في معنى أن أكتب غزلا

(ثقافات)

 

في معنى أن أكتب غزلا

أحمد عمر زعبار

شاعر وإعلامي تونسي مقيم في لندن

هل يحق للحبيبة أن تتدخل في ما يكتب الشاعر من غزل ما دامت هي موضوع القصيدة وملهمتها؟

قد يبدو الأمر منطقيا للبعض ممن يرى أنّ القصيدة ماهي إلا مرآة الحبيبة وصورتها

وقد يبدو كذلك طبيعيا لقارئ عادي لم يكابد معاناة كتابة الشعر ولم يعش حالات التوتر الشعري التي تتملك الشاعر وتؤثر سلبا أو ايجابا في مزاجه وحالته النفسية, إلى الحد الذي يفقده توازنه الداخلي.  إلا أن واقع الإبداع يقول: إن الأمر ليس على هذه الدرجة من البساطة فكما أنه ليس للحب منطق كذلك ليس للقصيدة المعبرة عن ذلك الحب منطق, وكل محاولة لوضع شروط وقوانين على المشاعر  وإحاطتها بالحرّاس بغرض محاصرتها يؤدي فيما يؤدي إلى حرمان الشاعر من حرية كتابة قصيدته كما يؤدي إلى خنق القصيدة وتحجيمها وتزييف محتواها.

يكتب الشاعر بإحساسه, بعواطفه لا بأحاسيس وعواطف وعقل حبيبته

يكتب ما يحس ويشعر ولا يكتب رأي حبيبته, سننزع عن الشعر كل معنى إبداعي وسننزع عن القصيدة شعريتها إذا أصبحت قصيدة الغزل تعبيرا عن رأي الحبيبة في نفسها.

ليس بإمكاننا أن نحاصر الهواء, ومشاعرنا هواء تتنفسه أرواحنا.

مشاعرنا هي صلة الوصل بيننا وبين الحياة, هي نحن, وحين نكتب, نكتب حياتنا, نكتب أحلامنا نكتب أحاسيسنا لا أحاسيس أو رؤى حبيباتنا

ليس من حق الحبيبة أن تتدخل في قصيدتها

أيتها الحبيبة

ليس من حقك أن تتصرفي في أحاسيسي وتجلياتها الشعرية, وليس من حقك أن تلوميني على تحويل مشاعري عارية إلى قصائد

أنا لا أكتب إلا أحاسيسي ومشاعري, أكتبها كما هي دون تجميل أو تزييف, لا أستطيع مجاملة أحاسيسي ولا إدانتها, أكتبها كما هي ولا أسمح حتى للفكر أن يتدخل فيها, أكتبها عارية بلا غطاء وبلا رتوش وبلا نفاق.

أيتها الحبيبة

حين يلوم الشاعر حبيبته هو في الواقع (في لاشعوره) يلوم نفسه, .. نقول في تونس يْلومْ روحه (بمعنى يلوم نفسه) “يْلومْ روحه” لأن حبيبته هي فعلا وليس مجازا روحه رغم أنها كثيرا ما لا تدرك ذلك.. أن يغلبه شوقه ويهزمه فينطق باللوم, فذلك لا يعني مطلقا لمن يعرف معنى الحب بعيدا عن معاني ومفاهيم الامتلاك والاستحواذ, لا يعني مطلقا لمن يرى ويحس أن الحياة هي الحب وأن الحب هو الروح التي نفخت في العدم فأصبح العدم حياة وأصبح وجودا  ..حين يشكو الشاعر أو يلوم حبيبته فإن شكواه لا تعني مطلقا تغيرا في عاطفته تجاهها أو تخليا عن حبه لها أو أنها لم تعد روحه التي يعيش الحياة من خلال وجودها ولا يعني أنها ليست أجمل وأنقى وأرقى امرأة خلقت أو سوف تخلق.

لا أعرف شاعرا واحدا في تاريخ الشعر العربي كله حاضره وماضيه يخلو شعره الغزلي من أبيات أو حتى قصائد كاملة يلوم فيها حبيبته ويشكو ظلمها.

لكن لماذا؟؟؟

لو أن شاعرا كتب في حبيبته ألف قصيدة غزل وعشرة آلاف سطر في مدح جمالها وطبعها وأنفاسها وابتساماتها وعينيها وكل موضع وخصلة فيها ثم كتب مرة واحدة سطرا واحدا في قصيدة (شاذة) يلوم فيها قلبه على ما سبب له ذلك الحب من عذاب ويشير من بعيد ببعض اللوم لتلك الحبيبة فالنتيجة غالبا (وربما دائما) ما تكون واحدة..  لن يبقى في ذاكرة الحبيبة إلا ذلك البيت, ذلك السطر الوحيد لتدين به شاعرها الناكر للجميل الغير مخلص حتى لا أقول الخائن

هذا رغم أن لوم الشاعر لحبيبته هو وجه آخر من وجوه الغزل

ليس خطأ النار أن تتجه إليها الفراشة بإغراء الدفء والضياء ولا هو خطأ الفراشة ولا هو خطأ الطبيعة … متى كان الانجذاب خطأ ؟؟؟  المعادلة هنا خطأ والبناء عليها لا يستقيم .. أن ينجذب إليك ويحبك الشاعر بطريقته الخاصة فهذا حقه وأن يعبر عن ذلك الحب بطريقته فذلك حقه, وليس شرطا من شروط الحب أن يراك كما تريدين أن يراك.. ربما من حسن حظك وحظ الشعر أنه يراك أفضل بكثير مما ترين نفسك.

شاهد أيضاً

ليتني بعض ما يتمنى المدى

(ثقافات) ليتني بعض ما يتمنى المدى أحمد عمر زعبار اعلامي وشاعر تونسي مقيم في لندن …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *