(ثقافات)
كارول سماحة ومحمود درويش و “ستنتهي الحرب”
عادل الأسطة
ثارت في الأسبوعين الماضيين مجدداً الضجة حول نسبة الأسطر الآتية إلى الشاعر محمود درويش:
«ستنتهي الحرب ويتصافح القادة الأعداء، وتبقى تلك العجوز تنتظر ابنها الشهيد، وتلك الفتاة تنتظر زوجها الحبيب، وأولئك الأطفال ينتظرون والدهم.
لا أعرف من دفع الثمن
ولكني أعرف من باع الوطن».
وكان محرك الضجة غناء اللبنانية كارول سماحة للأسطر، لا إعادة نشرها أو ترجمتها إلى العبرية كما كان السبب من قبل. لقد انتشرت الأغنية انتشار النار في الهشيم، إذ شاهد شريط الفيديو، خلال أسبوع، مليونا مشاهد.
كانت الأسطر منذ بضع سنوات نشرت على صفحات التواصل الاجتماعي منسوبة مرة لمحمود درويش وثانية لجبران خليل جبران.
في ٢٧/ ٣/ ٢٠١٩ نشرها الدكتور نبيل طنوس على صفحته ونسبها لمحمود درويش. حظي النشر بتسعة تعليقات لم يشكك أي من أصحابها في نسبتها. لقد مدح المعلقون الأسطر وأشادوا بمضمونها.
في ٢١/٤/٢٠٢٢ نشرها الدكتور مترجمة إلى العبرية فحظيت بـ ٥٧ تعليقاً و١٩١ إعجاباً و ٣ مشاركات. مدح المعلقون الترجمة والمضمون والنشر وأشاروا إلى تأثير الأسطر على القلوب والعقول وأشادوا بصدق درويش، وذهب معلقون إلى أن النص من أقوى ما قيل في الحروب ومدحوا حسن اختيار المترجم وألمحوا إلى من دفع الثمن ومن قبضه.
في ١٠/ ٨/ ٢٠٢٢ أعاد الدكتور نشر الترجمة، فحظي النشر بـ ١٥ تعليقاً و٩٠ إعجاباً، مدح المعلقون النص والترجمة ولكن الدكتور خضر توفيق خضر أستاذ الأدب الإنجليزي في جامعات غزة تساءل عن صحة النسب. ولما سألني الدكتور نبيل عن رأيي كتبت في ١٤/ ٨/ ٢٠٢٢ الآتي:
«كثر على مواقع التواصل الاجتماعي إدراج مقطع يبدأ بالعبارة السابقة وينسبه كثيرون لمحمود درويش وقليلون لجبران. من من قراء الأديبين يمكن أن يوثق النص توثيقاً علمياً ويحيلنا إلى المرجع؟».
نال ما كتبت ٩٤ إعجاباً وحظي بـ ٥٦ تعليقاً، وفي ٢١/ ٨/ ٢٠٢٢ نشرت في جريدة الأيام الفلسطينية مقالاً عنوانه «العرس الفلسطيني: والدة الشهيد التي تنتظر ابنها» وحظي بتعليقات لافتة لأدباء وشعراء قرؤوا درويش جيداً، فذكر قسم منهم أنه يذكر ببعض مقاطع للشاعر منها مقطع من قصيدة «لاعب النرد» وأورده صاحب التعليق. وكتب آخرون الآتي:
– المقطع الأول قرأته في أعمال درويش.
– النفس والأسلوب أقرب إلى لغة درويش منه إلى جبران.
– لا توجد هذه العبارة في أي من كتب درويش النثرية.
– طعم الجملة لا يتسق مع نمط تركيبة الجملة لا عند جبران ولا عند درويش.
– من المعروف دولياً أن هذا النص يُنسب إلى ناظم حكمت.
على مستوى شخصي فقد انشغلت بالأسطر حيث طُلب مني – متابعاً لأشعار الشاعر – إبداء رأيي، وهكذا عدت من جديد أبحث في كتب الشاعر وطبعاتها؛ ما حُذف منها وما أُجري عليه من تعديلات وما لم يدرج من قصائد في طبعات دواوين الشاعر المختلفة، أو في أعماله الكاملة، فظل يقبع في بطون الصحف والمجلات، وهو كثير وغير متوفر كله لي، وخلصتُ إلى أنه يجب على مؤسسة محمود درويش أن توفر ما كتبه كله في متحفه وتؤرشفه، وخلصتُ أيضاً إلى أنه حتى اللحظة لا يوجد نص مطابق تماماً لما نُشر في صفحات التواصل الاجتماعي وما غنته كارول سماحة التي أضافت إليه سطراً من قصيدة الشاعر «وعاد في كفن».
لكن ما يجب أن يقال هو أن روح الأسطر وبعض جملها وردت حقاً في قصائد للشاعر كتبها في بدايات ٧٠ القرن ٢٠، بل وروح قصائد كتبها شعراء عالميون تأثر درويش بشعرهم في تلك الفترة.
في مقالتي المنشورة في «الأيام» أتيت بنصوص تبرهن أن مضمون الأسطر المغناة ورد في كتابين نثريين لمحمود درويش «يوميات الحزن العادي» و «وداعاً أيتها الحرب وداعاً أيها السلام»، وعندما عدت لاحقاً أبحث عن عبارة «من باع الوطن» وجدتها في قصيدة «الكلمة الأخيرة في الحوار» التي ضمها ديوان لم يشرف الشاعر على إصداره «يوميات جرح فلسطيني»، بل إن روح الفقرة التي وردت في القصيدة غير بعيدة عن روح الأسطر المغناة، وانتظار الحبيبة حبيبها فكرة أساسية في قصيدة «الكتابة على ضوء بندقية».
كما ذهبت، فإن روح الأسطر قريبة من كتابات محمود درويش وهي تعبر عن قضية عميقة جداً، ولقد شغلَت بال الفلسطينيين ومن قبلهم الإسرائيليين ومن قبل هؤلاء وهؤلاء شغلت بال شعوب العالم التي اكتوت بنيران الحرب العالمية الثانية: تصافح القادة، وهناك من قبض الثمن، وما زالت أمهات الشهداء وزوجاتهم وأبناؤهم ينتظرون. بل ولقد شغلتنا فكرة المصافحة وقبض الثمن ودم الشهداء، نحن الفلسطينيين، منذ حرب حزيران ١٩٦٧ وما زالت.
- عن جريدة الأيام الفلسطينية