتُ مُنْحَازَاً بِعِرْضِيَ جَانِبَاً = مِنَ الذَّمِّ أَعْتَدُّ الصِّيَانَةَ مَغْنَمَا

أي وما زلت أقف جانباً متجنب الذم لأني أعتد الصيانة غنيمة.

٢٤ إذا قِيْلَ: هذا مَشْربٌ قُلْتُ: قَدْ أَرَى = ولَكِنَّ نَفْسَ الحُرِّ تَحْتَمِلُ الظَّمَا

يفهم من الشاعر أنه لا يهرع للشرب إن قيل له: هذا مشرب. وذلك لأنه حر يحتمل العطش. وهذا من عزة نفسه.

٢٥ أُنَهْنِهُهَا عن بَعض ما لا يَشِينُهَا = مَخَافَةَ أَقْوَالِ العِدَا فيمَا أو لِمَا

انهنهها: ضمير للنفس. ويشينها: يعيبها. والمعنى واضح

٢٦ فَأُصْبِحُ مِنْ عَيْبِ اللَّئِيمِ مُسَلَّماً = وقَدْ رُحْتُ مِن نَفَسِ الكَريمِ مُعَظَّمَا

عيب: كانت ( عتب اللئيم ) وربما من خطأ النسخ صحفت، فاخترنا الصواب.

٢٧ فَأُقْسِمُ مَا عَزَّ امْرُؤٌ حُسِّنَتْ لَهُ = مُسَامَرَةُ الأَطْمَاعِ إنْ بَاتَ مُعْدِمَا

٢٨ يَقولونَ: ليْ فيْكَ انْقِبَاضٌ وإنَّمَا = رَأَوا رَجُلاً عنْ مَوْقِفِ الذُّلِّ أَحْجَمَا

انقباض: خلاف انبساط. وأحجما: يقول اجمته عن الشيء أي كففته عنه فكف.

والمراد أن الحساد يقولون له ليس فيك انبساط بل فيك انقباض لأنهم ما رأوا إلا رجل _ يعني نفسه _ أحجم وكف عن موقف الذل. ومن هذا البيت وما بعده من الأبيات، اشتهرت هذه القصيدة حتى صار الطالب يبدأ به !

٢٩ أَرَى النَّاسَ مَنْ دَانَهُمُ هَانَ عِنْدَهُمْ = ومَنْ أَكْرَمَتْهُ عِزَّةُ النَّفْسِ أُكْرِمَا

المعنى واضح.

٣٠ ولَمْ أَقْضِ حَقَّ العِلْمِ إِنْ كَانَ كُلَّمَا = بَدَا طَمَعٌ صَيَّرْتُهُ لِيَ سُلَّمَا

أي لم يتقدم الشاعر بعلمه ولم يرتقي به، كأن يقول مثلاً: أنا عالم وقاضي وفقيه وشاعر. لكي ينال لأجله العيش أو يرتقي عند الناس لأنه كذا وكذا وليس لأنه هو نفسه الإنسان البسيط.

٣١ ولمْ أَبْتَذِلْ في خِدْمَةِ العِلْمِ مُهْجَتِيْ = لِأَخْدِمَ مَنْ لَاقَيْتُ لَكِنْ لِأُخْدَمَا

الخدمة: مصدر خدمه يخدمه. ومهجتي: المهجة الدم، وحكى عن اعرابي أنه قال: دفنت مهجتي، أي دمه. والمهجة: دم القلب خاصة، ويقال مهجته إذا خرجت روحه. والمعنى واضح.

٣٢ أَأَشْقَى بِهِ غَرْسَاً و أَجْنِيْهِ ذِلَّةً = إِذَنْ فَاتِّبَاعُ الجَهْلِ قَدْ كَانَ أَسْلَمَا

الضمير به عائد إلى العلم، والباء للسببية. وهذا البيت جواب للسائل كما هو بين، وجزاء لمن غرس وشقى بذلك الغرس، ويجني الذلة منه.

والمعنى: يقول أأشقى بالعلم لأجل أن أغرس شجرا من الفائدة والعلم، ويفيدون منه وأنا أقطف منه الذلة والخسة. فإذا كان كذلك، فاتباع الجهل قد كان أولى وأحزم من اتباع العلم، حتى لا يحصل لنا الخسة والذلة مع المشقة الشديدة. والشاعر هنا استعار استعارة مليحة لها رشحة لمن تأمل.

٣٣ ولَوْ أنَّ أَهْلَ العِلْمِ صَانُوهُ صَانَهُم = ولَوْ عَظَّمُوهُ فِيْ النُّفُوسِ لعُظِّمَا

يقول: لو أن أهل العلم، أي العلماء، صانوا العلم، لصانهم العلم. وصيانة العالم للعلم تكون بملازمة التقوى وطاعة أمر اللّٰه واجتناب المعاصي، وصيانة العلم للعالم بأن صاروا معظمين موقرين عند اللّٰه والناس والدنيا والآخرة.

٣٤ ولَكِنْ أَذَالُوهُ فَهَانَ ودَنَّسُوا = مُحَيَّاهُ بالأَطْمَاعِ حَتَّى تَجَهَّمَا

يقول: لكن العلماء اهانوا العلم فهانوا لأن فخرهم وفضلهم بالعلم، ودنسوا أيضا وجه العلم بالاطماع والحرص حتى صار العلم عبوسا كالحاً عليهم.

٣٥ فِإنْ قُلْتَ جَدُّ العِلْمِ كَابٍ فِإنَّمَا = كَبَا حِيْنَ لَمْ يُحْرَسْ حِمَاهُ وأُسْلِمَا

كَابٍ: كَبَا يَكْبُو كَبْواً و كبْوَةً : عَثَرَ. و كَبَا الفَرَسُ: أي تعثر، ومن ذلك قول العجاج يمدح عبد العزيز بن مروان:

جَرَى ابنَ لَيْل جِرْيَةَ السَّبُوحِ = جِرْيةَ لا كابٍ و لا أَنوحِ‌

أي لا يجري جرية فيها تعثر أو جزع. وكاب هنا بمعنى: لا يستقر على وجه الأرض.

والمعنى: يرد الشاعر على السائل فيقول له: إن قلت أن أصل العلم متعثر ولا يستقر على الأرض, فإنما تعثر وبات غير مستقر لأنه لم يحرس حماه وأسلما. وحماه قد تكون هنا: بمعنى أصول العلم. وأسلما: أعطي العلم لغير أهله. واللّٰه أعلم.

٣٦ وإنِّيْ إِذَا مَا فَاتَنِيْ الأَمْرُ لَمْ أَبِتْ = أُقَلِّبْ كَفِّيْ إِثْرَهُ مُتَذَمِّمَا

أي إذا فات عني شيء من أمور الدنيا، لم أبت أقلب فكري متندم عليه.

٣٧ ولَكِنَّهُ إِنْ جَاءَ عَفْوَاً قَبِلْتُهُ = وإنْ مَالَ لَمْ أُتْبِعْهُ هَلَّا و لَيْتَمَا

أي: لكن إذا جاء الأمر عفواً _ أي من غير مسألة _ قبلت ذلك الشيء. وإن مال عني، لم أتبعه قولاً: هلا فعلت ذلك حتى يحصل لي ما يحصل لغيري، وليتما فعلت ذلك. فالشاعر هنا لا يتذمم أو يطمع، إنما يرضى بقسمة اللّٰه له.

٣٨ وأَقْبِضُ خَطْوِيْ عَنْ حُظُوْظٍ كَثِيْرَةٍ = إذَا لَمْ أَنَلْهَا وَافِرَ العِرْضِ مُكْرَمَا

ويؤكد هنا أنه يقبض في سيره للنصيب الوافر، وأنه إذا لم ينله، يبقى كريما ولا يؤثر هذا في نفسه.

٣٩ وأُكْرِمُ نَفْسِيْ أَنْ أُضَاحِكَ عَابِسَاً = وأَنْ أَتْلَقَّى بالمَدِيْحِ مُذمَّمَا

وهنا يريد أنه يكرم نفسه وعرضه من أن يضاحك عبوس وأن يمدح رجل مذموم. فهو لا يعطي للرجل إلا ما يستحقه، وهذا لشدة عزته وقوة نفسه.

٤٠ وكَمْ طَالبٍ رِقِّيْ بِنُعْمَاهُ لَمْ يَصِلْ = إليْهِ وإنْ كَانَ الرَّئيْسَ المُعَظَّمَا

الرق: العبودية. والمعنى يقول: كم طالب لم تصله عبوديتي، وإن كان ذلك الطالب الرئيس المعظم.

٤١ ومَا كُلُّ بَرقٍ لاحَ لِيْ يَسْتَفِزُّنِيْ = وما كُلُّ مَا فِيْ الأَرْضِ أَرْضَاهُ مُنْعِمَا

برق: هنا بمعنى ملك وسلطان وعالم.

وكأنه يقول: كم تاجر وعالم وسلطان استفزني ودعاني ولست أرضى بكل من ينعم ويكرم. فهو لا يغتر بمكانة الناس ولا بما تملكه يداهم.

٤٢ ولكِنْ إذا مَا اضْطَرَّنِيْ الأَمْرُ لَمْ أَزَلْ = أُقَلِّبُ فِكْرِيْ مُنْجِدَاً ثُمَّ مُتْهِمَا

يقول: لكن إذا ألجأني الأمر إلى ملازمتهم لم أبت أقلب فكري وتأملي مرتفعا ثم منخفضا.

٤٣ إلى أَنْ أَرَى مَنْ لا أَغَصُّ بِذِكْرِهِ = إذا قُلْتُ قَدْ أَسْدَى إليَّ وأَنْعَمَا

يعني: أنه يبقى مقلبا فكره حتى يظهر من لا يغص ولا يشجى بذكره عند الحساد.

٤٤ وإنِّي لَرَاضٍ عَن فَتَىً مُتَعَفِّفٍ = يَرُوحُ و يَغْدُو لَيْسَ يَمْلِكُ دِرْهَمَا

٤٥ يَبِيْتُ يُرَاعِيْ النَّجْمَ مِنْ سُوءِ حَالِهِ = ويُصْبِحُ طَلْقَاً ضَاحِكَاً مُتَبَسِّمَا

أي أنه راضي عن فتىً زاهد يضرب في الحياة وليس يملك مالا، ومن سوء حاله ينظر إلى السماء مراعيا النجم فيها، فيضحكه هذا ويجعله متبسم.

٤٦ ولَا يَسْأَلُ المُثْرِينَ مَا بِأَكُفِّهِمْ = ولَوْ مَاتَ جُوْعَاً غُصَّةً وتَكَرُّمَا

المثرين: الأغنياء. وعفة: كانت مصحفه غُصَّةً.

والشاعر يريد أنه لا يسأل المثرين لعفته وتكرمه، ولو مات جوعاً.

٤٧ فَكَمْ نِعْمَةٍ كَانَتْ عَلَى الحُرِّ نِقْمَةً = وكَمْ مَغْنَمَاً يَعْتَدُّهُ المَرْءُ مَغْرَما

أي لطالما كان الرخاء نقمة، والبلاء نعمة !

٤٨ ومَاذَا عَسَى الدُّنْيَا وإِنْ جَلَّ قَدْرُهَا = يَنَال بِهَا مَنْ صَيَّرَ الصَّبْرَ مِعْصَمَا

معصما: أحسب أنها هنا من اعتصم بالصبر: أي تصبر.

فكانه يقول: وماذا يحتمل من الدنيا وإن عظمت ؟ ينال بها الذي تصبر صبراً شديداً.

٤٩ على أَنَّنَيْ لَوْ لَمْ أُعِدَّ لِحَرْبِهَا = سِوَاكَ لَقَدْ كُنْتَ المَصُونَ المُحَرَّمَا

يقول: لو أنني لم احارب سواك في هذه الدنيا لكنت صاحب الفضيلة الذي يحرم محاربته _ يعني المقصود بهذه القصيدة _.

٥٠ فَكَيْفَ وَ عِنْدِيْ كُلُّ مَا يَمْنَعُ الفَتَى = بِهِ عِرْضَهُ مِنْ أَنْ يُضَامَ و يُهْضَمَا

وكيف: ضمير لما سبق. ويضام: يظلم. ويهضما: يظلمه ويغصبه.

أي: وكيف احاربك وعندي كل ما يمنع الفتى به عرضه من أن يظلم ؟!

٥١ ولَيْسَ بِبِدْعٍ مِنْ عُلَاكَ عِنَايَةٌ = تُسَهِّلُ ليْ ما أَعْنَتَ المُتَجَهِّمَا

أعنت المتجهمَ: أي شق عليه واشتد. من العنت و هو المشقة والشدة. جاء في لسان العرب: عنت: (العَنَت: دخول المشقَّة على الإنسان، و لقاء الشدّة. يقال: أعْنَتَ فلان فلاناً إعناتاً، إذا أدخل عليه عَنَتَاً، أي مشقَّة). والمتجهم: أراد به الرجل الشديد المتصعّب، فيما نرى.

والمعنى: عنايتك بي تسهل لي المر الذي يعنت المتجهم، أي الأمر الصعب الشديد. و هو من معاني المدح كما نرى.

٥٢ تُقَرِّبُ مِنِّيْ مَا تَبَاعَدَ و انْتَأَى = وتَخْفِضُ نَحْوِيْ مَا تَصَاعَدَ واسْتَمَى

انتأى: ابتعد. واستمى: في اللسان بمعنى تصيد. وهنا هي من  أسمى الشيء: أي رفعه وأعلاه.

والمراد أن الشاعر يواصل مدحه فيقول: تقرب لي ما تباعد وابتعد، وتخفض نحوي ما تصاعد وارتفع. أي أنه يفعل له ما هو محال تحقيقه.

٥٣ ومَنْ لَقِيَ الأَمْلَاكَ مِنْكَ لمِوْعِدٍ = تَجَنَّى عَلَى آكَامِهِ وتَحَكَّمَا

الأملاك: جمع ملك. وتجنى: أتهم. وآكام: التل أو المكان المرتفع. وتحكما: أي ضبط وأحكم.

أي ومن لقي بسببك الملوك أتهم مكانته العالية وراح يضبطها.

٥٤ إذَا كَانَ بَعْضُ المَدْحِ لَفْظَاً مُجَرَّدَاً = ضَمَمْتُ إلى لَفْظِيْ ضَمَيْرَاً مُسَلَّمَا

لفظ مجرد: أي خالي من الزوائد. والمعنى واضح.

٥٥ ومَا سَاعَدَ القَلْبُ الوَدَوْدُ لِسَانَهُ = عَلَى مِدْحَةٍ إلا أُطِيْعَ و حُكِّمَا

أي وما ساعد القلب المحب لسانه _ يعني نفسه _ على مدحة _ أي على مديحك _ إلا أطيع وحكما. يريد: أن هذه الطاعة التي اكتسبتها وهذا الحكم بفضل ما مدحتك به.

۞ ۞ ۞

شاهد أيضاً

العهدُ الآتي كتاب جديد لمحمد سناجلة يستشرف مستقبل الحياة والموت في ظل الثورة الصناعية الرابعة

(ثقافات) مستقبل الموت والطب والمرض والوظائف والغذاء والإنترنت والرواية والأدب عام 2070 العهدُ الآتي كتاب …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *