شفقٌ آخر سَيُصلبُ هذا المساء

(ثقافات)

شفقٌ آخر سَيُصلبُ هذا المساء

عبد الغني موعكيس

أزْرعُ صفصافةً…
أَنْتَظرُ أنْ تتنفَّس…
لا رِيح تهبُّ، لَا غُيوم تتلبَّد،
لَا مطر يَسُحّ…
لا شمْس أعارَتْها فانوساً، أتأسَّف،
أعانقُها… ونَبْكي.

أَطْعَمْتُ الأرضَ بحْرا منْ عرَقِي…
رفعْتُ يدِي إلَى السَّماءِ، ربَّما تمتَلِئُ جبْهتي زرقَةً
أوْ يحِنُّ الْأفقُ إلَى اِرْتِعاشَةِ كفِّي، مضَتِ الْفُصُول
كحمامَةٍ غاضبَةٍ…
لا كَفِّي عادَتْ…
ولا الأُفق ابْتسَم…
ولَا الزُّرقة الأبديَّة التفتَت إلَى أُصْبُع من أصَابعي.

غرّني الغبارُ
المتصَاعِدُ من صيْحَةِ موجةٍ…
لم أرَ ندُوبَ الصَّحْو حين سرَقَتْ
عكَّاز َالبحْرِ…
ولَّما وقفَ الصَّدى ببَابي يعاتبُ
عابراً لمْ يُشارِك الغريبَ عطسَتهُ
قِيلَ:  صحْوها تزوَّج وردةً لا رحِم لهَا…
وقيلَ…
شاطئُ المدينةِ المجهولةِ كسَّر  مركَبها…
وقيلَ…
جسْرُ الأصدِقاء مزَّق بوصلة الزَّمن…
فتاهت بين كُثْبان النِّسيَان…
حِينها نظرْتُ أسفلَ السَّفْح
لم أجِدْ غبارا…
ولم أجِد حكاية…
ولكنَّ ظلِّي كان بلا دخَّان يترنَّح
كخطْوٍ لم يوبِّخه أحَد.

كمَا رصيف مزدَحِم…
بمُزَحِ الخرِيف، تَعانقتِ الذِّكرياتُ…
قُبَلٌ لَا تَلْمَسُ القُبل…
كلماتٌ لا تتَّسِع لشوقِ الزَّمن…
تئنُّ عُصْفُورة هنَا…
وتعتَذِرُ ريْحانَةٌ هُناك…
غريبٌ نفسُ الصُّبح حينَ لا يتزوَّجُ
شهقَةَ الفريسَةِ بيْن التِّلال…
غريبٌ حِينَ يمتدُّ كرَجْفة تَشِيد
أرْجوحةً للضَّبَابِ…

مزجْتُ المساءَ بالمساء…
تركتُ أشْلائِي وحيدَةَ تُفاوِض
انتفاضَةَ رجَاء…
تلألأ الدَّمْع في عُروقِ الغَد…
خفِيَّة تصعَدُ الأغصانُ الشَّريدَةُ مِئذنَة الحُزن…
والمغنِّي حينَ رأَى السُّلَّم قدِ التهمَتْهُ النَّارُ
رمَى للْمجْهُول حَبْلا…
صاحَ بيْن حشُود الميِّتينَ أجِّلُوا البُكاء…
هنالِك شفَق آخر سيُصْلب هَذا المسَاء…
والشَّهيقُ مفتاحٌ يدُورُ ويدورُ في الخَوَاء…
إذَا نامَ وإذَا اسْتَفاق…
فقُلتُ لنْ يُشَاطِركَ نُبُوءةَ المدَى
أحَد.

إذَا نَظَرْتُ ورائِي أرَى نايَ
الحُلم…
بدّد نَكْهتهُ العَرَاء…
وإذَا نظرْتُ أمامِي أرَى السَّرَابَ يُرفْرف
في كلِّ اتِّجاه…
ولا عزاء
ولا عزاء
ولا عزاء.

08 دجنبر 2022
قرية با محمد- المغرب

شاهد أيضاً

أيها الكتاب، احموا حياتكم الداخلية

(ثقافات) أيها الكتاب، احموا حياتكم الداخلية حياة الكتابة ومهنة الكتابة شيئان منفصلان بقلم:  لان سامانثا …

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *